الإسلام الإيطالي رحلة في وقائع الديانة الثانية تأليف: ستيفانو ألِيافي ترجمة: عزالدين عناية و عدنان علي عدد الصفحات: 279 الناشر: "كلمة" أبو ظبي و "معهد الشرق كارلو ألفونسو نالينو" روما - 2010.
أقدّر أن المسلمين في إيطاليا مجهولون لدى العرب، رغم وفرة عددهم وقربهم من بلاد المغرب، فقد أسقطهم الإعلام العربي من اهتماماته، والأمر متأت لكون غالبيتهم عمّال، يكدحون في سبيل الرغيف ولا يبالون بمصدح الإعلام. غير أنّ نصّ عالم الاجتماع الإيطالي ستيفانو أليافي المدرّس بجامعة بادوفا، بترجمة التونسي عزالدين عناية والعراقي عدنان علي، أتى قطعا مع ذلك الإهمال. فالكتاب كما يبين عنوانه رحلة في واقع المهمّشين والمجهولين، رحلة ثرية ومثيرة في الآن. فقد بلغت أعداد المسلمين في إيطاليا، ضمن الإحصائيات الأخيرة الواردة في التقرير السنوي الصادر سنة 2010 عن منظّمة "الكاريتاس"، والتابعة لحاضرة الفاتيكان، مليونا وثلاثمائة ألف. ويحمل أكثر من مائة ألف منهم الجنسية الإيطالية، ويضاف إليهم أعداد المهتدين الإيطاليين إلى الإسلام. يأتي في مقدّمة المهاجرين المسلمين المغاربةَ، بما يناهز نصف المليون، ثم يليهم التونسيون، بأكثر من مائة وخمسين ألفا، ثم المصريون، بما يناهز مائة ألف، فضلاً عن تجمّعات أخرى من عديد البلدان الإسلامية. وهي كتلة بشرية هامة، تعادل ثلث مجموع المهاجرين عامة، و2،5 بالمائة من مجموع الإيطاليين. بيد أن هذا الحضور تتخلّله هنات عدّة، بدءاً من تدنّي المشاركة إلى محدودية التنظيم. وتتأتّى تلك المساوئ لا من إنتاج ذلك التكتّل وحده، بل أيضا جرّاء محدودية استراتيجية الاستيعاب والدمج في المجتمع المضيف، نظرا لجدّة تقاليد التعامل مع الهجرة عموماً، في الأوساط الرسمية الإيطالية. فقد تتوفّر إرادة الاندماج لدى المسلم غير أنها تتقابل ونوايا تأجيل للدمج، إن لم نقل صدّاً له أو تعطيلا، تحت مبررات وتخوّفات مختلفة. وثمة بالتوازي ذاكرة مثقلة بوطأة التاريخ، وبهواجس الحاضر، تجاه المسلمين، يغذّيها توجّس من قبل وسائل الإعلام الإيطالية، وعدم إقدام الوافدين لخوض مُثاقَفة فعلية مع مجتمع الأهليين، وهو ما خلّف أحيانا إعادة انتاج واستهلاك لوقائع بلدان المأْتى.
ليست مقاومة التخلّف اللغوي هي التعريب. بل من المؤمّل أن يكون التعريب نتيجية طبيعية لنجاح المقاومة اللغوية. وأعني بالتخلف اللغوي عدم اكتساب العقل العربي للقدرة على ضمان استقلالية اللغات المستعملة اليوم، الواحدة عن الأخرى، بما في ذلك لغة الضاد. كما أعني بالتخلف اللغوي عجز نفس العقل عن تغذية اللغة العربية الفصحى (أو الفصيحة) بقيم ومفاهيم العصر حتّى تصبح بكل فخر واعتزاز وعن طواعية اللغة الأم بالفعل وليس على الورق كما هي موصوفة الآن. كما أقصد بالتخلف اللغوي هيمنة اللهجات العامية على مجالات التعبير والإنتاج الرمزي الناجح من دون أن يقع التفكير في وضع استراتيجية لتحويل تلك الهيمنة وذلك النجاح من المستوى العامي إلى المستوى الفصيح. وقد بينتُ في دراسة سابقة (1) كيف أنّ مستعملي اللغات من العرب لا يُتقنون لا اللغة العربية ولا اللغات الأجنبية، وخلصتُ إلى القول إنّ ذلك ناتج عن خلط رهيب بين الأنماط اللغوية وبالتالي إلى عدم احترام كيان كل لغة على حِدة. وما لا حظتُه في مجال اللغة أُلاحظُه أيضا في مجال السياسة. فالمشهد الإيديولوجي السياسي الذي ساد في المجتمع العربي منذ حقبة الاستقلال القُطري تقريبا يكاد يكون نسخة مطابقة للمشهد اللغوي. وهو ما حذا بي إلى التأكد من أنّ الشيء جاء من مأتاه فعلا، وبالتالي فهو لا يُستغرب. لقد جرّبنا نحن العرب عدّة "لُغات" إيديولوجية ولَم نُعطِ أية واحدة قدرها من الصيانة والاستقلالية. بل اكتَفينا بنقلها نَقلا ولم نُوظفْها في التربة الثقافية الذاتية ابتغاء استخراج نموذج أو نماذج من عملية اللقاح والتفاعل بينها من جهة وبين المخزون الثقافي من جهة ثانية . جرّبنا القومية فأفلحنا، لكن إلى حدٍّ ما و إلى حين. وجرّبنا الاشتراكية لكنها لم تتلاءم مع ثقافتنا الذاتية. انخرطنا في الشعبويّة لكنّها لم تفِ بالحاجة إلى الوحدة العربية، وإنّما خدمت مصالح القوى العظمى في أن لا ينافسها أحد في العظمة. ثمّ استقرّ رأي نخبنا على العلمانية إلى درجة أنك ترى اليوم العديد من رموز اليسار السياسي العلماني تتبوّأ، ومنذ أواخر السبعينات من القرن الماضي، مكانة هامة في أجهزة الحكم المعاصرة لمعظم بلداننا. ولكن ها أنّ كثيرا من العرب والمسلمين اليوم، ومنذ أن صعد العلمانيون على سدة الحكم، يمتطون صهوة الإسلامية، غير مُعجبين ولا راضين بما آلت إليه اختيارات النخب القُطرية.
اللغة حياة، وحياتنا لغة، ولغتنا العربية هي مجدُنـا وشرفنا.. رمز الأمة المعبر عن ثقافتها وحضارتها.. ديوان آدابها، ووعاء علومها، وترجمان أفكارنا ومشاعرنا، ووسيلة تحصيل معرفتنا وخبرتنا، وسبيل تواصلنا واجتماعنا.. فلا تستقيم حياتنا وثقافتنا وفهمنا لتراثنا إلا بها.. شَرُفنا بالنطق بها، والانتساب لها، وكفي أن الله تعالي شرفها فجعلها لغة قرآنه الخالد، فهي باقية ببقائه، محفوظة بحفظه:(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فصلت:3، (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا..) طه:113،:(بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء:195. بيد أننا نسمع بين حين وآخر ارتفاع أصوات، وأحيانا صرخات تشكو ما تزعم أنه صعوبةٌ في اللغة العربية وقواعد نحوها وصرفها، ومناهج تعليمها وتعلمها، لذا تجد من يتجرأ عليها من الدخلاء، ومن يستخف بها من الجهلاء، ومن يُحرّض عليها من الأعداء، ويدعي الأدعياء كذبا وزورا: "عجزها عن مسايرة ركب التقدم والتطور"، و"عقمها عن التواصل مع روح العصر، وتطور العوم""، ويرد علي هؤلاء وأولئك شاعر النيل "حافظ إبراهيم" في رائعته: "اللغة العربية تنعي حظها بين أهلها": رموني بعقم في الشبـاب وليتني عقمت فلم أجزع لقول عُداتيِ. ولدت ولمـــا لم أجـد لعرائسي رجـالاً أكفاءً وأدت بنـــاتيِ. وسعت كتــاب الله لفظاً وغايةَ وما ضقتُ عن آيٍ به وعظاتِ. فكيف أضيق اليوم عن وصف آلةِ وتنسيق أسمـاء لمخترعاتِ. أنا البحرُ في أحشائه الدُر كـامنٌ فهل سألوا الغوًّاص عن صدفاتيِ.
التخطيط : 1. تحديد مفهوم الهوية ؟ 2. ما الفولكلوري ؟ 3. الموقف السلبي من التراث الشفوي ؟ 4. المشافهة أس للهوية : من خلال نماذج .
معنى الهوية : السؤال عن الهوية وان ولد من رحم الفلسفة اليونانية إلا انه ولد ولادة منطقية فقد كان سؤال الهوية هو سؤال المنطق عند أرسطو قبل أن يصبح سؤال الفلسفة وعلم الاجتماع ثم علم الأنثربولوجيا. ومعنى الهوية لفظا من هو أو هوهو وتعني هو الوجود المشار إليه الحاضر والمرادف لماهية الشيء أو الوجود المنفرد كما يرى الفارابي (1) أي ما تكون خصوصية ذاته غير موقوفة على غيره بل مستفادة منه .وتعني أيضا هوي وهو الجب العميق الذي لا قرار له ويعني النفس أو الذات من حيث هي جوهر عميق .وهي معاني على وصال بمفاهيم أخرى ذات قرابة مثل الأنا والإنية وذات النفس ...الخ غير أن الهوية تتحد اليوم من معاني مختلفة قد نحصرها في معنيين : هوية الأنا وهوية الذات .وهي التحديدات التي أعرب عنها اريك فروم (2) حين ميز بين هوية ال "الما أوجد" ويعني هوية الأنا وهي هوية فردية شخصية ذات طابع فردي نفسي ينظر لها من منظور سيكولوجي وهو ما يسميه جون لوك (3) "هوية شخصية "وهوية ثانية يسميها فروم هوية ال " ما املك" وتعني ما سماه هوية الذات وهي هوية مفتوحة على الخارج أو هوية اجتماعية أو ثقافية أو "هوية مركبة" كما سماها ادغار موران (4).
حين اطلعت على المؤلف الصادر عن دار توبقال بعنوان "نحن والمسيحية: في العالم العربي وفي العالم" 2010، للباحث التونسي عزالدين عناية، وقد سبق لي ان اطلعت على ترجمته القيمة لكتاب "علم الأديان" للكاتب الفرنسي ميشال مسلان، الذي صدر عن المركز الثقافي العربي ببيروت خلال العام الفائت، تبين لي أن عزالدين عناية، الأستاذ بجامعة لاسابيينسا بروما، يقف على حقل مهمل في الثقافة العربية الراهنة، ألا وهو الدراسات العلمية للأديان. ذلك أن "نحن والمسيحية" عبارة عن خلاصة تجربة بشأن الآخر، عاشها الكاتب بين مؤسستين وثقافتين، نعني بمؤسستين جامعة الزيتونة وما تزخر به من عراقة علمية، وقد سبق للكاتب أن التحق بها في بداية تحصيله العلمي، والجامعة الغريغورية بروما، التي أكمل فيها دراساته في إيطاليا، وهي الجامعة التي تخرج منها كبار كرادلة الكاثوليكية وبابواتها. لذلك يأتي الكتاب تأملا في ثقافتين وفي دينين. من ناحية تحديات العقل المسيحي الغربي للثقافة الإسلامية، وللواقع العربي المأزوم بمسيحييه ومسلميه، ومن ناحية أخرى غوصا في المسيحية فكرا ومؤسسات، مبينا أزماتها البنيوية التي ترافقها حتى الألفية الثالثة. إذ يسود فهمٌ في الثقافة العربية، يختزل المسيحية في كونها رسالة روحية يعوزها الجانب الدنيوي، والكنيسة في كونها مؤسّسة كهنوتية مغتربة، في غفلة عن كافة التطوّرات والأنشطة والنفوذ. والحال أن ذلك الحصر مخلّ ومشوّه، يغمط الموضوع حقّه، فالمسيحية ديانة شاملة، والكنيسة النّاطقة باسمها مؤسّسة مركّبة، إلى حدّ لا نجد لها نظيرا في ديانات أخرى.
إنّ كلّ كلام عن الإله هو "كلامنا" نحن وإن ظنّ البعض أنه يقول الله كما تعرّف إلينا- على حدّ لغة المتصوّفة- ،أي زعم أنّه ليس إلا ّمجرّد صدى يعيد إنتاج الصوت الأصلي كما هو.و إذا ما أردنا تخصيص هذه الملاحظة و البحث عن تجسيداتها الحدّية أو القصوى داخل التراث الإسلامي،لوجدنا أنّ الفكر السّلفي –قديمه وحديثه- هو الممثّل الأبرز لهذا المنزع التأويلي و ما أنتجه من عنف تراوح بين حجب جسد الدلالة المخالفة و تهميشها ضمن مجال دوران النصوص، و بين إقصاء جسد المستدلّ أو جعله محلاّ لجملة من الأحكام الفقهية و ما يستتبعها من تبديع أو تكفير داخل السياق الفرقي المهيمن و ما يعنيه ذلك من" نتائج في غاية الخطورة تتعلّق بالمصاحبة والموالاة و المشاركة والتزاوج و التوارث و العيادة عند المرض و الإغاثة من الضائقة و الصلاة والترحّم و الدفن عند الموت"(1) ينطلق هذا المقال من بداهة نصّية حاولت كلّ المتون الكلامية أن تجد لها مخرجا معقولا دون أن تظفر من ورائها بطائل إلاّ مراكمة الأقوال و المواقف التي كان منتهى أمرها أن تسود مجالا جغرا-سياسيا معيّنا أو مرحلة مخصوصة من مراحل التاريخ الإسلامي .و ليست هذه البداهة سوى أنّ القرآن لا يقول الله بكلام ذي دلالة واحدة أو بلغة القدامى فإنّه حتّى عندما يحضر "النصّ" الذي لا يحتمل أكثر من تأويل ،فإنّ آيات أخرى تدفع بالمتلقّي إلى مدارات التأويل لأنّها تحجب بقدر ما تبين ، تنزّه بقدر ما تشبّه و تلك عورة اللغة ،كما أسماها الباحث المصري نصر حامد أبو زيد عند حديثه عن الشيخ الأكبر إبن عربي . فاللّغة التي هي مسكن الكائن البشري في محدوديتهsa finitude،لا شكّ عاجزة عن أن تكون مسكنا للمطلق إلاّ بعد أن يساق الحديث عنه ضمن حدود اللغة و إكراهاتها والتي ليس أقلّها أهمّية محدّدات التلقّي المعرفية والسلطوية-الايديولوجية.
مدخل: إن مفهوم الآنا والآخر هو في حقيقة الأمر علاقة تربط بين الذات والغير أوالعالم الداخلي و العالم الخارجي، إن بشكل مباشر وواع أو غير ذلك. هذه العلاقة طرحت كإشكالية منذ أن وعى الإنسان بأناه (Le moi) ووجودها في استقلال عن العالم حسب الكوجيطو الديكارتي، حيث أصبح هذا الوعي عند هوسرل فتحة أو بابا نحو الغيرية، وعن طريق اللغة يضيف هوسرل نكون مع هذا الغير في تفاهم و انسجام متبادل حيث يقول : " عندما أتكلم لغة، فأنا لست وحيدا، فعندما أتكلم لغة، فهذا معناه أنتمي إلى مجموعة". فإذا تأملنا جيدا قول كل من ديكارت وهوسرل، سنقف على التحول العميق الذي أصاب الوعي الأوروبي، من الوعي بالذات كفرد إلى الوعي بالذات كجماعة، من لحظة تأسيس الوعي الفرداني الذي تأسس عليه الفكر اللبيرالي في القرن 18 إلى الوعي بالجماعة الذي تأسس عليه الفكر القومي وخاصة الألماني في القرن 19. وما يهمنا من هذه النتيجة هو أن الأنا أو الآخر قد يجسد الفرد كما قد يجسد الجماعة، والنتيجة واحدة وهو ذلك التباعد أو التمايز بين الأنا والآخر. فإذا كانت الأنا مفهوما شبه محدد في الذات فإن الآخر يبقى تطرح حوله مجموعة من الأسئلة، هل يمثل أنا / الآخر un autre- moi-même أي مثلي ومختلف عني كالتعريف الأرسطي للجوهر: " هو الشيء القائم بذاته، والمتميز عن غيره". فإذا تجاوزنا البعد الذي يميز الإنسان عن غيره، فبماذا يتميز الإنسان عن أخيه الإنسان، يجعل منه آخرا يختلف معه في الحضارة والثقافة والسياسة والعقيدة ...الخ. إن الحديث عن الآخر سنتعامل معه في هذه المقالة كجماعة قد تنتمي لنفس الثقافة ونفس الهوية لكن قد تختلف مرجعياتها وأصولها النظرية، أو تختلف في إانتمائها العقدي الديني. وفي نفس الوقت قد ت نتعامل معه ( أي الآخر) كجماعة لها هوية وثقافة تنتمي إلى حضارة مغايرة لحضارة الآنا. ومن خلال هذه النظرة سنحاول استخراج الأسس النظرية لمفهوم آخر جدير بالاهتمام، وهو مفهوم الاختلاف، الذي تأسست واننبنت عليه مجموعة مفاهيم آخرى كمفهوم الديمقراطية – والحرية – والتعدد. وحق الآخر في الوجود كحق من حقوق الإنسان الأساسية.
يعتبر التعدد اللغوي والتنوع الثقافي سمة ملازمة للمجتمع البشري، بحيث يصعب الحديث عن مجتمع أحادي اللغة أو الثقافة، ففي كل الدول تتعايش اللغات المختلفة والثقافات المتنوعة بهذا القدر أو ذاك. و المجتمع المغربي لا يشكل استثناء، فعبر تاريخه تعايشت حضارات عريقة عابرة مع الحضارة الأمازيغية التي يشهد لها التاريخ بكونها أولى الحضارات المتواجدة في منطقة شمال إفريقيا. عبر تاريخه وبفضل موقعه الاستراتيجي شكل المغرب منطقة عبور، توافدت عليه كبريات الحضارات: الفينيقية، البيزنطية، الرومانية، العربية - الإسلامية... وتعايشت مع "السكان الأصليين"، وحصل ما حصل من تمازج وأخذ وعطاء، وتداخلت الثقافات العابرة مع الثقافات المحلية. وتعتبر الحضارة العربية ـ الإسلامية أهم حضارة عمرت المغرب قرون عديدة، ولازالت إلى اليوم حيث يشكل الإسلام واللغة العربية جزءا من الهوية المغربية. وإذا كانت أغلب الدول (خاصة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين) قد عملت على معالجة التعدد اللغوي والتنوع الثقافي من خلال إقرار لغات رسمية بدلا من لغة رسمية واحدة، فإن المغرب لا يمتلك بعد تصورا واضحا لهذه التعددية، وسياسته اللغوية ليست واضحة بما فيه الكفاية (إن صح الحديث عن سياسة لغوية بالمغرب)، على الرغم من التغيرات الحاصلة مع مطلع الألفية الثالثة بعد الاحتواء السياسي لجزء من الحركة الثقافية الأمازيغية والعمل على تدريسها في التعليم الأولي، لذلك نرى ضرورة الوقوف على الوضع اللغوي بالمغرب لتحديد مكانة الأمازيغية في الخريطة اللغوية السائدة.
الوضع اللغوي بالمغرب: للغة طابع اجتماعي وثقافي، وليست مجرد أداة للتواصل، إنها أداة لنقل القيم و التعبير عن الحياة الاجتماعية، وأساس الهوية الجماعية والفردية، وهي رمز من رموز التراث الثقافي وحاملة المعرفة وناقلتها، كما أنها أداة للتنشئة الاجتماعية، فمن خلالها يتحدد نمط السلوك والشخصية، ولا يستطيع الفرد أن يبدع وأن يفكر خارجها، لذا يتعين تحديد وظيفة اللغة: فهل اللغة مجرد أداة لاستهلاك الجاهز وتلقين المعرفة أم أنها أداة للإبداع؟ لا يمكن أن نحدد دور ومكانة اللغة، إلا بتحديد وظيفتها، لهذا يذهب بعض المهتمين بالموضوع إلى الحديث عن كون القضية اللغوية بالمغرب يمكن معالجتها من ثلاث مستويات: