
أما اللبنة الأولى في بنيان المعتقد فهو التفكير، وكما عرفه العلماء فإن المعتقد جملة أفكار نشأت عند الفرد أثر ظروف خاصة، ساهمت تفاعلات البيئة والمجتمع والتربية والدين والتعليم في صناعتها، من ثم اتجهت بمرور الزمن إلى مسار اليقين والجزم لتتحول إلى حقيقة لا تقبل الجدال، وإيمان يفرض على الإنسان ضرورة الدفاع عنها بشراسة بل معاداة من يخالفها، عندئذ تتحول الأفكار إلى قيم ومشاعر متأصلة في داخل النفس يعد المساس بها انتهاك لحرمة من يسلم بها.
وأفكار المعتقد تصبح حالة جماعية حينما يلعب الفرد دورا كبيرا في التأثير على الجماعة، تتشكل بعد ذلك في صور: طقوس، وتعاليم، وواجبات، ومبادئ، كما إنها تفرز مجموعة من التقاليد والأعراف والعادات ذات الطبيعة الشعبية أو الدينية أو القومية التي يتم ترسيخها في قلوب وعقول أفراد الجماعة بشتى المصادر من معلومات ومشاهد ومواقف وأقوال ومرجعيات، يقابل ذلك نشوء عاطفة قوية بين الفرد ومحتوى المعتقد حينما يجد فيه ما يدغدغ مشاعره الإنسانية، ويغذي حاجاته النفسية، ويزرع مشاعر الأمان والطمأنينة، ويعزز ارتباطه بالمطلق (الخالق) على اختلاف أسماؤه، لتظهر بعد ذلك علاقة بين هذا المعتقد والنفس البشرية تتمركز في أعماق الإنسان، فيتكاثر الأتباع والمريدون مما يولد لديهم الرغبة في تقوية مبدأ الولاء والطاعة، وتعزيز مفهوم ايجابية ونفعية تلك المثل والمبادئ، وتأصيل أفضلية تلك المبادئ دون غيرها.
هذا يقود بدوره إلى استحالة تغيير المعتقد؛ أي الثبات عليه، فمن يؤمن بالمعتقد إيمان مطلق لا ينظر لأي دليل ينافيه؛ حتى وان كان محسوسا وله علاقة بالعقل أو العلم أو بمفاهيم المنطق إنما يقابل الأدلة بالتجاهل أو الحذف أو النظر إليها نظرة دونية.