Anfasse.orgالتسول ظاهرة اجتماعية ذات أبعاد نفسية و اقتصادية، ظهرت منذ القديم، و هي ترتبط في أصلها بالتفاوت الطبقي و بالاختلالات البنيوية للنسيج السوسيواقتصادي و ضعف آليات التنمية البشرية؛ أبطالها ناس على هامش المجتمع يبحثون عن السند و يلتجئون إلى غيرهم طلبا للصدقة و المساعدة بالمال و الطعام و غيرهما.  كما قد يتحول التسول إلى ممارسة منظمة لتكديس الأموال و الاغتناء السريع لدى بعض الأفراد و الجماعات أو إلى نصب و احتيال و ارتكاب لبعض الجرائم...الخ
      و في كل الأحوال يوظف التسول خطابا يتداخل فيه المكون الديني بالمكونات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، و يتنوع بتنوع المواقف و الفضاءات التي يستغلها المتسولون بغية تحقيق مطالبهم المشروعة و غير المشروعة في إطار بنية اجتماعية و نفسية قوامها القهر و التخلف؛ وتتكامل في هذا الخطاب عدة مكونات كاللغة و الحركة و الهيئة و الصوت...
1 - كثافة اللغة و رمزيتها:
      تتسم لغة التسول بالرمزية و الغنى الدلالي رغم أنها تنمو على شكل متواليات خطابية قصيرة و جمل نمطية تتظاهر بالوضوح و البساطة، و لعل أبرز ما تستند إليه هو التبرير عبر مستويات أهمها:
 أ- التبرير الديني: و يتجلى في محاولة إقناع الآخر بجدوى الصدقة انطلاقا من الرؤية الإسلامية في إطار ما يجازي به الله المؤمنين المتصدقين، لذلك نجد هيمنة جمل مثل (صدقة لله/ في سبيل الله/ الله يرحم بها الوالدين/ الله يوصلها للوالدين...). فبالجملة الأولى يبث المتسول رسالة إلى المتلقي مفادها أن ما يطلبه هو حق أوجبه الإله، مختزلا بذلك العديد من الآيات القرآنية في الموضوع. و إذا أخذنا (الله يلحكها/يوصلها للوالدين) أو (الله يرحم بها الوالدين)، ففي منطوقها يبدو المتسول و كأنه مجرد ساع للبريد، يساهم بطريقة ما في وصول الصدقة و الرحمة إلى والدي المتصدق، لترحمهم من عذاب القبر، أو لترجح كفة حسناتهم و تمحو بعض سيئاتهم، إلى درجة يمكن أن يصل معها المتسول إلى فاعل خير أيضا لأنه يتسبب في وصول الرحمة إلى الأموات، و في العبور الرمزي للمتصدقين نحو نعيم الآخرة. كما يوجد وجه آخر للتبرير الديني حين تلجأ بعض النساء إلى لبس الحجاب و توزيع وريقات صغيرة على الناس في المقاهي بدون أن تنبسن ببنت شفة، و هنا تبث العديد من الرسائل التي تروم التأثير في المتلقي؛ أما الخطاب الموجود في الوريقات فيشحن بجانب ديني !و اجتماعي. يتمثل الأول في البسملة و التصلية و التسليم، إضافة إلى آية أو أكثر حول الصدقة و الإحسان و أن الله لا يضيع أجر المحسنين. أما الثاني فتمثله تبريرات اجتماعية غالبا ما تدور حول وفاة الأب أو الزوج و تكفل المرأة بالعديد من الأطفال، إخوة أو أبناء. و هنا يتعامل المتلقي مع الخطاب المكتوب مستحضرا هيئة صاحبته و شكلها المحتشم الذي قد يكون أحد مفاتيح الحصول على الصدقة...

anfasse.orgتوطئة
هناك شبه إجماع بين جميع المراقبين والباحثين والمتخصصين والأكاديميين في شتى حقول المعرفة العلمية وخصوصا العلوم الإنسانية، إن المجتمع المدني أضحى أحد الركائز الأساسية في بناء الدولة الحديثة ليس في مجتمعات دول الشمال، بل حتى في دول الجنوب، رغم الاختلافات الجوهرية الواضحة والسياقات التاريخية و السوسيوساسية والاجتماعية والاقتصادية لنشأة المجتمع المدني في كلتا المجموعتين.
من جهة أخرى تعزز حضور المجتمع المدني في هيكلة وشكل الدولة الحديثة، بما أصبح يساهم به في مجهودات جبارة في رفد عملية التنمية الشاملة.
ولعل من الأسباب الطبيعية، التي بوأت المجتمع المدني هذه المكانة هو تراجع الدولة وكذا الأحزاب المشاركة في تدبير الشأن العام وفشلها في بعض التجارب في النهوض بأعبائها الكاملة،وخصوصا في القضايا الأساسية ذات الصبغة الاجتماعية.
بالموازاة مع ذلك،فقد كان لانتشار قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بين دول العالم، الأثر الكبير في بروز المجتمع المدني وتعاظم دوره ليس إقليما بل عالميا أيضا، وقد كشف مرصد المجتمع المدني التابع لمدرسة لندن الاقتصادية وجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلس في تقريره السنوي الذي يرصد تطور المجتمع المدني بالعالم أن هذا الأخير عرف تطورا ملحوظا ما بين سنتي 1993 و2003 بنسبة 50 %، بالإضافة الى تزايد عدد مكاتب مؤسسات المجتمع المدني حيث انتقل من 12547 سنة 1993 إلى 17952 سنة 2003. ويضيف هذا التقرير أن بلدان أوربا الشرقية وأسيا تعرف أيضا نفس التطور في عدد جمعيات المجتمع المدني، بينما تأتي في مرتبة أخيرة بلدان إفريقيا والشرق الأوسط .
وقد عرف المغرب بدوره صعودا معتبرا للفاعلين غير الحكوميين وغير المتحزبين في قلب الحياة الجمعوية خلال الثمانينيات وبشكل أوضح في التسعينات من القرن الماضي، حيث أبان هؤلاء الفاعلون الجدد عن قدرتهم في الإسهام بكيفية ملموسة، وفعالة في المجهود التنموي، وفي دمقرطة النقاش العمومي بالبلاد .

Anfasse.orgالرومنسية كما تبدُو لي هي بوحٌ وصفاءٌ ورقةٌ باللفظ الجميل والحركة الرشيقة من أجل إنعاش القلوب الصّدئة وضخّ دماء جديدة في النّفوس المتكلّسة في سياق التجديد الدائم للحياة، وهي كذلك التفاعلُ الايجابيُّ بين العناصر البشرية من خلال استلهامهم لمعاني الجمال والسعادة في الكون وجعلها في ما بينهم طاقتهم التي تحرّكُهم وتقرّبُهم من مراتب الكمال الوُجودي.
من هذا المُنطلق لا أكونُ مُجانبة للصّواب إذا قلتُ أنّ الرومنسيّة ضرورةٌ حيويّةٌ في حياتنا، نحتاج إليها لإعادة بناء الروح المعنوية في ذواتنا قصد تأهيلها باستمرار لمواجهة المصاعب اليومية التي تطرأ عليها من حين إلى آخر، ومن أجل دفعها إلى تلمّس مدخل جديد لتذوّق الطعم الجميل للحياة وتشرّب مائها العذب الزّلال.
إلا أنّني بوقفة تأمّل وبنظر مُتأنّ أجدُ للأسف عوامل مُتعددة تُعيق تعبيرنا بدقّة عن أحاسيسنا الرومنسية الحالمة النّابعة من أعماقنا، ومن هذه المُعيقات أذكرُ على سبيل المثال لا الحصر:
 1- اللّهجات العاميّة همّشتْ ولا زالتْ تُهمّشُ اللّغة الفصحى التي تتميّزُ بقاموس ثريّ نقيّ وتُراث عريق في عالم الشاعريّة، وأفقدتْ الإنسان مُلهما معنويّا وبلْسما رُوحيّا، وقلّصتْ في حياتهُ من ينابيع الأمل والجمال . لقد ظهرتْ لهجاتٌ محلية جديدة تفتقرُ إلى ثراء المُعجم وتتّسمُ بالمحليّة الضيّقة وخشونة اللفظ المُتداول، وغزتْ الواقع الذاتي والموضوعي، وحكمتْ سائر العلاقات (يقول المثل الشائع: نلمُّو نلمُّو نلمُّو، نحبُّو ونكرهْ أمُّو"
)، فاللّهجاتُ العاميّةُ تعكسُ خطابا شاعريّا ولكنّه خطابٌ غليظٌ  يستبطنُ العدوانية والصراعيّة، ولا يُؤسّسُ للانسجام والتّصافي والتوادُد.
 2- العائلة في نظري أيضا إطارٌ يفتقرُ إلى مناخ الشاعريّة، ولا حظّ للعلاقات الرومنسيّة بين عناصرها، ومردُّ ذلك إمّا لنقْص في مُؤهلات الوالدين التربويّة وإمّا للتوتّر الدائم بينهما وإمّا للضّغط اليوميّ المتزايد عليهما، ومن عُيوب العائلة على سبيل المثال: إعدادُ الأبناء للمستقبل وفْق ملامح المُجتمع الذّكوري بحيث يقعُ إعدادُ الفتاة وتأهيلُها لمسؤولية البيت كالطبخ وكيّ الثياب والغسيل... بينما الذّكرُ لا يكونُ داخل العائلة بأيّ حال من الأحوال موضوعا لهذه التأهيلات التي غالبا ما تُحدّدُ اختياره لشريكة حياته المستقبلية بعيدا عن فلسفة الرّومنسيّة، كما يُعابُ على العائلة أيضا تدخّلُها ما قبليّا وما بعديّا في صياغة خصائص الحياة الزوجيّة، إذ تُسلّح الابن أو البنت بنصائح أو عادات غالبا ما تُؤجّجُ نزعة كليهما إلى السّيطرة والمسك بزمام الأمُور قبل فوات الأوان (ولنا خيرُ شاهد المثلُ المغربي: "...من النهار الاول تيموت المش اي القط") بل حتّى الأصدقاءُ أو الصديقاتُ أو الجيرانُ أو الجاراتُ قد يكونُ لهم شأنٌ في هذا الأمر، فلا يتورّعُون في حشْر الأنُوف والتأثير في مُجريات الأمور.

انفاسالحكاية الشعبية دليل على وحدة التفكير البشري ، ودليل كذلك على عدم صحة الاتهامات التي توجه لبعض الشعوب، و منها الشعوب العربية بدعوى قصور تفكيرها و نزوعها نحو التجريد . و الثابت أن المجتمعات الإنسانية عرفت هذا النوع من الأدب، و الذي يطلق عليه عادة الادب الشعبي بمختلف أشكاله التعبيرية ، ورغم التعريفات التي أعطيت لهذا النوع  باعتباره كل ما أبدعه الإنسان من أشكال التعبير كانت نظما اونثرا بلغة يتكلم بها إفراد أمة ما سواء عرف مبدعه أو لم يعرف ،فان هذا التعريف يظل قاصرا، لأننا نجد  أنفسنا أمام مجال واسع و فضفاض يتسع لأشكال كثيرة من أنماط التعبير من أمثال و ألغاز و أشعار و حكايات ... تعبر عن إبداع طبقة من الشعب ليس  لها ثقافة تؤهلها للتعامل مع الأدب النخبوي كما هو الحال في الأدب العربي الفصيح . وهذا التنوع في الأدب الشعبي يرجع فيما نعتقد إلى سببين رئيسين: رحلة الإنسان الطويلة مع هذا النوع، و حاجته إليه للتعبير عن رؤاه و نظرته للحياة و الطبيعة  وشكل من  أشكال أسماره ، و ثانيا هذه المرونة التي تميز هذا النوع، حيث نجده قابلا للتغير و الإضافة وزيادة والتكيف  وذلك بتغير الزمان و المكان و الراوي ،بمعنى أن الذاكرة الإنسانية لها القدرة على التعامل معه بحرية كبيرة  ومن خلال تفاعلها مع أحداث المجتمع ،ولعل من أهم أشكال هذا الأدب ما يعرف بالحكاية الشعبية ، أو أحيانا الخرافة رغم الفرق بينهما  ذلك أن الحكاية الشعبية ذات بنية بسيطة وتؤخذ  مأخذ الحقيقة، فهي جادة بينما الحكاية الخرافية فهي مركبة وذات طبيعة تجريدية وتجمع بين الجد و الهزل. 1 و يشكل الراوي وسيطا مهما بين الخطاب – مضمون- و المخاطب – المستمع ، أما مصدر الحكاية بنوعيها أي – المؤلف- فهو غائب وحضوره ليس ضروريا ، فالمتلقي ما يهمه هو متن الحكاية و شكلها وعناصر الإثارة فيها ،فهو لا يهمه حتى مدى مطابقة الحكاية للواقع   وتبرز وحدة التفكير البشري في الحكاية وغيرها في هذا التشابه الموجود بين حكايات الشعوب ، فما يتغير هو البيئة و الأسماء والطبيعة  أما مضمون الحكاية يظل ثابتا، ومثال ذلك ما ذكره محمد الفاسي من خلال اهتمامه بهذا الفن من أن الباحثين أحصوا لأحدى الحكايات خمسمائة رواية تتفق في جوهرها ، وهي حكاية البنت اليتيمة التي تعاملها زوجة الأب بقسوة وتنام في المطبخ، ويقع اختيار الأمير على الفتاة للزواج بها، فتسمى مثلا في المغرب عائشة رمادة ،ويسميها الفرنسيونcendrillon 2  .

انفاسهنالك بون شاسع بين مصطلح المثقف ومصطلح المتعلم ، فالمتعلم هو من احسن القراءة والكتابة ، اوحصل على شهادة علمية ، اماالمثقف فهو المستوعب للثقافة / وهو يتميز بصفتين اساسيتين//الوعي الاجتماعي الذي يمكن المرء من رؤية المجتمع وقضاياه ،من زاوية شاملة وتحليل القضايا على مستوى نظري متماسك// والدور الاجتماعي وهو النشاط الذي يؤديه صاحب الوعي الاجتماعي بكفاية وقدرة في مجال اختصاصه المهني وكفاءته الفكرية.....فالثقافة هي اولامحيط معين ، يتحرك في حدوده الأنسان فيغذي الهامه ويكيف مدى صلاحيته للتاثيرعن طريق التبادل والثقافة (جـو)من الألوان والأنغام والعادات والتقاليد والأشكال والأوزان والحركات التي تصنع حياة الانسان اتجاها واسلوبا خاصا يقوي تصوره ويلهم عبقريته ويغذي طاقاته الخلابة ، انها الرباط العضوي بين الأنسان والاطار الذي يحـويه ،وعلى ضوء هذه الحقيقة بانه من الطبيعي ان يتعدد مفهوم الثقافة بتعدد الأيديولوجيات والأنتماءات المعرفية حتى بلغت نحو 60 تعريفا وحسب راي عالم انثروبيولوجيا الفرد كروبر وكلاكهـون ، والثقافة في منظور علماء الأنسان والأنثروبيولوجي المضاف الأنساني الى حالات الطبيعة ، اي كل المكتسبات والأنجازات النظرية والعملية التي انتجها الانسان في تاريخه الأجتماعي .... وعرفت الثقافة في قاموس اكسفورد بانها/ الاتجاهات والقيم السائدة في مجتمع معين ، كما تعبر عنها الرموز اللغـوية والأساطير والطقوس واساليب الحياة ومؤسسات المجتمع التعليمية والدينية والسياسية ، ويعرف ادوارد تايلور الثقافة في كتابه الموسوم الثقافة البدائية بانها / هذا الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة والاعتقاد والفن والحقوق والاخلاق والعادات وكل قدرات واعراف اخرى / اكتسبها الانسان كفرد في مجتمع ، ويفرق الكاتب وليام اوجيرن في الثقافة بين حالتين يطلق على احدهما اسم الثقافة المادية وعلى الأخرى الثقافة المتكيفة.... فالمجال الاول يقـيم في رايه الجانب المادي من الثقافة ، اي مجتمع الأشياء وادوات العمل والثمرات التي نخلقها / ويضم الثاني الجانب الأجتماعي فالعقائد والتقاليد والعادات والافكار واللغة والتعليم وهذاالجانب الاجتماعي هو الذي ينعكس في سلوك الافراد..اما مالينوسكي في عرف الثقافة بانها/ الحرف الموروثة والسلع والعمليات الفنية والافكار والعادات والقيم والبناء الأجتماعي والمواثيق التي تتعاهد عليها الجماعات المختلفة فهي كل ما نعيشه وكل ما نلاحظه ، او هي باختصار كل ما يتعلق بعملية تنظيم بني البشر في جماعته ، وعرفت المنظمة العالمية للثقافة والفنون اليونسكو - الثقافة بقولها/ الثقافة بمعناها الواسع يمكن ان ينظر اليها على انها جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا معينا او فئة اجتماعية بعينها ، وهي تشمل الفنون والأداب وطرق الحياة كما تشمل الحقوق الاساسية للأنسان والنظم والتقاليد والمعتقدات.

أنفاسسنعتمد  في هذه المقالة على صورة أو رمزية النموذج كسلطة مرجعية تحكمت في منطق التفكير العربي إن بشكل واع أو غير واع، منذ بداية ما يسمى بفكر " النهضة العربية " أي مرحلة بداية تشكل وتبلور العناصر الأولى لإشكاليات الفكر العربي المعاصر بدايـــة و أواسط القرن 19، إلى المرحلة التي نعيشها والتي تطرح ضرورة إعادة صياغة أسئلة جديدة مرتبطة بالتحولات العميقة والمتسارعة التي يعرفها العالم اليوم.
لكن أين تتجلى لنا صورة النموذج، وهل هناك سلطة مرجعية واحدة أم سلط/ مرجعيات يستند إليها الفكر العربي المعاصر؟
يمكن أن نقف عند ثلاث مرجعيات أساسية ساهمت منطلقاتها النظرية والفكريـة أو أحداثها السياسية والاجتماعية إما في صورة ثورات أو أشخاص أثروا بشكل مباشر أو غير مباشر في صياغة إشكاليات الفكر العربي المعاصر أو فرز تيارات فكرية وسياسية كانت ولا تزال تؤثر في المشهد السياسي والفكري العربي :
التراث.
الفكر الغربي ( الليرالي ).
الأحداث والتحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة العربية.
بالنسبة للمرجعية الأولى ( التراث): نقصد به كل ما أنتجته البشرية من ثقافات بشكل عام وكل ما أنتجته الثقافة العربية الإسلامية بشكل خاص، كما يقول الجابري : " التراث هو كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي، سواء ماضينا أو ماضي غيرنا. سواء القريب منه أو البعيد".1
مرجعية الفكر الغربي : ونقصد بها الفكر اللبرالي الذي أنتجته فلسفة الأنوار في القرن 18. مع روسو و فولتير ومونتسكيو ولوك وغيرهم.
أما فيما يخص المرجعية الثالثة فتتعلق بالأحداث السياسية والتحولات السوسيو إقتصادية التي كانت لها تأثيرات كبيرة في توجيه الفكر العربي وفي إنتاج وصياغة إشكاليات ومفاهيم مرتبطة بعصرها. وسنقسم هذه المرجعية إلى أربعة مراحل :

أنفاسنــأتي إلى الدنيا وننطلق في دروبها وطرقها الشائكة، لكن هل نحس بقيمة وجودنا؟ هل ندرك الهدف من حضورنا إلى هذا العالم؟ هل نسلك الطريق الصحيح؟ أم نمشي في الطريق الخاطئ دون أن ندرك ذلك؟ كم منا وقف متأملا أمام نفسه؟ وكم منا قيم أعماله؟ وكم منا أدرك مكنون شخصيته؟ وهل نفهم حقيقة ذواتنا؟ وهل هي نتاج تراكمات صهرتها عوامل عدة، أم تلعب المآسي والمحن دورا في غربلة شخوصنا وتغيير اتجاهاتنا في الحياة ؟
إن أفكارنا وعواطفنا وخطواتنا تتشاغل بشكل دائم بأشياء أخرى من حولنا كالأسرة والرزق والوظيفة وعلاقاتنا بالآخرين، وتطغى على تفكيرنا عقلية المال والمصلحة الدنيوية والانغماس في مستنقع الملذات، ونستنفذ طاقاتنا في الركض وراء شظف العيش، وتضيع سنواتنا وأيامنا في خضم الأحداث والظروف وقسوة الحياة بأشياء مفيدة وضارة، وتتحكم فينا الغفلة، ونسهو عما هو مهم، وتقودنا ضغوط الحياة إلى مسارات متباينة، ونضع محاسبة الذات في سلة الإهمال، وتتحول " الشهوة " إلى حالة إدمان حينما نجد فيها حلاوة ولذة حتى ولو كانت تلك اللذة ممزوجة بالألم، وسط كل هذا تتناسى نفوسنا وعقولنا " المكتوب" أو " القدر" القادم في الطريق إلا من أدرك حقيقة الدنيا وإنها سلسلة من الامتحانات والأحداث الصعبة.
فجأة تحدث الفاجعة أو الصاعقة أو المأساة أو المحنة سميها ما شئت، ويهز الزلزال كل أرجاء كياننا ونكون إما نحن السبب أو يكون الآخرون شركاء في حدوث المأساة أو يلعب القدر دوره، وربما تخرج المأساة من مساحاتنا الشخصية لتكون مأساة جماعية يشاركنا الآخرون في التمرغ بأوجاعها – الحرب مثلا - ، فما الذي تفعله في ذواتنا؟ وما الذي تحفره في جدران قلوبنا؟ وما هو طعم الغصة وحجم مرارتها في النفوس؟ وكيف تمر تلك اللحظات؟ وما هو الهول الذي تحمله؟ وكيف نعيش تلك الدقائق الرهيبة؟
تمر تلك الدقائق كأنها ساعات، وتعيش أجسادنا ونفوسنا وعقولنا حالة اتحاد في مواجهة تلك اللحظات العصيبة، وتتدفق عواطفنا في كل الاتجاهات، وتتهيج مشاعرنا، وتمتلئ قلوبنا بالحزن، وتعتصر نفوسنا بالألم، وتعج نظراتنا بالمعاناة، ويبرز الهلع في أقصى درجاته، ونشعر بانكسار الذات، ونفقد توازننا، وتموت الكلمات على شفاهنا وتعجز ألسنتنا عن النطق بالحروف...

أنفاسليس سهلا الغوص في أعماق المعتقدات، والوصول إلى رؤية واضحة عن آثار المعتقد على الشخصية الإنسانية، وتفسير خفايا العلاقة الحميمة بين الروح والمعتقد، لكن الأكيد أن تاريخ المعتقد بدأ منذ اللحظة الأولى لوجود البشرية على وجه الأرض؛ ليدل بذلك على مدى الترابط بينه وبين الإنسان، وانه كان ولا يزال الهدف الرئيس من خلق الكائن الحي.
أما اللبنة الأولى في بنيان المعتقد فهو التفكير، وكما عرفه العلماء فإن المعتقد جملة أفكار نشأت عند الفرد أثر ظروف خاصة، ساهمت تفاعلات البيئة والمجتمع والتربية والدين والتعليم في صناعتها، من ثم اتجهت بمرور الزمن إلى مسار اليقين والجزم لتتحول إلى حقيقة لا تقبل الجدال، وإيمان يفرض على الإنسان ضرورة الدفاع عنها بشراسة بل معاداة من يخالفها، عندئذ تتحول الأفكار إلى قيم ومشاعر متأصلة في داخل النفس يعد المساس بها انتهاك لحرمة من يسلم بها.
وأفكار المعتقد تصبح حالة جماعية حينما يلعب الفرد دورا كبيرا في التأثير على الجماعة، تتشكل بعد ذلك في صور: طقوس، وتعاليم، وواجبات، ومبادئ، كما إنها تفرز مجموعة من التقاليد والأعراف والعادات ذات الطبيعة الشعبية أو الدينية أو القومية التي يتم ترسيخها في قلوب وعقول أفراد الجماعة بشتى المصادر من معلومات ومشاهد ومواقف وأقوال ومرجعيات، يقابل ذلك نشوء عاطفة قوية بين الفرد ومحتوى المعتقد حينما يجد فيه ما يدغدغ مشاعره الإنسانية، ويغذي حاجاته النفسية، ويزرع مشاعر الأمان والطمأنينة، ويعزز ارتباطه بالمطلق (الخالق) على اختلاف أسماؤه، لتظهر بعد ذلك علاقة بين هذا المعتقد والنفس البشرية تتمركز في أعماق الإنسان، فيتكاثر الأتباع والمريدون مما يولد لديهم الرغبة في تقوية مبدأ الولاء والطاعة، وتعزيز مفهوم ايجابية ونفعية تلك المثل والمبادئ، وتأصيل أفضلية تلك المبادئ دون غيرها.
هذا يقود بدوره إلى استحالة تغيير المعتقد؛ أي الثبات عليه، فمن يؤمن بالمعتقد إيمان مطلق لا ينظر لأي دليل ينافيه؛ حتى وان كان محسوسا وله علاقة بالعقل أو العلم أو بمفاهيم المنطق إنما يقابل الأدلة بالتجاهل أو الحذف أو النظر إليها نظرة دونية.