
إن ما يمكّن من استيعاب وإدراك سلطة التاريخ على أي لحظة من لحظات الاجتماع الإنساني هو إمكانية التمييز بين بعدين بنيويين يسجلان حضورهما داخل السيرورة التاريخية لكل مجتمع، هما تحديدا البعد الواقعي الفعلي والبعد المخيالي الرمزي؛ وما يوطد الوعي بتلك السلطة هو بلوغ الفهم حدود التماس والتداخل بين البعدين بوصفهما غير قابلين للفصل إلا من الزاوية النظرية، وهذا تسليما بحقيقة تلازمهما الجدلية، وهي الحقيقة التي تنفي مبدئيا القول بهيمنة أي بعد على الآخر؛ إذ الإطار الجدلي يمكّننا من تصور إمكانية تحول أي من البعدين إلى خانة البعد المقابل.
لكن يبدو أن هذا المدخل ينطوي على تناقض ظاهري يمكن صياغته على الشكل التالي: كيف ننفي هيمنة أي من البعدين على الآخر في نفس الوقت الذي كنا قد سلمنا فيه بهيمنة التاريخ على المجتمع؟ إذ أن محاولة تفكيك هذا التناقض ستكون جوهر هذه المساهمة التي يعترف صاحبها بأنه لا يمتلك الكثير من الأدوات التي تخول له فعل ذلك فهو مبتدئ في هذا الميدان، لكن المؤكد هو أن المحاولة ذاتها تحوم حول سؤال جوهري من أسئلة الوجود الإنساني عموما فضلا عن كونه أدق القضايا الراهنة في تخصصنا.
1- استكشاف الوعي لوضعه التاريخي فردا وجماعة؟
الوعي هو حالة انفتاح للعقل البشري على نقطة ارتكاز رمزية تكون المرآة التي تعكس للإنسان جميع مجريات سلوكاته اليومية والعمليات الاجتماعية التي يتبوتق ضمنها بما يجعل من الوعي مرجعية ظرفية للفرد و الجماعة، أي بمثابة مخزون لحظي يخزنه الكائن البشري ليعود إليه كلما اقتضت الضرورة اللحظية ذلك، ولتحصيل وفرة مخزون الوعي يحدث القيام بتكوين شبكات متينة من المعاني هي ذات حمولة كثيفة يتم ربطها بالإيقونات والعقائد التي تتسم بطابع الخلود، إذ الوظيفة الأساسية التي يقوم بها الإنسان تتمثل في عملية المَنطَقة التي يتم من خلالها الربط بين نقطة الارتكاز التي يقع الاختيار عليها ـ وهو الوعي ـ وبين تلك الرموز الخالدة.