أولا : ماهي السيرة الذاتية والأعمال العلمية والفكرية للشخصية المفهومية التي تنحتونها؟
زهير الخويلدي ، فيلسوف تونسي وأستاذ مساعد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ، رقّادة ، القيروان، الجمهورية التونسية.
أستاذ مبرز وكاتب فلسفي وباحث أكاديمي في الجامعة التونسية مختص في الفنومينولوجيا والهرمينوطيقا والايتيقا وفلسفة السرد والنظرية السياسية والاجتماعية.
نال شهادة الدكتورا في الفلسفة المعاصرة بعد مناقشة أطروحة بعنوان تقاطع السردي والإيتيقي من خلال أعمال بول ريكور من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية 9 أفريل بتونس.
ينشط في العديد من المؤسسات التابعة للمجتمع المدني ويؤثث دوريا عدة منتديات ثقافية وملتقيات فكرية في عدة جمعيات.
يكتب بشكل مستمر في العديد من الصحف والجرائد والمواقع الإخبارية والثقافية والمجلات الفكرية العربية وشارك في العديد من الكتب الفلسفية الجماعية مع أكاديميين عرب ضمن أعمال تأليفية مشتركة.
أصدر مجموعة من المؤلفات أهمها:
1- لزومية العود على بدء أو استراتيجيات فلسفية 2007 بتونس
2- معان فلسفية ، دار الفرقد، دمشق 2009 بسوريا
3- شذرات فلسفية : العولمة وحالة الفكر في حضارة إقرأ، دار أكتب لندن 2010
4- الهوية السردية والتحدي العولمي ، دار أكتب ، لندن 2011
5- الثورة العربية وإرادة الحياة ، مقاربة فلسفية ، الدار التونسية للكتاب 2011
6- تشريح العقل الغربي، مقابسات فلسفية في النظر والعمل، دار روافد الثقافية ، بيروت ودار ابن النديم الجزائر، 2013
7- كونية القول الفلسفي عند العرب، تشريح العقل العربي الإسلامي، عن دار نيبور، بغداد 2013 بالعراق/
8- ما السياسة؟، حنة أرندت، ترجمة بالاشتراك مع أ سلمى بالحاج مبروك، عن دار الاختلاف بالجزائر وضفاف ببيروت، 2014.
9- أشكال من الخطاب الفلسفي العربي، بالتعاون مع المركز العلمي العراقي، عن دار البصائر، بيروت، 2015.
10- مدنية الإسلام في مواجهة عولمة الإرهاب، عن دار أكتب- 2016-لندن
11- فلسفة التربية والتعليم، والحاجة إلى التثوير، عن دار أكتب- 2016-لندن
12- عناصر الذهن البشري عند جون لوك، عن دار ريم، 2017 –ألمانيا
13- أنسنة الخطاب الديني، دار أكتب، 2018- لندن.
أما الكتب المشتركة والمؤلفات الجماعية التي أدرجت مساهمات فيها فهي كما يلي:
1-فلسفة التأويل، المخاض والتأسيس والتحولات، بحث فن الفهم والعصر الهرمينوطيقي للعقل عند جورج هانز غادامير ، دار ابن النديم ، الجزائر، دار روافد الثقافية، بيروت، طبعة أولى ،2012.
2- من الكينونة إلى الأثر، هيدجر في مناظرة عصره، بحث المصادر التيولوجية للأنطولوجيا الأساسية، منشورات الاختلاف، الجزائر، دار الأمان، المغرب ، ومنشورات ضفاف، لبنان، طبعة أولى ،2012.
3- الفلسفة والنسوية، بحث فلسفة سوزان لانجر: من رمزية الفن إلى إبداعية الافتراضي، منشورات ضفاف، بيروت بلبنان، ودار الأمان، الرباط المغرب، طبعة أولى 2013.
4-الفعل السياسي بصوفه ثورة ، دراسات في جدل السلطة والعنف عند حنة أرندت، بحث مسألة السياسي والفضاء العمومي عند حنة أرندت، دار الفارابي، بيروت، طبعة أولى، 2013.
5-خطابات المابعد : في استنفاذ أو تعديل المشروعات الفلسفية، منشورات الاختلاف، الجزائر، دار الأمان، المغرب ، ومنشورات ضفاف، لبنان، طبعة أولى ،2013
6- التفلسف والتعليم ورهانات المستقبل، بحث صعوبات تلقي الدرس الفلسفي وشروط الارتقاء، دار نيبور، بغداد، العراق، 2013
7- فلسفة الفعل، من محاولات التأسيس إلى آفاق النقد، بحث الذات الفاعلة عند بول ريكور، دار الاختلاف ، الجزائر، ودار الأمان، المغرب، 2015.
8- حال تدريس الفلسفة في العالم العربي، المركز الدولي لعلوم الإنسان، بالتعاون مع اليونسكو، بيبلوس، لبنان 2015.
9- الفلسفة الغربية المعاصرة، صناعة العقل الغربي: من مركزية الحداثة إلى التشفير المزدوج، الجزء الثاني، بحث الفكر المتعقد عند أدغار موران، منشورات ضفاف، بيروت، 2013.
ثانيا : كيف تقيمون المشهد الثقافي في تونس بعد الثورة مقارنة لما قبلها ؟
لقد مثل 14 جانفي2011 حدثا فارقا في تاريخ تونس المعاصرة والمنطقة العربية بشكل أقل بعد أن تحررت به الأفراد من المراقبة والمعاقبة وتحركت العقول من حالة الجمود وتخلصت الضمائر من القيود التي كبلها الاستبداد عبر احتكار المشهد الإعلامي من طرف ثقافة آمرة يتم برمجتها بطريقة فوقية وتؤدي خدمة إيديولوجية للسلطة البائدة، ولقد أفرزت هذه الانعطافة ظهور جيل جديد من الفاعلين على الصعيد الإعلامي والفني والفكري لم تتوفر لهم فرص مناسبة للبروز في الماضي، ولقد أنتج هذا الجيل العديد من الأشياء المهمة والتجارب الثرية وبالتالي يمكن القول بأنه فجر حراكا ثقافيا جاء بعد الانعتاق الاجتماعي وتم بالانتقال السياسي من أسلوب التفرد والتسلط إلى فضاء التعددية والحرية.
ثالثا: ما هي قراءتكم للمشهد الثقافي والفكري عموما في المغرب العربي؟
والحق أن مطمح بناء المغرب العربي هو تعبير عن وعي بالتكتل والاندماج على الصعيد الثقافي والروحي والفكري قبل أن يتم بلورته في مشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية وذلك لأهمية البنية الفوقية في توجيه الرأي العام والتأثير على القرار السيادي للأوطان ولذلك كانت حماسة المثقفين إلى بناء هذا المغرب الموحد بشتى تسمياته ومختلف مكوناته اللغوية والعرقية والمذهبية أمرا واضحا للعيان.
لقد زاد الاشتغال بالفلسفة في المغرب العربي عما كان عليه في الماضي وتضاعف عدد المهتمين بالعلوم الإنسانية والعلوم الدقيقة وشهدت الفنون والآداب ازدهارا ملحوظا في مجال المسرح والسينما والتصوير. كما ساهمت المعارض الدولية في استقطاب الكثير من الناشرين والمتلقين ووجدت إقبالا محترما وتفاعلا مثمرا مع الإنتاج الفكري والأدبي والفني ولعبت الكثير من الجمعيات الثقافية والمنظمات الاجتماعية والهيئات المدنية دورا تربويا على صعيد تنوير الجمهور والارتقاء بمستوى الوعي والذوق لدى الناس.
لكن غياب المشاريع الوجودية وتأخر تقديم البدائل الإستراتيجية وتسارع الأحداث السياسية العالمية أثر سلبا على المشهد مما أدى إلى تشكل الكثير من الضبابية نتيجة انعدام الآفاق ودفع الشباب إلى العدمية والتخوف على المستقبل و عجل تقلص مساحة الأمل بهجرة الأدمغة أو الانطواء على الذات والتقوقع.
لعل ضبابية المشهد راجعة إلى الفوات الحضاري وتعطل النظم التربوية عن الحركة وفق السير العادي وتزايد المتطفلين وتفضيل المحكومين دولة الأمن على دولة الحق وسياسة الحماية على سياسة الرعاية.
رابعا: لماذا تراجعت العقلانية في العالم العربي؟
يوجد عقل عربي يتحرك حول وحي قرآني ويمنح أولوية العامل اللغوي على العامل الديني ويقر بحاجة الفكر الديني إلى لسان عربي يتكلم به من جهة المؤسسة الاجتماعية والاستعمال الفردي للذوات المنعتقة. لكن يمكن التمييز بين البني والمكونات الأساسية والأصلية لهذا العقل والتحولات التاريخية التي عرفها والتغيرات المفاهيمية والقيمية التي تعرض لها وتأثره بالظروف الخارجية والمواجهة مع الوافد الثقافي.
هناك استعمال مشترك على الصعيد الجماعي للفكر يتجلى في العديد من التعبيرات الثقافية والأنساق الفكرية والعلوم الذوقية وتتميز به حضارة إقرأ ويختلف في العديد من الخصائص عن الإغريق وعن الشرق والغرب ويجمع بين العلم والأدب وبين المنطق والنحو وبين الطبيعة والغيب وبين الفن والشعر.
لقد تطورت العقلانية بشكل لافت في الثقافة العربية في العديد من الأوقات وذلك لتوفر مناخ سياسي ملائم ووجود أطر اجتماعية للمعرفة الموضوعية وظهور عقول مفكرة بشكل نقدي وبطريقة حرة. لكن بروز الوله الذاتي والاعتقاد في التفوق الثقافي على بقية الشعوب وهيمنة التقليد والحنين إلى الماضي وانتشار الشعوذة والخرافة والتخلف الاجتماعي أدى إلى استقالة العقل والاعتماد على النقل والتصوف والتراجع.
يمكن الإشادة بالمجهودات الجبارة التي بذلت من أجل الاستفاقة في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي من طرف العديد من النقاد والمفكرين والفلاسفة والعلماء والباحثين سواء على صعيد المؤسسات الجامعية والأكاديمية الرسمية أو ضمن إطار الالتزام الوطني والنضال الاجتماعي التابع للمجتمع المدني.
بيد أن الشرط المركزي الذي ينبغي توفيره على الصعيد السياسي والحقوقي من أجل استعادة العقلانية العربية بريقها وتحقيق الإنسية الجديدة والأنوار العلمية والفنية يتمثل في تأسيس فضاء ديمقراطي صلب.
خامسا: ما هو مفهومكم للتراث وللحداثة؟ وما هي سلبيات كل من المدرستين؟
يمكن التمييز بين التقليد والمحافظة والتراث ويفترض أن يتم تثمين التراث وإعادة قراءته على ضوء علوم العصر من أجل إعادة امتلاكه والانتقال بالذوات العربية من كائنات تراثية يجرها التاريخ وتظل محملة بأثقال الماضي وجراحات ذاكرتها الجمعية الى كائنات واعية بتراثها وقادرة على التعامل معه بموضوعية. من جهة مقابلة يمكن التمييز بين تجربة الحداثة وحركة التحديث لما قبلها من أجل الانتقال إلى ما بعدها، وقد لا تكفي المعاصرة للإقامة في العالم الحاضر والانطلاق من الراهن وللوعي براهنية الواقع المعيش. فالمطلوب هو تفعيل حداثة خاصة بنا متعددة الأصوات على غير المنوال المعهود وخارج إطار معيار التحديث الغربي وفي اتجاه الحداثة البعدية بإبرام مصالحة مع التراث النير ودون القطع التام مع الهوية الثقافية والينابيع المتدفقة بالمحبة والخير والضيافة والتكافل وعن طريق التحرك ضمن جدلية الانفتاح والتجذر وكذلك بالاستفادة من تقدم الآخر وأبعاده الانسية دون الانبتات والذوبان فيه والاعتزاز بالذات الحضارية دون انغلاق وتعصب ثقافي وبلورة هوية سردية تجعل من فن القص اقتدار في الحياة.
تتفادى فلسفة الحداثة التي يمكن التعويل عليها الإقصاء والانقلاب والتغريب وتعول على العامل الداخلي والقدرات الذاتية والرأسمال الرمزي للامة الذي يمثله التراث الحي من اجل الإعداد الحقيقي للقوة السيادية على صعيد الأمن الثقافي والمقاومة الفكرية للتأخر وذلك قصد تحيين مطلب استرجاع السؤدد الحضاري.
سادسا: هل إقصاء الزيتونة في فترة سابقة فسح المجال للتطرف والغلو؟ وهل كان ذلك قرارا صائبا؟
مشكلة الثنائيات ظلت تعرقل كل تنمية وتقدم وتمنع اكتمال مشروع التجسير بالربط والتشبيك بين المدني والديني وبين الدنيوي والأخروي وبين التقليدي القديم والعصري الحديث وبين المعقول العلمي والمنقول الديني على الرغم من أن المنقول الديني يحتوي على المعقول العلمي والعصري الحديث بدأ يطور الإيمان ويجدد علاقته بالمقدس ويجعل من اللآاعتقاد أحد طرق البحث عن الاعتقاد وانتظار قدوم الآلهة وعودتها.
لقد لعب مؤسسة الزيتونة دورا وطنيا حينما اشتركت في مقاومة الاستعمار والتخلف والجهل والتأخر وانتصرت لقيم التطور والمدنية والتحديث على العادات السيئة والتقاليد البالية وساهمت في صناعة النخب الحاكمة في المغرب العربي وكانت ساحة تقدم وتنوير ومساحة مضيئة وسط بيئة اجتماعية رافضة لكل تجديد ونضال وظلت تمارس دورها المبدئي والطليعي في دولة الاستقلال وفي تركيز المؤسسات الوطنية.
غير أن المنوال التحديثي المسقط فوقيا وتفشي الاستبداد وتفضيل خيار التبعية التامة للغرب أفقدها هيبتها ورمزيتها بصورة جزئية ووقع توظيفها سياسيا وإفراغها بشكل نسبي من محتواها التكويني والعلمي.
بيد أن الهبة الاجتماعية التي حدث منذ نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرون قد أعادت لها المكانة التنورية في الوسط الاجتماعي والاعتبار على الصعيد الثقافي وعادت الحياة الروحية إلى الجامع المعمور وصار في مقدمة المدافعين على قيم الاعتدال والوسطية والتعقل ضد رذائل الغلو والتطرف والإرهاب.
غاية المراد أن مستقبل المنطقة تصنعه الأيادي الماهرة والعقول المستنيرة والقلوب الصابرة والضمائر الحية والأذهان المبصرة وذلك بتقديم الثورة الثقافية والتنوير العلمي والتهذيب الذوقي على المستوى المجتمعي ضمن وجود سياسي متجه نحو بلورة مشروع تنموي مستقر يعيد للأمة سيادتها ومجدها. فمتى يصغي العلماء إلى الدروس الوطنية التي قدمتها الشعوب التي افتكت حريتها من القوى الكولونيالية؟