التاريخ ليس مجرد تتابع لأحداث متفرقة أو حوادث متوالية، بل هو نسيج معقد تشكله قوى عميقة وتحركات فكرية واجتماعية تصنع مصير الشعوب والحضارات. ولطالما كان فهم المحركات الكبرى للتاريخ الشغل الشاغل للفلاسفة والمفكرين، الذين سعوا لتفسير كيف ولماذا تتغير الأمم، ولماذا تزدهر الحضارات وتنحدر، وما القوى الكامنة التي تقود هذا المسار اللامتناهي من التبدّل والتحول.
لقد شهدت الفلسفة الغربية إسهامات متنوعة، حيث يُعد هيجل من أبرز الفلاسفة الذين قدّموا تفسيراً للتاريخ من منظور مثالي، عبر مفهومه الشهير "الجدل" أو الديالكتيك الهيجلي، والذي ينظر للتاريخ على أنه صيرورة من الأفكار المتصارعة والمتكاملة. فبالنسبة لهيجل، يقود الصراع بين الأطروحة ونقيضها إلى "تركيب" أعلى، مما يحفّز التقدم نحو حرية الروح وتطور الفكر الإنساني. وفي هذا السياق، يشير هيجل إلى أن التاريخ هو مسيرة نحو تحقيق الحرية المطلقة والعقلانية، إذ يرى أن الدولة تجسد "الروح المطلقة" التي تتجلى في الواقع المحسوس، ممهدة الطريق لفهم دور القيم والأفكار في تشكيل التاريخ.
لكن على الجانب الآخر، جاء كارل ماركس ليقدم تفسيراً مادياً لظواهر التاريخ، متجاوزاً المثالية الهيجلية إلى ما سماه بـ المادية التاريخية. فقد رأى ماركس أن التاريخ محكوم بالبنى الاقتصادية وأنماط الإنتاج، وأن الصراع الطبقي بين الطبقات المسيطرة والمهمشة هو القوة المحركة الأساسية للتغيير. وفقاً لماركس، تنتقل المجتمعات عبر مراحل تاريخية (مثل العبودية والإقطاع والرأسمالية)، حيث يُنتج كل نظام شروط زواله. إن الثورة والصراع الاجتماعي، في نظر ماركس، هما المحركان الأصيلان للتاريخ، حيث ينتهي الصراع الطبقي عند تحرر البروليتاريا وتأسيس المجتمع الشيوعي.