مقدمة تاريخية
الصالة التى كانت تزهو بالألوان صارت قاتمة، والساعة التى كانت تملأ البيت حركة وضوضاء ماتت ودفنت على الجدار.. كل شيء أصابته القتامة.. حتى هو الذى اعتاد أن يفتح شباكه كل صباح لتدخل إليه حرارة الشمس وأنغام الطيور ونسمات الهواء المغمسة بالندى.. انعكست فجأة صورته على مرآته، ثم على حائطه والأثاث شبحا لشيخ مهدم.. فصار غير قادر على الحركة وسط هذا الزحام الخانق من الصور والتزم الفراش.

الميّــــت..
يتبع جنازة..
كان في مقدمة المشيعين، يردد معهم :
"لا إله إلا الله محمد رسول الله"
في المقبرة خلق آخر.. يلف المكانَ الهدوءُ، والسكـون..
الميْت مسجـى محمول على الأكتاف .. يستعد أهله لإلحاده ..

سوبرمان الرقية
جاءني المسيح يوما مهاجما إياي بصليبه المهترئ، ويحثني عن الانهزامية والشفقة، فقرأت عليه آيات نيتشوية مشهرا في وجهه إنجيل "نقيض المسيح الجديد". فصرع.

عودة

رُفعت الستارة. صمْت. دخل الممثل. تصفيق. صمْت. صمَت الممثل طويلا... انتظر الجمهور... قد يكون مقطعا دالا على بقية المشهد. استمر الصمت... الممثل واجم كأنه فزاعة يبحلق أمامه. بدأت وشوشة تنمو بين الحاضرين، تصير ضجة... سرعان ما انطلق الصفير... تطور المشهد إلى رمي بالقناني، علب الأكلات السريعة، أعقاب السجائر المشتعلة... لم يخرج الممثل عن سكونه.

1-نظافة
في حالة تفكيرعال آلمه مصير العالم من حوله.
جمع كل الاوجاع ،كل التفاهات وكل المعوقات ...
طرحها في آلة تصبين ضخمة وطفق يراقب دورانها السريع؛
 بعد انتظار طويل قذفه الماء بصفائه النمير.

يعدو طفل في عمر الورد، وفي لحظة يميل بجذعه إلى الخلف، كما يده اليمنى، وبكل قوة الكره يلقي بحجر...
في الضفة الأخرى، وخلف السياج بالضبط، ينهض برج مراقبة، ومنه يصوب قناص بندقيته إلى الهدف بدقة، ثم يضغط على الزناد..
يسقط الطفل على الأرض ثم ينهض..

- سأل أحدهما الثاني:
لمَ تغيرت أحوالنا هكذا؟ وأصبحت للغريب الرهيب مكانة بيننا؟ وأمسى الآمر الناهي في كلّ صغيرة وكبيرة؟ لِمَ كلّ هذا يحدث مع خير...؟
- أجاب الآخر الأوّل:

انزياح
أخَذتْ زُخرُفهَا وازّيَّنتْ للزّائِر الكَبِير،
أقْفلتْ أبوَابَ الفُصُول علىَ التلاميذ ذَوِي الاحتياجات الخَاصّة،
حضَر الزّائرُ مُتأخّرًا فقبّلتْ يديْهِ وشكرَتْهُ، وقدّم لهَا الهَدايَا،

تدخل حسناء فارعة الطول من جهة اليمين، تمشي بخيلاء كعارضة أزياء، تمشي على أنغام الروح إلى السرير، تضطجع عليه كأميرة متوجة، عارية تماما، إلا من سطوة فتنتها وجبروت جمالها، وسحرها الطاغي..
من الجهة نفسها يدخل رجل ككلب صيد لاهث، ضامر الجسد، يرهقه الظمأ، يتشمم عطرها، يحيطها من كل الجهات، يلعقها من الغرة إلى الأخمص، ثم يقعي على حجرها، ويرتشف من واحة صدرها رحيق الحياة..

غادر قريته البسيطة منذ صباه، إلى قرية بعيدة عن قارته، اندهش لما رآه، الابتسامة الدائمة في وجوه لا يعرفها، والبساطة التي عايشها هناك،وجدها هنا، لكن بعد عقدين، حنّ إلى مسقط رأسه، عاد أخيرًا، وفي قرارة نفسه، يردّد" ليتني لم أعد !"، لأنّه فوجئ بقرية كل ما فيها يمشي القهقرى !!!

رجـاء
كانت تقول لي: "أنت حرف وأنا الحرف الآخر"، وكنت أقول لها: "بل أنت حروف الزين كلها". ما كنت آنئذ أدري، أن الزمن سيُسلس كتابتها نحو نقطة ختم.

شفـافيـة
خرجـتُ منـي وجسـدي فـي أثـري كالظـل، بعـد خطـوات التفـت إلـيّ، فرأيتنـي آخـرَ، تعلـو محيـاي تقاسيـمُ أنثـى، فناديتنـي مـرات، فلـم يستجـب لصوتـي سـوى صوتهـا، بعـد خطـوات رأيتُهـا تخـرج منـي، وجسـدي فـي أثرهـا.

واثقا من نفسه،وضع الورقات في جيب قميصه وشبكها بقلمه الفضي ...في ساحة المدينة كانت حواسه يقظة ومشاعره متحفزة: - سيكون الصيد وافرا...

ارتفع الصبي بالأرجوحة عاليا ، يضحك لمِا صارت عليه أخته من ضآلة في الأسفل، وفوق المبنى المطل على الحديقة، كان الرجل ينظر إلى الأرجوحة، فيراها كحشرة ضئيلة تتخبط في الفضاء تحته،

أنجبني أبي بعد فترة من وفاته؛ لذا، لا يشعر بي الناس ولا يحسون بوجودي.
أمشي طلق المحيا، آكل وأشرب دون أن ينقص شيء، وأنام حيث أرتضي.

"اليوم سأكتب، سأتمرد على البياض الذي يطوق الورق !" هكذا قال... و هو ينفث دخان سيجارته... طرح سؤالا: " هل سيكون وصفيا ام سرديا ؟! " و هو جالس على كرسي الصبر محدقا في صفحته، ملسوعا بالفراغ و اللاشيء...