رآها تلتف في ثوب أسود و تدق الأبواب و تمضي مهرولة لا تنتظر مجيبا، تدقها بابا بابا، والأبواب لا تفتح وراءها أبدا.
و عندما أكملت دق كل أبواب الزقاق، التفتت ، لم يكن أي أحد، أقبلت حتى توسطت الزقاق، خلعت بمهل لباسها كله ،ورمته قطعة قطعة بعيدا في الهواء، و ضعت يديها حول فمها و أطلقت زعرودة اخترقت كل الأبواب، لم تفتح الأبواب إنما تململت النوافذ، و طار منها بوم و غربان.

فيض
كُلّما ازدادتْ عقارب الوقت تخمة؛ تمددت روحه بحثًا عن أفق أرحب لتفيضَ على الورق!


عَابِرات
جعل من قلبه كتابًا مفتوحًا؛ تُوقّع عليه العابرات..
عبرن!
ولكن ببياض..
وجعلنه  يقاسي السواد وحده!!


استفزاز
كانت نسمة هادئة. بيضاء من الداخل. إلى أن جاء من يسكب في جوفها ضجيجُ الاستفزاز، فاغتال لباقتها.

المشهد الأول:
على جدارية فيسبوكه .. فجّر قصة قصيرة .. لم تُخلّف ضحايا .. ولم يُعلق أحدٌ.. فـوسمها بـ"أحبها" ثم أغلق الملف

المشهد الثاني:
عاد إلى حاسبهِ الألي .. قلّب عينيه باحثا عن توأمها بين سُطور وملفات .. وجدها تُحاور إخواتها بشأن قضيتها .. أطلق عليها كبسة رصاصة أرْدتْها في قبر النفايات.

تهوية
-  لُغتي سجني !  هكذا قال ،
و راح يوسّع الثقوب بين قضبان الأبجدية...
حثى طلع السرّ بين العسس ،
فرموه بتهمة التخطيط لإصابة البلاد " بذبْحة لغوية

ــ عُري
خرجت إلى الشارع عاريا.. أو هكذا خيل إلي حين رأيت المارة ينظرون إلي، بعضهم يشير إلي وبعضهم الآخر يسب ويشتم ويبصق في وجهي، وآخرون ينظرون إلي وهم يضحكون كأن منظري عاريا أعجبهم ..
وضعت يدي أستر بهما شيئي فظهرت سوأتي واختلط الكلام بالصفير بالضحك والسب..
جريت لا ألوي على شيء، أبحث عن مكان يؤويني أستر فيه خيبتي وعريي..
ـ عجبا كيف خرجت إلى الشارع عاريا ؟هذا ليس من عادتي أهتم كثيرا بهندامي..
دخلت قاعة خافتة الأضواء، قلت أستر عيبي وفضيحتي إلى حين هطول ظلال الليل، سمعت همسا وكلاما غير واضح، اقتربت من الهمس أستطلع معناه، فرأيت أناسا، مثلي، عرايا.. لكنهم غير آبهين بعريهم.. يتكلمون همسا كأنهم يخططون لشيء، يقطعون القاعة جيئة وذهابا كأنهم يستعرضون عوراتهم بتلذذ بعيدا عن أعين الرقباء ..

صباحَ أمس ، جلستُ ساعاتٍ من الحنين ، بانتظار لقائك ، لكنكِ لم تأتي.
في كل مرة تغيبين فيها عني ، أجدني معشوقا للحزن ، قلقا ، مرتعشا كسعفة، يؤرجحني الانتظار. لكن في عطركِ ثمة عزاء ، فبقاياه تُنسّم المكان، وتقتل وحشة الوقت، بعبق الذكريات .
أنتِ وحدكِ من ينسّم المكان.

سَمق بغرّته المحَجَّلةِ صوبَ العُلا يرتادُ السماوات،يتلمَّسُ طريق العودة لنقطة البدء.عيناه تحملقان في بصيص نورٍ يشعُّ لبرهةٍ ويختفي لأخرى.

حدَّثَتْهُ نفسُه وقدْ غَنَّجَها الكِبْرُ على الخلائق الحفاةِ العراةِ العصاةِ الدّناةِ، أنَّهُ أدركَ الملكوتَ ودانَت لهُ حظوةٌ وباتَ من الصفوةِ، فتململت قدماه على أديمنا؛ أسقطت بعضا منّا في شرَكِ إبليسَ لأنّهم ارتابوا في أمر صاحبنا فاستنكروا شأوه، وجثمت على أنفاس بعضٍ آخر كونَهُم يموجون عقلا يبيحُ السؤالَ ويُجهِضُ ردّه السقيمَ العقيمَ، ثم تناولت يداه نيازك الفُلْكِ المشحونِ؛ قذَفتْها لِتفقأَ عيونَ الباقين ممَّن سلكوا طريقَ القُرْبِ بغير وسيطٍ يتألَّه ويَستعبِد.

- بيضةُ المستحيل –

شيء ما يفقس...
هناك في الربع الخالي من أقصى منطقة في فراغ جمجمته المثخنة بالصّدمات،
فيستيقظ "العرْبي" متوعِّدا بمواصلة حلمه في الغد .

 - واقعية –
لِسببٍ غامض، بدأت إِبِلُ الرّبْع تُقلِّدُ خُوَار البقر،
فَتَشَابَهَ البقَرُ على رُعاةِ الإبِلِ،
- و حتّى يبْدُوا واقِعِيينَ أكثَر –
تحوَّلوا إلى "رعاة بقَرْ" !

النافذة مشرعة و مائلة نحو جهة اليسار.. لا نسمة تهب..خلعت صوتي ، و وضعته في درج قريب و انتظرت..
_أتعني صوتي؟..
_ انه كالطين.. ناعم الملمس ، و طوع بناني..
_ماذا عن صمتك المختبيء بين طيات التمني؟
 اكفهرت أغصان السكوت من حولي..
_ اين عساه قد اختفى؟؟
 ذاب نجم في قدح الماء على طاولتي..و تبعه القمر ..

هي قارئة فنجان،لم تستقر على عنوان،مضغت أحرفها النسيان..توهَّمت أنها تجْسُر على الترحال عبر تضاريس الإنسان.
سقط الفنجان، فتكسر،ولم تستطع أن تتحقق النبوءة وظلت عاجزة عن نسيان أنها كانت عرافة الزمان..ورددت:" كذب المنجمون ولو صدقوا"،وبهذا أغلقت بوابة الأحزان.

زجاجتي مليئة بالألم، متى حركتها وأنى حركتها تصدر أنينا، تنتفخ، يتغير لونها وشكلها، فأشفق عليها وأحاول إكسابها شكلها القديم، لكني لا أتذكره، نسيته، أصر، أنبش في مخيلتي المهمومة فتتأبى علي، ألأني لم أحب شكلها القديم، أم لأني كنت مشغولا عن زجاجتي بغيرها من الزجاجات المترامية على أرصفة الشوارع ؟ والتي ما فتئت تتحطم الواحدة تلو الأخرى، ما أجمل مشهد الزجاجات وهي تتكسر، تثور على ما تختزنه من مكبوتات، تنتفض، فيدوي صوتها في الآفاق، تتناقله الشوارع والدروب والأزقة، فتنوء مدينتي به، محاولة ضمه واحتواءه فينفلت كالهواء كالصوت كالشعاع صوت الزجاجات، يحلق في المكان معلنا ميلادا جديدا..

دخلتْ رائحةٌ نفّاذة إلى بيتنا صباح اليوم، دون أن تقرع الأبواب . دخلتْ من النافذة الغربية المطلة على الجيران. رائحة تشبه .. رائحةٌ أخجلُ من مصارحتكم بها.. ذهبتُ من فوري وأغلقتُ النافذة، لكن الرائحة استمرت في العبور. انزعجتُ منها، رغم أنني لا أستطيع أن أصفها بالرائحة الكريهة أو الطيّبة ولكنها رائحة نفّاذة.
أغلقتُ الباب بإحكام، وأغلقت النوافذ. أسدلتُ الستائر. فأعتم البيت واستمرتْ الرائحةُ بالنفاذ، سددْتُ جميع المنافذ. ثقوب المفاتيح، شقوق الأبواب والجدران، لكن الرائحة استمرت بالنفاذ.

أنهى " آمال عريضة" لديكنز ‘ وهذا الطابور ما يزال طويلا ينْخُرُ الأعصاب..

حين التهم نصف الكتاب الثاني ‘ جاء الفرج بوجبة صاحبها مواء القطط وعراك الطلبة مع العمال.

رمى قطعة اللحم القاسية لقط بقربه.. شمَّها القط وانصرف..نظر إلى زميلٍ جنبه وقال

- إما اللحم ليس لحما أو القط ليس قطا.

حبة    لوز   اكتمل  نضجها     ٬
ذات  عصيان٬
ألقت    بنفسها  الى   الخواء٬
ولأنها  لا تملك  اجنحة  لتطير٬
سقطت
... وليمة  لأفواه الجائعين.

حين غادَرَتْه لم تلتفتْ وراءها. كان حقيراً بعض الشيء.. ميتاً بعض الشيء، وبين جَنَباته يعيشُ أفعوان قاتل...!
هكذا قالت عنه، وابتسمتْ تلك الابتسامة التي نعرفها جميعا، وسبق وأن شاهدناها على التلفاز في العديد من المسلسلات المصرية والسورية، على المحطات الفضائية والأرضية. الابتسامة التي تشبه إلى حدّ ما ابتسامة الموناليزا، فيما لو أضفنا إلى جوانبها بعض الخطوط الصغيرة لتصبح أكثر عبوسا.. تلك الابتسامة التي تشبه ابتسامة جوليا روبرتس في فيلم (إيرين بريكوفيتش)، أو ربما كانت ابتسامتها تشبه ابتسامة أمي عندما سألتها في طفولتي سؤالا عن الله ولم تُحرْ جواباً، أو ابتسامة جدتي عندما حاولتْ أن تداري خيبتها وهي في العاشرة من عمرها، وجدي يحاول الاقتراب منها للدخول بها، وقد خجلت أن تصرّح له بأنها لم تبلغ بعد..!!

زال البناء المشبعُ برائحة الذكرى، نافذة الصفيح الواطئة، الوجه المريمي المطلّ في الصبح يعلنُ بهجة الشمس، العينان الخجولتان المتواريتان في رقة الستارة؛ ترنوان لخطوي، الهمسة الآتية مثل نسمة، أو في المساء حينما يتداركني مع القمر خطوّها لنغافل معا أزقة العتمة.. زال البناء، وتبقت الشجرة اليابسة.. تترقب حضوري.. طقسي الطفولي..

(تمثيلٌ إيمائي)
ظلَّ منحنيًا لوقتٍ طويلٍ في انتظار التصفيق.. قبل أن تضيء الصالة على جمهور من العميان..!
.
(تضحية)
يقطع الحطَّاب علاقة الشجرة بالأرض، بهذه الطريقة القاسية للانفصال، وبهذين الألمين – الفراق، والضربة الحادَّة المسدَّدة للفأس – نحصل على مقاعد الاجتماع العائلي للعشاء، ونتبادل الحميميَّة!

(فوات)
باقة وردٍ مهملةٌ في المشفى.
الجوريَّات المنكمـشة كانت ستعني شيئـًا لقلبٍ متعب.
كانت ستعني له شيئـًا لو أنــَّه صمد قليلاً.

عاشقان تحت المطر 
يقطعان الطريق في صمت، بينما رذاذ دافئ يتساقط في حنو، الشارع مقفر على طوله، أكملا سيرهما على رصيف به نتوءات اسمنتية، تبادلا النظرات للحظة، فأمسكا يدي بعضهما، و خلعا معطفيهما، و افترشا الرصيف المبلل..و تقاسما الحب و العرق.  

                                                              
الجلاد  
كانت شاحبة الوجه نحيلة العود عارية الجسد، معصوبة العينين، و قد قيّدت يداها و علّقت على عمود صدئ كأفلام الهنود الحمر..كانت ضحكات الجلادين تتعالى بينما أحدهم يزرر سرواله، لقد أفرغ فيها حيوانيته و نفث في جسدها الضئيل سموم فحولته..و لكنهم لا يعلمون أنها فارقت الحياة منذ يومين...!

الحركة الأولى
 
وسادتها المحشوّة بالسحاب
خنقتها يداي المرتعشتان في فصل الشتاء
و تركتها، جثّة هامدة
===
هداياها الصغيرة
جمعتها في كيس
و وزّعتها على أطفال الحيّ
شاهدتهم يغرقونها في البحيرة
===
سترتها القرمزيّة، علّقتها طويلا
ثمّ استعملتها خرقة لسدّ ثقب في الحائط
يتسلّل منه جيش الصراصير
===
صورنا التذكاريّة على شاشة الكومبيوتر
حوّلتها إلى القمامة
===
رياح الجنوب لسبب سرياليّ
تذرّي الغبار
" بوسيدون" يفسخ قصائدنا الطريّة من ضفاف الشّاطئ
ليترك ما تبقّى من أغان
تنشدها النّوارس
يلحّنها إرث "سرفانتس"
  
الحركة الثانية
 
شبح من طين يطفو على البحيرة
كانت هداياها....
غيمة تدغدغ وسادة تبعث من رماد
كانت وسادتها...
نوارس تنشد فوق قمامة من الذكريات
 الصّراصير جيوش تخترق جداري
تلاحقني لا لتقتلني ... تلاحقني لتسخر منيّ
***
شهوة تتسلّق نفس ذاك الجدار  
لون قرمزيّ برائحة الشّبق، يغمز فانوسا
موج، يعانق صخور شاطئ
عذراء، تنام على فراش من السّحاب
أمّا أنا، فمغمض العينين أبصر كلّ ذلك
  كم سيكون قاسيا هذه اللّيلة
أن  أحلم بغيم طريّ.... لن أمسك به أبدا
 
 
الحركة الثالثة
 
لم يكن حقلا ذاك الذي حصدته مناجلك
لم تكن غيمة تلك التي تمطر الآن
لم يكن مطرا ذاك الذي دق شبّاك بيتك
لم يكن جرس كنيسة ذاك البنشون المبلّل أمام شباّك بيتك
لم يكن بيتا ذاك الحطام المكدّس أمام كنيسة
لم يكن بابا ذاك الذّي تحت الحطام المكدّس
لقد كان قلبا طّريّا... مصلوبا بألف مسمار صغير
لقد كان ثّملا... مبلّلا بكأس "العشاء الأخير"
 
عبد العزيز الهاشمي
من تونس