أنفاس1-عناصر أولية تمهيدية        
ثمة علاقة جدلية بين الفكر الغربي الحديث ، كفعل تنظيري بجميع ألوانه و تياراته ، و كيفية ممارسته لمفهوم السلطة ، كمفهوم ثقافي و عملي ، هذه الممارسة التي تجاوز بها هذا الفكر الطرح التقليدي و البسيط ، الذي كان سائدا و مهيمنا في الفترة السابقة عليه ، و المرتبط خصوصا بكل ما هو اقتصادي و إداري و سياسي ، في وقت ارتقى فيه هذا الطرح ، إلى مستوى أكثر فعالية و عقلانية و حداثية ، و ذلك بتحيين المنحى المنهجي  و المعرفي العميق لمفهوم السلطة ، و محاولة ربطه ربطا محكما ، بكل تجليات و تمظهرات جسد المجتمع ، كبنية متماسكة تعتبر وجوهها الرمزية و المخفية ، أهم و أخطر بكثير من واجهاتها المادية و الظاهرة .
و تجدر الإشارة ، إلى أن هذا التحول النوعي ، الذي شهده التعامل و البحث في مفهوم السلطة ، جاء نتيجة طبيعية لتضافر العديد من العوامل السوسيو اقتصادية و السياسية و الثقافية و الحضارية ، التي كان لها الدور الأساسي و الأكبر في تطور الواقع الغربي المادي المعيشي و الحضاري في جميع ميادين المجتمع الغربي ، سواء تعلق الأمر بالواقع الأمريكي أو الأوروبي ، ذلك التقدم التاريخي و الحضاري الهائل ، الذي كان له التأثير الإيجابي الكبير و العميق على المستوى الفكري و الفلسفي و العلمي ، الأمر الذي أدى إلى ظهور ، في أواخر القرن العشرين ، مجموعة من الأبحاث و الكتابات المتمردة ، على الطرح التقليدي الضيق لمفهوم السلطة ، و أسست لنفسها أفقا أكثر عمقا و عقلانيا .
 و يمكن اعتبار المفكر و الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو ، من أهم مؤسسي هذا الفهم الجديد لمفهوم السلطة ، و قد عرف باجتهاداته الهامة في مجال البحث الفلسفي الجذري ، خاصة في الطب العيادي و تاريخ الجنون ..، إلى جانب كل من ماكس فيبر و بيير بورديو في مجال الدراسات الاجتماعية و علم الاجتماع الانعكاسي ، و قد حاولت هذه الأبحاث العلمية ، من خلال روادها الأساسيين ، طرح سؤال المنهاج الشامل و الناجع ، و أدوات تحليل الظواهر الاجتماعية و السياسية و الثقافية، لهذا ستأخذ هذه الأعمال على عاتقها ، الانشغال أكثر و الاهتمام بعمق طبيعة العوامل الخفية غير المباشرة ، و المنظومة الرمزية المؤثرة بفعالية في أي مجتمع ، مهما كانت طبيعته و نوعية وضعه العام ، بجميع تجلياته و تشكيلاته .  و من خلال مفاهيمها الإجرائية و أدواتها المعرفية و المنهجية ، المتميزة بطابعها الشمولي ، و ببعدها النقدي ، ستحاول هذه الأبحاث الفكرية الغربية الحديثة ، إعادة قراءة العديد من المواضيع الهامة في المجتمع ، و التي يعتبر موضوع التعليم و التربية ، من أهم الأسئلة التي شغلت الكتاب و المنظرين في هذا المجال .

أنفاستقديم عام: التبرّع بالأعضاء من رهانات العلم إلى رهانات الثقافة
إنجازات علميّة، طبيّة، وتقنيّة تقاوم أسباب الأمراض المميتة، إطار قانوني يضع الشروط الإنسانية والأخلاقيّة للتبرّع بالأعضاء. فتاوى دينيّة تجيز اِستقطاع الأعضاء البشريّة، حملات تحسيسيّة عبر مختلف وسائل الإعلام بضرورة التبرّع ولكن يبقى الإقبال دون المأمول  مما حدا ببعض الباحثين إلى اعتبار أن ’’أزمة زرع الأعضاء هي أزمة معقدّة‘‘  وتظلّ الأسئلة مطروحة: مَنِ المتبرّع؟ لماذا ترفض عائلة الميت التبرّع؟ ما سبب ذلك؟ كيف السبيل لتجاوز العوائق إزاء التبرّع؟
أمام هذه الأسئلة القلقة تصبح المقاربة الانثروبولوجيّة ـ السوسيولوجيّة ملحّة وأكيدة لأنّها ستحاول البحث في الأسباب العميقة للمواقف الاجتماعية وممارساتها تجاه حساسيّة التبرّع بالأعضاء وفق مقاربة شاملة تعطي للثقافة ولتاريخ الذهنيّات أهميّة. ومن المفارقات العجيبة أن العلم تطوّر وغايته الأساسية هي خدمة قوى الحياة ولكنه في نفس الوقت عليه أن يواجه تيارا عارما من المواقف التي تريد أن تتصادم معه بدل أن تتعاون معه. فالتحوّلات التي شهدها العالم اليوم، فجّرت قضايا مستجدة مختلفة الأنواع وفي كلّ المجالات ولم تتناول بصورة مباشرة وأصبحت هذه المشاكل تحتاج من العلوم الاجتماعية أن تضعها في مخبر اِهتماماتها. 
وتهدف هذه المقاربة إلى دراسة مسألة التبرّع بالأعضاء وما يحفّ بها من ردود أفعال المجتمع: بين القبول والرفض. ذلك أنّها تحاول رصد الأسباب العميقة للرفض. وعليه تقترح حلولا تراها مناسبة للحثّ على التبرّع بالأعضاء. كما أنّ دراسة أثر التغيّرات على القيم والطقوس والمعتقدات لا يمكن أن يكون مجديا إلاّ من خلال اِختبار مسألة من المسائل التي تشغل المجتمع مثل موضوع التبرّع بالأعضاء. وبإيجاز تضع هذه الدراسة في اِعتبارها رهانات أساسيّة هي منطلق توجهاتها:
1.رفض التبرّع له أسباب عميقة: فليس من الهيّن الإحاطة بها جملة وتفصيلا بل هي تحتاج إلى دراسات معمّقة تتضافر فيها الاختصاصات وتتعدّد فيها المناهج. كما أنّ تغيير المواقف يتطلب حيزّا زمنيا كافيّا. فضلا عن ذلك لا تكفي الدراسات الكميّة التي تنطلق من أرقام ومتغيّرات وجداول إحصائية لاستطلاع الرأي العام وسبره بل لا بدّ من دراسات كيفيّة تتعمّق في المعاني والمقاصد التي تتناول مواقف المجتمع بما يعطيه للأشياء من رموز ودلالات.

أنفاسنحن نعيش الموت البطيء لكوكب الأرض. إنّها تموت استخراجا وحرقا وتلوّثا وتسمّما وهي اليوم تصفّي حساباتها بعد أن امتدّت يد البشر إلى عمق أعماقها تخريبا وإهدارا.
هذه الأرض تتصحّر وتترمل ولعلّ هذا التعبير الذي يدلّ على هجوم كثبان الرّمل يعبّر عن حالة الأرض: إنّها أرض أرملة فقدت من يرعاها ويعشقها بعد أن عوّض المستثمر الفلاحي المزارع.
في مختلف اللّغات اللاّتينيّة ترمز كلمة تصحّر (désertification) إلى الهجر والفراق.
في سنة 1957 قام الصحافيّ Fruk Hubert بزيارة لمنطقة Florence بالولايات المتّحدة الأمريكيّة للقيام بتقرير عن المخطّط الحكومي لمقاومة هجوم كثبان الرّمل لكنّه عاد من مهمّته منبهرا بجمال هذه الكثبان. في سنة 1965 أصبح Hubert من بين الكتّاب المعروفين والمختصّين في الخيال البيئي والعلمي وقد نشر كتابه الشهير "دورة الكثبان" التي تنبّأ فيه بمستقبل مظلم للكرة الأرضيّة.
في سنة 1932 ضربت عاصفة « Dust Bowl » الهضاب الممتدّة بجنوب الولايات المتّحدة الأمريكيّة وذلك على مدى عشر سنين.
في 9 ماي 1934 انطلقت عاصفة رمليّة من منطقة مونتانا وحملت معها 318 مليون طنّا من التربة.
في سنة 1938 بلغت كمّيّة التربة المهدرة مليارا من الأطنان. في سنة 1939 حملت عاصفة رمليّة بمنطقة أوكلاهوما كمّيّة من التربة قادرة على تغطية مساحة 2,5 مليون هكتارا وبسمك 30 سنتمترا. تكتسح كثبان الرمل الحقول والمزارع وتمتدّ الواحدة على طول 500 مترا وبعلوّ 7 أمتار. تضرّرت المزارع ووقع القضاء على 30 مليون هكتارا هجرها المزارعون وقد بلغ عدد النازحين 3,5 مليون مواطنا. عرفت هذه الفترة كوارث طبيعيّة عديدة كالجفاف والأعاصير وعواصف الحجر وتغيّرات المناخ...
حسب بعض العُلماء المختصّين في المناخ والذين درسوا دورات الجفاف في الولايات المتّحدة الأمريكيّة على مدى ألفَيْ سنة فلقد كانت فترات الجفاف التي عرفها القرن العشرون الأقسى والأخطر.

أنفاستتجلّى أمام عالم اجتماع الأديان اليوم تمظهرات شتّى للدّين، متمثّلة في حركات دينيّة جديدة، وأصناف مختلفة من التشدّد الدّيني، ونماذج متنوعّة من التوليفية والمسكونية، وأيضا علاقات متوتّرة بين الأديان، مع ارتفاع المناداة بهويات مميّزة عرقية وسياسية في عديد البلدان، وكذلك أنماط من التديّن العلماني، وتمازج بين الدّين وادعاءات الإشفاء، مع تطوّرات نحو أشكال من الاعتقادات الليّنة والنفعية (الدّين الجاهز)، تشهد كلّها بشكل أو بآخر على ديمومة الأهمية الاجتماعية للدّيني حتى داخل المجتمعات العَلمانية الذّائعة الصّيت.
الحركات الدّينية الجديدة:
لقد شدّ انتباه عديد علماء الاجتماع، خصوصا البريطانيين منهم، مثل إلين باركر وجيمس. أ. باكفورد وبريان ولسون، ظهور تجمّعات دينيّة جديدة، ذات مرجعيّات تراثية شرقية، في قلب المجتمعات الغربية ذاتها، محبّذين تجاوز نعتها بكلمة نحل إلى تسميتها بالحركات الدّينية الجديدة. يمكن أن تكون التّسمية محلّ تساؤل، فهل توجد بحقّ ظواهر مستجدّة؟ وهل تنبع كلّها من الدّيني؟ فلكل من تلك الحركات ينبغي طرح تلك التساؤلات على حدة.
ولكن لابأس من المحافظة على تلك التسمية لنعت، ولو بصفة إجمالية، الشّتات المتنوّع للوقائع الاجتماعية الدّينية التي تطوّرت في مجتمعات شتى خلال العقود الأخيرة. وحتى وإن ضُخِّمت الظاهرة من طرف الإعلام فإن هناك اتفاق بشأنها، فقد احتلّت مجموعات حيزا في الفضاء الغربي وغير الغربي، نذكر أمثلة ثلاثة على ذلك: كنيسة العلمولوجيا -Scientologie، والسوكا جاكاي –Soka Gakkaï-، وما أطلقت عليه فرانسواز شمبيون "الكوكبة الصوفية الغيبية".
- كنيسة العلمولوجيا: تمّ بعث هذه الكنيسة سنة 1954، من طرف الأمريكي رون هوبّارد (1911-1986)، وقد انشغلت بالديانتيك، وهو علاج إشفائي يعرض بصفته علما حديثا للصحّة العقليّة. تمّت بلورته مع الكاتب المذكور سنة 1950، انطلاقا من العلاج النفسي، والذي تحوّل لاحقا إلى ديانة. وقع التشكيك فيه منذ سنة 1950، من طرف جمعية علماء النفس الأمريكيين. وبحسب الاعتقاد العلمولوجي، تواجدت قبل خلق الكون أرواح مطلقة العلم وخالدة، تسمّى ثيتان، وجرّاء الأصل الرّوحي للإنسان فهو ثيتان حلّ في جسد، مرّ عبر ألوف الكيانات البشرية. وعبر الإصغاء الديانتيكي، والعلاج العلمولوجي، يصبح الإنسان مهيّأ للتحرّر والتحوّل إلى ثيتان إجرائي، أين يعثر بداخله على الحرية وعلى الثيتان الكامن فيه.

أنفاسفي الحقيقة ينظر ماكس فيبر (عالم الاجتماع الشهير) للاخلاق الإسلامية في الفترة التي سبقت نشأة الدول الوراثية الرئيسية. أي أن فيبر كان يعتبر القرن السابع هو الفترة الحاسمة لتطور الدوافع الإسلامية. وهو في ذلك يرى أن الإسلام قبل الهجرة إلى المدينة كان مفهوماً توحيدياً نقياً يمكن أن يكون قد أنتج زهداً دنيوياً ولكن الإسلام كان قد اختلف عن هذه "الأخلاق التحولية" إذا ما استخدمنا عبارة ايزنشدات Eisenstadt  بفعل قوتين إجتماعيتين. الاولى: المحاربين البدو الذين كانوا كما يدعي فيبر وهم من حملوا إجتماعياً وعلى نحو أساسي الإيمان الإسلامي والذين حولوا الإسلام الى دين شهواني يقوم على التكيف والامتثال Accommodation and Conformity  والثانية الطرق الصوفية التي رفضت ملاذ العالم الإسلامي وخلقت عالما عاطفياً أخروياً للعامة. وكانت النتيجة أن الإسلام إحتوى بداخله على أخلاق للمتعة المحسوسة وأخلاق تقوم على رفض العالم ولم يستطع كلا من المقاتلين أو الصوفية أن ينتجوا مجموعة من الدوافع التي تناسب احتياجات الرأسمالية العقلانية، وقد يكون من الضروري نقد كلا من هذين التفسيرين للإسلام.
لقد رأى فيبر أن "رغبة المقاتلين في هزيمة العالم" هي التي اعطت الإسلام نظرة مميزة خاصة ومجموعة من النظم. وفي تبني وحدانية محمد (ص) القرآنية للمصالح الإجتماعية الإقتصادية لأسلوب حياة المقاتلين، أعيد تفسير طلب الخلاص في ضوء فكرة الجهاد من أجل السيطرة على الأرض. وكانت النتيجة هي تحويل الإسلام إلى "دين قومي للمحاربين العرب" و "كدين مقاتلين" فإن فكرة الخلاص الداخلي لم توضح قط. أما العقيدة التقليدية واليقين الداخلي فكانتا أقل أهمية من العضوية في هذا المجتمع وقد انعكس هذا الموقف في فكرتي: دار الإسلام ودار الحرب وأصبح الإلتزام بالطقوس والشعائر الخارجية للدين ونظم المجتمع المحلي أكثر أهمية من الارتداد الشخصي (Personal - conversion) "فالإسلام القديم كان يقنع بإعلان الولاء لله ولرسوله مع بعض الممارسات والطقوس كأساس للعضوية". وفي الحقيقة أن مصلحة المحارب في الغنائم والإنتصار قضت على أي دفعة دينية للردة الجماعية حيث أن المسلم المرتد يستطيع دفع ضرائب باهظة كزميله الذي بقي على دينه والإسلام "كدين للسادة" على الرغم من جذوره اليهودية والمسيحية" "لم يكن قط دين خلاص".

أنفاسيتخذ مفهوم الهيمنة عند ماركس طابعاً اجتماعياً وتاريخياً هو طابعه الطبقي، يحدده وضعه في البنية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة. لأن ماركس، حين كان يلح على أن شروط الثورة هي شروط بنيوية، تشمل البنية في تعقد مستوياتها (المستوى الاقتصادي، والمستوى السياسي، والمستوى الايديولوجي)، كان يعتبر أن البنية التحتية هي المهيمنة معنى هذا، أن البنية التحتية، باعتبارها الهيكل العظمي الاقتصادي للجسم الاجتماعي، حيث أن العلاقات الانتاجية، في مجموعها، وبشكل خاص، التي قامت على أساس القوى المنتجة، تألف القاعدة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع في مرحلة معينة من مراحل تطوره التاريخي، وتألف أيضاً الأفكار، والايديولوجيات، والمؤسسات، والعلاقات الاجتماعية، لهذه التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية أو تلك، هذه البنية حاضره في البنية الفوقية الايديولوجية، والمؤسساتية، والحقوقية الخاصة بها، والتي هي نتاج لها، ومرتبطة عضوياً بها، وتؤثر فيها تأثيراً فعالاً. غير أن هذا الشكل من الحضور للبنية التحتية، أي للبنية الاجتماعية في البنية الفوقية، أي البنية الفكرية، والايديولوجية والثقافية، ليس حضوراً متماثلاً، بل هو مختلف، من ايديولوجية طبقية إلى ايديولوجية أخرى، باعتبار هذا الحضور يتحدد مباشرة بالبعد الاجتماعي، أي بالبعد الطبقي، أي من وجهة نظر طبقية محددة. كما أن "تطور البنية الايديولوجية العامة، كتطور البنية الاجتماعية الشاملة تطور تفاوتي لابد أن تكون السيطرة فيه، في كل مرحلة من مراحله، لبنية فكرية محددة، أي لايديولوجية طبقية محددة، هي بشكل عام ايديولوجية الطبقة المسيطرة. وهذا ما يساعدنا على فهم مقولة لينين الشهيرة "إن الصراع الايديولوجي شكل من أشكال الصراع الطبقي"(1).‏
إذا كانت، بالنسبة لماركس، معرفة الطابع التاريخي للبنية التحتية، باعتبارها المهيمنة، تصبح قضية حيوية، لأن لها صلة بالنتيجة التي تعكسها بنية التاريخ الداخلية للمجتمع في أفق تطور الرأسمالية، الذي أنتج البروليتاريا، وبمجرى تطور البروليتاريا ذاتها في مرحلة معينة من التطور الاجتماعي، فإنه في الوقت عينه يؤكد على الطابع الشمولي لوعي البروليتاريا الطبقي، لكي تدخل البروليتاريا كذات طبقية واعية وعارفة بالمهفوم الجدلي، معترك الصراعات الطبقية بأبعادها المختلفة الاقتصادية والايديولوجية، والسياسية، وتخوض معاركها الحاسمة ضد البرجوازية، كما يتطلبه ذلك التطور التاريخي بالحاح، وكذلك ضرورة الثورة الاجتماعية، من أجل فرض هيمنتها. في كتاب "الايديولوجية الألمانية، حدد كل من ماركس وأنجلز في فصل تحت عنوان "شروط الملكية الخاصة ونتائجه" "إن التملك يتقرر بطريقة تكون فعالة. ولن تكون هذه الطريقة فعالة إلا من خلال الاتحاد. هذا الاتحاد الذي يصبح شاملاً بسبب الطابع الشمولي للبروليتاريا نفسه. ومن خلال ثورة تطيح من جهة بسيادة الطريقة الانتاجية والعلاقة السابقة للتنظيم الاجتماعي، ومن جهة أخرى يتطور الطابع الشمولي وطاقة البروليتاريا التي من غيرها لا يمكن إنجاز الثورة، والتي بواسطتها تحدد البروليتاريا نفسها من شيء لا يزال عالقاً بها من وضعها السابق في المجتمع".‏

أنفاسالتصوف بالغرب الإسلامي ، هكذا يحب الكثير من الباحثين المهتمين بالحقل الديني الحديث عن التصوف بالمغرب ، و رغم أن الغرب قد لا يعني المغرب بشكل خالص إلا أن عبارة التصوف تجر إلى المغرب أكثر منها إلى أي بلد أخر من الغرب الإسلامي ، فالتصوف كثيرا ما يعد ميزة خاصا للمغرب ، و الحديث هنا يجد ما يؤكده على أرض الواقع ، فالمغرب كما هو معلوم توجد به العديد من الزوايا ، و تأخذ شكل الانتشار الشامل لمختلف جهات المملكة ، فتجد في شمال المملكة كلا من الزاوية الحرقية بتطوان و الزاوية الصديقية بطنجة ، إضافة إلى ضريح العارف بالله المولى عبد السلام بن مشيش ، و في الجهة الشرقية توجد احد أكبر الزوايا الصوفية بالمغرب ، الزاوية القادرية البودشيشية ، الضاربة جذورها في التاريخ ، و التي تقع بقرية مداغ إقليم بركان ، و لها نفوذ كبير في الجهة ، إضافة إلى عدد من المريدين و الذين ينحدرون من عدة بقاع من العالم ، و توجد بفاس العاصمة العلمية للبلاد أحد أهم الزوايا بالمغرب ، الزاوية التجانية ، و خاصية هذه الزاوية هو حجم المريدين الكبير ، إضافة إلى أن أغلبهم ينتمون إلى بلدان أفرقيا كالسينغال و نيجريا و مالي و غيرها من البلدان الإفريقية ، و تقع هذه الزاوية في المدينة القديمة و يتواجد بها ضريح الشيخ المؤسس سيدي أحمد التيجاني ، و هناك عدة زوايا أخرى بالمغرب توجد بمكناس و مراكش و طنجة و افران ، و تعتبر الزوايا أحد اهم التنظيمات الدينية بالمغرب الحديث ، و دلك بالنظر إلى عدة عوامل تحيط بها ، منها ما هو سياسي و ما هو اجتماعي ، إضافة إلى العامل الروحي الذي يشكل أساس كل زاوية ، ويرى أغلب المؤرخين بالمغرب أن تواجد الزوايا بالمغرب قديم بحيث يعود إلى القرن السادس هجري و ذلك مع زاوية الشيخ صالح بن حرزيهم و التي تعد أحد أقدم الزوايا بالمغرب ، و ظهور الزوايا يقترن بشكل كبير بنشوء ظاهرة التصوف ، فأغلب الدراسات المنجزة في الموضوع سواء من طرف علماء اجتماع الدين أو المؤرخين ، و دارسي التنظيمات الدينية ، تجمع على هذا الربط ، ومفهوم الزاوية هو احد اهم المفاهيم التي تمت معالجتها في عدة دراسات تناولت التصوف بالعالم الإسلامي عامة و بالمغرب بشكل خاص ، و الكلمة في اللغة مشتقة من فعل انزوى ينزوي أي أخد مكانا في ركن من أركان البيت و غيره ، و يتداخل مصطلح الزاوية بعدة مصطلحات أخرى كالرباط ، هذا الأخير يعني المكان الذي يتخذه نفر من الناس في شبه عزلة قصد العبادة و ذكر الله ، غير أنه و في كثير من الأحيان يمكن أن نطلق على الرباط زاوية ، و تقوم الزوايا على مجموعة من الشروط الأساسية ، منها على سبيل الذكر وجود الشيخ المؤسس، و الذي يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الصفات كالتقوى و الورع و المعرفة بالله و العلم الديني الواسع ، و يعتبر الشيخ المؤسس رمز الزاوية و أحد أولياء الله الصالحين ، لذلك فهو غير الأتباع و يمتاز بخاصيتين أساسيتين و هما الكرامة و العلم اللدوني .

أنفاس(من خلال الأمثال والتعبيرات العاميّة التونسيّة)          
كانت المجتمعات التي لها تراث مكتوب - في لحظة من تاريخها- مجتمعات ذات تراث شفوي. ذلك أنّ البشر ‘‘تكلّموا قبل أن يكتبوا، وأفضل حجة على ذلك دراسة بدء ظهور الكتابة’’[1]  وتعتبر تقنية التذكّر ‘‘طابع كوني في الثقافات الشفويّة’’[2]  لأنّها تحقّق التواصل وتنقل القيم والمعايير وتؤهّل الأفراد لإتقان الممارسات الطقوسيّة ولغتها إذ نجد في كلّ مدونة شعبية حِكَما وأمثالا وأقوالا ذات ‘‘شحنة رمزيّة بنفس القدر لبلاغة العيّني’’[3]  خاصة في المجتمعات ذات التّضامن العضوي القويّ حيث يكون فيها المثل ‘‘تعبيرا مكثفا لفكرة أو إحساس جماعي[4]
            ويتميّزُ هذه الأمثال  ب ‘‘قدرتها على التعبير الدقيق عن المجتمعات الممارسة لها، وتنبع هذه القدرة من طبيعتها التي تتميز بأداء الكثير من الوظائف الاجتماعية الهامة، وذلك انطلاقا من تشعبها، وانتشارها في جميع نواحي الحياة. وقد أدى هذا التشعب إلى اعتبارها المرآة التي تعكس المجتمع الذي توجد فيه’’[5]
            ونظرا لأهميّة هذه الأمثال والتعبيرات العاميّة فإنّنا سنحاول دراسة المخزون الشفوي  اللاشعوري للمجتمع وضبط خاصيات الذهنيات التي تعتبر ضروريّة في تحديد المواقف والممارسات الجماعية تجاه قضية من القضايا التي شغلت الفكر البشري منذ البدايات الأولى لوجوده وهي مسألة الموت. كما يعتبر مثل هذا التوجه في الدراسات ذو أهمية لأنه يقدم لنا جانبا من مكوّن الذهنيات الاجتماعية ويساعدنا على إكتشاف جذور الممارسات الطقوسية تجاه الموت والتي ما زال تمظّهرها إلى وقتنا الحاضر لم ينقطع. فالموت لا يعبّر عنه بما هو مكتوب فقط بل أيضا بما هو شفوي. وهذا الشفوي من مميّزاته أن المجتمع اكتسبه عبر تجاربه وتفاعلاته التاريخية مع روافد ثقافيّة ودينيّة مختلفة عرفها ومازالت -رغم الحقب التاريخيّة- تشهد عودة قويّة لأنّها تكوّن بنية مترسبة في اللاوعي الجماعي حسب عبارة Jung   وتمثل عنصرا من عناصر عادات المجتمع وثقافته فهي وليدة حسّ اجتماعي مشترك. فعندما يريد المجتمع أن يعبّر عن تصوّراته للموت شفويّا فإنّه عادة ما يختزل تجربته في أمثال*  عاميّة وتعبيرات اجتماعية سائدة. وانطلاقا منها   ‘‘كمادة حيّة’’ يستطيع الباحث الاجتماعي تحليل الموت وفهمها كظاهرة اجتماعيّة لأنّها تحتوي على ‘‘صورة الواقع’’[6].
1)    - الأمثال العاميّة التونسيّة ومشروعيّة التحليل السوسيولوجي لمضمونها:
            يمكن للأمثال والتعبيرات العاميّة أن تكون ‘‘مصدرا لا يستهان به لدراسة المجتمع، شأنها في ذلك شأن فنون القول جميعا، بل قد تكون الأمثال- باعتبارها وثيقة اجتماعيّة -أقرب إلى الصدق وأدنى إلى الأصالة من غيرها في تمثيل روح المجتمع وتصوير طبيعته العامة لأنّها نابعة من الشعب ومعبرة عن آرائه وتجاربه وإتجاهاته ’’[7]  ولهذا السبب رصدنا تصرّفات الناس ومواقفهم[8]  وحاولنا تفكيك لغتهم الخاصة بالموت والطقوس التي ترافقها.