بصرف النظر عن مفهوم  المثقف البالغ الالتباس والتعقيد، والذي سنعرض إلى  بعض مداليله الإشكالية، فانّه  من المفترض أنّ الرسالة الأهم، التي على المثقف النقدي المتفاعل مع محيطه والفاعل فيه، المنحاز إلى الجماهير في غير ما مهادنة، ولا سكوت عن مظالم السلطة، إنّما هي الرسالة  التي يحملها تجاه المجتمع الذي ينتمي إليه -لا بل تجاه كلّ المجتمعات إن بلغت طروحاته و أفكاره مرتبة العالمية- والتي لا تقتصر، على إنتاجه للأفكار ولصنوف الثقافة في تمظهراتها المختلفة ولا في  محاولة بثّ الوعي المعرفي في النّاس و تحفيزهم على التفكير النقدي و تحريضهم على السعي إلى التغيير، بل تتجاوز ذلك إلى ما أهمّ، وهو قيادة تغيير الوضع القائم. ليس هذا فقط، بل من مهام المثقف النقدي الأساسيّة قبل وبعد ذلك مهمّة طرح حلول للتحدّيات التي يواجهها المجتمع في منعطفاته الصعبة ولحظاته التاريخية الحرجة التي قد تفضي إلى التحوّلات الكبرى، وتبلغ أحيانا، حدّ استهداف وجوده في حاضره وفي مستقبله أيضا، مثلما هو حال  الوطن العربي اليوم  الذي يعيش أعراض المخاض "القيصري" العسير للثورات العربية  المنحرفة عن مسارها.

استهلال:
" الديمقراطية ليست نظامًا سياسيًا بدون صراعات ، بل نظامًا تكون فيه النزاعات مفتوحة وقابلة للتفاوض وفقًا لقواعد التحكيم المعروفة. في مجتمع يزداد تعقيدًا ، لن تتضاءل النزاعات من حيث العدد والجاذبية ، بل ستتضاعف وتتعمق"1[1].
من المتعارف عليه أن السياسة بالمعنى الواسع تشير إلى سمة الحياة المشتركة عند مجموعة من الناس التنظيم العقلاني للعلاقات بينهم، وأول ما ظهر اللفظ هو متعلق بالاقتصاد السياسي. أما المعنى الاصطلاحي للسياسة فيشير إلى الدولة والحكومة بالتعارض مع الظواهر الاقتصادية والمسائل الاجتماعية سواء تعلق الأمر بالعدالة والإدارة أو بالأنشطة المدنية للحياة مثل التعليم والثقافة والبحث العلمي والدفاع الوطني. كما ان السياسة الجيدة هي التنظيم العقلاني للعلاقات بين الأفراد وتحييد العنف وتفادي النزاعات.

شهدت علاقة الكنيسة الكاثوليكية بموضوع حقوق الإنسان عدة تطورات، ونظرا للمنشأ العلماني لهذا الموضوع في التاريخ الحديث فقد شكّلَ نقطة خلاف جوهرية بين الكنيسة وبين الدولة الحديثة في الغرب. حيث عبّرت كنيسة روما في عدة مناسبات عن انتقادها لمفهوم حقوق الإنسان ومعارضته. لكن في ظل تحول مبادئ حقوق الإنسان إلى مرجعيةٍ كونيةٍ، شهد موقف الكنيسة تبّدُلا مجاراة لأوضاع وأعراف دولية باتت سائدة. كتاب الباحث الإيطالي دانييلي مينوتسي، أستاذ التاريخ المعاصر بمدرسة التعليم العالي بمدينة بيزا، يحاول تتبّع هذا التحول في الموقف الكنسي من قضية شائكة لا زالت عسيرة الهضم في التصور اللاهوتي، ولا زالت مثار العديد من الحساسيات في الدوائر الكنسية، لا سيما في الأوساط الاجتماعية التي ما زالت واقعة تحت تأثير الكنيسة.

 " إننا سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصومنا   ولكن بمقدار ما نقتل في نفوسنا الرغبة في القتل"
المهاتما غاندي
مقدمة:
قد يبدو مفهوم الثورة السلمية للوهلة الأولى مفهوما كلاسيكيا لا يختلف كثيرا عن غيره من المفاهيم التي تجاوره في المكان وتجانسه في الدلالة. ولكن ما أن يـتأمل المرء فيه ويتمعن في تجلياته حتى يجد نفسه في فضاء فكري مترامي الأبعاد والأطراف، وفي خضم التمعن والنظر، يدرك المتأمل أن مفهوم اللاعنف مفهوم في فلسفة وفلسفة في مفهوم.

وليس من المصادفة أن يرتبط هذا المفهوم ارتباطا عميقا بالحكمة الإنسانية الشرقية، بما تشتمل عليه هذه الحكمة من إشراقات إنسانية، وشطحات صوفية كانت وما زالت قادرة على التوغل في أعمق مناطق الوعي الأخلاقي والوجداني في الإنسان؛ وليس غريبا أن يتعانق جمال هذا التسامح الصوفي المتضوّع بالحكمة الشرقية، مع سمو الحكمة المسيحية القديمة، وليس من العجب أيضا أن يخفق بين هاتين الحكمتين قلب المهاتما غاندي الكبير، الذي مَتحَ رحيق المحبة والتسامح من معين الحكمة الهندية القديمة، ونهل من معين الحضارة الغربية المتدفقة، فجاء عطاؤه فيضا إنسانيا مصقولا في منهج فكري فلسفي أصيل، فأخذ المفكرون من ذلك العطاء يرتحقون ومن هذا الفكر ينهلون في سبيل بناء فلسفة إنسانية للسلام قادرة على أن تنير دروب الشعوب المظلومة والمغلوبة على أمرها في نضالها من أجل الحق والحرية والسلام.

اختلف كتّاب ومؤرخو سيرة الحزب النازي الألماني حول المقولة، منهم من اعتبرها فقرة وردت في نص المسرحية التي كتبها الشاعر الألماني النازي "هانس يوهست" وعرضت في مدينة برلين بالذكرى الرابعة والأربعين لميلاد زعيم النازية "أدولف هتلر". منهم من نسبها إلى قائد سلاح الجو الألماني الشهير "هيرمان غورنغ" أحد أبرز مساعدي هتلر. وبعضهم يدعي أن من قالها هو وزير الدعاية النازي المعروف "جوزيف غوبلز". بل أحياناً ينسب هذا القول إلى هتلر ذاته.
إنها العبارة الشهيرة "عندما أسمع بكلمة مثقف أتحسس مسدسي".
لن نكترث بشأن من قالها، الأهم هنا أن هذه المقولة تعكس أيديولوجية تسلطية، لا تعترف بغير القوة الجائرة لتمد سطوتها وتبسط هيمنتها. هي تعبير عن التزمت والتشدد الفكري، والإسهاب في المغالاة الأيديولوجية التي قد تكون جذورها دينية أو عرقية أو مذهبية أو فكرية.

"نعيش في وطن يطالبك فيه اللصوص بالتقدير والاحترام أو الصمت"
م.الزاهيد
إن الناس حينما فكروا في وضع حد لحالة العنف المفترضة في الطبيعة التي نظّر لها كل فلاسفة العقد الاجتماعي، كانت غايتهم الأساسية أن يقضوا على العنف الذي يمكن أن يلجأ إليه كل واحد مستخدما قوته الخاصة في الدفاع عن ممتلكاته، أو الثأر لنفسه وكبريائه وحماية بقائه، مقابل ضمانات حقيقية، قانونية وسياسية عبروا عنها في  تأسيس تعاقد اجتماعي وسياسي، وهو ميثاق إرادي أملته مصالحهم المشتركة، وقد يكون هذا العقد في البداية خادما للواحد المتعالي/الملك أي الحاكم، لكن  مفكري الأنوار الذين بلوروا  لنا الأسس التعاقدية الصلبة للديمقراطية الليبرالية الحالية، فكروا في أن يكون التعاقد مسؤولية جماعية يتحملها ويشارك فيها الجميع، لأنها مبنية على  احترام القوانين وطاعتها، وهي نفس القوانين والتعاقدات التي وضعوها هم بأنفسهم، لأنها تعبّر عنهم وتجسد إرادتهم العامة، لكن حينما يصبح هذا التعاقد لا يجسد إرادتهم، فمن الناحية الأخلاقية والسياسية بالخصوص، لا يعود ملزما لهم، لأن الأصل في العقد الاجتماعي المؤطر للدولة ومؤسساتها هو الإرادة الحرة لكل فرد في التعاقد وأن يساهم في صياغة بنود وشروط هذا العقد، وهي ذات الإرادة التي لايمكن أن تتم صناعتها أو وضعها في شروط وإكراهات وحتميات تكون فيها ملزمة بالاختيار بين العبودية أو البطالة.

تجتاح أرجاء العالم عموما وأروبا خصوصا مند سنوات تغيرات عديدة: استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، تصاعد شعبية اليمين المتطرف في الكثير من البلدان، ترهل معظم الأحزاب التقليدية وفقدانها لبريقها.. إضافة إلى موجة من الاحتجاجات التي باتت ترهق أجهزة الدول ولعل أخرها حركة السترات الصفراء التي وضعت النظام السياسي الفرنسي في موقف حرج،  خاصة بعد فشل الدولة في التعاطي معها بشكل يليق بمكانة دولة عريقة في الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لعل هذه التغييرات مؤشر على عجز النظام الديمقراطي المعتمد منذ الحرب العالمية الثانية في جل البلدان الأوربية على الاستجابة للحاجات المتزايدة التي يشهدها العالم الحالي في مجال الحكم وتدبير الاختلاف...

في الآونة الأخيرة، أجرت جريدة "بروفانس" الناطقة بالإنجليزية حوارا مع الدكتور ه. أ. هيلير حول الإسلام السياسي والليبرالية والتوافق في الشرق الأوسط. فمن هو يا ترى هيلير؟ هو أستاذ باحث متخصص في العلاقات الدولية والدراسات الدينية في الغرب والعالم العربي. أنجز دراسات أمنية لفائدة المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن. في أعقاب تفجيرات لندن عام 2005، تم تعيينه نائباً لقائد فرقة عمل حكومة المملكة المتحدة في مجال التعامل مع التطرف، وعمل كأول عضو في مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية لتتم ترقيته إلى وزارة الخارجية والكومنولث في المملكة المتحدة كعنصر منتم إلى مجموعات "الإسلام" و "محاربة الإرهاب".