anfasseالمقالة الثانية :في السياسة
سبق في المقالة الأولى أن طرحنا دور الحركة الإنسية وفكر الأنوار في ترسيخ الحداثة الفكرية الأوربية . وهي حداثة لم يعرف عالمنا العربي للأسف مثيلا لها. إذ ظل الفكر العربي جامدا ،وإستمرت بنيته مقيدة على المستوى الفردي ومحجورا عليها على المستوى الجماعي وبالتالي كان الجمود مركبا.
وسنخصص هذه المقالة للحداثة السياسية ،من خلال طرح سؤال بسيط :  كيف حققت أوربا حداثتها السياسية بينما عجز عالمنا العربي عن ذلك . 
 
لقد سعت الدول الأوربية إلى وضع أسس الميثاق السياسي والدولة الأمة بهدف خلق حداثة سياسية تواكب الحداثة الفكرية والإقتصادية والإجتماعية التي كانت تشهدها خلال 15 و16 .وعملت هذه الدول على إدماج الشعور القومي للفرد في إطار محكم ،وضمان المجتمع المتماسك الذي حاولت هذه الدول فيما بعد ترسيخه في إطار سياسة جهوية تراعي الإختلاف. لقد بدأت الدولة الفيودالية تحتضر وفي مقابل ذلك كانت الدولة الأمة تخطو خطواتها الأولى،فقد رسمت لنفسها حدودا أكثر مثانة قامت على التأطير السياسي والتنظيمين العسكري والجبائي.
وساهم فكر الأنوار في هذا التطور ،إذ إنتقذ فلاسفة الأنوار الأنظمة الإستبدادية ووضعوا تصورا جديدا لمفهوم الشعب وحاولوا ضبط طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم.ولعب فكرهم دورا كبيرا في إندلاع الثورة الفرنسية التي شكلت إحدى مظاهر ترسيخ الحداثة السياسية ،وإمتد تأثيرها باقي الدول الأوربية رغم معارضة القوى المحافظة لمبادئها.
وشكل القرن 19 بدوره مرحلة جديدة في التطور السياسي نحو ترسيخ الديموقراطية كسلوك يحافظ على وحدة الدولة وكيانها ،ورغم التأخر في المجال كالإعتراف الكامل بحقوق الفرد السياسية وإقرار نظام الإقتراع العام المباشر،فإن التطور السياسي كان متواصلا وثابتا في طريق بناء الدولة الحديثة التي ركزت على التوفيق بين الدولة كنظام سياسي والأفراد كمجموعة تشترك في خصائص ثقافية مكتسبة .
تمكنت أوربا تدريجيا من وضع حد لعصر كانت فيه السلطة في يد النبلاء والأقليات الأتوقراطية ،وبناء أسس المجتمعات السياسية العصرية القائمة على الديموقراطية كنظام ضامن لحقوق الأفراد.وكان لابد أن تطرح بعض المشاكل أمام تطور الدولة الأمة ووحدتها ،ومن أهم هذه المشاكل قضية الأقليات ( كألمان سويسرا وبلونيا وشرق فرنسا...) .هذه الأقليات أصبحت اليوم تدين بالولاء السياسي لدولهم بحكم الدولة الموحدة الضامنة لحقوقهم وبالولاء الثقافي لدولهم الأصلية ،لقد حاولت الدول الأوربية من خلال التأكيد على مبادىء الديموقراطية ( خاصة الحرية ) التوفيق بين الشعور السياسي والشعور الثقافي ،وبالتالي ضمان الوحدة والإستقرار.

Anfasse.orgيقول الأديب الإيطالي داريو فو واصفا النكتة السياسية بأنها "ثورة صغيرة"، لأن النكتة كلماتها بسيطة ولكنها شديدة الأثر، مضحكة ولكنها مؤلمة في الوقت نفسه.
اشتهر المصريون عندنا نحن العرب بإلقاء النكت بشكل عام، والسياسية منها بشكل خاص، ويحكى أنه جلس ذات يوم رجل متقاعد وزوجته في إحدى الحدائق العمومية، وكانا يتلهيّا بتقشير بذر عباد الشمس، فتحلق من حولهما الحمام، وهما يرميان له ببقايا عباد الشمس وقشورها، فقال الرجل لزوجته: "هذه الطيور تشبه رجال السياسة لدينا. طالما هي على الأرض تقنع بالفتات، وعندما تحلق عاليا تلقي علينا الفضلات".
فهناك عشرات النكت دونت عن السياسة والسياسيين، لكن يا ترى هل أدت ومازالت تأدي النكتة الساخرة دورها في ترشيد المجتمع العربي اليوم، أم دجنت هي كذلك؟
إن من ينسج النكتة ذكي، إذ كيف يخطر بباله أن يلتقط فكرة من أمام ناظري الجميع، ويعيد صياغتها بشكل مختصر ومفهوم، تدركه غالبية الشرائح من المجتمع الواحد.
وهو نوع من الأدب، يعلّق عليها أملا بالتغيير، أو التبصير بالواقع، بطريقة ساخرة خفيفة. السخرية ليست هدفا، بقدر ما هو التعبير عن الآلام والأحلام وحزن الناس والأحداث، وأمور الحياة اليومية. ولكل ساخر منهجه وطريقته التي يمتاز بها عن غيره من الساخرين، لكن ما يشترك به جل هؤلاء هو حب الأرض والشعب ونبذ القهر والظلم.
في وقتنا الحاضر تعتبر الكتابة الواعية في هذا المجال من أجمل أنواع الكتابات وأصعبها بلا شك، فالسخرية الحقّة هي قمة الإحساس بأهمية الأمر، وهي الضحكة المُرّة بوجه باسم، وهي الشعور الحزين بثوب متفائل، وهي المعبر الكبير نحو الأمل رغم زيف الضحكات.

anfasse.orgلعل من اهم واجبات القضاء هو تحقيق العدالة بل هو الواجب الرئيس ،لكن ماهي العدالة التي يسعى القضاء الى تحقيقها هل نقصد بالعدالة؟ العدالة بمفهومها العام التي هي ضد الباطل ،ضد الشر،ضد الفوضى لان الباطل خرق في العلاقة بين الانسان واخيه الانسان وتعد على انسجام المجتمع وتوافقه ، ولان الشر يمثل الجوانب السلبية في تفكير البشر وسلوكهم وهو مظهر انقسامهم وتوزعه وتفكيكه ومنعهم من الخضوع للقيم العليا ولان الفوضى عكس النظام وهي اضطراب وانفلات وانقسامات قوى المجتمع.
نعلم ان المجتمع يتكون من مجموعة من الافراد(البشر) ولكل فرد رغباته وتطلعاته وطموحاته المشروعة وغير المشروعة وقد تتعارض، بل من الطبيعي ان تتعارض هذه الرغبات والتطلعات والطموحات بين افراد المجتمع الواحد لاختلاف الامزجة والثقافات ، وبالتالي يحصل النزاع لذا فان سمة تنازع الانسان مع الانسان سمة الحياة الاجتماعية، وتحقيق العدالة يتطلب حل هذا النزاع ، وحل هذا النزاع يتم من خلال اعادة اللحمة والانسجام والتوافق بين الانسان واخيه الانسان .اذا فالعدالة وفقا لمفهومها العام تمثل تحقيق القيم المثلى للمجتمع لاعادة الانسجام للحياة الاجتماعية، وهي مجموعة قناعات وافكارعند الانسان ايا كان ،حاكما ، ام قاضيا ، ام مواطنا وهذه القناعات والافكار غير محددة وبالتالي يصعب لفئة واحدة (القضاة) تحقيقها ، لذا يتطلب تحقيقها تدخل الجميع الحكام والقضاة والمواطنين . علية فالعدالة وفقا لهذا المفهوم لاتحدها قواعد مكتوبة او غير مكتوبة وانما حدودها الخير والشر وهي ان نختار الخير ونبعد الشر و ان نكون مع الحق ضد الباطل .
فالعدالة اذا وفقا لهذا المفهوم فيها عموم تصلح لكل المجتمعات كونها تمثل العدالة الانسانية وان المجتمعات الانسانية وان كانت متفقة على المبادئ الاسياسية للحياة الاجتماعية ، الا انها تختلف في الجزئيات لاختلاف الاعراف والعادات والقيم .لذا عمد كل مجتمع وضع القانون الذي يحكمه و من خلاله تحقيق العدالة فيه .

anfasse.orgمنذ أن انتُخِب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وفكرةُ كتابة مقال عنه  في هذه الصفحة تراودني من حين لآخر. غير أنه كلما حاولت اتخاذ قرار في الموضوع إلا وحضرت في ذهني مقالاتٌ كنت كتبتها عن الرئيس السابق جورج بوش الابن في مطلع سنة 2003، منذ العدد الأول من ظهور هذا الركن المميز "وجهات نظر". كانت المقالات الأولى، التي نشرت ابتداء من 21-02-2003 تربط بين ثلاثة أحداث : الأول: الحدث المرعب الذي فاجأ العالم قبل ذلك بسنة وخمسة أشهر، أعني 11 سبتمبر 2001. الثاني: إعلان الرئيس بوش على أثر ذلك الحدث عن قراره بشن حرب على الإرهاب.  أما الحدث الثالث فهو دخول القرن الحادي والعشرين وما خصص له من تعليقات وتوقعات وتنبؤات. هذه الأحداث التي استمرت تتزاحم في ذهني كلما خطر ببالي أن أكتب مقالا عن انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة جعلتني أؤجل تنفيذ الفكرة إلى أن يغتني الموضوع بما يسمح بإبداء رأي لا يتحدد ببعد واحد ... وأعتقد الآن أن خطابه في القاهرة وما سبقه وتلاه من إشارات ومواقف تمدنا بأبعاد أخرى للموضوع تمكن من تجاوز ردود الفعل السياسية إلى رصد ملامح "الفعل التاريخي" الذي يؤطر هذا الخطاب، وبالتالي وضع ما أسميه الآن بـ "ظاهرة أوباما" في سياقها التاريخي. وأنا هنا، لا أريد أن أسقط "ردود الفعل السياسية من الحساب" ولكنني أريد أن أتعامل معها من منظور تاريخي. ولتوضيح هذا المنظور استسمح القارئ باستعادة فقرات من المقال الثالث في سلسلة المقالات المشار إليها أعلاه وكان بتاريخ 16-12-2003  وعنوانه "الفجر الكاذب ...".
 قلت آنذاك:     
"يبدو لي أن وضعنا نحن اليوم أشبه شيء بـموقف الإنسان مع "الفجر الكاذب". ذلك أن كثيرا من الناس قد هللوا "لهذا القرن –الواحد والعشرين- بمجرد ما "صاح" بوش الأب مناديا بـ "النظام العالمي الجديد"، معلنا عن "نهاية الحرب الباردة". وقد تلت ذلك "أصوات –هناك- تبشر بـ"نهاية التاريخ" وبـ "الحرب الاجتماعية الحضارية مع الإسلام" وبـ "صدام الحضارات" الخ، بينما رددت أصوات هنا شعار العولمة منادية بضرورة "ركوب قطارها" ... وفي وسط هذه وتلك برز صوت بوش الابن الذي "صاح"، مبشرا ومنذرا، بـ "الحرب ضد الإرهاب"!

انفاسأفرزت التحولات الثقافية والفكرية التي شهدتها أوربا في العقود الأخيرة من القرن العشرين جوا نقديا خاصا اتسم بانتحائه نحوا مباينا للتوجهات السياقية التي طبعت التعامل مع النص الأدبي والروائي بوجه خاص لتنعطف إلى أبنية النصوص والعلاقات التي تنتظمها، والصيغ التي تتجلى فيها والدلالات التي تسكنها، و أنفق الباحثون في المدرسة الفرنسية تحديدا جهدا كبيرا في هذا المجال المعرفي، وقدموا نظريات ومناهج ومقاربات استرعت أنظار الباحثين في العالم.
وعلى الرغم مما تنفرد به الساحة النقدية الجزائرية من خصوصيات تميزها عن مثيلاتها العربية  بالنظر إلى اختلاف المعطيات التاريخية التي أنتجت وضعا يحفه كثير من التداخل واللبس، فإن الباحث الجزائري، وإن تأخر عن مواكبة هذا المنجز الغربي في أوانه – كما هو الشأن بالنسبة للباحثين التونسيين والمغاربة- أبدى منذ بداية الثمانينات رغبة وقدرة على التعاطي مع هذا المعرفة ، إذ سعى إلى التعريف بها وإشاعتها بهدف تعميم امتلاكها وإجرائها على النصوص العربية، السردي منها والشعري، الحديث منها والتراثي.         
ونحن نتقصى أنحاء النظر في المدونة النقدية الجزائرية المنضوية تحت مظلة هذا الضرب من التعامل، ألفينا أن أكثر الأسماء تداولا في مسألتي الريادة والاشتغال اثنان هما :عبد المالك مرتاض وعبد الحميد بورايو، ووقعنا على كم هائل من الأعمال التي لا يتسع المقام لبسط القول فيما  حوته جميعا
فآثرنا أن نشتغل على إشكالية هامة بدت لنا جماع الأمر في التلقي، وهي المصطلح، ولأن للمصطلح السردي في أعمالهما غلبة وسلطان، فقد رأينا أن نبحث عند عبد الملك مرتاض  في حضور المصطلح الموصول بما طرحته السرديات بوصفها نظرية للمحكي سعت إلى البحث في شعريته من خلال تحليل بنياته، و الكشف عن علاقاته، والتمحض لصيغه، و استنطاق دلالاته، بإجراء جملة من الآليات التي  من شأنها أن تسعف الباحث إلى إدراك تلك الأهداف.

أنفاستعود العلاقات "الحميمة" بين أمريكا وأفريقيا إلى عدٌة قرون خلت, حيث مكٌن الإستنزاف البشري لأفريقيا (صيد ملايين الشٌبٌان السود لاستعبادهم في المزارع والبيوت) من التراكم البدائي لرأس المال,  وتطوٌره حتى مرحلة الإمبريالية...ثم أسٌس العبيد الأمريكيون المحرٌرون دولة "ليبيريا" التي أصبحت قاعدة أمريكية, في السٌاحل الغربي لآفريقيا... لكن الولايات المتٌحدة لم يكن لها تاريخ استعماري تقليدي(رغم عدواتاتها العسكرية العديدة منذ قرنين) مثل بريطانيا وفرنسا, اللتين تقاسمتا افريقيا والعالم, غير أنها استفادت من الحربين العالميتين, لتقوية نفوذها الإقتصادي والعسكري(عكس بريطانيا وفرنسا)... بالتوازي مع إضعاف الإمبرياليات الأروبية, زاد نفوذ الإتحاد السوفياتي وحلفائه, وكانت افريقيا ساحة للصراع بين المعسكرين "الغربي" بزعامة أمريكا, و"الشرقي" بزعامة الإتحاد السوفياتي (الكونغو, أنغولا والموزمبيق, افريقيا الإستوائية, مصر وغيرها)... مثٌل انهيار الإتحاد السوفياتي, وأروبا الشرقية وحلف فرصوفيا, فرصة للهيمنة المطلقة على عديد مناطق العالم, ومنها افريقيا, برغم التنافس الأمريكي الفرنسي (قبل عشر سنوات كانت لفرنسا 100 قاعدة عسكرية في القارٌة, و20 دولة افريقية كانت نشيطة في الدفاع عن الفرنكفونية), خصوصا بعد الإكتشافات البترولية في بعض المناطق الافريقية وأهمٌها منطقة خليج غينيا... منذ 2006 أصبحت أمريكا تطرح استراتيجيا شاملة, عسكرية هيمنية, توٌجتها بتنصيب قيادة لأفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية الموحٌدة في افريقيا – يونيتد ستايتز أفريكا كوماند), أي تكوين "القيادة السٌادسة" الخاصة بمراقبة افريقيا, بعد أن كانت القارة الافريقية من مشمولات القيادة العسكرية الأمريكية بأروبا (ومقرٌها شتوتغارت – ألمانيا), باستثناء مدغشقر (من مشمولات قيادة المحيط الهندي) أما مصر (وبها أكبر سفارة أمريكية في العالم قبل احتلال العراق) فكانت ولا زالت "تتمتٌع" بوضع خاص, بعد تطبيع علاقاتها كلٌيٌة مع الكيان الصٌهيوني...

أنفاسوإذا كنا قد وقفنا على العلاقة الوطيدة بين الدين والسياسة والمزج بينهما عند أحد منظري "الإسلام السياسي" في العصر الحالي، فإننا سنحاول تتبعها واستخراجها من أدبيات إحدى أهم الجماعات الإسلامية في المغرب، "جماعة العدل والإحسان" منطلقين من مبررات الوجود بدءا بالتسمية مرورا بمبادئ ومرجعيات الجماعة ومواقفها السياسية اتجاه نظام الحكم والأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وصولا إلى الأهداف التي تعمل لتحقيقها في المجتمع المغربي.
إن المزج بين الدين والسياسة عند الجماعة يظهر بجلاء منذ بداية تأسيسها أي منذ أن أعطت في إحدى بياناتها مبرر ودوافع تأسيسها ألا وهو الدفاع عن الإسلام "لا يخفى على كل من أتاه الله حظا من بصر وبصيرة ما عانى بلدنا المسكين، وما يزال من تردي الأوضاع في كل الميادين وخاصة في ميدان الدين الإسلامي". ومعظم العلماء ركنوا إلى الدنيا وملذاتها – يضيف البيان – والمسئولون خانوا الأمانة ومهدوا للفساد وركبوا موجته.
فالعلماء وهم رمز السلطة الدينية، والمسئولون وهم رمز السلطة السياسية كلهم في نظر الجماعة ابتعدوا عن الإسلام الحق: "ووجدوا في بلدنا مرتعا خصبا لأهوائهم وندواتهم وألا عيبهم الشيطانية من غير رادع ولا رقيب" لذلك يضيف بيان الجماعة "كان من الواجب شرعا وعقلا وليس ضروريا فحسب أن يكون لنا نحن زمرة من أنباء هذا الوطن الكريم الطيب، موقف من هذا الغي الموفي بأهله على النار والضلال المبين الذي لا مسكت عنه إلا كل خوان كفور أو أفاك أثيم، فأسسنا جمعيتنا وفق القوانين المعمول بها في البلد من منظورنا الخاص للإصلاح... وحررنا القانون الأساسي لجمعيتنا وراعينا أن يكون طابعها أو صبغتها كما يقول قانون الحريات العامة "صبغة سياسية" ليكون مجالنا في الدعوة أرحب وأوسع".

أنفاسيحتل الفيلسوف الاسترالي المولد كارل بوبرمكانة هامة في الفكر الفلسفي الحديث، خاصة في مجال الفلسفة العلمية ، والدفاع عن الديمقراطية . ويعتبر مؤلفه " أعداء المجتمع المنفتح " ، الذي صدر في نهاية الحرب العالمية الثانية ، من أهم المؤلفات الفلسفية التي طرحت رؤية تطويرية لفلسفة العلوم ، ورؤية تجديدية في الفكر السياسي – الاجتماعي. ويبدو ان الفترة التي عمل بها على كتابه ، عشية وخلال الحرب العالمية الثانية ، قد أثرت على مواقفه ، وأعطته حدة معينة في بعض الطروحات.
أعتبر نفسي حتى اليوم من المدرسة الماركسية  ، ولكني لم أعد ذلك الماركسي المنغلق على فكر فلسفي جاء اقرب للدين من العلم . واعني الماركسية كما درسناها حسب الطريقة السوفياتية. وربما هذه مشكلتها الكبيرة التي لم ينجح العديد من المنظرين الماركسيين من دفع الماركسية خارجها ، ليس لعجزهم ، انما نتيجة سيطرة المدرسة الماركسية السوفياتية ، ودور الكومنترن والاتحاد السوفييتي وقيادات مختلف الأحزاب  في الحفاظ على نهج منغلق ، من الصعب القول انه ماركسي ، بل هو أقرب للتقوقع الستاليني الكنسي . وكل من تجرأ وطرح رؤية ماركسية منفتحة ، واجه غضب الكومنترن ، والنقد الحاد والاتهام بالتحريفية ، والطرد من الحزب والنفي أو الاعدام.
في دراسة للباحث والمحاضر في جامعة تل أبيب  الدكتور اشار سيلفان ، حمل عنوان " منظرو الماركسية الغربية" ( باللغة العبرية ) يكشف الكثير من الاشكاليات التي انتقدها المفكرون الماركسيون الغربيون ، والتي أضحت اليوم على لسان الكثير من الشيوعيين لدى اشارتهم الى اسباب انهيار النظام الاشتركي وأخطاء المرحلة الستالينية ، التي لم يخرج منها الحزب والنظام في الاتحاد السوفييتي رغم الانتقاد والاصلاح .. اذ يبدو ان ستالين انغرس عميقا في شخصية الشيوعيين السوفييت وغيرهم من قادة الحركة الشيوعية العالمية ، لدرجة أضحى الخروج من الفكر والعقلية الستالينية بمثابة انتحار شخصي . ويبدو انهم فضلوا انتحار أحزابهم على  انتهاء أدوارهم.