العنف ظاهرة شديدة التعقيد و التشابك و متداخلة العوامل في ظهورها و دوافعها الظاهرة و الكامنة، المباشرة و غير المباشرة، و لكن قبل تحديد مظاهر العنف سنحاول في البداية تقديم تعريف للعنف و نشأته.
أما من حيث التعريف فسنعود في هذا الإطار إلى تعريف جوليان فرويند من ضمن التعاريف دون انتقائية أو قصدية لأن الفضاء لا يسمح بسرد التعاريف المتداولة حول هذه الظاهرة، إذ يعرف العنف بأنه القوة التي تهاجم مباشرة شخص الآخرين و خيراتهم(أفرادا أو جماعات) بقصد السيطرة عليهم بواسطة مجموعة الوسائل المتاحة لذلك، وهو شكل من أشكال الاستخدام المشروع للقوة بتعبير عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر.
و يعرفه عدد من علماء السلوك بأنه نمط من أنماط السلوك الذي ينبع عن حالة إحباط مصحوب بعلامات التوتر ويحتوي على نية سيئة لإلحاق ضرر مادي ومعنوي بكائن حي أو بديل عن كائن حي.
و هو إذن تجاوز و اختراق القواعد و القوانين التي تنظم وضعيات تعتبر طبيعية أو عادية أو قانونية، فالتعريف بهذا المعنى يدل على بث الاختلال في نظام الأشياء بشكل وقتي أو دائم.
أما من حيث البحث في النشأة أو بتحديد أصل العنف، و هنا نلاحظ بأن العنف ظاهرة متأصلة في التركيبة البيولوجية للإنسان، و أن السلوك"العدواني" هو سلوك غريزي و بيولوجي في الإنسان جعل لتحقيق البقاء، و الإنسان هنا يستخدم العنف لغاية تدمير ذاته أو نوعه، و هي مبثوثة في مختلف مجالات الحياة و القطاعات.
و من مظاهر العنف الموجودة في مختلف المجتمعات، نجد الضرب والإهمال و الاهانة و الانتقام، و محاولة الايذاية للبشر و عدم احترام ذاتيتهم(الاحتقار و التجاهل و التكبر على البشر) و هو ما يمكن أن نطلق عليه ب"العنف المعنوي" و الأمر لا يختزل في الأصل الاجتماعي والمستوى العلمي و الاقتصادي أو جهة معينة ينتمي إليها صاحب هذا الفعل إن كان فردا أو مجموعة من الأفراد أو تنظيمات ضغط.
و من بين مظاهر العنف البارزة الآن في مجتمعنا التونسي، هي ظاهرة العنف اللفظي، و يعرفه علماء الاجتماع باستعمال عبارات مخلة بالآداب والأخلاق الحميدة أو سبّ الذات الإلهية. و هنا يتساءل المرء عن الأسباب التي تدفع بشباب في مجتمع عربي مسلم يعتبر إلى حدّ ما محافظا لفعل ذلك و بينت كذلك مدى مشروعية القول بالوسطية
و الاعتدال التي يتصف بها المواطن التونسي عامة و الشباب خاصة ترسيخا للفكرة السابقة، فالمجتمع التونسي كأفراد و جماعات يعرفون مفارقات بين المنطوق و الخطاب و الممارسة ليس في مسالة العنف اللفظي فقط لكن في جميع مناحي الحياة.
و بينت دراسة أنجزها المرصد الوطني للشباب أنجزها في 21 مارس 2004 و بيّنت الدراسة أن ظاهرة العنف اللفظي أصبحت متفشية في المجتمع التونسي، وهي تبرز بشكل واضح في أوساط الشباب بمختلف شرائحه مع شيء من التفاوت. وإذا كان لهذه الظاهرة جذورها التاريخية فإنّ أهم أسباب ودوافع انتشارها في الفترة الحالية وبشكل يبعث على القلق ويستدعي التدخل، جملة التحوّلات الكثيفة والسريعة التي عرفها المجتمع التونسي الحديث والمعاصر، فهي ترتبط بأسباب ثقافية و اجتماعية وحضارية ما انفكت تطبع الشخصيّة القاعدية التونسية فتجعل من العنف اللفظي خاصية من خصائصها.
وإذا بيّنت الدّراسة بعض الأبعاد الخطيرة للظاهرة فهي قد بيّنت أيضا أن مثل هذه الظواهر تمثل بالمقابل علامة حركية وحيوية ونشاط في بنية المجتمع، ذلك أن التحليل المتأني للظاهرة يفضي أحيانا إلى اعتبارها مظهرا من مظاهر حركية المجتمع وعلاقة تفاعل وتعبير ليست في كل الأحيان تحمل مخاطر التدمير والإيذان بالتخريب.
و أعد باحثون في علم الاجتماع حول العنف اللفظي لدى الشباب التونسي شملت عينة تجاوزت 600 شاب من فئات اجتماعية و أوساط ريفية وحضرية مختلفة وكذلك من الجنسين. أن 88,18% من الشباب يستخدمون العنف اللفظ من رقم آخر لفت انتباهنا في هذه الدراسة والذي يؤكد أن 62.26% يوجد في عائلتهم من يمارس هذا العنف اللفظي وتبلغ نسبة الآباء المستعملين لهذا الكلام في العائلة 21.99%. يرى بعض الشباب أن تغير سلوك الآباء تقف وراءه عدة أسباب نتيجة تأثرهم بالأحداث اليومية مثل نتائج جمعياتهم الرياضية التي يتعاطفون معها والعنف اللفظي أصبح لا يفرق بين الذكور و الإناث الذين يتلفظون بعبارات منافية للأخلاق في الشارع أمام كبار السن.
و كشفت دراسة أيضا لوزارة التربية و التكوين التونسية عن تنامي السلوكيات المنافية لقواعد العيش معا في الوسط
المدرسي، إذ وصفت الدراسة بتكرر العنف اللفظي و الجسدي الذي أصبح ظاهرة ملفتة ومصدر قلق وانشغال في تونس الظاهرة بالصورة المفزعة التي باتت تقض مضاجع مختلف الأطراف و استعرضت أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة التي أجريت في هذا السياق.
فلئن يعتبر عنف الشباب و اليافعين "موضة" جديدة في هذا العصر بسبب انقلاب المفاهيم السلوكية و التربوية و تغير القيم و غيرها من الثوابت، فإن ما يحدث في المؤسسات التربوية التونسية يفرض على الجميع العمل على البحث عن الأسباب الرئيسية للعنف التلمذي و طرح السؤال: لماذا أصبح التلميذ عنيفا.
و فسرت الدراسة بروز ظاهرة العنف في المدارس التونسية والتي تعود إلى أواخر التسعينات بالنمو الكبير الذي شهده عدد التلاميذ المرتقين إلى التعليم الإعدادي والتعليم الثانوي. إذ تم تسجيل 2054 حالة عنف تسبب فيها التلاميذ خلال السنة الدراسية 2004/2005. و قد بلغت نسبة حالات العنف داخل الأقسام 57.39 بالمائة، و تراوح عدد التلاميذ المعاقبين بعد إحالتهم على مجلس التربية بين 4 و5 بالمائة.
إن ما يقال عن العنف داخل الوسط المدرسي يركز فيه على التلميذ، لكن العنف في المدرسة التونسية هو أعمق بذلك بكثير، و يتم تعتيم حالات العنف الأخرى بتعلة الحفاظ على استقرار المؤسسة التربوية، فكيف يحمى العنف بالاستقرار؟
أمام في باب المقترحات لمعالجة هذه الظاهرة، ففي البداية لا بد أن نبين نقطتين مهمتين، الأولى متمثلة في العودة إلى أهل الاختصاص بمعنى أن في تونس اليوم أصبحت هناك ظاهرة الحديث في كل شيء عن ظواهر ليست من مشمولات العديد من الأطراف فهذا الفضول و في أحيان كثيرة التطفل عن العلم و الاختصاص من الظواهر السلبية التي لا تمكن من تحليل هذه الظاهرة و مختلف أبعادها بشكل علمي و متزن و عقلاني و تختلط بالتالي التحاليل غير العلمية و التي تحولت إلى نموذج و أصبحت لها تأثير و هيمنة على المؤسسات و المجتمع مع تحاليل المختصين.
إن العديد من المشتغلين في العديد من المؤسسات و خاصة مما يسموا"مسئولين" في البلاد التونسية ليس لهم المعرفة و العلم و التجربة الميدانية الكافية للحديث عن هذه الظاهرة أو غيرها، لكن الرغبة في البروز و قول أي شيء أصبح ميزة ما يسمى ببعض"مسئولين".
النقطة الثانية المهمة، و هي ضرورة أن تكون هناك أعمال علمية ميدانية أولية متواصلة و متراكمة سواء في مستوى الباحثين الاجتماعيين كأفراد أو منضوين تحت خلايا بحث أو مراكز بحوث أو أعمال داخل أسوار الجامعة لكي تصبح مختلف وسائل التدخل العلمية أكثر مرودية و نجاعة من هذه وضوح النتائج و اجرائيتها.
و بناء على ذلك فإن المقترح الأول يتطلب تدعيم مختلف المؤسسات المهنية و العلمية و البحثية بمختصين في علم الاجتماع، إضافة إلى مختصين في اختصاصات العلوم الإنسانية الأخرى للقيام بالبحث و التنقيب و كذلك بعمليات الإصغاء و الحوار المرتبط بالواقع الفردي و الجماعي و هي مجموعة من الأدوات و المهارات العلمية التي تمكن من فهم بعض السلوكيات الاجتماعية و دوافعها و مبرراتها، و تأتي فيما بعد عملية المساعدة لبعض الأفراد أو المجموعات لتجاوز أي سلوك غير مألوف و معروف لدى العرف الاجتماعي.
و هنا تأتي عملية التفاوض الاجتماعي المشروط بضوابط إنسانية أخلاقية و حقوقية و اجتماعية باعتبارها عملية تقلص من حاجات و رغبات الأفراد و الجماعات اللامحدود و بين طلبات الآخرين في توفير هذه الرغبات و الحاجات الممكنة في إطار قيمي و ثقافي قائم على الود و الحميمية و حب الخير للبشر و المجتمع ككل.
المقترح الثاني، و هو مواصلة للمقترح الثاني و الذي يتمثل في إعادة تصور المخزون النفسي و الاجتماعي
و الحضاري لدى الأفراد و الجماعات، إذ أن الفهم السائد و الغالب على هذا المخزون في مجتمعنا سيطرة المعاني السطحية و الظاهرة، و كذلك البعد النفعي البراغمتي البحت لهذا المخزون، فلا يكفي القول مثلا بأننا ننتمي إلى منطقة متوسطية و معتدلة في دينها و سلوكها، و لا يجسد هذا المبدأ في أبسط سلوك و تصرف اجتماعي عمليا.
أما المقترح الثالث و الأخير للحد من هذه الظاهرة و هو أنه لا بد أن يتحمل مختلف الأطراف الاجتماعية مسؤوليتها ليس بمنطق الوصاية أو الوعظ أو القوالب المنمطة، بل ضمن تدريب مختلف الفاعلين و المؤسسات الاجتماعية على تمثل أدوارهم بشكل مطلوب و المساهمة مع بقية المؤسسات في تكملة هذا الدور المنوط بكل مؤسسة، لأن هذه الدربة و هذا التفاعل و التواصل بين مختلف الأطراف سيجعل الأنظمة و الأنساق الاجتماعية متوازنة مع نفسها و مع الآخرين.
إن البحث عن صورة أفضل للمجتمع التونسي عبر معالجة ما يمكن أن يعترضه من مظاهر الباتولوجيا الاجتماعية الناجمة عن حركية المجتمع وتطوره الدائم و التغيرات الحاصلة فيه يقتضي التنبّيه إلى أهمية تفسير دوافع وأسباب ظاهرة العنف المنتشرة و على وضع مقترحات عمليّة للتصدّي إلى مخاطرها وانعكاساتها السلبية، دون الوقوع في وهم القضاء عليها جملة وتفصيلا، لأن ذلك غير ممكن ولا محبذ أيضا.
عموما، فإن البارز الآن هو أن كل فرد أو مجموعة هيمنة أو ضغط داخل المجتمع تريد أن تأخذ كل شيء دون أن تعطي أي شيء، إن مبدأ الأخذ وعدم العطاء أو ما يمكن تسميته"بالأنانية و حب الذات و المصلحة المطلقة" والتبادل غير السوي والمتوازن للمنافع والمصالح وتحكم وسيطرة لمختلف الرساميل المنتشرة في مختلف قطاعات المجتمع وإعادة إنتاجها لضمان مصالح مجموعة مستأثرة بالحقل والموقع التي تشغله، و عدم ترك المجال أو المنفذ لأي طرف أو مجموعة مهيمن عليها لتنهض بنفسها من جديد هو جزء عميق وكبير من إشكالية العنف الموجودة وانتشارها في المجتمع التونسي، إضافة إلى تراجع مخزون القيم الاجتماعية الدافعة إلى بناء اجتماعي متوازن بين مختلف الشرائح الاجتماعية، في مقابل ذلك ما يسمى ب"الأخلاق الحميدة" أين وصلت مؤسسات المجتمع في المحافظة عليها و نشرها إن كانت لديها هذه الرغبة و هذا الحرص سواء الملح أم العابر؟ كما نتساءل أيضا حول مقاييس السلوك غير السوي داخل المجتمع التونسي، ما هو الفعل المجرم اجتماعيا، و لماذا نعطي شرعية أو لا شرعية لفعل ما بصفة مطلقة إذا ما تعرضت مصالح المهيمنين أو المصالح الشخصية للضرر؟ ما هو مفهوم العائلة التونسية اليوم و أسسها في التربية و التنشئة الاجتماعية و دورها في السلوك الاجتماعي المنسجم مع المعايير و القيم الاجتماعية؟
و الاعتدال التي يتصف بها المواطن التونسي عامة و الشباب خاصة ترسيخا للفكرة السابقة، فالمجتمع التونسي كأفراد و جماعات يعرفون مفارقات بين المنطوق و الخطاب و الممارسة ليس في مسالة العنف اللفظي فقط لكن في جميع مناحي الحياة.
و بينت دراسة أنجزها المرصد الوطني للشباب أنجزها في 21 مارس 2004 و بيّنت الدراسة أن ظاهرة العنف اللفظي أصبحت متفشية في المجتمع التونسي، وهي تبرز بشكل واضح في أوساط الشباب بمختلف شرائحه مع شيء من التفاوت. وإذا كان لهذه الظاهرة جذورها التاريخية فإنّ أهم أسباب ودوافع انتشارها في الفترة الحالية وبشكل يبعث على القلق ويستدعي التدخل، جملة التحوّلات الكثيفة والسريعة التي عرفها المجتمع التونسي الحديث والمعاصر، فهي ترتبط بأسباب ثقافية و اجتماعية وحضارية ما انفكت تطبع الشخصيّة القاعدية التونسية فتجعل من العنف اللفظي خاصية من خصائصها.
وإذا بيّنت الدّراسة بعض الأبعاد الخطيرة للظاهرة فهي قد بيّنت أيضا أن مثل هذه الظواهر تمثل بالمقابل علامة حركية وحيوية ونشاط في بنية المجتمع، ذلك أن التحليل المتأني للظاهرة يفضي أحيانا إلى اعتبارها مظهرا من مظاهر حركية المجتمع وعلاقة تفاعل وتعبير ليست في كل الأحيان تحمل مخاطر التدمير والإيذان بالتخريب.
و أعد باحثون في علم الاجتماع حول العنف اللفظي لدى الشباب التونسي شملت عينة تجاوزت 600 شاب من فئات اجتماعية و أوساط ريفية وحضرية مختلفة وكذلك من الجنسين. أن 88,18% من الشباب يستخدمون العنف اللفظ من رقم آخر لفت انتباهنا في هذه الدراسة والذي يؤكد أن 62.26% يوجد في عائلتهم من يمارس هذا العنف اللفظي وتبلغ نسبة الآباء المستعملين لهذا الكلام في العائلة 21.99%. يرى بعض الشباب أن تغير سلوك الآباء تقف وراءه عدة أسباب نتيجة تأثرهم بالأحداث اليومية مثل نتائج جمعياتهم الرياضية التي يتعاطفون معها والعنف اللفظي أصبح لا يفرق بين الذكور و الإناث الذين يتلفظون بعبارات منافية للأخلاق في الشارع أمام كبار السن.
و كشفت دراسة أيضا لوزارة التربية و التكوين التونسية عن تنامي السلوكيات المنافية لقواعد العيش معا في الوسط
المدرسي، إذ وصفت الدراسة بتكرر العنف اللفظي و الجسدي الذي أصبح ظاهرة ملفتة ومصدر قلق وانشغال في تونس الظاهرة بالصورة المفزعة التي باتت تقض مضاجع مختلف الأطراف و استعرضت أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة التي أجريت في هذا السياق.
فلئن يعتبر عنف الشباب و اليافعين "موضة" جديدة في هذا العصر بسبب انقلاب المفاهيم السلوكية و التربوية و تغير القيم و غيرها من الثوابت، فإن ما يحدث في المؤسسات التربوية التونسية يفرض على الجميع العمل على البحث عن الأسباب الرئيسية للعنف التلمذي و طرح السؤال: لماذا أصبح التلميذ عنيفا.
و فسرت الدراسة بروز ظاهرة العنف في المدارس التونسية والتي تعود إلى أواخر التسعينات بالنمو الكبير الذي شهده عدد التلاميذ المرتقين إلى التعليم الإعدادي والتعليم الثانوي. إذ تم تسجيل 2054 حالة عنف تسبب فيها التلاميذ خلال السنة الدراسية 2004/2005. و قد بلغت نسبة حالات العنف داخل الأقسام 57.39 بالمائة، و تراوح عدد التلاميذ المعاقبين بعد إحالتهم على مجلس التربية بين 4 و5 بالمائة.
إن ما يقال عن العنف داخل الوسط المدرسي يركز فيه على التلميذ، لكن العنف في المدرسة التونسية هو أعمق بذلك بكثير، و يتم تعتيم حالات العنف الأخرى بتعلة الحفاظ على استقرار المؤسسة التربوية، فكيف يحمى العنف بالاستقرار؟
أمام في باب المقترحات لمعالجة هذه الظاهرة، ففي البداية لا بد أن نبين نقطتين مهمتين، الأولى متمثلة في العودة إلى أهل الاختصاص بمعنى أن في تونس اليوم أصبحت هناك ظاهرة الحديث في كل شيء عن ظواهر ليست من مشمولات العديد من الأطراف فهذا الفضول و في أحيان كثيرة التطفل عن العلم و الاختصاص من الظواهر السلبية التي لا تمكن من تحليل هذه الظاهرة و مختلف أبعادها بشكل علمي و متزن و عقلاني و تختلط بالتالي التحاليل غير العلمية و التي تحولت إلى نموذج و أصبحت لها تأثير و هيمنة على المؤسسات و المجتمع مع تحاليل المختصين.
إن العديد من المشتغلين في العديد من المؤسسات و خاصة مما يسموا"مسئولين" في البلاد التونسية ليس لهم المعرفة و العلم و التجربة الميدانية الكافية للحديث عن هذه الظاهرة أو غيرها، لكن الرغبة في البروز و قول أي شيء أصبح ميزة ما يسمى ببعض"مسئولين".
النقطة الثانية المهمة، و هي ضرورة أن تكون هناك أعمال علمية ميدانية أولية متواصلة و متراكمة سواء في مستوى الباحثين الاجتماعيين كأفراد أو منضوين تحت خلايا بحث أو مراكز بحوث أو أعمال داخل أسوار الجامعة لكي تصبح مختلف وسائل التدخل العلمية أكثر مرودية و نجاعة من هذه وضوح النتائج و اجرائيتها.
و بناء على ذلك فإن المقترح الأول يتطلب تدعيم مختلف المؤسسات المهنية و العلمية و البحثية بمختصين في علم الاجتماع، إضافة إلى مختصين في اختصاصات العلوم الإنسانية الأخرى للقيام بالبحث و التنقيب و كذلك بعمليات الإصغاء و الحوار المرتبط بالواقع الفردي و الجماعي و هي مجموعة من الأدوات و المهارات العلمية التي تمكن من فهم بعض السلوكيات الاجتماعية و دوافعها و مبرراتها، و تأتي فيما بعد عملية المساعدة لبعض الأفراد أو المجموعات لتجاوز أي سلوك غير مألوف و معروف لدى العرف الاجتماعي.
و هنا تأتي عملية التفاوض الاجتماعي المشروط بضوابط إنسانية أخلاقية و حقوقية و اجتماعية باعتبارها عملية تقلص من حاجات و رغبات الأفراد و الجماعات اللامحدود و بين طلبات الآخرين في توفير هذه الرغبات و الحاجات الممكنة في إطار قيمي و ثقافي قائم على الود و الحميمية و حب الخير للبشر و المجتمع ككل.
المقترح الثاني، و هو مواصلة للمقترح الثاني و الذي يتمثل في إعادة تصور المخزون النفسي و الاجتماعي
و الحضاري لدى الأفراد و الجماعات، إذ أن الفهم السائد و الغالب على هذا المخزون في مجتمعنا سيطرة المعاني السطحية و الظاهرة، و كذلك البعد النفعي البراغمتي البحت لهذا المخزون، فلا يكفي القول مثلا بأننا ننتمي إلى منطقة متوسطية و معتدلة في دينها و سلوكها، و لا يجسد هذا المبدأ في أبسط سلوك و تصرف اجتماعي عمليا.
أما المقترح الثالث و الأخير للحد من هذه الظاهرة و هو أنه لا بد أن يتحمل مختلف الأطراف الاجتماعية مسؤوليتها ليس بمنطق الوصاية أو الوعظ أو القوالب المنمطة، بل ضمن تدريب مختلف الفاعلين و المؤسسات الاجتماعية على تمثل أدوارهم بشكل مطلوب و المساهمة مع بقية المؤسسات في تكملة هذا الدور المنوط بكل مؤسسة، لأن هذه الدربة و هذا التفاعل و التواصل بين مختلف الأطراف سيجعل الأنظمة و الأنساق الاجتماعية متوازنة مع نفسها و مع الآخرين.
إن البحث عن صورة أفضل للمجتمع التونسي عبر معالجة ما يمكن أن يعترضه من مظاهر الباتولوجيا الاجتماعية الناجمة عن حركية المجتمع وتطوره الدائم و التغيرات الحاصلة فيه يقتضي التنبّيه إلى أهمية تفسير دوافع وأسباب ظاهرة العنف المنتشرة و على وضع مقترحات عمليّة للتصدّي إلى مخاطرها وانعكاساتها السلبية، دون الوقوع في وهم القضاء عليها جملة وتفصيلا، لأن ذلك غير ممكن ولا محبذ أيضا.
عموما، فإن البارز الآن هو أن كل فرد أو مجموعة هيمنة أو ضغط داخل المجتمع تريد أن تأخذ كل شيء دون أن تعطي أي شيء، إن مبدأ الأخذ وعدم العطاء أو ما يمكن تسميته"بالأنانية و حب الذات و المصلحة المطلقة" والتبادل غير السوي والمتوازن للمنافع والمصالح وتحكم وسيطرة لمختلف الرساميل المنتشرة في مختلف قطاعات المجتمع وإعادة إنتاجها لضمان مصالح مجموعة مستأثرة بالحقل والموقع التي تشغله، و عدم ترك المجال أو المنفذ لأي طرف أو مجموعة مهيمن عليها لتنهض بنفسها من جديد هو جزء عميق وكبير من إشكالية العنف الموجودة وانتشارها في المجتمع التونسي، إضافة إلى تراجع مخزون القيم الاجتماعية الدافعة إلى بناء اجتماعي متوازن بين مختلف الشرائح الاجتماعية، في مقابل ذلك ما يسمى ب"الأخلاق الحميدة" أين وصلت مؤسسات المجتمع في المحافظة عليها و نشرها إن كانت لديها هذه الرغبة و هذا الحرص سواء الملح أم العابر؟ كما نتساءل أيضا حول مقاييس السلوك غير السوي داخل المجتمع التونسي، ما هو الفعل المجرم اجتماعيا، و لماذا نعطي شرعية أو لا شرعية لفعل ما بصفة مطلقة إذا ما تعرضت مصالح المهيمنين أو المصالح الشخصية للضرر؟ ما هو مفهوم العائلة التونسية اليوم و أسسها في التربية و التنشئة الاجتماعية و دورها في السلوك الاجتماعي المنسجم مع المعايير و القيم الاجتماعية؟
جعفر حسين
باحث في علم الاجتماع من تونس
باحث في علم الاجتماع من تونس