أنفاسيتخذ مفهوم الهيمنة عند ماركس طابعاً اجتماعياً وتاريخياً هو طابعه الطبقي، يحدده وضعه في البنية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة. لأن ماركس، حين كان يلح على أن شروط الثورة هي شروط بنيوية، تشمل البنية في تعقد مستوياتها (المستوى الاقتصادي، والمستوى السياسي، والمستوى الايديولوجي)، كان يعتبر أن البنية التحتية هي المهيمنة معنى هذا، أن البنية التحتية، باعتبارها الهيكل العظمي الاقتصادي للجسم الاجتماعي، حيث أن العلاقات الانتاجية، في مجموعها، وبشكل خاص، التي قامت على أساس القوى المنتجة، تألف القاعدة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع في مرحلة معينة من مراحل تطوره التاريخي، وتألف أيضاً الأفكار، والايديولوجيات، والمؤسسات، والعلاقات الاجتماعية، لهذه التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية أو تلك، هذه البنية حاضره في البنية الفوقية الايديولوجية، والمؤسساتية، والحقوقية الخاصة بها، والتي هي نتاج لها، ومرتبطة عضوياً بها، وتؤثر فيها تأثيراً فعالاً. غير أن هذا الشكل من الحضور للبنية التحتية، أي للبنية الاجتماعية في البنية الفوقية، أي البنية الفكرية، والايديولوجية والثقافية، ليس حضوراً متماثلاً، بل هو مختلف، من ايديولوجية طبقية إلى ايديولوجية أخرى، باعتبار هذا الحضور يتحدد مباشرة بالبعد الاجتماعي، أي بالبعد الطبقي، أي من وجهة نظر طبقية محددة. كما أن "تطور البنية الايديولوجية العامة، كتطور البنية الاجتماعية الشاملة تطور تفاوتي لابد أن تكون السيطرة فيه، في كل مرحلة من مراحله، لبنية فكرية محددة، أي لايديولوجية طبقية محددة، هي بشكل عام ايديولوجية الطبقة المسيطرة. وهذا ما يساعدنا على فهم مقولة لينين الشهيرة "إن الصراع الايديولوجي شكل من أشكال الصراع الطبقي"(1).‏
إذا كانت، بالنسبة لماركس، معرفة الطابع التاريخي للبنية التحتية، باعتبارها المهيمنة، تصبح قضية حيوية، لأن لها صلة بالنتيجة التي تعكسها بنية التاريخ الداخلية للمجتمع في أفق تطور الرأسمالية، الذي أنتج البروليتاريا، وبمجرى تطور البروليتاريا ذاتها في مرحلة معينة من التطور الاجتماعي، فإنه في الوقت عينه يؤكد على الطابع الشمولي لوعي البروليتاريا الطبقي، لكي تدخل البروليتاريا كذات طبقية واعية وعارفة بالمهفوم الجدلي، معترك الصراعات الطبقية بأبعادها المختلفة الاقتصادية والايديولوجية، والسياسية، وتخوض معاركها الحاسمة ضد البرجوازية، كما يتطلبه ذلك التطور التاريخي بالحاح، وكذلك ضرورة الثورة الاجتماعية، من أجل فرض هيمنتها. في كتاب "الايديولوجية الألمانية، حدد كل من ماركس وأنجلز في فصل تحت عنوان "شروط الملكية الخاصة ونتائجه" "إن التملك يتقرر بطريقة تكون فعالة. ولن تكون هذه الطريقة فعالة إلا من خلال الاتحاد. هذا الاتحاد الذي يصبح شاملاً بسبب الطابع الشمولي للبروليتاريا نفسه. ومن خلال ثورة تطيح من جهة بسيادة الطريقة الانتاجية والعلاقة السابقة للتنظيم الاجتماعي، ومن جهة أخرى يتطور الطابع الشمولي وطاقة البروليتاريا التي من غيرها لا يمكن إنجاز الثورة، والتي بواسطتها تحدد البروليتاريا نفسها من شيء لا يزال عالقاً بها من وضعها السابق في المجتمع".‏

أنفاسالتصوف بالغرب الإسلامي ، هكذا يحب الكثير من الباحثين المهتمين بالحقل الديني الحديث عن التصوف بالمغرب ، و رغم أن الغرب قد لا يعني المغرب بشكل خالص إلا أن عبارة التصوف تجر إلى المغرب أكثر منها إلى أي بلد أخر من الغرب الإسلامي ، فالتصوف كثيرا ما يعد ميزة خاصا للمغرب ، و الحديث هنا يجد ما يؤكده على أرض الواقع ، فالمغرب كما هو معلوم توجد به العديد من الزوايا ، و تأخذ شكل الانتشار الشامل لمختلف جهات المملكة ، فتجد في شمال المملكة كلا من الزاوية الحرقية بتطوان و الزاوية الصديقية بطنجة ، إضافة إلى ضريح العارف بالله المولى عبد السلام بن مشيش ، و في الجهة الشرقية توجد احد أكبر الزوايا الصوفية بالمغرب ، الزاوية القادرية البودشيشية ، الضاربة جذورها في التاريخ ، و التي تقع بقرية مداغ إقليم بركان ، و لها نفوذ كبير في الجهة ، إضافة إلى عدد من المريدين و الذين ينحدرون من عدة بقاع من العالم ، و توجد بفاس العاصمة العلمية للبلاد أحد أهم الزوايا بالمغرب ، الزاوية التجانية ، و خاصية هذه الزاوية هو حجم المريدين الكبير ، إضافة إلى أن أغلبهم ينتمون إلى بلدان أفرقيا كالسينغال و نيجريا و مالي و غيرها من البلدان الإفريقية ، و تقع هذه الزاوية في المدينة القديمة و يتواجد بها ضريح الشيخ المؤسس سيدي أحمد التيجاني ، و هناك عدة زوايا أخرى بالمغرب توجد بمكناس و مراكش و طنجة و افران ، و تعتبر الزوايا أحد اهم التنظيمات الدينية بالمغرب الحديث ، و دلك بالنظر إلى عدة عوامل تحيط بها ، منها ما هو سياسي و ما هو اجتماعي ، إضافة إلى العامل الروحي الذي يشكل أساس كل زاوية ، ويرى أغلب المؤرخين بالمغرب أن تواجد الزوايا بالمغرب قديم بحيث يعود إلى القرن السادس هجري و ذلك مع زاوية الشيخ صالح بن حرزيهم و التي تعد أحد أقدم الزوايا بالمغرب ، و ظهور الزوايا يقترن بشكل كبير بنشوء ظاهرة التصوف ، فأغلب الدراسات المنجزة في الموضوع سواء من طرف علماء اجتماع الدين أو المؤرخين ، و دارسي التنظيمات الدينية ، تجمع على هذا الربط ، ومفهوم الزاوية هو احد اهم المفاهيم التي تمت معالجتها في عدة دراسات تناولت التصوف بالعالم الإسلامي عامة و بالمغرب بشكل خاص ، و الكلمة في اللغة مشتقة من فعل انزوى ينزوي أي أخد مكانا في ركن من أركان البيت و غيره ، و يتداخل مصطلح الزاوية بعدة مصطلحات أخرى كالرباط ، هذا الأخير يعني المكان الذي يتخذه نفر من الناس في شبه عزلة قصد العبادة و ذكر الله ، غير أنه و في كثير من الأحيان يمكن أن نطلق على الرباط زاوية ، و تقوم الزوايا على مجموعة من الشروط الأساسية ، منها على سبيل الذكر وجود الشيخ المؤسس، و الذي يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الصفات كالتقوى و الورع و المعرفة بالله و العلم الديني الواسع ، و يعتبر الشيخ المؤسس رمز الزاوية و أحد أولياء الله الصالحين ، لذلك فهو غير الأتباع و يمتاز بخاصيتين أساسيتين و هما الكرامة و العلم اللدوني .

أنفاس(من خلال الأمثال والتعبيرات العاميّة التونسيّة)          
كانت المجتمعات التي لها تراث مكتوب - في لحظة من تاريخها- مجتمعات ذات تراث شفوي. ذلك أنّ البشر ‘‘تكلّموا قبل أن يكتبوا، وأفضل حجة على ذلك دراسة بدء ظهور الكتابة’’[1]  وتعتبر تقنية التذكّر ‘‘طابع كوني في الثقافات الشفويّة’’[2]  لأنّها تحقّق التواصل وتنقل القيم والمعايير وتؤهّل الأفراد لإتقان الممارسات الطقوسيّة ولغتها إذ نجد في كلّ مدونة شعبية حِكَما وأمثالا وأقوالا ذات ‘‘شحنة رمزيّة بنفس القدر لبلاغة العيّني’’[3]  خاصة في المجتمعات ذات التّضامن العضوي القويّ حيث يكون فيها المثل ‘‘تعبيرا مكثفا لفكرة أو إحساس جماعي[4]
            ويتميّزُ هذه الأمثال  ب ‘‘قدرتها على التعبير الدقيق عن المجتمعات الممارسة لها، وتنبع هذه القدرة من طبيعتها التي تتميز بأداء الكثير من الوظائف الاجتماعية الهامة، وذلك انطلاقا من تشعبها، وانتشارها في جميع نواحي الحياة. وقد أدى هذا التشعب إلى اعتبارها المرآة التي تعكس المجتمع الذي توجد فيه’’[5]
            ونظرا لأهميّة هذه الأمثال والتعبيرات العاميّة فإنّنا سنحاول دراسة المخزون الشفوي  اللاشعوري للمجتمع وضبط خاصيات الذهنيات التي تعتبر ضروريّة في تحديد المواقف والممارسات الجماعية تجاه قضية من القضايا التي شغلت الفكر البشري منذ البدايات الأولى لوجوده وهي مسألة الموت. كما يعتبر مثل هذا التوجه في الدراسات ذو أهمية لأنه يقدم لنا جانبا من مكوّن الذهنيات الاجتماعية ويساعدنا على إكتشاف جذور الممارسات الطقوسية تجاه الموت والتي ما زال تمظّهرها إلى وقتنا الحاضر لم ينقطع. فالموت لا يعبّر عنه بما هو مكتوب فقط بل أيضا بما هو شفوي. وهذا الشفوي من مميّزاته أن المجتمع اكتسبه عبر تجاربه وتفاعلاته التاريخية مع روافد ثقافيّة ودينيّة مختلفة عرفها ومازالت -رغم الحقب التاريخيّة- تشهد عودة قويّة لأنّها تكوّن بنية مترسبة في اللاوعي الجماعي حسب عبارة Jung   وتمثل عنصرا من عناصر عادات المجتمع وثقافته فهي وليدة حسّ اجتماعي مشترك. فعندما يريد المجتمع أن يعبّر عن تصوّراته للموت شفويّا فإنّه عادة ما يختزل تجربته في أمثال*  عاميّة وتعبيرات اجتماعية سائدة. وانطلاقا منها   ‘‘كمادة حيّة’’ يستطيع الباحث الاجتماعي تحليل الموت وفهمها كظاهرة اجتماعيّة لأنّها تحتوي على ‘‘صورة الواقع’’[6].
1)    - الأمثال العاميّة التونسيّة ومشروعيّة التحليل السوسيولوجي لمضمونها:
            يمكن للأمثال والتعبيرات العاميّة أن تكون ‘‘مصدرا لا يستهان به لدراسة المجتمع، شأنها في ذلك شأن فنون القول جميعا، بل قد تكون الأمثال- باعتبارها وثيقة اجتماعيّة -أقرب إلى الصدق وأدنى إلى الأصالة من غيرها في تمثيل روح المجتمع وتصوير طبيعته العامة لأنّها نابعة من الشعب ومعبرة عن آرائه وتجاربه وإتجاهاته ’’[7]  ولهذا السبب رصدنا تصرّفات الناس ومواقفهم[8]  وحاولنا تفكيك لغتهم الخاصة بالموت والطقوس التي ترافقها.

أنفاستمهيد: "المقدمة" والسياسة‏
إذا أنعمنا النظر في "مقدمة" ابن خلدون في ضوء ما آل إليه علم الاجتماع، وجدنا أنه رأى فيها الموضوع الاجتماعي من أكثر جوانبه، وأن دراسة منهجية لها من شأنها أن تبين هذه الجوانب؛ لا سيما أن ابن خلدون كتب "مقدمته" في مدة قصيرة لا تتجاوز الخمسة أشهر (1)؛ من دون أن يجد له متسعاً من الوقت يساعده على عرض موضوعه عرضاً منظماً؛ بحيث يعرض الظواهر الاجتماعية ظاهرة ظاهرة، بعد تحديد الموضوع العام لعلم الاجتماع.‏
والحقيقة، أن ابن خلدون لا يقتصر في "مقدمته" على الموضوع العام لعلم الاجتماع بل يتجاوزه إلى ظواهره الاجتماعية المختلفة، كالظاهرة التعليمية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والمعرفية واللغوية والأدبية الخ... لكننا لن نتعرض لهذا كله هنا، وإنما نريد أن نتوقف عند ظاهرة واحدة هنا، هي الظاهرة السياسية، بما هي ظاهرة اجتماعية.‏
إن أول سؤال يطرح نفسه علينا –ونحن بصدد موضوع السياسة عند ابن خلدون –هو الكيفية التي طرح بها مسألة الدولة في "مقدمته". فهل فهمها كما نفهمها نحن اليوم على أنها علم الدولة، أو فن حكم المجتمعات؟ هل درسها دراسة وضعية أو تاريخية أو مقارنة؟ أو تراه فهمها فهماً آخر مغايراً؟ ما المبادئ التي استند إليها؟ وما الأفكار التي نادى بها؟ وهل وقف عند حدود الوصف، أو تعداها إلى التوجيه والإرشاد؟‏
إن الإجابة عن هذه الأسئلة لا يمكن أن نقدمها قبل عرض آرائه في الدولة والسياسة.‏
فعندئذ يحق لنا أن نرجح رأياً، أو نجزم بفكرة. لهذا لا بد لنا من أن نشرع بتحديد المسائل التي سنتناولها في بحثنا هذا؛ لنتمكن من تبني رأي محدد بهذا الصدد.‏
أما المسألة الأولى التي سنشرع في تناولها، فتتعلق بنشأة الدولة في المجتمع وما يرافقها من سلطة، وارتباط ذلك بالعصبية والرئاسة والتغلب في المجتمعين البدوي والحضري؛ لكي ننتقل من بعد إلى مسألة الدولة ذاتها؛ فنتكلم على نطاقها وأجيالها المتعاقبة وشأوها الذي تبلغه؛ في سبيل النظر إلى مسألة جبايتها وتأثير هذه الجباية في ازدهارها من ناحية، وفي اضمحلالها من ناحية أخرى.‏
1-    نشأة الدولة‏
قبل أن نعرض لرأي ابن خلدون في نشوء الدولة، لا بد لنا من أن نضع نصب أعيينا الرأي الذي انتدب نفسه لمعارضته، والذي يسميه رأي الفلاسفة. لقد لاحظ هو نفسه اختلافه في الرأي عن الرأي الذي كان سائداً في مجتمعه، والذي يرد نشوء الدولة والسلطة إلى الشرع المفروض من عند الله. لهذا فإننا سنبدأ بعرض هذا الرأي، قبل عرض نظرية ابن خلدون.‏

أنفاس يقصد بالثقافة في هذا المقام ذلك الإطار الفكري الجامع، الذي يقوم بتوحيد الأفق الذهني للمنضوين تحت لوائه كأعضاء في انتماء إلى كيان واحد. وهو ما يتم عادة من خلال نظام متكامل ومتماسك من اللغة والرموز والشعارات والشعائر والمعتقدات الموجهة لسلوك ومواقف وعلاقات وتفاعلات أعضاء الجماعة. الثقافة الأصولية بهذا المعنى، هي إذن تلك المبادئ الموجهة لسلوك الجماعة الأصولية وأعضائها.
على أنه لا بد من الإشارة إلى العلاقة ما بين هذه الثقافة وبين الإيديولوجيا. بالطبع إن كل ثقافة هي في النهاية نوع من الإيديولوجيا. إلا أنه في الحالة الأصولية قد تتجاوز الثقافة حالة الإطار الجامع كي ترتفع إلى مرتبة العقيدة الصريحة التي تمثل مشروعاً وجودياً وسياسياً. يتم الإنتقال عندها إلى حالة اليقين المطلق المتسم بالحق واحتكاره، في نظر من يعتنق هذه العقيدة، وذلك على نقيض عقيدة الآخر التي تتسم بالضلال والبطلان. وبالتالي يتعين محاربتها بلا هوادة. الإيديولوجيا هنا ترتدي إذاً طابعاً نظامياً قاطعاً يحدد مسارات الرؤية والممارسة، كما يحدد الأهداف التي ينبغي العمل على تحقيقها، ووسائل الوصول إليها. إننا في هذه الحالة بإزاء نظرة معيارية انتقائية تأويلية للذات والكون، يتخير فيها المرء الأشياء ويؤوّل الوقائع بكيفية تظهرها دائماً مطابقة لما يعتقد أنه الأصح والحق والواجب المطلوب الإلتزام به، والسعي من أجل تحقيقه. حيث لا تستقيم الأمور إلا بإدراك هذه الغاية.
نكون بصدد ثقافة أصولية بمعنى الإطار الجامع، في حالات التجمعات التي تكتفي، في سعيها للخلاص، بالتمسك بالشعائر والممارسات والدعوة إلى الهداية. ونتحول إلى الإيديولوجيا الأصولية حين تنخرط الجماعة في مشروع سياسي تغييري يتوسل الوصول إلى السلطة لتحقيق غاياته، ويحاول فرض موقفه كخيار أوحد.
تتلاقى الأدبيات وتتوافق إلى حد بعيد حول مكوّنات الثقافة الأصولية. ولهذا يمكن الاقتصار على الحديث عن بعضها، لأن ما عداه يكرر الأفكار نفسها. وتتكون هذه من التعاليم من ناحية، ومن الشعائر والشارات والرموز من ناحية ثانية.
رأينا كيف أن الأصولية البروتستانتية الأمريكية تنادي بالتمسك بأساسيات الدين المسيحي المتمثلة بالتأويل الحرفي للنصوص، وولادة المسيح، وعودته الثانية التي يستتب معها السلام لألف عام قادمة، والخلو من الضلال والحصول على الغفران. ويصاحب هذه التعاليم رد فعل عنيف على كل المظاهر الاجتماعية التي تعتبر انحلالاً وضلالاً من مثل انتشار الإيدز والجنسية المثلية. إنها تعتبر نوعاً من الآفات التي تمثل العقاب السماوي على الضلال والإنخراط في مظاهر الحداثة الإستهلاكية.
ويتمم هذا الموقف المتشدد، بل المتطرف من الخارج، موقف متزمت من الذات والسلوك حيث يمنع التدخين وشرب الكحول، والرقص، ومشاهدة الأفلام.

 أنفاس   I - تقديم :
أفيقــوا علينــا، فإنـا رُزئنـــا    بعيد السحير قبـيل الشروق
ببيضـــاء غـيداء بهنـــانـــة    تضوع نشرا كمسك فتيـــق
تمايل سكرى كمثل الغصون    ثنتها الرياح كمثل الشقيــق
بردف مهول كدعص النقـــا    ترجرج مثل سنـام الفنيـــق
فما لامنـي في هواها عـذول    ولالامني في هواها صديقي
ولو لامني في هواها عـذول   لكان جوابــي إليه شهيـــقى

ابن عربي. ذخائر الأعلاق، شرح ترجمان الأشواق.

نقترح في هذه الدراسة سؤال "الجسد" في المجتمع المغربي، ليكون موضوعا للنبش العلمي، وباقتراحنا هذا، فإننا نراهن على اختراق إحدى زوايا المجتمع الأكثر مقاومة لنظرة العلم المتفحصة. بالتالي نراهن على هامش واسع من المغامرة والمخاطرة... لكن أيضا هامش من اللذة تغذيه الجرأة المعرفية...
فقد ظل سؤال "الجسد" سؤالا مؤجلا، سؤالا محرما تعوقه أسباب معيقة للعلوم الإنسانية و أخرى معيقة لهذا السؤال  بشكل خاص, إذ سعت المؤسسات الاجتماعية (الأسرة، المدرسة، المسجد،...) إلى ضبط وإخضاع "الجسد" لمنطق الشرع  ,والورع ,والعقل. من ثم كانت كل الأمور المرتبطة ب"الجسد" الغير مد جن والغير مهذب أمورا مذمومة ومرفوضة.
إن الحذر من البعد الليبيدي والغريزي كان واضحا من خلال تكريس الثنائيات الضدية: الجسد/الروح، الجسد/النفس، الجسد/العقل... لكن ومع موجة الحداثة ، ثم ما بعد الحداثة، رُفع شعار "تحرير الجسد" ورد الاعتبار له، وبتعبير نيتشوي "الإنصات إلى رنات وموسيقى الجسد" . لتبرز بذلك ﺇحتفائية بالقيم الحسية كرد فعل مضاد لأقانيم الميتافيزيقا المسيحية-الأوربية.

أنفاس يشكل التراث الثقافي غير المادي بالنسبة لكثير من الشعوب والأمم مصدراً ثرياً تتناقله الأجيال بصفة متواترة، وتعيد بعثه مرة أخرى طبقاً لتاريخها وخصوصياتها الاجتماعية والعقدية ومستوى تفاعلها مع المجالات الطبيعية، وهو بهذا كفيل برسم هويات هذه الجماعات وانتماءاتها الحضارية، لأنه يحيل على وضعيات وحالات متجذرة في التاريخ، ذلك أن ما تحمله الذاكرة الشعبية من قيم ولغات، وطرق تفكير واعتقادات وممارسات وتمثلات اجتماعية وفردية تشكل طابع ونمط حياة يكسب أصحابها الإحساس بالهوية والاستمرارية، ويسهم في تعزيز احترام التنوع الثقافي والإبداعي للإنسانية، حسب ما جاء في مواثيق اليونسكو.‏
ونظراً لاتساع التراث الشعبي غير المادي، فإنه يمكن للأفراد والجماعات أن يكونوا منتجين وحاملين لهذا التراث في آن واحد، وتعتبر الأمثال الشعبية عنصراً حيوياً من عناصر الموروث اللامادي تقوم على ما تنتجه جماعة إثنية ولغوية معينة في ظروف تاريخية وجغرافية معينة.وحرصا على الحفاظ على هذا الموروث اللامادي تسعى الهيئات الوطنية والدولية بالإضافة إلى بعض الجمعيات والمؤسسات العلمية المتخصصة إلى خلق قنوات للتواصل بينها قصد تجميع وصيانة هذا الموروث، وقد أوصت هيئة اليونسكو في دورتها الخامسة والعشرين بباريس عام 1989 بتبني هذه المبادرة والعمل على مساعدة الجهات المختصة للقيام بما من شأنه أن يصون هذا الموروث ويحافظ على تعدد الهويات والثقافات العالمية.‏
وليس من باب الصدفة أن يعتبر بعض الباحثين الأمثال الشعبية مدونة في غاية الأهمية لبناء بحوثهم الميدانية، ومقارباتهم العلمية، ومن هذا المنطلق أدرجت بعض الجامعات العالمية ضمن برامجها العلمية المثل باعتباره حقلا معرفياً مستقلاً، وأطلقوا عليه مصطلح: Paraméologie‏ . وقد عقدت مؤتمرات علمية حول المثل باعتباره خطاباً متميزاً في جامعة ليل بفرنسا وغيرها من المؤسسات العلمية في الغرب، كما شكل موضوع الأمثال الشعبية محوراً هاماً ضمن اللقاءات العلمية التي عقدتها بعض المؤسسات العلمية والجامعات بالجزائر والمغرب العربي.‏
وتعتبر كلودين شولي ومن خلال مسارها الطويل في البحث أن علماء الاجتماع في البلاد المغاربية قد استوعبوا ضرورة القيام بمقاربات تفهامية حول المأثور الشعبي ولا سيما الأمثال الشعبية، وتؤكد قيمة هذا المتن في دراسة التحولات الاجتماعية والاستماع الدقيق للثقافة وهي تتشكل(2).‏
قيمة المثل كموضوع للبحث في المجال السوسيولوجي:‏

أنفاس " من كان مرباه بالعسف والقهر...سطا به القهر وضيق عن النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث...وفسدت معاني الإنسانية التي له "
                                                                  ابن خلدون المقدمة[1]
  يتعرض الناس في عصر العولمة إلى عملية دمغجة مستمرة للعقول وترويض للأجساد لم يسبق لهما مثيل وذلك نتيجة التوجيه القسري الذي يخضعون له ومن جراء توجيههم نحو الاندماج في الكلي المشترك وإجبارهم على الشراكة والدخول في عملية تواصل كوكبية شاملة بحيث لم ينجو من تداعياتها أي أحد ولم يقع استثناء أي بعد خاص من الاكتساح والاختراق، ونعني بالدمغجة تطبيق الديماغوجيا في الحقل الاجتماعي والسياسي من أجل تحقيق مجموعة من المصالح تخدم إمبراطوريات العولمة والأنظمة الشمولية والتي تتمثل في اندماج جميع شعوب العالم في نسق العولمة الشامل وخروجها عن أطرها الضيقة وابتعادها عن سياسات الانطواء على الذات والعزلة وفتح الحدود والأسواق أمام البضائع والمنتجات العالمية وتحول الدول القطرية إلى وكالات تجارية تنوب عن الشركات العابرة للقارات وتوفر فرص الاستثمار واليد العاملة الرخيصة. من هذا المنطلق يمكن أن نفترض في البدء أن زرع الأنظمة الشمولية لتقاليد الديماغوجيا والبروباغاندا كآليات متبعة في الحكم والتسيير والتنظيم للمحكومين يؤدي إلى حصد أشواك الاستبداد والتوريث والتفاوت والتمييز والإقصاء، فماذا نعني بالديماغوجيا؟ وما المقصود بالبروباغاندا؟ وماهي النتائج المترتبة عنهما؟ وكيف يمكن تفاديهما؟
ما ينبغي الانتباه إليه أن الديماغوجيا هي مفهوم سياسي وخصامي polémique يفيد معناها الايتيمولوجي الإغريقي قيادة agogos الشعب demos بالاستحواذ على وعي الناس والتلاعب بأفكارهم وأقوالهم وأفعالهم عن طريق مهارات خطابية فائقة والتفنن في الوعود الزائفة والقيام بالتفافات حاذقة قصد تحقيق أهداف معينة وأغراض أنانية في الغالب وقد استخدم الرئيس الفرنسي الحالي ساركوزي قدراته اللغوية في حملته الانتخابية وحقق فوزا كاسحا على منافسته ونحن نرى كل من الرئيس الأمريكي بوش والإيراني نجاد يستعملان هذا السلاح في جدلهما الصاخب هذه الأيام من أجل إيجاد المبرر لشن الحرب بالنسبة إلى الأول ومن أجل إقناع العالم بأن إيران بريئة من كل التهم التي توجه لها بالنسبة إلى الثاني.
أما البروباغانداPropaganda  فهي كلمة إعلامية لاتينية تعني فن الدعاية، وتقوم بالعمل على نشر أخبار زائفة والترويج لمعلومات كاذبة على نطاق واسع بهدف صنع رأي عام يخدم جهة سياسية معينة على حساب أخرى وتعمل هذه الآلية على شيطنة الآخر ووضعه ضمن محور الشر والنظر إلى الذات نظرة فردوسية وتبويبها ضمن محور الصفوة الخيرة.