شذرة البدء : " إن علماء الاجتماع أشبه ما يكونون بمزعجين يفسدون على الناس حفلاتهم التنكرية " بيير بورديو .
تألمت الفلسفة بتأملها، ووهنت لشدة تفكيرها، وتخلخلت لعقوق أبنائها، فحاولت تهدئة نفسها بالإدمان على التساؤل لتسكين أوجاع جراحها، والبحث عن نشوة تفكير للوصول لحفنة فهم قد تجتث الحزن من أركان قلبها ، حاولت و سعت لكن عانت و تأوهت، و هي الناظرة بعاطفة العقل و المفتقرة للحيلة لضبط نفسها و إعادة جمع شملها، فشلت و انكسر حلم عائلتها و امتدادية شجرتها و تجذر عروقها ، تفرعت و تفرخت أنساق من أحضان معرفتها، لتنزلق السوسيولوجيا هاربة من صرامة تأملها و ميتافيزيقية أسئلتها، لتنحرف باحتراف التساؤل حول منطق الجماعات و ما يخص مناخ المؤسسات، و تراكيب جسد المجتمعات، بحثا عن صيغة أخرى للسؤال، لتخلق افتخارا في عز القلق و هم التفكير و سوداوية الأوضاع ، فبدايتها مخلصة للأزموية ، ارتبطت بالظرفي المتعكر و اللحظي الكارثي، في محاولة منها للإجابة عن أسئلة الضيق و حرج المحنة، و لإستيعاب كذلك عوامل ظهورها و شفرة إعادة إنتاج ظهورها، فولادتها- السوسيولوجيا- لم يكن بالمخاض الهين و اليسير، فأزمة الأزمة من أنتجها و نتيجة للإختلالات تأسست، و في عيوب الواقع حاولت المأزرة و تقديم السند وبرحابة الصدر مدت يد العون و تكلفت، ففي البحث عن مسكنات تفضي إلى التقليص من حدة الألم و ارق السؤال.
بيير بورديو : مفكر الخلخلة و الإزعاج ـ يونس بنمورو
شذرة البدء " مع إختفاء بورديو إختفى أحد أخر من كبار السوسيولوجيين في القرن العشرين ، و الذي لم يكن يأبه بتخوم التخصصات و حدود المجالات ، و قد كان بطبيعة الحال إتنولوجيا منذ أبحاثه الأولى بصدد إصطدام المجتمع الجزائري بالعقلية الرأسمالية ، غير أن إنتاجه الذي تدفق دون كلل يتموضع تحت شارة السوسيولوجيا ، تماما كما ينتسب إلى الفلسفة و الإقتصاد و العلوم الإجتماعية ، أو تحليل اللغة و جميع المجالات التي دشن فيها أفاق جديدة و منظورات واعدة " يورغن هابرماس
جوهر الفعل الثوري ونتائجه الاجتماعية، محاولة في سوسيولوجيا الثورة العربية ـ محمد سراج
يشكل خروج الجمهور إلى الشارع لتحقيق غاية مباشرة هي "تغيير النظام" فعلا ثوريا بكل ما للكلمة من معنى، وذلك لكون الجمهور كان الغائب الأكبر والأساسي في الفعل السياسي العربي العام، وبوصفه المجتمع المدني الغائب والمغيب لما يناهز نصف قرن. حيث اقتصر الفعل الثوري قبل ذلك على انقلابات عسكرية صدرت من صفوف النخبة ذاتها التي تولت الحكم بعد رحيل الاستعمار، فلم يكن الجمهور حاضرا للمشاركة بل كان حضوره خلال مرحلة الاستقلال احتفاليا أكثر منه حضورا جادا وفاعلا، وهذا يعيدنا إلى التساؤل عن طبيعة التحرر الذي نالته الشعوب العربية خلال تلك المرحلة؟
لذلك كان الفعل الثوري الحاصل اليوم في البلاد العربية متمثلا في شكله غير المسبوق، فتغيير النظام له دلالة مباشرة واحدة، إلا أن إسقاط النظام بالمعنى الواسع هو سعي إلى تقويض الأسس التي يعيش عليها الجمهور العربي منذ نصف قرن إلى أسس جديدة، والخروج عن مسعى الإصلاح الذي يعني بقاء المتسيدين والطامحين بوصفهم النخبة دون تغيير يذكر على المستوى الفعلي المباشر للشعوب، وهي بلغة بورديو في علم الإجتماع محاولة الخروج إلى فضاء حقلي جديد تبنى فيه قواعد جديدة للفعل الاجتماعي.
المفهوم السوسيولوجي للمقاولة وثقافة المقاولة ـ مروان لمدبر
المقاولة من المفاهيم الأكثر تداولا في الحقل الاقتصادي وبشكل مميز، إلا أن علم الاجتماع حاول تقديم مقاربة لهذا المفهوم تتجاوز ذلك البعد الاقتصادي التقني انطلاقا من سوسيولوجيا التنظيمات وصولا إلى سوسيولوجيا المقاولات.
إن سوسيولوجيا التنظيمات حاولت فهم وتحليل علاقة السلطة والتبعية واستراتيجية الفاعلين التي تشكلت على خلفية هذه العلاقات وعلى أساس مناطق الظل Zones-d’incertitude التي لم يتمكن النسق التنظيمي أن يشملها، هذا التصور تم تعميقه لاحقا من قبل سوسيولوجيا المقاولات Sociologie des entreprises، التي اعتبرت المقاولة على أنها كيان اجتماعي قبل أن يكون اقتصادي منتج لكيانات اجتماعية تتحكم فيه روابط اجتماعية ويوجد فيها فاعلون بمثابة أعضاء يتماهون في هذه المقاولة الاجتماعية التي تشكل مجموعة انتماء بالنسبة إليهم، كما أن هذا الكيان الذي يكونها، منتج للثقافة التي تعبر عن قدرته على الفعل والعمل الجماعي والذي يهدف إلى تحقيق الهدف المشترك والتغلب على الإشكالات التي تواجهه، ومن تم إيجاد الحلول المناسبة. ويقول Bernouxبصدد ذلك: المقاولة هي مكان مستقل(نسبيا عن المحيط والمجتمع) منتج للضوابط التي تحكم العلاقات الاجتماعية، هذه الضوابط هي التي تشكل نقطة ارتكاز في التحليل الاستراتيجي للفعل الجماعي عند M.Crozier، لكن المقاولة أصبحت الآن مكانا تنشأ وتتشكل فيه الهوية والثقافة والاتفاقات الاجتماعية التي لا يمكن أن تكون لو لم يكن هناك حد أدنى من الثقة المبنية على التصور الجماعي والخيال المشترك.
الفن والدولة ـ عمر قرطاح
لا شك أن للفن دلالات ثقافية واجتماعية جد ملتبسة.. تتراوح بين الافتتان اللامتناهي والاستهجان الشديد ..فبينما تجد الكثير من الناس يدمنون استهلاك المنتَج الفني ويتتبعون أخبار الفنانين لدرجة الهوس ، تجد آخرين لا يعنيهم الأمر بتاتا ولا يحرصون على متابعة الفن إلا بمحض الصدفة .. ويزيد الأمر التباسا عند فئة ثالثة تجمع بين الحالين ، فهي من جهة تهتم وتتابع وتتذوق ألوان الفن المتنوعة ، ومن جهة أخرى تعتبر الفن مجرد مضيعة للوقت وتسلية غير ذات جدوى ، ولا يتوقف الحكم على الفن عند هذا الحد ، بل يتجاوزه ليقع تحت طائلة الحلال والحرام ..
ألان تورين منتقدا السوسيولوجيا الكلاسيكية ـ محمد المستاري
يعد ألان تورين من أهم رواد علم الاجتماع المعاصر، وهو فرنسي الأصل، من مواليد سنة 1925، عمل باحثا في المجلس الوطني للبحوث الفرنسية حتى سنة 1958، أسس مركز دراسات علم الاجتماع العمل في جامعة تشيلي في سنة 1960، وأصبح باحثا في إيكول «إيتوديس» في العلوم بباريس، اشتهر بتطويره مفهوم «مجتمع ما بعد الصناعي»، اهتم بدراسة «الحركات الاجتماعية»، وكتب الكثير في هذا المجال.
ويحظى تورين شهرة واسعة في أمريكا اللاتينية وفي أوربا، حيث حصل في سنة 1998، على جائزة «أمالفي Amalfi»، الأوربية لعلم الاجتماع والعلوم الاجتماعية، وفي عام 2004 تلقى تورين درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة «فالبرايسو» في تشيلي، وفي سنة 2006 تلقى درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الوطنية في «سانت مارتن»، وفي ديسمبر 2006 من جامعة كولومبيا الوطنية، وفي سنة 2008 تلقى أيضا درجة دكتوراه فخرية من جامعة «مايوردي سان ماركوس» في ليما.
نماذج من النظريات الماركسية في علم الاجتماع المعاصر ـ إبراهيم بايزو
تقديم:
استطاع علم الاجتماع، بفضل جهود عدة علماء، أن يصل إلى مرحلة متقدمة من الدراسة العلمية للمجتمع. وقد كان من النتائج الطبيعية لهذه المجهودات أن تولدت اتجاهات ونظريات مختلفة حاولت أن تقارب الموضوع الاجتماعي من زوايا مختلفة. ومن أبرز الاتجاهات التي برزت في هذا السياق نجد الاتجاه الماركسي الذي تفرعت وترعرعت في ظلاله نظريات وتصورات وقراءات متعددة.
ويعد هذا العرض محاولة متواضعة لإلقاء الضوء على ثلاثة من النظريات التي تعتبر قراءات جديدة ومعاصرة للإرث الماركسي. ويعود اختيارنا لهذا الموضوع للسببين التاليين:
ü الأول يتعلق بكون الاتجاه الماركسي أحد أبرز الاتجاهات التي شغلت ولازالت تشغل المهتمين بعلم الاجتماع قديما وحديثا. وبالتالي فإن التزود بالمعرفة الكافية بها أمر لا مناص منها لكل مهتم بعلم الاجتماع.
ü الثاني: لأن النظريات العلمية في علم الاجتماع المعاصر لا تنفك أن تتصف بإحدى صفتين: فهي إما إنها تندرج في سياق النظريات الماركسية بحيث تعد تطويرا من داخل النظرية الأم؛ وإما أنها نظرية نقدية لما ترتكز عليه النظرية الماركسية.
ويشتمل هذا العرض على ثلاثة محاور أساسية كما يلي:
مفهوم الرمزية عند ميرسيا إلياد ـ عبد القادر ملوك
مقدمة:
سيكون من باب المبالغة القول بأن هذه الورقة المحدودة في الزمان و في الحجم، ستستوفي كل أشكال الرمزية التي تصدى لها ميرسيا إلياد على مدار سنواته الطوال التي قضاها نابشا و منقبا في حضارات و أعراق مختلفة و متباينة عن أشكال التفكير الرمزي الثاوي خلف أساطيرها من جهة و المتحكم في هاته الأساطير من جهة أخرى. إن غاية ما نصبو إليه من هذا العمل أن نكوِّن صورة عامة عن ملامح التفكير الرمزي في كتب مؤرخ الأديان الروماني، لاسيما كتاب المقدس و المدنس. و هي خطوة ارتأينا أن نمهد لها بأرضية لابد منها تجعل القارئ (الذي لا يملك دراية بهذا الموضوع)على بينة من مفهوم الرمزية /الرمز، و من وظيفة الرمز و التأويل الرمزي و على بينة كذلك من بعض أنواع التفكير الرمزي كما عالجها بعض ذوي الاختصاص في مجالات مختلفة، أمثال فرويد، يونغ، لاكان في التحليل النفسي؛ سوسير، جاكوبسون في اللسانيات؛ ك.ليفي شتراوس في الاتنولوجيا ...الخ.