الفَصلُ الخَامِسُ: الدَّورُ الجَوهَرِيُّ لِلفَنِّ

 ما المقصودُ، إذاً، بالفنّ؟ لو تغاضينا عن مفهوم الجمال الذي لا يُفضي إلا إلى تعقيدِ الــمشكلِ، فإنَّ التعريفات الدقيقة للفنّ، والتي تشهدُ بالمجهودِ الهادفِ إلى تجريدِ مفهوم الجمال، يمكنُ تحديدها كالتالي: حَسَبَ "شيللر" و"داروين" و"سبسير" فإنَّ الفنّ نشاطٌ تنتجهُ الحيوانات أيضاً؛ إنَّهُ نتاجُ الغريزة الجنسيّة وغريزة اللّعب. ويضيفُ "آلان كارنت" أنَّ الفن نشاطٌ يُولِّده فورانٍ عصبيّ لذيذ. أما حسبَ تعريفِ "فيرون"، فإنَّ الفن هو التجليّ الخارجي لانطباعاتٍ جوانيّة تنتجُ عن تموُّجاتٍ وألوانٍ وأصواتٍ وحركاتٍ وكلماتٍ.  

ووفق تعريف سيلي، فإنَّ الفنَّ إنتاجٌ لفعلٍ مستمرٍ أو حَتى أفعال عرضيّة بوسعها تزويدُ منتجيها بمتعةٍ حيويّة ومن ثمة خلق شعورٍ مُبهرٍ عند عدد كبيرٍ من المشاهدينَ بصرفِ النظرِ عن أيِّ اعتبارٍ للمنفعةِ (المُمارسة).

والحاصل، فإنَّ هذه التعريفات ناقصةٌ وغير تامّةٍ؛ لأنَّها، بكلّ بساطة، تستمدّ نُسغَهَا من المُعطى الميتافزيقيِّ الذي يُقرنِ الفنّ بالجمالِ.

    وبالعودة، مرةً أُخرى، إلى هذه التعريفات، نلفي أن التّعريفَ الأوّل ناقصٌ لأنّه بَدَلَ أنْ يهتم بالنشاطِ الفنيّ في حدِّ ذاته، يبحثُ فِي جُذُورِ وأُصُولِ الفَنِّ. أمّا تعريفُ "آلان كارنت" فينطوي على ابتسار ظاهرٍ، يتبدّى في أنَّ التّحفيزَ العَصَبيَّ، الذي أومأ إليه، يُمْكِنُ أنْ يرافقَ أشكالَ مُتعدّدة للنشاطِ الإنساني عامةً، الأمرُ الذي نتجتْ عنهُ أخطاءٌ في النّظريات الفنيّة الجديدة التي جعلت من تَصْمِيمِ المَلابسِ الجميلةِ والرّوائحِ الزكيّة وكذلك الوجباتِ فنونًا.

    أمَّا تعريفُ "فيرون" الذي يؤكد على التّجربة، مُفترضاً أنَّ الفنّ يرتبطُ بالانفعالاتِ، فإنَّهُ تعريفٌ يَنْأَى عن الدّقة؛ لأن بمقدورِ الإنسانِ الكَشْف عن انفعالاتِه من خلالِ الخطوطِ والألواِن والأصواتِ والكلماتِ ولا يؤثر بهذه الانفعالات على الآخرين، وحِينَهَا لَنْ يَكُونَ ما يخطّه فنًّا. وفي النّهاية، فإنّ تعريف "سيلي" نَاقِصٌ أيضًا لأنه لا يَعْدُو أن يكون مجرد ترّهاتٍ وتمارين بهلوانيّة بدل أن يكونَ فنًّا، بينمَا هُنَاكَ إنتاجات بإمكانها أنْ تكونَ فنًّا بِدُونِ أنْ تُحْدِثَ إِحْسَاسًا رَائِعاً مثل مَشَاهِد مُؤلِمَة ومُحزنة في قصيدة شعريّة أو في عملٍ مسرحيٍّ.

    إنَّ قُصُورَ هذه التّعاريف ومثيلاتِها من التّعاريف الميتافيزيقيّة ناتجٌ عن كونها تربطُ الفنّ بالمُتعة التي يَخْلقُهَا في نُفوس مُتَلَقِّيهِ ولا تهتم بالدّور المَنُوطِ بالفنِّ في حياة الإنسانِ.

(...) لقد أفرغ سياسيونا وأصحاب "الأنفس الطّاهرة" مفهوم " التضامن" من كلّ معنى بالحديث عنه في كل وقت وحين، مع ربطه بالتسامح، هذه الفضيلة السياسية بامتياز. ذلك لا يدينه، لكنّه يجعل استخدامه كمفهوم مزعجا. فليس هو مفهوما بل شعارا. وليس فكرة بل مثلا أعلى. ولا أداة بل تعويذة. نريد أن نتركه للاجتماعات العامة أو للصحف. وسنكون على خطأ. إنّ الخلط اللغوي، حتى لو استقام سياسيّا، فهو دائما خطير سياسيّا. من الأجدر الرجوع إلى الدلالة المحدّدة للكلمة، كما يقترحها الاشتقاق. يعود أصل كلمة متضامن ( في الفرنسية ) إلى اللاتينية solidus ( سوليديس). ففي الجسم الصلب solide تكون الأجزاء متضامنة، في معنى كونها لا يمكن أن تُؤَثّر على جزء دون التأثير على غيره من الأجزاء. فكُرَة البيبيليارد مثلا: صدمة بإحدى نقاطها تجعل الكرة كلّها تسير. أو داخل محرّك: تكون القطعتان متضامنتين، حتى لو كانتا منفصلتين، إذا ما لم يقدرا على الحركة إلاّ معا. فليس التضامن أولا شعورا، ولا حتى فضيلة. إنّما هو اتساق داخلي أو اعتماد متبادل، كلاهما موضوعي ومنزوع، على الأقلّ في هذا المعنى الأوّلي، من كلّ غرض معياري. فَستكون كُرَة البيبيليارد بيضاوية بلا شكّ أقلّ ملائمة، لكنّها لن تكون مع ذلك أقلّ صلابة. وما يضفي عليه، أي التضامن، معنى، في اللغة اللاتينية الحقوقية، في عبارة " in solido » "، التي تعني في الجملة أو كُليّة. فالمدينون متضامنون حينما يحمّل أحدهم مسؤولية ( في حال يثبت فيها الآخرون إفلاسهم) مجمل مبلغ الدين. هو بالطبع ضمان، للدائن، وخطر بالنسبة إلى كل من المدينين. وعلى سبيل المثال، يمكن في حالة زوجين حديثي العهد بالزواج، وتحت نظام الاشتراك في الملكية، أن يجد أحد الزوجين نفسه مفلسا، دون إرادته، بموجب ديون الآخر، حتى لو حصلت هذه الديون دون علمه أو ضدّ إرادته. الزوجان إذن متضامنان ماليا: مسؤولان، معًا وفي كلّ شيء، عمّا يمكن أن يحدث لهما، حتى لو كانا منفصلين، أو عمّا يمكن أن يفعله أحدهما.

الترجمة:
لماذا فلسفة الإستراتيجية؟
لسبب تاريخي أولا. أدت الحرب العالمية الثانية إلى ظاهرتين رئيسيتين ، المواجهة بين الشرق والغرب وحروب إنهاء الاستعمار ، مما أدى إلى ظهور مذهبين استراتيجيين أربك السياسيين والجنود: الردع النووي والحرب الثورية. والنتيجة هي تكاثر معاهد البحوث في الاستراتيجية والصراع ، والعلاقات الدولية ، وأبحاث السلام ، وحركات الاحتجاج غير العنيفة والبيئية والإنسانية. ثم تأتي نهاية الألفية ، عندما ندرك أنه من بين هؤلاء "المتخصصين" ، قلة هم أولئك الذين توقعوا ظواهر رأس المال المتمثلة في انهيار الاتحاد السوفيتي الداخلي ونهاية الاحتكار الثنائي المتوازن ، وصعود الحماسة الدينية كقوة. الجدل السياسي ، وعودة مجازر الإبادة الجماعية. ومن هنا تأتي الحاجة إلى منظور نقدي حول هذه الإخفاقات. لسبب مفاهيمي إذن. الفلسفات السياسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية ؛ فلسفات القانون والفن والعلوم والرياضة والتاريخ ... هذه التخصصات الرئيسية لها مؤلفوها الكلاسيكيون وأبحاثهم المعاصرة. لقد أدت فلسفات الحرب والسلام إلى تأملات طويلة ، ولكن ليس فلسفة إستراتيجية. يخضع مفهوم الإستراتيجية للتمديد والانكماش. امتداد ، لأنه يتم استدعاؤه فيما يتعلق بالأنشطة الأكثر تنوعًا. الانكماش بسبب هذا التشتت. غالبًا ما تقتصر الدراسات "الإستراتيجية" ، بعيدًا عن التجمع في كل متماسك ، على مجالات محدودة ومنفصلة: عرض نظام مفاهيمي (كلاوزفيتز ، صن زي ، نظرية الألعاب ، إلخ) ، جزء مقطوع من خلال الواقع الكلي (سياسات الدفاع الخارجية ، الاستراتيجية العسكرية ، الثورية أو النووية ، التطوير ، تخطيط المدن واستراتيجيات الأعمال ، الممارسة الإدارية ، إلخ). إنهم لا يتجنبون الخلط بين وصف عمليات الفعل والتكتيكات من ناحية ، والنهاية السياسية من ناحية أخرى ، من خلال إخلاء ظاهرة "الصراع" وعن طريق وصف "استراتيجية" أي سلوك اجتماعي أكثر أو أقل توجهاً. منذ ذلك الحين ، أصبحت تعريفات الإستراتيجية الكلاسيكية (فن مناورة الجيوش قبل وبعد المعركة) ، والمعاصرة (التنظيم والسلوك العام للحرب والدفاع) ، والنفسية (الإرادة المزدوجة) أو الاجتماعية (البرمجة) قديمة.

ما هي الاستراتيجية؟
دعونا أولاً نرى ما هي الإستراتيجية التي لم تعد. لم يعد مجرد فن الحرب الكبرى أو النضال الثوري ، الردع أو اللاعنف ، عمل الجنود والسياسيين. لم يعد مجرد الجغرافيا السياسية التجريبية للعلاقات الدولية ، والسيطرة على الاقتصاد أو الأمن ، والتكتيكات. من الأحزاب والنقابات والطبقات وجماعات الضغط.

إن المدخل لأي نهضة حقيقة بهذا الاسم لا يمكن ان يكون غير الترجمة. وليس يعيينا أن نقيم هذه الفكرة إذ نحن نظرنا الى الطريقة التي يكشف بها الفكر عن نفسه، وكيف في رحلته تتأسس الحضارة او يتم ابداعها.
ان الفكر الذي ابدع الحضارة البشرية عبر عن نفسه دائما من خلال رحلة، وبذلك فإن الذي ابدع المدينة اليونانية  هو رحلة التعاليم السرية ونزولها الى الساحة، وحاجتها الى الترجمة لكي يتم لها بلوغ مجموع العنصر اليوناني الذي يتفاعل في الساحة العامة.
كشف هذا الفكر عن نفسه عن طريق هذا النوع من الترجمة – البلوغ – التي استلزمها نزول التعاليم، من حيث الترجمة – نقل المعطى – هي التي عملت على ردم الهوة الحاصلة بين مجموع العناصر، هذا الردم انبرى لملئه كائن نسميه فيلسوفا، من حيث هو الذي يحوز القدرة على السباحة بين معطى علوي تمثله التعاليم في اصلها المساري، ومعطى الناس في الساحة العامة وفي النقاش العام، وفي تنقله بين هذين المعطيين ثم ابداع الفلسفة وثم ابداع المدينة اليونانية.

"نظرة إلى الوراء على فكر وحياة شخص رائع، بعد أن أثرى علم النفس الذي نحبه. قبل مائة عام، ولد بول ريكور. كان شخصية عظيمة في الفكر الفرنسي في القرن الماضي، وقد ساهم بمفهوم الهوية السردية في إعادة التفكير في الذات باعتبارها القصة التي يرويها الجميع لأنفسهم. كتقدير، ننشر مقابلة أجريت في عام 1997 ولم تُنشر في فرنسا، حيث قدم تلميذ الأمة هذا، بإخلاص مذهل، قصته الخاصة. اعتبر بول ريكور ، الذي كان سيبلغ من العمر 100 عام في 27 فبراير 2013 ، فرصته الرئيسية ليكون كمحاور له أعظم الشخصيات في فلسفة القرن العشرين ووجد نفسه متورطًا في جميع الأسئلة الأساسية التي أثارتها الفينومينولوجيا. التحليل النفسي، البنيوية ... كان شخصاً يعرف أن لديه "ديون" متعددة. وصلت الكلمة إلى فمه من أول لقاء هاتفي لنا، في عام 1986، عندما طلبنا منه إجراء مقابلة تركزت على ثلاثية رائعة من الزمن والسرد. نعم، قال لنا، لكن كانت هناك "ديون" أخرى عليه سدادها أولاً. عُقد اجتماعنا الثاني في عام 1997، في شاتيناي مالابري ، في منزله الكبير ، الجدران البيضاء ، الذي كان منزل إيمانويل مونييه (1905-1950 ، الفيلسوف ومؤسس مجلة فكر). كانت مخاوفه الفورية ذات شقين. أثارت قضية بلا أوراق إثارة فرنسا، فقد غادر شاب أفريقي مطرود في الشارع منزله ... علاوة على ذلك ، في غرفتين كبيرتين مشرقتين كانتا بمثابة مكتبه - الكتب والمخطوطات مكدسة على الكراسي - بدأ ، بشيء من القلق ، في تصحيح البراهين في كتابه للمقابلات مع جان بيير تشانجو ، الطبيعة والنظام. ما الذي يجعلنا نفكر. لقد استجاب بشكل إيجابي لطلب تشانجو وأوديا جاكوب لكنه أراد تجنب أي لبس: على الرغم من أنه كان قارئًا نهمًا لأعمال علم الأعصاب، كان من الضروري تمامًا التمييز بين خطاب المعرفة العلمية وخطاب التجربة الحية. كان متاحًا تمامًا، ودافئًا، ومؤثرًا، ورائعًا بشكل واضح، وقد منحنا جزءًا كبيرًا من فترة ما بعد الظهيرة، معبرًا عن نفسه عن طيب خاطر وبصدق كامل في رحلة تلميذ من الأمة أصبح سيدًا في التأويل ومؤلف عين الذات آخرا. استعادة الأسس السليمة للفلسفة الأخلاقية على أساس إعادة تعريف الموضوع: هذا هو هدف عين الذات آخرا، وهو الهدف الذي يجعله عملاً رئيسيًا للفهم الأخلاقي والايتيقي في عصرنا. هذا العمل الطموح ليس سهلاً، كما يؤكد بول ريكور من المقدمة، لأنه يجبرنا على استكشاف وجهات نظر جديدة.

 " إنّ كلمة " حياة"، رغم تواترها في " المحاولات" ( 624 مرة في صيغة المفرد و29 مرة في صيغة الجمع)، فهي لا تمثّل موضوعَ أيّ من المداخل الخاصة في العمل الضخم معجم ميشيل دي مونتاني ( فهي لا تظهر إلاّ ضمن العبارات " حياة ميشيل دي مونتاني " و " الحياة العامّة لدي مونتاني ").ويمكن أن يفهم هذا، من حيث أنّ مقولة الحياة لم تعالج بوصفها كذلك في كتاب " المحاولات". غير أن ما يثير الدهشة هو كونها قائمة في صلب اهتمامات مؤلفه ( " إنّ صنعتي وفنّي، هي الحياة"، 2، فصل 6 ص379) وفي كتابه. كلا النقطتين مرتبطتان: ذاك لأنّ الحياة حاضرة في كلّ موضع، من " محاولاته"، حتى يجعل لها مونتناني حظّا خاصّا. فهو لا يتكلّم إلاّ عن هذا. فما الحاجة لتخصيص فصل لها؟
أن نحيا، هي طريقتنا في المشاركة في الصيرورة الكونية. لسنا أشياء، ولا جواهر، وليس حتى كائنات، بل نحن، وهذه هي النقطة الأساسية : " حياتنا هي (...) كوننا être notre، هي كلّيتنا"" notre être ( 2 الفصل 3 ص 353). و بالفعل فالحيوانات تحيى أيضا، وكذا النباتات ؟ لأجل ذلك فنحن أقرب ما يكون من هذه و مدينون بشيء ما لتلك.

قيل في الترجمة الكثير، وفي عرفي، كما نقول في تونس، هي "صنعة اللّي ما عندو صنعة"، أي "عمل لا طائل من ورائه". لماذا أقول ذلك؟ أذكر قبل ثلاثة عقود خلت، لما تخرّجت من الجامعة الزيتونية وكنت أبحث عن شغل، اقتربت مني الوالدة وقالت ماذا تفعل؟ فقلت: أترجم من الفرنسي إلى العربي، فلم تع قولي. فأوضحت "أقلب الكلام من السوري إلى العربي"، و"السوري" في الدارجة التونسية هو مرادف الفرنسي، فردّت ساخرة "صنعة اللي ما عندو صنعة". اكتشفت لاحقا أن أجرة الترجمة في لغتي، لا سيما مع دور النشر الخاصة، لا تزال بـ "بارك الله فيك" و "شكر الله سعيكم" في معظم الأحوال. مع هذا سكنتني الترجمة منذ ذلك العهد البعيد في الجامعة الزيتونية في تونس، لما كنت طالبا في دراسات الأديان، ثم لاحقا لما التحقت بالجامعة الغريغورية في روما أثناء دراسة اللاهوت المسيحي. استبانت لي الحاجة إلى قول الآخر، من خلال إدراك النقص الحاصل لدينا في الاطلاع على المناهج العلمية في دراسة الظواهر الدينية. أقصد سوسيولوجيا الدين وسوسيولوجيا الأديان، والأنثروبولوجيا الدينية، وتاريخ الأديان، وعلم النفس الديني، وما شابهها من العلوم الحديثة في مقاربة المقدس والظواهر الدينية. اطلعت حينها، لما كنت طالبا في تونس، على كتاب الفرنسي ميشال مسلان "Pour une science des religions" الصادر عن دار سوي (1973)، فأغراني مقوله فقررت ترجمته لذاتي لا غير. كنت لا أفقه فنّ النشر ودهاليز الناشرين. بعد بضع سنوات لما استقر بي المقام في روما أرسلته إلى "المركز الثقافي العربي" فقبل مدير الدار حينها، حسن ياغي، بنشره في التو، اكتسبت ثقة لا توصف في شخصي وقدراتي. ولكن حلمي الجميل بتطوير المناهج العلمية في دراسة الظواهر الدينية والمقدس والأديان لازمني من الزيتونة إلى روما في ظل تشظّي المقدّس في عالمنا العربي.

1.
مستجيباً أخيراً، في نيسان/أبريل 2002، للفضيحة التي خلقها الكشف عن عدد لا يحصى من التستر على الكهنة المفترسين جنسياً، قال البابا يوحنا بولس الثاني للكرادلة الأمريكيين المستدعين إلى الفاتيكان، "قد يكون عمل فني عظيم معاباً، ولكن جماله يبقى. وهذه هي الحقيقة التي أي ناقد نزيه فكرياً سيعترف بها ".
من الغريب جداً أن يشبه البابا الكنيسة الكاثوليكية إلى عمل فني عظيم – وهذا جميل؟ ربما لا، لأن المقارنة غير المجدية تسمح له لتحويل الآثام المقيتة إلى شيء مثل الخدوش في طبعة فيلم صامت أو شقوق تغطي سطح لوحة السيد المسنOld Master وهي عيوب نقوم بفحصها بشكل انعكاسي بالنظر الى الماضي.
يحب البابا الأفكار الجليلة. والجمال، كمصطلح يدل على امتياز لا جدال فيه (مثل الصحة)، كان مورداً دائماً في إصدارالتقييمات القطعية. ومع ذلك، فإن الديمومة ليست إحدى سمات الجمال الأكثر وضوحاً. وتأمل الجمال، عندما يكون خبيراً، قد يكون مكللاً بالرثاء، الدراما التي يشرحها شكسبير بالتفصيل في العديد من السوناتات. الاحتفالات التقليدية للجمال في اليابان، مثل الطقوس السنوية لمشاهدة أزهار الكرز، رثائية بشدة؛ الجمال الأكثر إثارة هو الأكثر زوالا ً.
لجعل الجمال بمعنى ما خالداً يتطلب الكثير من ترقيع المفاهيم ونقلها، لكن الفكرة كانت ببساطة مغرية للغاية، وقوية للغاية، بحيث لا يمكن تبديدها في مدح التجسيدات المتفوقة.
كان الهدف هو مضاعفة الفكرة، للسماح لكل أنواع الجمال، الجمال بكل صفاتها، مرتبة على مقياس من تصاعدي القيمة وعدم القابلية للفساد، مع الاستخدامات المجازية ("الجمال الفكري" و"الجمال الروحي") متخذة الأسبقية على ما تمجده اللغة العادية بهجة جميلة للحواس.
جمال الوجه والجسم الأقل " رقيا"ً لايزال هو الموقع الأكثر زيارة. ولكن بالكاد يمكن للمرء أن يتوقع من البابا أن يتذرع بذلك الشعور بالجمال أثناء بناء رواية تبرئة لعدة أجيال من التحرُّش الجنسي من قبل رجال الدين للأطفال وحمايتهم من المتحرشين.