لا زالت أفكاري شاردة، تشتهي مطارحة البياض،رَتْق جيوب السكون..إنها لا زالت قيد الاعتقال ..لا تُبارح مقبرة النسيان،والاغتيال.
عندما تكون قيد الاعتقال،تحتاج ،أو بالأحرى تتمنى لو أنك تُمْنَحُ سراحا ولو مؤقتا..لأنك تحس بظمأ وبذبول أفكارك وحاجتها للشمس.
إذن اِمتطي ولو لهنيهة عندما تمنح لحظة سراح مؤقت البياض السديمي،عانِقْهُ وارْتَمي بين أغواره،ناجيه..ولا تترك الفرصة تُقْبر..تفلت منك .
قال لي: في نبرة تنم عن السخرية،أنت الآن تركت الميدان،وخلدت للراحة البيولوجية..صرت عقيمة،طالك غبار النسيان والصدأ..وزعت نظري بين الحاضرين، قلة هم الأسوياء،وكثيرون هم الأشقياء..وأصحاب النفاق..وحسرتي على زمن لم يعدْ فيه مكان للنقاء والصفاء،أسماء مستعارة ،وجوه وأقلام مبتذلة، تلوك بضع كلمات وتتشدق بها،تتسول بالكلمات، فبئْسَ التجارة. تجارة الأديب المتملق المُبتذل،الذي يشتهي التفاحة حتى وإن كانت مشوهة،مصطنعة،متملقة،لعوب.
بعد احتراق الامس ـ ـ قصة : أحمد الخراز
كان فنجان القهوة الصغير يتأرجح بين أصابعها الدقيقة، ذات الأظافر الطويلة المصبوغة بطلاء أحمر بهت لونه،و صوت خافت ينبعث من المذياع يردد تقاطيع أغنية انجليزية مبهمة، كانت عيناها المتلألئتان تحدقان في أقصى الركن الأيمن للغرفة، و الذكريات الحالمة تموج في خيالها و تحجب عن عينيها الرؤية.
هبت نسمة ريح قوية فجأة، فانفتحت النافذة قليلا،استيقظت من غفوتها الجميلة و أرسلت تنهيدة حارقة،حطّت على إثرها الفنجان، و همت بسرعة لإغلاق النافذة،كان الجو باردا و سحب الخريف تعكر صفاء السماء و تنتشر كفسيفساء مبعثرة، بقي وجهها ملتصقا بالزجاج لبعض الوقت، و قد تسللت من عينيها دمعة حارة متمردة حاولت إجهاضها لكن سرعان ما تلاحقت الدموع متتابعة كأنها ينبوع ماء حار تفجر للحظة،أحست بالرهبة و الخوف،فاسترخت على الكنبة الجلدية الباردة،ثم استلقت على السرير و قد غرقت في دموعها الفياضة، تخيلت وجه أمها المورد الجميل و السموح في لحظات الغضب و الانفعال،ثم زحفت صورة مشوهة أخرى لذات الوجه،فتأوهت و احتبست أنفاسها في جوفها..كيف تراه هذا الوجه الآن؟ما الصورة التي وصل إليها بعد شهرين تحت التراب؟ شعرت برغبة أكبر في البكاء، و بحاجة قصوى لضمة حنونة من صدر أمها..لم تستوعب هول الحادث الفجيع الذي التهم فيه الحريق روح و جسد أمها و أحرق سماحة وجهها و وضاءته، لقد رفضت الإيمان بأبدية الموت و حتمية الفراق...
القَدَمُ والثعبان ـ قصة : خير الدين جمعة
أجملُ المعارف هي التي نسرقها في غفوة القدرْ !!
ما جسدُ الإنسان سوى فمْ ، لسانه حفيف أوراقٍ و قدمْ!
كيف توصلتُ إلى هذه الحقيقة العجيبة ...؟؟!
غارقًا في وهج الأفكار، تُطبق عليّ شرفة شقتي كمساءات تونس الطويلة ، تنهشني سيجارتي رمادا ، مُشتَّت الذهن و الدخان ... أترشف قهوة بمذاق السأم وسكّر القلق ، أجلس إلى طاولتي الجرداء إلا من بضعة أوراق يتيمة .... لديّ ثلاثة أيام فقط لأعدّ مداخلة لا تتجاوز نصف ساعة فقط سأقدّم فيها تصوّري لمسألة تتمثل في قدرة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة على تعلم العربية بالاعتماد على الحركة ، سيكون الحضور متكوّنا من عشرين خبيرا عربيا في التربية الخاصة و ستكون مداخلتي منطلَقا للمناقشة والحوار ...
هجير ـ نص : عامر القديري
سابرٌ في غور الوحل، متلفعٌ برداء حمل، يرتجفُ في ليلةٍ تتجلى بقذاراتِ الأشباه، والرعدُ ينذر بتشريفات الوصول.
في جوفِ المعنى لمحةٌ منطلقةٌ من رذاذِ ماءٍ آسنٍ كيومٍ نحس ...... عانى من خضم الأهوال المتلاحقة عليه، شاهدَ بعينيهِ ما لم تره الخلائق، استرسل بخياله باحثا عن صورة مشابهة، دون القتل، والاغتصاب .. تحامل على نفسه يحاول أن يحلل شيئا من مظهر الأشياء المتقاذفة عليه، يقنع نفسه بأنه في حلم ٍعابر، شاهد جماداتٍ تشبه البشر، حاول أن يحادثها ولكنها كانت تبتسم له.. لم يفهم في الوهلة الأولى سرها ... سينتظر للوهلة الأخيرة ...
خيالات كاتب مبتديء ـ قصة : إبراهيم البوزنداكي
لما رأيت المسابقة على شاشة الكمبيوتر لم أتحمس إطلاقا لها، ذلك أنني عهدت الفشل فيها و صارت المشاركة فيها نظير عدم المشاركة. لكن مثل هذه المسابقة لا يجب أن تضيع مني لأنها تتعلق باختيار محرر شاب لجريدة محلية جديدة. كان الأمر أشبه بروتين مألوف لدي، لذلك عندما أخذت نسخة من إحدى المقالات القليلة التي كتبتها واتجهت إلى العنوان تخيلت بضعة أشخاص يعدون على رؤوس الأصابع و خصوصا أن الأمر لا يعدو أن يكون شكليا، لأن جل المسابقات يكون الفائز فيها معروفا قبل موعدها. كانت دهشتي عارمة عندما وجدت أكثر من خمسة وعشرين شخصا ينتظرون أدوارهم، بعضهم جالس و البعض الآخر واقف لعدم كفاية المقاعد.
كدت أعود أدراجي لولا أن ريح المسابقة شدتني إلى الجو. في أحد الكراسي جلست فتاة نصف متحجبة ، تضع على ركبتيها حقيبتها الخاصة و ملفا خمنت أنه يضم المقالات التي كتبتها. بجوارها وقفت شامخا أنصت لأفكار غبية تضيق أفقي.
الرجـل البومة ـ قصة : ميمون حــرش
ما أكثر المفسدين، والمرجـفين في بلدته !..
أوغروا صدره ضد بلدته، فتركها غير آسف ، ويوم غادرها ذات شتاء أقسم أن ينضاف للائحة "خرج ولم يعد"؛ ضرب في أرض الناس، تطوح في بلدانهم مشردا،طريدا.. بات جائعا،التحف العراء.. واشتغل حمالا، ينوء تحت ثقل كل من يطلب خدماته، كان كبغل يلبي دون أن يحتج.. سمع ممن حمل أثقالهم كلاما جارحا، ونابيا، وكان كل مرة يُـسرّي وقاحتهم بتحسس جيوبه وهو يسمع ما لا يرضيه، تلك طريقته في الحفاظ على أعصابه باردة؛ كان يقول :" لا بأس.. تركت أهلي من أجل المال، فلا مندوحة لي عن الصبر إذا ً"..
اليوم يعود من سفرته وفي نفسه بعض من أمل من أن يجد دنيا الأمكنة التي تركها قد تغيرت وسكنها الأمل ، وأن ساكنيها قد تلطفت نفوسهم..
سَفَر ـ نص : عمر الأزمي
أحبَّها فجأة !!
كانت شقراء.. وكان هو سيد البوحِ والشِّعر...
التقيا صدفةً ذات مطارٍ ...
رأى في عينيها شوق المحطات.. وحنينَ الموانئ..
أحبها...
****
أحبته فجأة !!
كان سيد السيجارات التي لا تنطفئ.. وكانت هي اشتعالَ النار بالنارِ... ندى برعمٍ لا يشيخُ ولا ينكفِئ...
التقيا ذات رحيلٍ مُرّ... رأت فيه الوطن ...
هستيريا رحيمة.. ـ نص : مينة قسيري
الحادية عشرة صباحا، ما تزال آثار النوم الثقيل بادية علي وجهها، إِنَّه يوم الجمعة.. بالنسبة لها عطلة من الجري وراء "الأمل" بحثا عن منصب شغل يُعيد لها هدوءَ نفسها وسكينتها.
مركز الشرطة.. قالتها دون غيرها من الكلمات، مُستجيبا غير مُستفسر تحَرَّك سائق سيارة الأجرة نحو الوجهة مُسرِعا وكأنه يجتهد في تخميناته. مُتكِئة هي خلفه مغمضة عيونها، وآثار التَّعب والسهر الذي تُدْمِنه قد عبثت بملامحها، شاردة وراء مُحتوى المكالمة التي أيقظتها من النوم وطلبت منها الحضور للاستفسار حول موضوع ما!!!!؟ غير مُدركة ولا منتبهة للسائق وهو يسترق النظر إليها من خلال المرآة أمامه. ولم يتوقف فضوله عند هذه الحدود بل اخترق الصمت الذي تعمَّدته هي وقال: "مهنتكم صعبة جدا.." انتبهت لترى إلى من يتحدث فلا يوجد سواها معه، واستطرد في حديثه "كانَ الله فِي عَوْنِكُمْ" وقبل أن تستفسر أضاف: الشرطي يتعب كثيرا ولا عطلة له مطلوب دائما للحضور..، حرَّكَت رأسها بالإيجاب، وحاولت أن تنتزع ابتسامة من صدرها لكنها اسْتَعْصت.