يقذف قلبي أرقام المسائل، أحس بهدوء صوتي الذي يملأ غرفة الفصل، ويخاصم الانتباه عقلي، أتأمل وجوه الطالبات، تلمع عيونهن بالحيرة، وترسل براءة الوجوه أسئلة صامتة: لماذا تغيرتي يا أستاذة شمس؟ أين كلمات التودد؟ أين ابتسامتك الناصعة؟
تحرجني الأسئلة الخفية وتمتلأ عيني بالضيق، أتهرب من أسئلة العيون، أشاغل الطالبات بأحدى المسائل، تتباطأ خطواتي بل لا تتجاوز طاولة الفصل لأسبح في رحلة تفكير أخرى، ها هي الساعات تعلن اقتراب عودة " زوجي" من شركة البترول الكائنة وسط الصحراء.
أغصب ذاكرتي على استحضار جملته الشهيرة التي رقص قلبي على نغماتها: " أنت أغلى أنسانه في حياتي"، لكن الكلمات الحلوة تبخرت، واللحظات الرائعة تلاشت، لأنها اصطدمت بكابوس خطير وهم طويل يرافقني في كل الأوقات، فقد مضت ثلاث سنوات ولم نرزق بطفل، بحثت عن العلاج في مختلف الأمكنة وفتشت عن الحلول في كل الوجوه.
أصبحت في نظره شجرة يابسة بعدما كنت شجرته المثمرة التي تغذيه بالحنان، إنها الأبوة المفقودة التي سلبت الابتسامة من وجهه، وتسلق الوهن سفوح قلبه، أتذكر جيدا حرارة غضبه وسخريته من أمومتي المسلوبة، أحسست بعدها أن قلبي يتفتت..يتحطم..يتبعثر.
تقترب الساعة من الثانية ظهرا، أتسائل: أين مراعاته؟ أين أهتمامه؟ لم أصبح وعاء تفريخ، هذا الفشل ينذر بسقوط أجنحتي الهشة في فضاءات حياته، ويبشر بتأجيج وجعي.
يجبرني جرس المدرسة على إنهاء رحلة التفكير، تنطلق البنات إلى خارج الفصل، تتسلل الراحة إلى خلايا عقلي، أهم بالخروج، وأتثاقل في المشي، ألمح أما تداعب ابنتها عند باب الفصل، ترغب نفسي اختطاف الطفلة، تغالبني الدموع وأتصدى لها بقوة..أتابع خطواتي في الممر، أصوات الأطفال المتداخلة تقودني نحو دوائر القلق...أصطدم بالعجز ... ليغيب عن وجهي نظارته المعهودة وتزداد الحمرة الظاهرة أسفل عيناي.
لم أهتم في غرفة المعلمات بثرثرة زميلتي " فاطمة " عن شقاوة أولادها، أحسست أنها تخدر مشاعري بهذه الكلمات، يطفح قلبي مستعطفا: أريد طفل ، يتكاثر حديث المعلمات عن اقتراب عيد الأم وعن هدايا الأبناء، أشعر بالضجر ويتعمق النقص في داخلي، أتهرب من فكرة أنني بلا طفل أو طفلة ويدور في بالي سؤال: من سيدغدغ مشاعري بكلمة ماما في هذه المناسبة ؟
يتعاظم الارتباك، ألملم عوطفي المتفرقة وأمسك الشنطة الوردية، أخرج من الغرفة وتعلو لمحة الاستغراب وجه "فاطمة"، أسعى نحو السيارة، تقسو علي قطرات الماء القادمة من الحديقة...لتتبلل عباءتي بالعرق والماء، تزرع رطوبة الجو في وجهي تقاسيم الذبول وتنغرز في صدري نصال الانكسار، يمر على بالي سؤال: من سيهتم بي عندما أصبح عجوزا ؟....يلمع وجه أمي في ذاكرتي، فهي شريكتي في هذا الحلم الصعب.
تتوقف عجلات السيارة أمام بيتنا العتيق، منظر البيت يعيد ذاكرتي لمواقف صعبة، تتشائم نبضات قلبي من قسوة زوج " أمي" الذي هربت من جوره، يتصاغر الخوف في وجهي بمجرد رؤيتها وهي جالسة على سجادة الصلاة، أشكو لها خوفي وأدس وجهي بين أحضانها، تمسح على رأسي، أناملها تحارب اليأس المسكون بداخلي، تلاطفني ببضع كلمات، أقاوم بها هوس الانتظار...أتمنى البقاء لفترة أطول، لكن أخاف من عصا سجاني الغائب..أتحاشى كذلك فضول الجارات وسؤالهن الدائم عن الطفل القادم في الطريق؟ أنسحب من تلك اللحظات الجميلة، أنحني وأطبع قبله على رأس أمي الجليل.
أطوي مسافة الطريق هربا من حرارة الجو وسخونة السيارة، تعترض طريقي عشرات الأسئلة عنه وعن الغياب الطويل واللقاء المرتقب، في البيت أغدق حبات الشكولاته على أبناء أخيه، أحب الجلوس معهم ومداعبتهم لأنني أعشق الاطفال، والدته تهيأ الغداء في صالة الطعام، يتصيد وجهها الألم المحفور في داخلي، تتلمس ذاتي الغربة بين جنبات المكان، أسمع صوت والده: أحضروا الطعام...نداءات العجوز تذكرني بوجهه العابس...نظراته صباحا كانت تتوعدني بالويل والثبور .
أقذف بنفسي نحو غرفتي الضيقة رغم تضوري من الجوع، أداعب العصورفين في القفص، وأوزع نظراتي بين أدوية الأطباء والأدوية الشعبية، لم أنتفع من كل تلك الادوية، راتبي كله في أيدي الحكماء ومحال العطارة، ألمح اللعب الموضوعة على الرف..إنها هدايا الطفل الموعود..أرمي الشيلة بل أرمي بنفسي على الفراش..تدور في رأسي فكره: من حقه ومن حق والديه الفوز بطفل.
يتسلل الخوف لقلبي، أسمع صوت زوجي وهو يحادث والدته، لقد وصل، يتلقفه أباه وأمه...برمجوا عقله على الإقتران بأخرى ...والآن يقع فريسة بين صوت أبيه الخشن ونميمة والدته.
تساورني الشكوك لعدة دقائق، يدخل الغرفة، يلمع وجهه بالضعف وترسم شفتاه إشارات النفور...ندخل في حوار طويل...توحي نظراته بجملة قاسية: " لقد انتهت فرصتك "، أقاوم احتدام الكلمات بين شفاتي ..أدير ظهري له، أتأمل شكله المستسلم في المرآة، ليطعنني بخنجر الصراحة: سأتزوج بـأخرى.
يمزق الاعتراف حلمي الصعب وتنكسر أجنحتي الضعيفة، تمور الحمم في أعماقي وتنطلق نيران واسعة من حنايا القلب...يتصاعد لهيبها حتى تصل وجهي الأبيض، أريد أن أشهق شهقة مدمرة..تسرع يدي اليسرى لكتمها: أقول بصوت حزين لا يسمعه : أصبحت أمرأة عاقر..وأمسيت أرضا قاحلة ..سأبحث بمفردي عن حلمي الصعب.
يجبرني جرس المدرسة على إنهاء رحلة التفكير، تنطلق البنات إلى خارج الفصل، تتسلل الراحة إلى خلايا عقلي، أهم بالخروج، وأتثاقل في المشي، ألمح أما تداعب ابنتها عند باب الفصل، ترغب نفسي اختطاف الطفلة، تغالبني الدموع وأتصدى لها بقوة..أتابع خطواتي في الممر، أصوات الأطفال المتداخلة تقودني نحو دوائر القلق...أصطدم بالعجز ... ليغيب عن وجهي نظارته المعهودة وتزداد الحمرة الظاهرة أسفل عيناي.
لم أهتم في غرفة المعلمات بثرثرة زميلتي " فاطمة " عن شقاوة أولادها، أحسست أنها تخدر مشاعري بهذه الكلمات، يطفح قلبي مستعطفا: أريد طفل ، يتكاثر حديث المعلمات عن اقتراب عيد الأم وعن هدايا الأبناء، أشعر بالضجر ويتعمق النقص في داخلي، أتهرب من فكرة أنني بلا طفل أو طفلة ويدور في بالي سؤال: من سيدغدغ مشاعري بكلمة ماما في هذه المناسبة ؟
يتعاظم الارتباك، ألملم عوطفي المتفرقة وأمسك الشنطة الوردية، أخرج من الغرفة وتعلو لمحة الاستغراب وجه "فاطمة"، أسعى نحو السيارة، تقسو علي قطرات الماء القادمة من الحديقة...لتتبلل عباءتي بالعرق والماء، تزرع رطوبة الجو في وجهي تقاسيم الذبول وتنغرز في صدري نصال الانكسار، يمر على بالي سؤال: من سيهتم بي عندما أصبح عجوزا ؟....يلمع وجه أمي في ذاكرتي، فهي شريكتي في هذا الحلم الصعب.
تتوقف عجلات السيارة أمام بيتنا العتيق، منظر البيت يعيد ذاكرتي لمواقف صعبة، تتشائم نبضات قلبي من قسوة زوج " أمي" الذي هربت من جوره، يتصاغر الخوف في وجهي بمجرد رؤيتها وهي جالسة على سجادة الصلاة، أشكو لها خوفي وأدس وجهي بين أحضانها، تمسح على رأسي، أناملها تحارب اليأس المسكون بداخلي، تلاطفني ببضع كلمات، أقاوم بها هوس الانتظار...أتمنى البقاء لفترة أطول، لكن أخاف من عصا سجاني الغائب..أتحاشى كذلك فضول الجارات وسؤالهن الدائم عن الطفل القادم في الطريق؟ أنسحب من تلك اللحظات الجميلة، أنحني وأطبع قبله على رأس أمي الجليل.
أطوي مسافة الطريق هربا من حرارة الجو وسخونة السيارة، تعترض طريقي عشرات الأسئلة عنه وعن الغياب الطويل واللقاء المرتقب، في البيت أغدق حبات الشكولاته على أبناء أخيه، أحب الجلوس معهم ومداعبتهم لأنني أعشق الاطفال، والدته تهيأ الغداء في صالة الطعام، يتصيد وجهها الألم المحفور في داخلي، تتلمس ذاتي الغربة بين جنبات المكان، أسمع صوت والده: أحضروا الطعام...نداءات العجوز تذكرني بوجهه العابس...نظراته صباحا كانت تتوعدني بالويل والثبور .
أقذف بنفسي نحو غرفتي الضيقة رغم تضوري من الجوع، أداعب العصورفين في القفص، وأوزع نظراتي بين أدوية الأطباء والأدوية الشعبية، لم أنتفع من كل تلك الادوية، راتبي كله في أيدي الحكماء ومحال العطارة، ألمح اللعب الموضوعة على الرف..إنها هدايا الطفل الموعود..أرمي الشيلة بل أرمي بنفسي على الفراش..تدور في رأسي فكره: من حقه ومن حق والديه الفوز بطفل.
يتسلل الخوف لقلبي، أسمع صوت زوجي وهو يحادث والدته، لقد وصل، يتلقفه أباه وأمه...برمجوا عقله على الإقتران بأخرى ...والآن يقع فريسة بين صوت أبيه الخشن ونميمة والدته.
تساورني الشكوك لعدة دقائق، يدخل الغرفة، يلمع وجهه بالضعف وترسم شفتاه إشارات النفور...ندخل في حوار طويل...توحي نظراته بجملة قاسية: " لقد انتهت فرصتك "، أقاوم احتدام الكلمات بين شفاتي ..أدير ظهري له، أتأمل شكله المستسلم في المرآة، ليطعنني بخنجر الصراحة: سأتزوج بـأخرى.
يمزق الاعتراف حلمي الصعب وتنكسر أجنحتي الضعيفة، تمور الحمم في أعماقي وتنطلق نيران واسعة من حنايا القلب...يتصاعد لهيبها حتى تصل وجهي الأبيض، أريد أن أشهق شهقة مدمرة..تسرع يدي اليسرى لكتمها: أقول بصوت حزين لا يسمعه : أصبحت أمرأة عاقر..وأمسيت أرضا قاحلة ..سأبحث بمفردي عن حلمي الصعب.