انتعل صاحبنا حذاء رياضيا من النوع الممتاز، فمشى خطوات في الطريق التي تكلف مختبر صهره بمراقبة جودتها، مقابل مبلغ محترم، رأى نتوءات على جانب الطريق، لعن المتسببين فيها من أبناء الحي خلال يوم عيد الأضحى وهم يشعلون النيران على حوافي الشارع العام ليقوموا بشي رؤوس الأضاحي مقابل مبالغ يؤديها أصحابها لهم، يحس أن قدميه غير مرتاحة في حذائه على الرغم من تشدده أثناء شرائه مراعاة لمواصفات الجودة، وهو يقوم بالخطى تلو الخطى يشعر ببذلته الرياضية ذات العلامة التجارية المعروفة تضيق على جسده، تُشعره بالوخز في أماكن متعددة من كيانه، فتركبه قشعريرة وكأنها عاصفة تنطلق من أسفل قدميه إلى أعلى شعر رأسه، يحك مناطق من جسده ليهدئ من الحرارة المنبعثة من بعض الأجزاء، يتغافل بغية طرد الألم، يخطو خطوة.
يريد أن يسير على الرصيف فيجد الحواجز قد امتدت على كل جنباته، فلا يجد استواءً لأرضية تسمح له بسير يريح أعصابه قبل رجليه، يشتم في نفسه تقنيي البلدية قبل مهندسيها بوابل من كلمات غير مصنفة، يتذكر أن المصلحة المسؤولة عن التراخيص تترأسها حفيدته، يطأطئ رأسه ويخطو خطوتين.
تزاحمه الأزبال من كل ناحية، بعضها في الحاويات وقد فاض محتواها، والبعض الآخر على جوانبها، والكثير منها يشاركه الطريق العام، يهمهم داخله ممتعضا من وضعية تسبب الغثيان، فيكيل كل أنواع الشتائم للأحياء والموتى الذين لا يحافظون على نظافة حيهم، ويلوم الجهات المسؤولة على تقصيرها في اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة، وعدم توقيع الجزاءات التي تليق بالمخالفين، ينظر إلى نفسه فيتذكر أن ابنه كان عضوا في اللجنة التي تكلفت بدراسة ملف الشركة المسؤولة عن النظافة في المدينة، يدير لسانه داخل فمه دورات، يبتلع ما تبقى من ريق، يتوقف قليلا، يواصل السير فيخطو ثلاث خطوات.
ينظر إلى جدران المنازل والبنايات، يجدها مسربلة بكتابات أغلبها تحوي أخطاء إملائية ونحوية، يحاول لملمة معانيها، فيجدها ملفوفة بلحاف مَطالب أناس من العالم السفلي، منتهى غايتهم خبزٌ يملأ بطونهم، وماء يُنعش ما تبقى من روح في أجسادهم، يتوقف قليلا، يتفرس العلامة التجارية التي تُرصِّع بذلته وحذاءه الرياضيين، فيدلي شفتيه نظير استهزاء، ويمد يده اليسرى إلى القبعة التي على رأسه ليُعدل من وضعها، فيرفع أصبعا من يده اليمنى ليحك به مقدمة رأسه، فيخطو أربع خطوات.
يرفع رأسه إلى السماء، فلا يصل نظره إليها، تجللها صحون مقعرة وأخرى مستوية، هوائيات بمختلف الأشكال والأحجام، لواقط هوائية لشركات اتصال أعاقت التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، ولأول مرة يوقن أن احتلالا أصاب السماء، نتج عنه اختلال في الأرض، أخرج هاتفه المسطح نظر إليه نظرات، بصق على الأرض بصقات، خجل من فعلته، فرفع يديه إلى السماء، خطا خمس خطوات وكاد أن يسقط.
لاحظ أن الشارع يضيق بأسطول سيارات لا تشبه أي منها سيارته، هي مركونة بطريقة غريبة، وضعيات تواجدها تبدو وكأن أحدا رمى بها دفعة واحدة من السماء، لا نظام يوحد بينها، يزيد من فوضى المكان عدم وجود ساحات مخصصة للركن على طول الخطوات التي خطاها، استنكر الوضعية، واسترجع لحظة إمضائه على ترخيص لصاحب التجزئة ببداية الأشغال. حك عنقه ثم قفاه، تنحنح وتنهد، زفر زفرات ثقيلة وعميقة، شبك أصابعه وضغط على إبهامه، آنذاك خطا خطوات لم يستطع عدّها.
تباغته دراجة نارية من نوع التوك توك، في المنعرج المؤدي إلى الشارع الرئيسي، يحاول أن ينجو من عجلاتها، يقفز إلى الجانب المقابل قفزات، يُباغته صاحب دراجة هوائية يحمل أحزمة نعناع في صراع مع مقودها في محاولة لإعادتها إلى الطريق بعد أن راوغ حفرة كادت تُطيح به في أعماقها.
لعن كل اللصوص.
من لصوص أغطية البالوعات، إلى لصوص المال العام.
تذكر مركزه، وآخر سلوك قام به.
نظر إلى كفّيْه.
تحسس أصابعه.
وجد فيها بقية من زُرْقة
نفضها في الهواء.
دَعكها كمن يحاول تخليصها من أوساخ قديمة.
حكَّ رأسه بأصابعه الأربعة.
فتفجرت منه نافورة تنفث غبارا أسود غطى المكان كله، لم تتوقف إلى أن تلاشى كل جسده.