anfasseينبني هذا  العمل المتواضع على معاينة تتبعية تستمد منها شرعيتها بشكل كبير. فمما لاشك فيه أن مضمون هذه المعاينة يتحدد في أن ثمة تراكما معرفيا من الأهمية بمكان؛ يثير فضولا علميا، حصل منذ أمد في الممارسة الفكرية، وكذا السوسيولوجية، لأستاذنا الدكتور محمد جسوس.
والحال أن هذا التراكم المعرفي، وهذه الحصيلة من الكتابات، والخلاصات، والاستنتاجات الأساسية الغنية في مبناها معناها لم يواكبها؛ في تقديرنا، قراءات تركيبية مقصدها استيعاب هذا الاجتهاد في حيثياته؛ وخطوطه العريضة، واستعراض المحاور الكبرى والطروحات المركزية للعمل السيوسيولوجي لدى الأستاذ محمد جسوس؛ وما وسمه من معاناة مبعثها قلق البحث وحرارة التساؤل...
من هذه المعاينة إذن تتأسس مشروعية محاولتنا هاته وتنبني معها هذه المساءلات:
أية زاوية تقدرنا على الإطلالة على فكر محمد جسوس السوسيولوجي؟
هل بوسع إسهام متواضع كهذا رسم صورة منصفة؛ إن لم نقل موضوعية، لمفكر، وباحث، وموجه، ومناضل من حجم محمد جسوس يؤكد بانتظام بأن العمل الثقافي لن يكون كذلك إلا إن أحدث قطيعة مع الأحلام، والإنشائيات المكتبية، والرومانسية ليضحى التزاما مبدئيا، ومعاناة  حبلى بهموم اليومي؟

أنفاس نتمهاد الموضوع
يعد التواصل من بين أهم الموضوعات المطروقة اليوم، لما أصبح يفرضه العالم المتنامي من  تفعيلٍ لهذه الأداة الإنسانية الفعالة في الربط بين الحضارات والثقافات، وتقريب الهوة بين الشعوب والبلاد. ولهذا لم يعد التواصل لفظا ومفهوما عاديا كباقي المفاهيم السيارة بين الحقول المعرفية المتعددة؛ بل أمسى علما مستقلا بذاته، له أصوله وقواعده ومناهجه، والأدوات التي نستند إليها في ابتغاء التواصل الفعال بعيدا عن كل المعيقات التي يمكن أن تعترضه وتشوش المبتغى الأسمى منه، أي الوصول إلى الرهانات المختلفة في جميع مناحي الحياة؛ فأن نتواصل معناه أن نصل إلى الأنا أو الغير أو الآخر جملة وتفصيلا.
تعريف التواصل
لا يمكن البتَّةَ أن نعثر على تعريفٍ جامعٍ مانعٍ لمفهوم التواصل، لأنه لم يعد يستقيم على حال، ونجده في جميع الحقول المعرفية المختلفة كهندسة الطيران والرياضيات والإعلام والاقتصاد والطب والسيميائيات واللسانيات وهلم جرا، كما تتجاذبه كل مظاهر الحياة الإنسانية النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها. إن التواصل موضوعة، بمعناها الفلسفي، لا تقف عند تعريف بعينه.
وبالرغم من هذه المعضلة التعريفية يمكن أن نسلم بأن التواصل لغةً هو الإيصال، والعبور، والنقل، والإفهام، والإخبار، والإبلاغ، والوصول يكون بالأساس لغويا، وقد يكون باعتماد اللغة غير اللفظية. وترجع كلمة (Communication) إلى الأصل اللاتيني (Communes) الذي يُقْصَدُ به (Common)، أي عام أو مشترك. ومنه فكلمة التواصل في اللغة العربية أو في اللغات الأجنبية تصير إلى المدلول نفسه: العلاقة الإبلاغية الناظمة بين البشر من أجل الإيصال والتشارك والتفاهم.

artiste-peintreتوطـئـــــة:
تقوم الدّراسـة مثـلمـا يشيــر إلى ذلك العنـوان على مقولتين اثنتين أساسيتين: المدينـة و المواطنــة, وبين اللفظين وصـل أداتــه حرف العطف "الواو".
تقـدم ذكر المدينـة على المواطنـة قصدا على أسـاس أنـهـا إطـارهـا و فضـاؤهـا. و المواطنة بهذا المعنى صفة المديني أعني ساكن المدينة.
نعترف بداية بأن العنوان إشكاليّ إلى حد بعيد و يثير تساؤلات أولية مشروعة منها على سبيل الذكـر:
-         ما هي مبررات اعتبار المدينة مثلما تذهب إلى ذلك الدراسات الحديثة المجال الذي يحقق مواطنة الفرد ؟
-         ما هي خصوصية العيش في المدينة بحيث تنسحب صفة المواطنة على ساكنيها ؟
-         ألا يعتبر ساكنو القرى والأرياف مواطنين ؟
قد يكون من السابق لأوانه مباشرة هذه التساؤلات ولكن نشير إلى أن المواطنة مفهوم مركب  
ومتعدد الأبعاد, ومعناه ملتبس بدوره بالثقافة التي إليها ينتسب وباتجاهات التفكير و الحقب التي إليها ينتمي. وعليه فإن هذه المقولة لا دلالة لها دون محتوى (un contenu) يحدده    ( مثل: معرفة تاريخ المجتمع/حرية التعبير عن الرأي /ممارسة الحقوق السياسية / أداء الضرائب و التكاليف العامة...).
إنّ المواطنة على ضوء هذه الإشارة تفيد الاهتمام بالشأن العمومي (la chose publique) أي بما ييسر على الجمـاعة المدينيّة "العيش معا" (vivre ensemble) وبقبول قواعد العيش الجماعي.فالمواطن هو الذي يحترم الآخرين فيحترمونه والاحترام يتجاوز مجرد كونه قيمة أخلاقية ليغدو علاقة مدنية تتركز على قبول الاختلاف وعلى الوعي بجملة من المسؤوليات المدنيّة ذلك إن المواطنة كما يعرّفها دومينيك شنابر Dominique schnapper هي "أصل الترابط الاجتماعي" [1] "la citoyenneté est la source du lien sociale "

abstrait-1تقديم عالم :
يستعمل العنف وفق مفاهيم مختلفة مما أدى إلى ظهور جدل حول ما يميّز المشروع من اللامشروع. ونظرا لكونه بدأ يكتسح الحياة اليومية في مختلف مظاهرها الأكثر تعقيدا والتباسا فإنّ الدراسات الكميّة والإحصائية[1]  التي تركّز في معرفة النسب والمتغيّرات (الجنس،السنّ،الجهة....) على أهميتها في حصرها وضبطها فإنّها تبقى غير قادرة على فهم الأسباب العميقة للعنف التي تختفي وراء بنى لاواعيّة عرفتها البشريّة منذ وجودها وهي تغذيها الأساطير والمعتقدات والرموز أي أنّها مرتبطة بالمخيال الجماعي اللاواعي. ولفهم ذلك يمكننا أن نستعين بالمقاربة الظواهرية لمكانتها إذ‘‘طرحت المسألة من منظور جديد ثري بمعطياته وآفاقه.'' وتنطلق هذه المقاربة من ‘‘دراسة التجربة الذاتية للإنسان في تفاعله العلائقي مع الآخرين فالعنف كغيره من أشكال السلوك هو نتاج علائقي أو بأكثر دقة، نتاج مأزق علائقي''[2]  أي دراسة مقاصد من ينتج عنه العنف وما يثير تساؤلنا أكثر من أي وقت مضى هو ما لاحظنا من مظاهر عنف ذات أسباب لامرئيّة[3] (قتل فتاة من قبل المشعوذ لأنّه أراد استخراج الجنّ من جسدها، قتل صبيّة لاستعمال أعضائها في استخراج كنز، قتل من أجل الثأر لأنّه دنس شرف العائلة، حسد العين يؤدي إلى القتل..القتل الرحيم لإيقاف ألم لا يرجى شفاؤه) وغيرها من العبارات التي يعود بعضها إلى ماض بعيد مترسب في المخيال الجماعي[4] كان قد أشار ابن خلدون إلى البعض منه في مقدمته[5].

gnawaيعتبر الجسد خزانا رمزيا ، عبره تبلور الذات الإنسانية إنجازاتها حسب السياقات التي تتحرك في كنفها، و تمسرح لغاتها بأشكال و صور متعددة التمظهر كالإشارات أو الإيماءات أو الحركات، أو عبر اللمس أو النظر و الصراخ أو الغناء، أو بواسطة الرقص و مختلف التعابير الجسدية المعبأة بحمولة ثقافية ما، كما نلمس ذلك في طقوس جماعة كناوة بالمغرب،حيث تقيم في ثنايا إشاراتها الراقصة أسئلة؛ من قبيل الهوية و الوجود و الاستغلال و العبودية و التهميش و أشياء أخرى ، يمررها الجسد المقنع بألوان من الألاعيب الطقوسية و الإيقاعات الموسيقية التي لا يتم تمثل علامتها إلا عبر قراءة إيحائية  لمختلف تعابير هذه اللغة  الجسدية الباذخة، فما هي إذن المعاني والدلالات التي تسكن في عمق لغة الجسد المتداولة في طقوس الليلة الكناوية ؟

1 -   دلالات تعابير الجسد بين الرقص الموجه والجذبة:
إن الخطوة الأولى في مقاربة تعابير الجسد، في طقوس الليلة الكناوية، تكمن في التمييز بين مرحلتين تمر منهما تعبيرية الجسد الراقص: ويتعلق الأمر بمرحلة الفرجة الدنيوية ومرحلة الشطحات الروحانية ذات الطابع الامتلاكي، وفي ضوء ذلك يمر الجسد الكناوي بإيقاعات حركية راقصة وموجهة، وأخرى ارتجالية غير موجهة هي أقرب إلى الشطحات الصوفية أو الجذبة.

langue- اللّغة، أداة التّواصل، باعتبارها جهازا رمزيّا تنتج دلالات يتشكّل بواسطتها المعنى ويتحدّد في ضوء علاقة مع آخر وبذلك يصبح الحديث عن الإنسان موصولا بالحديث عن اللّغة.
إنّ التّحكّم في اللّغة يضمن القدرة على التّعلّم والتفكير ،فهي مكوّن أساسيّ للهويّة الشخصيّة والثقافيّة تطوّر النشاط الذهنيّ وتنمّي الجانب الوجدانيّ والاجتماعيّ للأفراد .ولعلّ الحاجة إلى اللّغة تتأكّد اليوم أكثر من ذي قبل بالرّغم من تعدّد الأنظمة الرّمزيّة وتنوّعها ،فهي لا تفتح فقط مسارات التّواصل بين الأفراد والجماعات بل تنشئ معابر للثقافات وتمثّل أسّا للتفكير ذاته " هي في جوهرها لا تأتي من واحد بل من كثيرين ،إنّها توجد في موقع بيني وتكشف الوجود العلائقيّ للإنسان " (1).
إنّ أفراد جماعة بشريّة معيّنة يشتركون في نوعين من المعارف : معارف لغويّة أي معرفة الضوابط النحويّة والصّرفيّة للّغة ، ومعارف سوسيولغويّة بمعنى معرفة معايير استعمال اللّغة وفق سياقات وظروف محدّدة ، وعلى هذا الأساس ليس ممكنا فصل " المتكلّم " عن " عالمه " ،فاللّغة وسيط بينه وبين محيطه بشتّى مكوّناته ، بل إنّ الإنسان يختصّ بكونه كائنا رامزا أي أن سمة الرّمزيّة المميّزة لذاته هي أصل فرادته وتمايزه .فهو أوّلا كائن رامز أي كائن لغويّ " نجد لديه ما يمكن تسميته بالجهاز الرّمزيّ ،وهي الأداة التي يمتلكها الإنسان وحده والتي تحوّل الحياة الإنسانيّة كلّها.فإذا قارنت الإنسان بالحيوانات الأخرى وجدته لا يعيش فحسب في واقع أوسع، وإنّما يعيش أيضا في بعد "جديد" من أبعاد الواقع " (2). " إنّه يعيش في عالم رمزيّ، وما اللّغة والأسطورة والفنّ والدّين إلاّ أجزاء من هذا العالم، فهذه هي الخيوط المتنوّعة التي تحاك منها الشبكة الرّمزيّة، أعني النّسيج المعقّد للتّجارب الإنسانية " (3).

"etiopفكرة أن الحياة ليست شيئاً دائماً
ساعدتني على تنوير ذهني،
إننا لسنا سجناء إلى الأبد
خلف سياج الحقائق المُتحجرة!" 
طاغور
عندما أنظر إلى حياتى الداخلية والخارجية ينتابني في أغلب الأحيان شعور بغموض! شعور بأغوار غير معروفة! واني لأحس بظمأ إلى فهم الحياة وإلى دفعها للأمام، وأحس أيضاً بحاجة إلى مُناهضة العبودية، إلزامية كانت أم مُختارة!
ثم يبدو لى أن السبيل لبلوغ هذا كله يتم أساساً عن طريق الذود عن حق أبناء أمتنا في الحرية وفي نُشدان الحقيقة، بحسب ما تهديهم قلوبهم وعقولهم الحرة. مع العلم أني أدرك أنه ليس ثمة إمكانية لمعرفة الحقيقة، الله وحده يملكها!
الصلة ـ على ما يبدو ـ وثيقة بين الانحطاط المُخيف والشامل لمجتمعاتنا، وبين إحجام فلاسفة الضرار(1) عن تعهد مشكلاتنا الفكرية بالبحث الفلسفي الحُر.
أوليس يُساعد على تكريس الانحطاط في مجتمعاتنا الغارقة في التخلف أن الدارس لمشكلة مُلحة ومُؤثرة، كـ "مشكلة الموت في الثقافة العربية"، لا يكاد يقع على جهد فلسفي عربي، يُغري بتثمينه، اللهم إلا دراسة للعملاق عبد الرحمن بدوي، ناقش فيها: كيف يمكن أن تكون مشكلة الموت مركزاً لمذهب في الوجود؟

fifaما الذي نستخلصه على وجه التحديد عندما ندرس تظاهرة كأس العالم ؟
"المرجع الظاهري هو التظاهرة الفعلية أي عرض رياضي تماما ومواجهات بين اللاعبين الذي حضروا من جميع أرجاء العالم...المرجع الخفي هو مجمل تعبيرات هذا العرض الذي تنقله وتبثه القنوات التلفزيونية."[1]                                                                                                
تكوّر العالم هذه الأيام وصارت المعمورة تتكلم كرة تتقاذفها الأقدام وتندهش لها العقول وقد سحر المستطيل الأخضر لب الخيال وفتن رغبات الأجساد وأصمت الموسيقى الصاخبة والأهازيج المصاحبة الأذان وتعالت الأصوات وهتفت الحناجر لصالح هذا الفريق وضد ذاك ودارت رحى حرب عالمية كروية بين الدول عوضت فيها تكتيكات الممرنين وأرجل اللاعبين خطط قادة الجيوش وأسلحة المحاربين.هكذا فإن "العرض التلفزيوني يظهر مجرد تسجيل بسيط إلا أنه يحول المنافسة بين الرياضيين وبين المتسابقين الذي ينتمون إلى كل بلدان العالم إلى مواجهة بين الأبطال بمعنى المقاتلين الموكلين شرعا من مختلف العالم."[2] وبعد أن أسدل الستار على فعاليات المونديال فانسحب من انهزم وترشح من انتصر وتوج الفائز وكوفئ المشارك وفي كل ذلك قد تنافس المتنافسون وترسبت دائرة الذكريات وتوسعت ملكة التخيل والأحلام بالمونديال القادم وتحولت الفيفا إلى حكومة عالمية ترعى الشؤون الكروية وتنظم الاقتصاد العالمي للأسهم الرياضية وتسند لكل دولة ترتيبها وحصتها حسب مشاركاتها ونسب فوزها.