" إن محو الاستعمار هي عملية تاريخية ، لا يمكن أن يفهم ويعقل ولا يمكن أن يصبح واضحا بنفسه إلا بمقدار الحركة الصانعة للتاريخ التي تهب له شكله ومضمونه"1[1]
تتعرض الحالة المجتمعية إلى هجمة شرسة على كل شيء ومن جميع المحاور، إنها هجمة على الإنسان والثروات والأرض والتاريخ و تفكيك للطبقة والمؤسسات والموارد والطاقات والقدرات، سواء من الخارج أي من الأعداء التقليديين والجيران المتربصين وسواء من الداخل أي القوى الانفصالية والحركات الضالة والمجموعات التابعة. لقد وجد المثقف الحالي الموظف نفسه في ورطة قاسية وبات ينفذ آليا ما يتلقاه من تعليمات ويكتفي بمسايرة مقترحات قوى الضغط ومطالب الفاسدين وقرارات التي تمليها الأجهزة الرقابية.
في أزمة فكر النخبة العربية ..: خسوف المثقف العضوي - حسن العاصي
تكمن أزمة الفكر العربي الحديث في كونه ظل فكراُ نخبوياً طلائعياً تؤمن به -نسبياً- العقول المثقفة المعزولة عن الناس، هذا يشمل كافة التيارات والأفكار الاشتراكية اليسارية والليبرالية والقومية وتلك الاتجاهات التي تعبر الإسلام السياسي. بالرغم من المحاولات التي أظهرتها النخبة العربية في مواجهة أسئلة التحدي الحضاري الغربي، إلا أنها أجرت مقاربات خاطئة أفضت إلى نتائج كارثية على المستوى الفكري والسياسي والاجتماعي، حيث اعتمدت النخبة -بمعظمها- فلسفة تؤمن بأن الإنجازات الحضارية الغربية العلمية والفكرية يعود سببها إلى الحضارة العربية الإسلامية القديمة فقط، وغاب عنها أن إعادة إحياء هذه الأفكار في الحاضنة العربية في مجتمعات ما زالت ذات صبغة عشائرية وقبلية سوف تولّد تطوراً مبتوراً وحداثة مشوهة. لقد انتكست الأفكار الماركسية بالرغم من إرثها المضيء نظرياً، ولم يستطيع "النعيم" الشيوعي النفاذ عبر أنظمة عربية متسلطة بتوجهات قبلية، يدعمها تحالف المصالح بين التجار ورأس المال وشيوخ القبائل والبيروقراطية الفاسدة، ويحميها الغرب الاستعماري، وانتهى الحال بالرفاق إما في المعتقلات أو مطاردين أمنياً، وبقيت الثروة بين أيدي قلة نخبوية التهمت كل شيء سياسي واقتصادي وثقافي، بل ابتلعت الحياة ذاتها.
جرائم العلمانية المزعومة - رسلان جادلله عامر
لأن الغرب الحديث عَلماني..صار أعداء العَلمانية ينسبون إلى العلمانية كل ما في التاريخ الغربي الحديث من عنف وحشي وجرائم وفساد، ولا يرون فيه إلا هذا! فرغم أن ظاهرة الاستعمار ضاربة الجذور في عمق التاريخ، والدولة العلمانية حديثة حتى بالنسبة للتاريخ الحديث، فقد صارت كل جرائم الاستعمار الغربي في العصر الحديث تعود برأيهم إلى العلمانية، والعنف الناتج عن صراع المصالح المسعورة وحروبها هو أيضا بسبب العلمانية، وكذلك العنف الحاصل في الثورات والصراعات الداخلية هو أيضا من صنع العلمانية، وعليه فكل ضحايا الحربين العالميتين، وضحايا المستعمرات والحروب بين الدول الاستعمارية، وضحايا الثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة الصينية كلها بسبب العلمانية، ولم لا ننسب إلى العلمانية أيضا عنف الصراعات الدنيية بين المذاهب المسيحية وكل ما سقط فيها من ضحايا ونقول أن العلمانيين الغربيين كانوا وراءها؟! فهذا ممكن طالما أن الغرب العلماني الكافر هو الذي يصنع الحركات التكفيرية الإرهابية من المسلمين المؤمنين وفي ديارهم!
الكواكبي.. فيلسوف الحرية الذي تجاهله العرب - محمد شعبان أيوب
"صريع الحرية"، ربما يكون هذا الوصف هو الأليق بخاتمة حياة عبد الرحمن الكواكبي، أول من وقف على أصل الداء السياسي في العالم الإسلامي في عصوره الحديثة، ولم يكن وقوف الرجل أمام هذه الحقيقة بقلمه فقط، وإنما كان بمواقفه وآرائه التي عبرت عن شجاعة نادرة في وجه الاستبداد والظلم الذي رآه في موطنه حلب، وقد كلّفه ذلك مناصبه وأمواله وهجرته من وطنه ثم في نهاية المطاف حياته، فمن هو الكواكبي؟ وكيف بحث عن الحرية وسار مدافعا عنها طوال حياته؟!
حين تفتحت عيناه على الاستبداد!
في عام 1854م ولد عبد الرحمن بن أحمد الكواكبي في مدينة حلب لأسرة عريقة تعود أصولها إلى النسب الهاشمي من جهة الأب والأم، تربى الكواكبي في بيت علم وأدب، فوالده كان مدرسا وشيخا للمدرسة الكواكبية في حلب، وحين بلغ الكواكبي العام السادس من عمره تُوفيت والدته، فتولت خالته السيدة صفية في مدينة أنطاكية لمدة ثلاث سنوات رعايته وتأديبه، وهنالك تعلم الكواكبي بعض اللغة التركية وقد استكمل تعلمها في حلب فيما بعد، ثم أضاف إليها تعلم الفارسية فضلا عن اللغة العربية التي بلغ فيها المستوى الذي يصبو إليه رواد الفكر العربي ونابغوه.
الإسلام السياسي.. مراجعَة غربية - عزالدين عناية
تستمدّ مضامين كتاب "الإسلام السياسي في البلاد العربية.. التاريخ والتطوّر" أهميتَها من تركيزها على الراهن العربي اليوم، وهو مؤلف صادر بالإيطالية ومن إعداد أستاذة التاريخ السياسي الإيطالية لاورا غواتزوني ومجموعة من الباحثين. فقد شهدت دراسات الإسلام السياسي في أوروبا، في السنوات الأخيرة، بوادرَ نضج بعدما لازمها خلطٌ وتوظيفٌ وتأويل مجحف على مدى عقود. يأتي ذلك التحوّل بفعل تراكم الأبحاث ومقاربة الظاهرة باعتماد مناهج عدة فضلا عن نقد داخلي. وفي هذا الكتاب الجماعي الصادر بالإيطالية ثمة ما يشي بحصول تطور إيجابي، يرفده مستوى مقبول من الموضوعية عند التحليل والتفسير، بعيدا عن الأحكام الجزاف التي عادة ما تطغى في هذا الحقل. الأبحاث بشكل عام تندرج ضمن الجدل العالمي بشأن الإسلام السياسي، وبالتالي هي محاولة للإجابة عن تساؤلات مطروحة في الراهن. فالمؤلَّف الحالي يحاول أن يخرج من الجدل المتنافر لإعطاء صبغة علمية منهجية في الإحاطة بالظاهرة بعيدا عن المحاباة أو المجافاة. ولا يسعى لتقديم إجابات جاهزة أو أحكام قطعية، بل يحاول رصد ظواهر متداخلة من منظور تاريخي اجتماعي سياسي.
المصالح والأخلاق! - عبد اللطيف الركيك
عندما يتعلق الأمر بسياسات الدول الخارجية لا موجب للحديث عن دولة فاضلة وأخرى شريرة، أو عن دولة "الملائكة" في مقابل دولة "الشياطين". الرابط بين جميع الدول حول العالم هو وجود مصالح معينة، مع السعي الحثيث لتحقيقها بكافة السبل الممكنة، بما في ذلك الأساليب القذرة وغير الشريفة. وهذا مسلك تستوي فيه جميع دول العالم بلا استثناء الصغيرة منها والكبيرة، المسلمة وغير المسلمة، الديمقراطية وغير الديمقراطية. كما تتلاقى هذه السياسات في كون معظمها، وليس كلها طبعا، تتم في السر وتديرها شبكات متداخلة.
للتدليل على خطأ نظرة بعضنا لسياسة الدول، وسعي الكثيرين نحو المفاضلة الأخلاقوية المثالية بين مواقف وتصرفات الدول، وبناء مواقف ثابتة إزاء مسلكيات هي متحولة بشكل متواصل. للتدليل على ما قلنا يكفينا تقديم مثالين من عالمنا الاسلامي. يتعلق الأمر بتركيا والعربية السعودية. وهنا تبدو صورة السعودية في وعي أغلبيتنا على أساس أنها تمثل الشر كل الشر، بينما تظهر تركيا مدثرة بثوب الفضيلة والعفة. سنرى كيف أنه توجد مصالح وحسب. ولا وجود البتة لأشرار وأخيار في مجال سياسات الدول.
دومينيك فيدال: الأعمال المعادية لليهود أصبحت أكثر عنفا - ترجمة: أحمد رباص
خلال إحياء ذكرى مرور 75 عاماً على غارة "فيل ديف" Vel’ d’Hiv في يوليوز 2017 (وهي أكبر عملية اعتقال جماعي لليهود في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية)، حيث تمت دعوة مسؤول إسرائيلي لأول مرة، اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمته على النحو التالي: "عزيزي بيبي، لن نستسلم لمعاداة الصهيونية لأنها هي الشكل المعاد اختراعه لمعاداة السامية ". كتب المؤرخ دومينيك فيدال مقالا ليرد على كلمات الرئيس، التي وصفها بأنها خطأ تاريخي وسوء سلوك سياسي.
- مقالك جواب عن إيمانويل ماكرون. ماذا تقول جملته؟ ولماذا نطق بها؟
- كان خطاب ماكرون مناسبًا وكان بمثابة تفسير لخطاب شيراك في عام 1995 بشأن الاعتراف بطبيعة مسؤولية الدولة الفرنسية في ترحيل اليهود من فرنسا. وفجأة، يلفظ هذه العبارة مخاطبا ضيفه بنبرة حميمة، رغم أن إسرائيل لم يكن لديها على الإطلاق دخل في هذه القصة. لن أغامر في البحث عن تفسيرات لدوافع الرئيس. ومع ذلك، فإن مثل هذا التأكيد يشكل خطأً تاريخيا فادحا وخطأً سياسيا مع عواقب وخيمة. خطأ تاريخي، لأنه ينكر تاريخ اليهود وعلاقتهم بالصهيونية. كتذكير، كانت الأخيرة تهدف إلى إنشاء دولة يهودية. لكن غالبية اليهود عارضوا حتى عام 1939 مثل هذا المشروع، في فلسطين أو في أي مكان آخر. وعلاوة على ذلك، فإن جزءًا كبيرًا من اليهود الأوروبيين الذين ذهبوا بشكل غير قانوني إلى فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية، ثم منذ عام 1948، إلى إسرائيل، فعلوا ذلك " افتراضيا " وليس عن اختيار صهيوني.
الإرهاب اليهودي من منظور دومينيك فيدال - تقديم وترجمة: أحمد رباص
بعدما كان صحافيا في الأسبوعيات الشيوعية ك"France nouvelle" و"Révolution" التي أعفي منها بمعية ثلث هيئة التحرير سنة 1987، عمل لفائدة جرائد مختلفة، منها "La croix" التي بقي فيها إلى حدود 1991. فيما بعد، أصبح مديرا دوليا لمركز تكوين وتجويد الصحافيين" ورئيسا للجمعية الأوربية للتكوين في الصحافة. سنة 1995 التحق بالمجموعة الدائمة ل"Monde diplomatique" التي أصبح رئيسها تحريرها المساعد ثم مسؤولا فيها عن المنشورات الدولية وعن التنمية. باعتباره متخصصا في الشرق الأوسط، لا سيما في الصراع الإسرائيلي-العربي، أفرد له دومينيك فيدال عدة كتب، ألفها بمفرده أو بالاشتراك، خاصة مع زميله ألان جريش.
حينما تأثر عن حق المجتمع الدولي بالعمل الإرهابي الشنيع الذي قام به المستوطنون الإسرائيليون في دوما والذي تسبب في الموت حرقا لعدة أفراد من عائلة دوابش، من ضمنهم رضيع لم يعش سوى بضعة أشهر. رغم ذلك، فالمثير حقا هو الإيحاء بأنه تم "اكتشاف" ظاهرة قديمة مرت في صمت: الإرهاب اليهودي.
في هذا الحوار، يقدم دومينيك فيدال تحليلا وإجابات تضع الأشياء ضمن سياق تاريخي وسياسي مهمل كليا، عن خطإ، من قبل الهيئة الصحافية لوسائل الإعلام السائدة وأيضا من قبل الطبقة السياسية والدبلوماسية الدولية.