وهو يتصفح ألبوم الصور، أحس وكأنه تحت تأثير مخدر قوي أو كمن يجرفه طوفان، شيئا فشيئا كان حاضره يضمحل .. يتلاشى .. وفي لحظة انخطاف وجداني اجتاحه شعور غريب، وأحس  كما لو أن  يدا لامرئية امتدت اليه،لتقتلعه من حاضره وتطوح به إلى زمن غابر.. وجد نفسه وجها لوجه أمام طفل يكاد يكون براءة خالصة.. تلعثم..بدا ساعتها أمامه مذهولا..
غمغم بأسى:

1ـ دنجوان
كان يعرف جيّدًا ماذا يعني أن يبدأ الصباح بامرأة لرجل مثله  وهو الذي قد جزم مسبقا بأّنه
لايصلح زوجًا على الرّغم من كل ما يمتلك من مقومات كفيلة بأن تجعل منه دنجوان عصره
كان قلبه مرتعًا خصبًالقلوب العذارى
! هو لايعدهن لكنه لا يصدهن
المهم أنّه لايجبر أحدًا
وكُلّهن يأتينه طواعية.
هكذا كان يشتري راحة ضميره, غير عابئ بقلوبهن التي ترتطم بشبابيك قلبه الزّجاجي.

ذاك السيِّدُ ربُّ نعمتي، أطعمني من جوعٍ، وأدفأني من برد، قال: كلْ .. ضحكتُ، وأكلت، قال: البسْ .. فرحتُ، ولبست، حفر حفرتي؛ تمدد

1 ـ حكاية 
ـ نضب معين الحكاية يا مولاي وجف مني الخيال ..
قالت شهرزاد..
ـ وما العمل إذن ؟
رد بغضب شهريار ..
تحرك في ركنه البارد " مسرور " الذي أكلته الشيخوخة وصدئ سيفه ونظر بعينين دامعتين من الرمد .. وقال بصوت مبحوح ممزوج برعشة واضحة ..
ـ رأس من هذه المرة يا مولاي ؟

ضاقت بهم ذرعا..
ودون سابق إنذار انتفضت ..جعلت عاليها سافلها..
وكل من عليها سقط..
الكل طار في الهواء.. سبح في الفضاء كريشة لا وزن لها..
وحده ظل عالقا متشبثا بها..

كان أمامَها ... تستقبلُ عينيه، وكلماتِهِ المداعبة ..
بعد الانفجار، وانقشاعِ غيمةِ الأتربة؛ كانت تهرولُ، وتنادي:

أنا .. يا من لم تعرفني .. كنتُ صاحبَ هذي البلاد .. كلّها .. ملك الحدائقِ .. وسيّد القصور .. لي السماءُ .. والأرضُ لي .. وفي قبضتي كلُّ الكنوز ...  كلُّ النساءِ كنَّ لي .. بساتينهن المعلقةٌ ..الظاهرةُ  .. والخافية .. إن أشرتُ للدنيا بسبابتي .. طأطأتْ .. وقالت: نعم !
 .. كنتُ زينةَ شباب الأقوام كلّها .. في داخلي معبدٌ لكلِّ أسرارِ العباد .. وعلى روحي ترك الإلهُ بصمةَ حكمتِه الخالدة .. في عينيّ نوتةُ الدهرِ ..  نواتيُّ معانى الحياة أنا .. يهزّني تلاعبُ النسيمِ في ربيع قرنفلة!  

قُربَ بسطةِ الدَّجاجِ بائعُ النعناعِ ... نحيفًا كان أبرصَ، وبدرنةِ أنفٍ، تنفر كلما سقط على الأرضِ الصلبة .. تصيحُ النسوةُ، يهيجُ دجاجُ الأقفاص .. هو أيضا يصيرُ دجاجةً تتمرغ، فمُهُ يزبدُ، ولعابُه يسيل!

حياة!

منذ البداية حبا على أربعٍ ... وعلى أربعٍ جثا ... عند خطِّ النهاية .. التفت .. فقط كان كمن ينفّذُ التفاتة!

تقابُل!

الشجرةُ الواقفةُ فوق الرابية .. ليست حقيقية .. أغصانها تنفردُ ... ثمَّ تنثني كأذرعٍ آدميّة .. الناسُ .. في النهارِ يهللون لعروضِها .. ووحدي أنا .. أقضي الليل في حجرِها ... نبكي سويّا!

فتوّة!
زمّ عينا، وتوعدني بالأخرى، أقسمَ أنْ يشطرني شطرين؛ فمكثتُ أفكّرُ: أبالطولِ سيشطرني ... أم بالعرض؟
عزمتُ الهرولةَ، لكني رجفت .. صرتُ ديكًا منكفئا تضربه ريح! ...قلتُ: أيهاجمني وأنا أسيرُ الرجف؟
قلتُ: لو مركبٌ بحرٍ يأخذنني،  لو طائرةٌ .. نلقي حبلا  ..  لو يتدخلُ ربُّ الخلق .. وقلتُ .. وقلتُ .. حتى وصلتْ أمّي منحنية؛ فدقّ القلب .. لم أفهم نظرة عينيها .. بصقَتْ قربي؛ ولمْ أفهم .. ابتعدتْ ...وأنا لم أفهم ..  والله لم افهم!

حين مدَّ كفّه؛ اتسعت عيناها .. صارتا بحيرتين مع سربي حمام .. ولمّا ارتخت؛ كانت إلهةَ إغريقٍ أعادها الزمان .. لم تتوجعْ ... لم تئنْ ...

إلى عبد الرحيم التدلاوي
تماهيا مع رائعته ( روح)
 
صوّبَ المسدسَ القديمَ نحوَ صدغِه .. تصَبّبتِ الرَّصَاصَةُ عرَقًا؛ والصورةُ المعلّقةُ سقطتْ متناثرة!

 قالتْ بوجوم  :لا زال صدّى قَهْقَهته السّاخرة يَطّن في أذُنْي
قُلْتُ.. وأنا التقط يدها الباردة:
- هوّني عليكِ ...
…….
داهمنْي ذبُولها ، وأحسستُ ببرودة جسدِها تتسرْبُ إلى أطْرافي ...

كان الباب الكبير مواربا ..
كنت أتلذذ وأنا أسمع صريره كلما انفتح أو انغلق ..
كنت أعلم ــ ولست الوحيد في القرية ــ أن هذا الصرير يعني أنها دخلت البيت الكبير أو خرجت منه ..
صريره اللذيذ يجبرني على الالتفات .. أقصد يجبرنا على الالتفات ..
هي تتلذذ بتعذيبنا بصرير الباب الكبير انغلاقا وانفتاحا ..

رآها تلتف في ثوب أسود و تدق الأبواب و تمضي مهرولة لا تنتظر مجيبا، تدقها بابا بابا، والأبواب لا تفتح وراءها أبدا.
و عندما أكملت دق كل أبواب الزقاق، التفتت ، لم يكن أي أحد، أقبلت حتى توسطت الزقاق، خلعت بمهل لباسها كله ،ورمته قطعة قطعة بعيدا في الهواء، و ضعت يديها حول فمها و أطلقت زعرودة اخترقت كل الأبواب، لم تفتح الأبواب إنما تململت النوافذ، و طار منها بوم و غربان.

يومٌ الجمعةِ ... أعلنُ صمتي كناسكٍ مغمور، السبتُ .. أرسمُ بستانا .. آخذها فيه .. الأحدُ ... تتشكلُ غيمةُ، تُمطرُ كفي .. الاثنين ... أنامُ نوما لا رجعةَ فيه .. الثلاثاء ... أقضيه مع أناشيدي المخبوءة ... الأربعاء .. يدقُّ بابي، يسلموني فرخِ البوم ..

خيوط الشمس  هزمت  فلول الظلام ، توقف الفجر محني  الظهر  منتظرا  شارة المرور :- زقزقة عصافير ، صيحات  ديكة الصباح ، ولكن دون  جدوى ،   أغلقت الزهور تويجاتها  ، حاملة شارات الحداد ، باكية قطراتٍ من ندى ،    سمعت صوت ندب وعزاء ، اصخت السمع لصوت بكاء وندب  ، هرعت صوب مكتبتي  ، وجدت  الكتب مترجلة

فيض
كُلّما ازدادتْ عقارب الوقت تخمة؛ تمددت روحه بحثًا عن أفق أرحب لتفيضَ على الورق!


عَابِرات
جعل من قلبه كتابًا مفتوحًا؛ تُوقّع عليه العابرات..
عبرن!
ولكن ببياض..
وجعلنه  يقاسي السواد وحده!!


استفزاز
كانت نسمة هادئة. بيضاء من الداخل. إلى أن جاء من يسكب في جوفها ضجيجُ الاستفزاز، فاغتال لباقتها.