حين اختطفه الموت أدركت مقدار ما خلفه غيابه في حياتها من فراغ ... فقد انقطعت علاقتها بمن حولها حين اختارته بدل ما أرادوا .... تذكرت جنازته .... القبر الذي ابتلع جثته كان بحجم ما تشعر به من ضياع، وفراغ ...
ترددت قليلا قبل أن تلامس أصابعها جرس الباب ... يبدو المسكن فاخرا ... هنا يقطن أناس لا يقلقون بخصوص أواخر الشهر، ولا يفرغون عجزهم بضرب الزوجة والأبناء ... كانت تشعر بالرهبة في السابق كلما مرت قرب مثل هذه البنايات ...
راودها شعور بالقلق ... فهي لا تعرف وجه الشخص الذي خاطبته في التليفون.
كم ينبض القلب بذكراه، وبقدر ما بقيت العين تحتضنه من ملامحه ... أيقنت الآن أن أجمل الفضاءات هي تلك التي لا زالت تحتل مساحات من الذهن والعين...
وتجيش النفس بعبير الذاكرة...
زمنٌ ميّتْ ـ قصة : عبد الفتاح المطلبي
لَمْ يدقْ جرسُ مُنبه الساعة المنضدية التي بدتْ ككائنٍ نائمٍ فوقَ المنضدة الصغيرة المربعة بجانب السرير لذلك ظننتُ أنني سأتخَلّفُ عن موعد مرور سيارة الموظفين وحينَ دققتُ في الأمرَ وجدتُ أنَّ عقاربَ ساعة المنبه قد لفظتْ أنفاسَها الأخيرةَ عند الرابعة والنصف وعندما أزحتُ جانبا من ستائر النافذة المطلة على الجزء الخلفي من حديقة المنزل لمْ أستطعْ تبيُّنَ حدود الأشياء التي تقبعُ هناك وكانت الظلمةُ شديدة فكرتُ أن بطاريةَ الساعة المنضدية قد نضبتْ وكان عليّ إبدالها قبل ذلك نظرتُ إلى ساعة الحائط المعلقة فوقَ جهاز التلفاز تماما فوجدتُها قد توقفتْ هي الأخرى وكانتْ عقاربُها تشيرُ إلى الثالثة والنصف ،رحتُ أبحثُ عن ساعتي اليدوية فلم أعثرْ عليها إلا بعدَ جهدٍ وكانتْ متوقفة على الواحدة وخمس دقائق ويالحظّي التعيس حينما نظرتُ إلى ساعة الهاتف النقال فوجدتُها قد مُحيتْ من شاشته وحلت محلها خطوط لا معنى لها .
قبلة في يوم صعب ـ قصة : حسن لشهب
استيقظ تحت تأثير الألم يجتاح رأسه كالمعتاد ... تحرك مغمض العينين، وبحذر شديد جلس على حافة السرير، ووضع قرصي الأسبرين الفوار في كوب ماء ... دلق محتوى الكوب في جوفه، وأغمض عينيه في انتظار زوال الألم.
حركة جسد عار بجانبه ... تذكر تلك التي تشكل وجودها في ذهنه ككائن بحجم وحدته
استدارت نحوه باسمه، استجاب لها واحتضن رأسه بتأفف ... طلب منها ارتداء ملابسها لأنه ينوي الخروج.
حشر جسده في ملابسه، السروال، القميص ... أرادت معانقته فدفعها برفق ... لاح فوق وجهها عبوس، فلامس خدها بظهر سبابته ورسم على شفتيه ابتسامة.
سبقته إلى الحمام لإصلاح هندامها وهمت بالخروج، ثم عادت أدراجها متسائلة:
-هل نلتقي السبت القادم؟
ما هذه الرائحة ؟ـ قصة : مروان مجادي
ما هذه الرائحة ؟؟ إنه يعرفها جيدا صار خبيرا إذا بفضلها ... إنه قادر على ملامسة رائحتها و هي مقبلة من بعيد ...إنه يشم صورتها كأنها تجلس حذوه ...
ما هذه الرائحة ؟
تعجب من نفسه ... متى كان قادرا على تمييز الروائح ؟ كيف إشتم عطرها في ارجاء المكان قبل أن تأتي ؟؟... منذ متى صار يفهم بالعطور الباريسية الفخمة و هو من تعود على إقتناء الرخيصة منهاو المعروضة بأسواق المدينة ...؟
عجيب أمرك كيف لمن تعود أنفه على دغدغة الغبار و تذوق رائحة العرق المالح أن يصبح خبير عطور ؟؟
عجيب أمرك و محير ،.. هو العشق إذن ... هنالك إمرأة ما ..
بوسكة ـ نص : محمد حماس
دخلت السوق كعادتي.. أحب هذا الفضاء كثيرا، تجذبني الحلقة، كنت رفقة جدي لفقير ميمون صاحب عصا الخيزران ذاك القادم من قرن الزياش عند كرط ملوية.. كان الرجل ينفث الهواء بقوة في "الغايطة" .. هي المزمار، فتنتفخ أوداجه وتخال أن وجنتيه مطاطيتان.. الحلقة واسعة لا أحد يجرؤ على الاقتراب أكثر لأن صاحب الغايطة يلاعب "بوسكة"، لست أدري ما سر هذا الإسم لكنه مرادف لأفعى الكوبرا .. كنت معجبا برقصها .. تنتصب وارفة القامة سوداء .. المعركة بينها وبين صاحب الغايطة وكأن لا أثر لإنسي حولهما .. كنا صبية تبهرنا هذه الرقصة ونعجب أيما إعجاب بصاحب الغايطة، إنه "العيساوي" لا يهاب الأفاعي يأمرها فتنصاع .. يراقصها ثم يعيدها للصندوق ..
خواطر هائمة ـ نص : منير أختار
استيقظ الحنين فجأة كان الجو ماطرا ,كومة من الذكريات المتداخلة تتهاطل على مخيلتي , الليل يستمتع إلى تخبط الصور و المشاعر....اللوعة ، الحنين .. الحسرة ... الندم ... الانتظار وحده كان كفيلا كجواب على كل الترهات الفلسفية التي كانت تطبق على انفاسي حينها.
لمحت ظله الوارف ولمحت دمعة تترنح في مقلتي كلما مرر كفه على رأسي ليقول كيف حالك يا منير...
يحفني براحته التي كانت بالنسبة لي تجسيدا حيا لمعنى الامان,كانوا ينادونه "عاشي" لا أعرف معنى اللقب لكن متأكد أن للقب علاقة ببصيرته الفذة أو ربما ببصره المفقود. الصمت المطبق في غرفته يضفي جوا صوفيا, الجدران مزخرفة بايات قرأنية...لا أدري لما كلما ولجت الغرفة تشدني نفس الآية "إن الانسان لربه لكنود"..
تواريخٌ مبعثرة ـ نص : رانيا عبد الرؤوف
تتبارى العصور أحياناً على ... التشابه !
واضعة أحلام العباد فى رحاب السماء التى تُنْظَرُ ولا تُطَال !
ونبقى نحن الشعوب على حال من شرئبة عنق الأحلام ... دوماً !
25_6_1954
الوقت : الشمس على وشك الشروق ، لا زالت تلتحف بـــ السماء .. أسمع تثاؤبها من هنا ... من موقع قلمى فوق الورق !
المكان : طريقٌ ، صُفِّت الأشجار فيه على الجانبين ... يُخَيل لـــ عين الناظر إليه أنه ربما تلك الأشجار تأخذ طريقها إلى الأبدية أو لـــ ربما ... إلى ما بعد المنتهى !
_ هتف رفيق الخطى فى وجدانه ، وهو يسير بـــ جانبه أو لـــ ربما يسكن ظل الرجل فوق الأرض : تُرى أفي نهاية هذا الطريق سنجد المسيح مصلوباً فوق شجرة لم يتبق منها سوى الجذع ... ؟!
هذا الصيف لن نحتفل بالحياة ـ قصة : خيرالدين جمعة
كان الجو باردا و حبّات المطر ترقص على بلّور السيارة في رشاقة وعناد، حين كنت أقف بسيارتي على ناصية أحد شوارع العاصمة تونس ، كنت أنتظر صديقي طارق ..لقد تأخّر هذه المرّة ...كنت في كل مرة أنزل فيها للعاصمة نذهب إلى أحد المطاعم ونحتفل بالحياة فنحتسي السعادة و نتبادل أنخاب الانعتاق و أهازيج الانفلات لاسترجاع وهج الشباب و أكاذيب الطفولة ..لكنه هذه المرة تأخر ، المطر مازال يراقص البلور و أنا جامد في مكاني ...أنتظره .
أطلّ برأسه تسبقه هالة حزن لبستْ محيّاه ، في حين ظلت تلك الحمرة التي تغشى عينيه شفقا أبديًّا لا يفارق وجهه القمحيّ المتناسق ، جلس حذوي داخل السيارة ، عانقتُه :
- كيف حالك ؟