أنفاسالجزء الأول - ضبط المصطلح والحالة
 1) مدخل وتمهيد
لا يحتاج المرء توسل البحث في حاسوب متفوق (Super Computer) ليكتشف طغيان استخدام بعض المصطلحات في الخطاب السياسي والفكري والإعلامي المتداول كونيا، تبرز في المقدمة مصطلحات مثل الأمن، الارهاب، الحرب، والاستراتيجية، فلا تخلو الصحافة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية يومياً من الاشارة إليها، ورغم ترابطها مع غيرها من المصطلحات الشائعة يبقى مصطلح الأمن محتلاً صدارة وأهمية خاصة كونه الهدف أو المرتجى الذي يتم توظيف المصطلحات الأخرى لخدمته تفسيراً وبحثا أو تبريراً. فالحرب تشن من أجل الأمن أو هكذا يزعم من يشنها، وتصاغ الاستراتيجية توخياً لتحقيق الأمن، أما "الارهاب" فيتم إدراجه كتهديد دائم للأمن القومي.
أن كل دولة ـ أمة تحاول صياغة مفهومها واستراتيجيتها للأمن وفق ما تعتبره مجالها أو حقلها الحيوي ـ الأمني في الدائرة المحيطة التي تملك قدرات التأثير فيها، أو التي يمكن ان يصدر عنها تهديداً خطيراً لمصالحها وأحيانا لوجودها، وتتقاطع أو تتشابك بعض الدول والأمم في حقولها الحيوية ـ الأمنية لتجاورها الجغرافي أو لامتلاكها قدرات نشر القوة العابرة لحدودها اقتصادياً ، وثقافياً أو حيث يصل مدى صواريخها وطائراتها أو سفنها الحربية
. في الحالة العربية الراهنة يكاد المرء يفتش عن وجود المجال أو الحقل الحيوي ـ الأمني لكل كيان، فما بالك إلتماس رؤية "هلال" الحقل الحيوي ـ الأمني العربي أو ما نطلق عليه الأمن القومي العربي. لن أسوق الامثلة الصارخة على الغياب والتغييب هنا ولكن يستوقفني مؤخراً مستوى التطّبع على تعبير "دول الجوار" للقاء الذي أسست له ورعته الإدارة الأمريكية المحتلة للعراق، فدول الجوار وصفة كرستها إدارة بوش في محاولة مستميته لانتزاع تعاون أمني منظم يخدم احتلالها من قبل الدول المجاورة للعراق، ولكنها وصفة كانت ولا تزال يقصد منها تجاوز وتجاهل أي إطار أقليمي عربي منظم ، أو الاعتراف بوجود بعد عربي أو حقل حيوي ـ أمني عربي. واقع الأمر ان لقاء الجوار المذكور هو لقاء ثلاثي الاطراف (تركية ، إيرانية وعربية)، والعراق ليس بلداً هبط من المريخ فجأة رغم الاحتلال الأمريكي له والتعامل معه كساحة نفوذ حيوي لأمريكا، ونكران اعتباره وطناً للعراقيين حيث يتم استبدال هويتهم القطرية العراقية وهويتهم العربية بوصفات عرقية ومذهبية ويتم إبراز هذه الإنتماءات وايقاظها بهدف التفتيت والإلغاء لحقيقة ان العراق بلد عربي وجزء عضوي في الأمة العربية .

أنفاسلو استيقظ كارل ماركس من مرقده الأبدي وخرج إلى الشارع وتجول في مراكز الأحزاب الماركسية العربية لبصق في وجوه بعض القيادات ،وعاد غير آسف إلى مثواه السرمدي لماذا؟
لأن خيبة الماركسيين العرب ونقصد البعض الأعلى صوتا فيهم هي أكبر من الاحتمال ،والصدمة فيهم أكبر من أي تصور ،هناك شيوعيون في العراق أيدوا الغزوالانجلو أميركي وبقاء الاحتلال ،وهناك شيوعيون في الاردن ايدوا حكومات شكلها بريمر واعوانه ،كما ان في مصر شيوعيون أيدوا تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ولم يستحوا اطلاقا بل هم الذين شكلوا مابات يعرف بجماعة كوبنهاجن الرامية الى "ترطيب"العلاقات بين الشعب العربي والصهاينة ،،ولكي نضع النقاط على الحروف نتوقف عند المحطات التالية:
اولا :أن الماركسيين العرب خاضوا نضالات عظيمة في سالف الايام من اجل الديمقراطية والعدالة كما شاركوا في المقاومة في ساحة الصراع مع العدو الصهيوني وقدموا مئات بل الاف الشهداء ،ولاينكر الا جاحد عطاءات الشيوعيين العرب وتضحياتهم في السجون لاسيما في المشرق العربي وبخاصة في مصر والعراق والسودان.
غير أن أبرز وأبقى ماقدمه الماركسيون العرب لأمتهم –في اعتقادي-هو العطاء الثقافي ونشر ثقافة المقاومة ضد الملكية والاستبداد العسكري وضد الاحتلال الخارجي أو الداخلي،وضد الرأسمالية المتوحشة التي ابتلينا بها في الوطن العربي ،لذلك فأن أي سقطة للماركسين لاسيما في المجال الثقافي والفكري تكون بطعم الكارثة،وتؤثر على اجيال تربت على ثقافة المقاومة.
ثانيا:هناك تأثيرات قوية ترتبت على تفكك الاتحاد السوفيتي وتراجع الدولة "القاعدة"للنضال ضد الامبريالية على الحركات والاحزاب الماركسية،وهذه مسالة جدلية وطبيعية،لكن المشكلة تكمن في أن عددا من رموز الاحزاب الماركسية انقلبت من الموقف المعادي للاستعمار الى تأييد الاستعمار والاشتراك مع اعوانه،وهذا مالايمكن فهمه ولاقبوله.

أنفاسفي الآونة الأخيرة كثر الحديث عن سيناريوهات لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين , وبعيدا عن الإغراق في تفاصيلها والمروجين لها , وإذا كانت عادلة أم ظالمة ,  واقعية أم غير واقعية  ,
يبقى الحل المستند إلى قرارات الشرعية الدولية هو الأكثر عدلا وأكثر واقعية ,  إن لم يكن الممكن الوحيد     .
فقد كان  لإعلان  قيام "دولة إسرائيل" 1948 على الأراضي الفلسطينية وتهجير أهلها بداية الكارثة الوطنية للشعب الفلسطيني والأمة العربية.
ونظرا لان اللاجئين والمخيمات الفلسطينية المنتشرة في فلسطين ودول الطوق المحيطة- شاهد حي على الهمجية الصهيونية وشريعة الغاب الدولية وناقوس دائم للتمرد على هذا الواقع المهين، فقد سعت إسرائيل دائما إلى تصفية هذه القضية من جذورها  لاجئين- مخيمات- اونروا   لإدراكها بان استمرار هذه المشكلة قائمة، يحتم بقاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فمبكرا ومنذ نشوءها طرحت إسرائيل التوطين وإعادة التأهيل كحل لهذه المشكلة وما زالت، وعليه فان إسرائيل ترى أن أي تسوية للصراع القائم يجب أن تنهي هذه المشكلة من جميع جوانبها، فهي ترفض بحث قضية اللاجئين والنازحين الفلسطينيين بناء على أي مرجعية شرعية دولية بما فيها كافة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وتصر على اعتبار إن الإطار التفاوضي هو المرجعية وما يتم التوصل إليه هو الحل وهو ثنائي بين إسرائيل وكل من فلسطين والدول المضيفة على حدة.
وهذه الفلسفة في الحل جسدتها المعاهدة الأردنية – الإسرائيلية الموقعة في 26.10.1994 والتي أسقطت قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة كمرجعية للحل، وتنص على التأهيل والتوطين للاجئين والنازحين المقيمون في الأردن كحل، فالتوطين والتأهيل هو الحل الذي تراه إسرائيل لهذه المشكلة.

أنفاس..صفعها أمام الناس بكل قوة  الرجل  الذكر و ظلت هي مستسلمة أمامه محاولة الدفاع عن نفسها ببعض الكلمات الضعيفة:ماذا تفعل؟رد عليها بكل ثقة :أعرف ماذا أفعل.و عادت تبتسم من جديد كأن شيئا لم يحصل.و لم تحدث تلك الصفعة خللا في الشارع و أكملت الحياة مشوارها الطبيعي .فهي من مؤسسات الشارع  العربي المبني على الفحولة التي تكمم أفواه النساء بأقفال حديدية.لم أستطع الهروب من تلك الصورة التي آلمتني كثيرا و  عكست الحادث في خيالي و قلت:ماذا يا ترى كان سيحدث لو أن المرأة هي التي صفعت الرجل أمام الملأ؟
تخيلت رد فعل الرجل الذي سيكون عنيفا و تعاطف الناس من كل أجناسهم معه و استنكارهم على ما فعلته المرأة.لأنه من العار أن تمس كرامة الرجل خاصة من طرف امرأة.ومن العادي جدا أن تصفع المرأة أو الأنثى منذ ولادتها إلى أن توارى التراب.فقط لأن مجتمعنا المؤسس على الخرافات و العادات و الأعراف التي أنتجها الرجل،يعتبر المرأة شكلا خارجيا بدون فكر و لا روح و لا جسد مثل العبيد الذين كانوا في ملك أسيادهم يتصرفون بهم كيفما يشاءون.خلال تلك اللحظة، كرهت تلك  المرأة و استسلامها و قلت: لماذا لا تنتفض و ترفض تلك الاهانة القاسية من هذا الرجل  الذي سيستمر في  استعبادها كما استعبد أجدادنا جداتنا؟فهذا الرجل يحمل بتلك الصفعة حمولة ثقافية لها جذور في خلايانا الاجتماعية.تشرف الرجل الذي يضرب زوجته أو صديقته أو أخته..و تنعته بالفحل الذي يمسك بزمام الأمور و يتفاخر بذلك وسط التجمعات الذكرية.و من ينحو منحى آخر،فهو ضعيف و مغلوب على أمره.لماذا تفضل المرأة أن تعيش لغير ذاتها حتى تقبل في المنظومة الاجتماعية؟هذه المؤسسة الاجتماعية التي لا تعترف لها بحقها الإنساني رغم أنها من يصون الأسرة و يحمي حمى البيت.
صفعت، كأنني أنا التي  صفعت و أهنت وظلت حجرة عثرة في حلقي.أسئلة كثيرة تزاحمت في رأسي و قالت:لماذا لا تزال المرأة تعتبر نفسها ضلعا أعوج كما حكت لنا الأساطير و حكايات الجدات؟تنتج في البيت و خارج البيت ،ترعى أسرتها و تنسى نفسها.تعمل بعضلاتها و فكرها و تحصل على ثمن بخس أقل من الرجل.و مع كل هذا،تصفع؟هل لأن سكوت المرأة يدخل ضمن  الأخلاق الحميدة و المحمودة المعترف بها من طرف المجتمع؟  هل فعلا أن المرأة تحب الرجل الذي يكبل يديها و رجليها حتى تنساق وراءه؟كنت أسمع و مازلت أسمع أن كثيرا ما تصفع المرأة ..و تخنق الدمعة في جفونها و تكبت الصرخة في حلقها و تمسح آثار أصابع الفحولة على خدها و تبتسم و تستمر الحياة،حتى تكبر في عيون زوجها أو خطيبها أو صديقها ...و تصير رمزا للمرأة المطيعة، الصامتة، الصبورة..و تحكي هي بدورها حكايتها مع الألم و الصمت و مع ابتسامة الرضا.هناك إذن حكايتين:
-حكاية الحاكم الخشن الذي يصفع  و يزهو بذلك أمام قبيلته.و حكاية المحكوم عليها التي تستجيب للصفع المتكرر كأنه قدر لابد منه و تعطي به دروسا لمن قررت أن تقول لا.من المسئول إذن؟المجتمع؟التربية؟الرجل؟المرأة؟

أنفاسبين النازح و اللاجئ شعرة, لكنها أخطر من كل الرصاص والمدافع والحراب التي قتلت وقطّعت أجساد الفلسطينيين, فما يفرقهما عن بعضهما البعض هو الهذيان السياسي و اللا أخلاقي, والعمل الدؤوب من قبل اليهود ومن يتبعهم قاصداً أو غير قاصد إلى نهايات لا ترى في نهاياتها سوى الانتصار التوراتي لليهود, ذلك الانتصار الذي بدأ بكذبة شعب الله المختار, وتجّسد باحتلال فلسطين .
وبين النازح واللاجئ في مفهومنا جدار من الغربة واللا انتماء, بين أن تكون أبناً لهذه الأرض وبين أن تكون ضيفاً مرحباً أو غير مرحب بك, بين أن تمتلك مقومات حريتك وتفعل لك ولوطنك, وبين أن تكون مقيداً وطائعاً وملاحقاً وفاقداً لحريتك .
وبين النازح واللاجئ واقع مزيف سعى اليهود بكل ما يملكونه من قوة مادية وعلى مدى عقود طويلة إلى ترسيخه فينا نحن سكان وأهل الهلال السوري الخصيب .
فحين يصبح النازح الفلسطيني لاجئاً في الشام أو لبنان أو عمان أو بغداد, شأنه شأن أي أجنبي تهجّر من بلاده إلى بلد آخر, يصبح الوطن مزيفاً وتصبح المسألة الفلسطينية همّ فلسطين فقط .
وكل المصائب تبدأ من سايكس بيكو :
فقبل سايكس بيكو لم تكن ((اسرائيل ((
وقبل سايكس بيكو لم تكن فلسطين دولة, أو أرضاً مشاعاً .
وقبل سايكس بيكو لم تكن لبنان دولة.
وقبل سايكس بيكو لم تكن العراق ولا كردستان ..
وقبل سايكس بيكو لم تكن الأردن ولا الأسرة الهاشمية ...
وقبل سايكس بيكو لم تكن الشام دولة..
وقبلها لم تكن الكويت دولة عظمى..
وقبلها لم تكن جامعة الأمم المنتصرة في الحرب العالمية الثانية.. .
وقبلها لم يكن لواء الأسكندرونة وكيليكيا تركياَ ..

أنفاسأضحى من المعروف حاليا، أن الذي لا يملك قوت يومه لا يملك قراره ولا يملك حاضره ولا قدرة له على التخطيط لغده ومستقبله، ومن لا يتحكم في مصدر الطاقة لا يملك القدرة على التحكم في تدبير دواليب اقتصاده وتوجيهه.
طبعا ليست هناك مجاعة على الأبواب بالمغرب، لكن هل تعيش بلادنا أزمة غذائية؟ والداعي لطرح هذا السؤال هو أن هناك على الأقل 4 بلدان شبيهة جدا ببلادنا، بدأت تدق نواقيس الخطر بهذا الخصوص، ومنها مصر، وهو البلد الذي حقق خطوات مهمة على درب الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بغذائها ومصدر طاقتها.
إن الاختيارات والقرارات الخاطئة أحيانا والعشوائية أحيانا أخرى على امتداد أكثر من ثلاثة عقود على الأقل، لعبت الدور الرئيسي في عدم ضمان الأمن الغذائي والكهربائي بالمغرب.
لقد دقت القمة العالمية الأخيرة للغذاء، المنعقدة بروما أجراس خطر أزمة الغذاء بالعالم، إذ أكد العديدون حدوث أزمات بسبب نقص الغذاء وغلاء الأسعار، لاسيما وأن الدول الكبرى، اعتبارا لاهتمامها بمصالحها الخاصة، تعمل على صناعة الأزمات في دول العالم الثالث، وذلك لتستفيد منها لتحقيق المزيد من المكاسب وتقوية نفوذها في تلك البلدان بواسطة استخدام إحدى آلياتها الاقتصادية الناجحة إلى حد الآن، والمتمثلة في كل من صندوق النقد والبنك الدوليين، لفرض سياسيات اقتصادية وغيرها مقابل الحصول على قروض منها لاستيراد جزء مهم من غذائها، وقد أدى هذا المسار إلى وقوع العديد من الدول،  منها بلادنا، في براثين الديون، ليس من أجل النهوض وخدمة التنمية الشاملة المستدامة ولكن من أجل توفير الغذاء والطاقة.
يبدو أننا في حاجة لتحرك سريع لتغيير الإنتاج الزراعي والاهتمام بحكامة قطاع طاقتنا الكهربائية لإبعاد تهديدات الجوع والظلمة، إذ لم يعد يشك أحد بالمغرب في الأزمة الكهربائية والعجز الطاقي في هذا المجال، بجانب الأزمة الغذائية التي بدت مؤشراتها، اعتبارا لتكريس التبعية منذ سنوات بخصوصها.

هل المغرب يعيش أزمة غذائية؟

يبدو أن بلادنا تعيش أزمة غذائية بنيوية، اعتبارا لعدم تمكنها من تحقيق الاكتفاء الغذائي الذي طالما نادت به الكثير من الأصوات منذ الحصول على الاستقلال، وهذا أمر لم يعد يختلف بصدده مغربيان، لكن إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وإلى متى الاقتصار على التخفيف من حدة الأزمة الغذائية البنيوية استنادا إلى الدعم والاستيراد؟

أنفاسلا ينكر أحد اليوم المتاهة والمعضلة السياسية الكبرى التي دخلتها كل دول العالم دون استثناء سواء كانت نظامها ديمقراطيا أم استبداديا كما هو الشأن في بلداننا العربية التي نقول بصراحة إنها لم تستطعم معنى الديمقراطية في حياتها وربما لن تناله مادامت دار لقمان على حالها و حتى لا نستطرد كثيرا في موضوع الاستبداد  في العالم العربي وننسى الموضوع الأصلي نغلق هذا القوس عسى أن نعود له في عجالة قادمة . أما ما يشغلنا الآن حقيقة هو هذا الإهتمام العالمي بمسألة الأمن والاستقرار و طرحها كخيار استراتيجي لمستقبل الدول والعالم بصفة عامة خاصة  وأن كل الدول اليوم لا هم لها سوى محاربة الإرهاب الذي أصبح الشبح الخرافي الذي تطارده كل دولة دون أن تعرف هويته بل إن ما اصطلح عليه اليوم بالإرهاب جعل هذا المفهوم ملتبسا ومغرقا في الالتباس فالكل اليوم معرض للإرهاب ويمارس عليه و لكن لا أحد يعلم من أين يأتي وفي أي اتجاه يمارس ولكن المؤكد أننا ضحاياه و يأتينا من كل حدب وصوب و معالجته ربما تستدعي ميكروفيزياء الإرهاب . إن خشية الدول من أن يأتيها الإرهاب من حيث لا تدري دفعها للبحث في طريقة معالجة هذه الظاهرة المستعصية التي باتت تطلع طلوع الفطر عبر التركيز على استراتيجية واحدة أحادية وهو ما يسمى بالمعالجة الأمنية فعملت دول العالم على محاربة الإرهاب بالإرهاب فلم تخل دولة من تشديد الرقابة على مواطنيها والتنصت عليهم وتفتيشهم حتى في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر النموذج الديمقراطي الذي يحتذي به  بقية العالم ناهيك عن الدول العربية ذي الطبيعة الاستبدادية حيث طغى هاجس الأمني على حرية المواطن وكرامته , بل من المعروف أن هذه الدول لا يهمها في سياق استراتيجياتها سوى هدف واحد ومبدأ واحد نسمعه يتردد وهو ضرورة تحقيق الأمن و السلام . والمتأمل في خلفية هذا المبدأ يكتشف أنه تصور نشأ في  القرن السابع عشر على يد الفيلسوف الانكليزي توماس هوبز حين قدم تصورا للسلطة السياسية يتأسس على سلطة الحاكم الذي سماه التنين في إشارة إلى القوة و الهيمنة لأن هوبز يعتقد أن البشر ليسوا في حاجة للحرية قدر حاجتهم للأمن والاستقرار ومن هنا أعطى المشروعية المطلقة للحاكم التنين و سمح له بالتدخل في شؤون المواطنين حتى تلك المتعلقة  بحرياته الشخصية مثل اختيار الدين إذا رأى أن ذلك يهدد أمن السلطة  و بالتالي هدف السلطة السياسية هي التخويف للإبقاء على زمام المحافظة على الأمن والاستقرار و بالتالي يتحول المواطن إلى مجرد شخص مطيع و خاضع . نفهم من خلال هذه العودة المقتضبة لفلسفة هوبز السياسية أن دولنا العربية تستخدم هذا النموذج في الحكم المستمد من القرن السابع عشر من أجل أن تفرض سيطرتها وتحول المواطنين إلى مجرد رعاع عليهم الامتثال لسلطة الحاكم المطلقة بدعوى الحماية من الإرهاب و محاربة عدم الاستقرار والفوضى وهي تشدد في ذلك من قبضتها الأمنية الحديدية تحت تعله تحقيق الأمن و هذا التوجه وجد طريقه أيضا للدول الأوروبية الذي دفعها توجسها وهاجسها من الإرهاب إلى انتهاك حرية مواطنيها بل أصبح أي شخص معرض للاضطهاد والحبس لمجرد التشكك فيه وغيرها من الممارسات  التي تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان .

أنفاسيقول جورج طرابيشي في معرض حديث له عن العلمانية في العالم العربي إنها أصبحت "مكسر عصا" لكل مبتدئ في الفكر. والحقيقة أنه ما من فكرة تعرضت للتشويه، والقذف، والكراهية، والتحريض، مثل فكرة العلمانية، وما من فترة كانت العلمانية فيها عرضة لهذا الكم من العداء والهجوم غير المقنع وغير المبرر، كما هي الحال اليوم.
وليس غريباً أن يكون الفكر العلماني التنويري عرضة للهجوم من غلاة الإسلاميين المتطرفين. الغريب أن أشد المعادين للعلمانية في الفترة الأخيرة، هم من المرتدين عن الفكر التنويري عموماً، والذين يتسابقون للهجرة إلى مواقع الفكر الأصولي الإسلامي، بشقيه المتطرف، والإصلاحي. وأفضل سلاح يتسلح به مناهضو العلمانية هو تعريفها بما ليس فيها، ثم مهاجمتها من خلال التعريف الذي منحوه هم لها. وهذه التعريفات تتراوح بين الخلط المقصود بين العلمانية، والإلحاد، والتمييز القسري، بين "علمانية راديكالية متطرفة" وعلمانية "إنسانية" لا تحتوي من فكرة العلمانية إلا اسمها، أما المضمون فهو فكر ديني منغلق. ومن هنا، فالحديث عن أولويات العلمانية أمر يكتسب مشروعية وضرورة في وقت معاً. ولن أدخل في تعريف للعلمانية في سطر، كما لن أدخل في لعبة تعلم العلمانية في خمسة أيام بدون معلم، لأن أية فكرة هي أكثر تعقيداً من تطبيقاتها، وأوسع من أي محاولة لتعريفها. بدلاً من ذلك، سوف أقوم بالتمهيد للحديث حول هذه الفكرة، التي يزداد أعداؤها يوماً بعد يوم، بسبب الجهل بها. تعني العلمانية، بالنسبة لي ولكثيرين أشاطرهم الرأي، حيادية الدولة. فالعلمانية تفترض، وتؤدي إلى ألا تكون الدولة ملكاً لفئة من البشر الموجودين على أرضها. على الضد، تفترض العلمانية أن تكون الدولة ملكاً لمجموع الشعب، من دون أدنى تمييز بين الأفراد، من ناحية الجنس، واللون، والعرق، والدين، والطائفة، والمذهب. والدولة العلمانية، بحيادها، هي ليست دولة لا- دينية، تماماً كما أنها ليست دولة دينية.إنها إدارة محايدة لمؤسسات مختلفة، وغنية، ونوعيه، ينبغي أن تتم إدارتها بشكل يضمن ألا تطغى فئة، مهما كان حجمها ولونها، ودينها، على هذه المؤسسات. ولكن هذا الحياد يضمن بالمقابل حرية العقيدة، للفئات الكبيرة، وأيضاً للفئات الصغيرة.