1 ـ مسألة الإبصار
"إن المتقدمين من أهل النظر قد أمعنوا البحث عن كيفية إحساس البصر، وأعملوا فيه أفكارهم، وبذلوا فيه اجتهادهم، وانتهوا منه إلى الحد الذي وصل النظر إليـه، ووقفوا منه على ما وقفهم البحث والتمييز عليه. ومع هذه الحال فآراؤهم في حقيقة الإبصار مختلفة، ومذاهبهم في هيئة الإحساس غير متفقة، فالحيرة متوجهة، واليقين متعذر، والمطلوب غير موثوق بالوصول إليه. وما أوسع العذر مع جميع ذلك في التباس الحق وأوضحَ الحجة في تعذر اليقين، فالحقائق غامضة، والغايات خفية، والشبهـات كثيرة، والأفهام كدرة، والمقاييس مختلفة، والمقدمات ملتقطة من الحواس، والحواس ـ التي هي العُدد ـ غير مأمونة الغلط. فطريق النظر مُعفَّى الأثر، والباحث المجتهد غير معصوم من الزلل، فلذلك تكثر الحيرة عند المباحث اللطيفة، وتتشتت الآراء، وتفترق الظنون، وتختلف النتائج، ويتعذر اليقين.
والبحث عن هذا المعنى مع غموضه وصعوبة الطريق إلى معرفة حقيقته مركب من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية. أما تعلقه بالعلم الطبيعي فلأن الإبصار أحد الحـواس، والحواس من الأمور الطبيعية. وأما تعلقه بالعلوم التعليمية (= الرياضيات) فلأن البصر يدرك الشكل والوضع والعظم والحركة والسكون، وله مع ذلك تخصص بالسُّمُـوت المستقيمة، والبحث عن هذه المعاني إنما يكون بالعلوم التعليمية. فبحق صار البحث عن هذا المعنى مركبا من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية.
الكذب المباح عند الغزالي ـ عبد الوهاب عجروم
المقدمة:
هل يكذب الإنسان لأنه الكائن الوحيد الذي بإمكانه أن يجمع ما بين تقديم الوعود والخلف بها؟ أم لأنه سواء اعتبر النطق في تعريفه المنطقي يرجع إلى الفكر أو إلى الكلام فهو في النتيجة حيوان كاذب[1]! منذ القديم اهتم الفلاسفة بسؤال الكذب، وقدموا مقاربات متعددة اهتمت بمعناه ومشروعيته، وعلاقته بالحق، والسياسة، والأخلاق.
تقرأ هذه الورقة موقف الغزالي من الكذب المباح، من خلال تحليل نصوص كتاب "إحياء علوم الدين"[2]. وتحاول أن تقارب الموضوع من خلال العناصر التالية: 1- بين الكذب والحق والصدق. 2- في تعريف الكذب وحكمه. 3- مبيحات الكذب. 4- الكذب في المدينة. فيما تنفرد الخاتمة بخلاصات نقدية.
بين الكذب والحق والصدق والكمال:
ينفتح الكذب على مجموعة من المعاني في اللغة العربية، يكاد يصعب الإحاطة بها، غير أنه يتجاور (يتقابل) في نصوص الغزالي مع "الصدق" و"الحق"، كما تلتحق به مفاهيم "القصدية" و"الضرر" و"الفردية والشأن العام".
ويمكن أن نتبين إشكالية "الكذب المباح" عنده من خلال مستويين: المستوى الأول في علاقة الكذب بالصدق والحق. والمستوى الثاني في علاقة الكذب بمفهوم الكمال.
روح التسامح في الفكر الرشدي : قراءة في كتاب: فصل المقال ـ محمد راجي
... الحديث عن التسامح، هو حديث عن قيمة أخلاقية، وعن مبدأ فلسفي أساسا، يفرض القبول لدى الآخر لطريقة في التفكير مختلفة عن تلك التي نتبناها[1] واحترام أفكاره ومعتقداته، ولو بدت لنا خاطئة وذلك حتى يتمكن من العيش في انسجام معها[2]، وباعتبار تلك الآراء والمعتقدات يمكن أن تساهم في بناء الحقيقة الكلية[3] لكافة الناس.
والتسامح ليس قيمة نظرية فحسب، أو صفة مستقلة تطبع وجود شخص في ذاته بل هي سمة لعلاقة بين شخص وآخر وبين أشخاص وآخرين. ومن هنا تصطبغ هذه الصفة بلون مجال هذه العلاقة وبطبيعتها، فنتحدث مثلا عن تسامح سياسي أو ثقافي أو ديني.. والذي يهمنا هنا هو التسامح الفكري-الفلسفي. ومن هنا فإن العلاقة بالآخر لا تتخذ في هذا المجال دائما شكلها المباشر، مسايرة لطبيعة التواصل والحوار كما يسود في مجال الفكر والفلسفة، داخل الإطار الثقافي الواحد: بين مفكرين وفلاسفة واتجاهات.. وبين إطار ثقافي وآخر، أو بين عناصر منهما كما بين الثقافة الإسلامية والثقافة اليونانية مثلا، وبين معتقدات إسلامية والفلسفة اليونانية.
ومن هنا فإن التسامح، في صيغته اللفظية، وفي حقيقة أمره وطبيعة أهدافه، سلوك متبادل بين الأطراف المختلفة داخل الإطار المشترك لهذه العلاقة، رغم ما يمكن أن تفترضه هذه العلاقة من عدم التكافؤ في منطلقاتها ومواقع أصحابها.
إشكالية الخطاب بين الموروث والوافد والمبتكر ـ د.زهير الخويلدي
" هذا المطلب لتغيير الوعي يبلغ تأويل الواقع بطريقة أخرى ، أي إدراكه بواسطة تأويل آخر. لذلك يتحرك التأويل دائما بين تأويلات أخرى...(انه) عملية تحدث داخل التمثيل ولذلك فإنها تبقى " [1]
استهلال:
يظل تناول المسألة الدينية من زاوية النقاش العمومي والتحليل العلمي والقراءة المعرفية أمرا راهنا ومطلبا حيويا وذلك من أجل ترشيد هذا الخطاب والتمييز بين البنية النصية والمعطى التاريخي والاجتهاد العقلي التي يتشكل منها وقصد رسم الحدود بين الدنيوي والأخروي وبين المقدس والمدنس وتنزيل الوحي في السياق الاجتماعي من جهة التلقي والانتظار ومن ناحية النداء والاستجابة والتفكير في سبل لتجاوز التنابذ بين القديم والجديد وبين التجذر والانفتاح وتدبير طرق ووسائط للخروج من المأزق الذي تردت فيه حضارة إقرأ نتيجة سجال التأويلات والأزمة السلطوية التي فجرها ادعاء القراءات المتعددة امتلاك الحقيقة المطلقة والتمثل المطلق للمقصود الحقيقي للشارع الأول وتنسيب الرؤي البشرية التي تم نحتها عن الديني.
فما الغاية التي فرضت عملية تطوير الخطاب الديني؟ هل هي إرادة التخلص من القديم وإخلاء الساحة للحداثة بماهي شرط التقدم في التاريخ أم العزم الفعلي على التجديد الاجتهادي دون الوقوع في المذهبية؟ أي تجديد لأي خطاب يمكن قوله عن الدين للناس أجمعين؟ وكيف السبيل إلى التسامح بين الأديان والتفاهم بين الطوائف؟ ومتى يكون الخطاب الديني منارة مضيئة في درب ترسيخ المواطنة وتدعيم الديمقراطية؟
المنهج الفقهي في التعامل مع النص والواقع من خلال كتاب الموافقات للإمام الشاطبي ـ إدريس حمادي
نفتتح هذا الموضوع بهذا السؤال: هل حقيقة أن للفقيه منهجا غير المنهج الأصولي في استنباط الأحكام الشرعية من الخطاب الشرعي؟ وإذا كان له منهج خاص به، فأي معنى وظيفي يبقى للمنهج الأصولي الذي وضع أساسا لهذا الغرض، أعني استنباط الأحكام الشرعية من الخطاب؟
أعتقد أنه لا سبيل للإجابة عن مثل هذا السؤال إلا بالإجابة عن سؤال آخر قبله وهو: من هو الفقيه؟ ومن هو الأصولي؟
إذا انطلقنا من فكرة مسلمة لدى علماء الشريعة وهي أن حافظ المسائل المدونة في كتب الفقه ليس بفقيه، بل هو فروعي، وأن الفقيه هو المجتهد الذي ينتج الفروع من أدلة صحيحة فيتلقاها منه الفروعي تقليدا ويدونها ويحفظها، "والفقيه كذلك على حد تعبير الإمام الغزالي هو ذلك الذي يستطيع أن يتكلم في مسألة لم يسمعها ككلامه في مسألة سمعها"[1]، أما الأصولي فهو "من عرف القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية لأنه منسوب إلى الأصول.. ولا تصح النسبة إلا مع قيام معرفته بها وإتقانه لها"[2]، إذا اتضح هذا تبين لنا أن حديثنا هنا لن يكون شاملا لكل من الفقيه الحافظ والفقيه المجتهد والأصولي، بل يكون قاصرا على الفقيه المجتهد من جهة، والأصولي من جهة أخرى، لسبب بسيط هو أن كلا منهما ناطق عن نظر واستدلال. أما الآخر فهو مردد لما سمعه منهما[3].
النص وآليات القراءة : محمد أركون و نصر حامد أبو زيد ـ عبد القادر بودومة
مفهوم النص:
لا ينكر أحدنا عودة الديني من جديد ليشكل وبصورة مكثفة محورا للسجالات الفكرية داخل مجتمعاتنا المعاصرة، فالإسلام كدين، وكتراث فكري يسترد اليوم حيويته المطابقة لتسارع التاريخ في كل المجتمعات الإسلامية، إنه يلعب دورا من الطراز الأول في عملية إنجاز الإيديولوجيات الرسمية، والحفاظ على التوازنات النفسية-الاجتماعية، والأمر لا يقتصر على هذه الملامح فحسب. بل يمكننا أن نشير إلى ما أنتجه هذه العودة من قراء ممتازين داخل منظومة العقل الإسلامي أمثال: محمد أركون، ونصر حامد أبو زيد، وحسن حنفي، وطه عبد الرحمن وعلي حرب.. حيث استطاعوا أن يحركوا من جديد إشكاليات النص الديني الكلاسيكية، برؤية أكثر حداثية، بتوظيفهم آليات فعالة في إنتاج المعرفة حول النص، وكشف وتعرية عن ذلك الذي لا يعبر عنه، ولا يقوله، أو يمتنع عن قوله. ولم يجدوا أي حرج في اشتغالهم بالمناهج الغربية وتطبيقها لأجل فهم طبقات النص الديني. على الرغم من وجود حملة شرسة ضدهم مثلها ولا يزال يمثلها جماعات التكفير في زمن التفكير.
إن القرآن نص لغوي يمكن أن نصفه بأنه يمثل في تاريخ الثقافة الإسلامية نصا محوريا. وليس من قبيل التبسيط، كما يشير نصر حامد أبو زيد، أن نصف الحضارة العربية الإسلامية بأنها حضارة "النص"
اللهجات العربية القديمة وأثرها في التراث الشعري ـ العبدلاوي قدور
يجد الدارس للشعر العربي القديم –منذ العصور الجاهلية إلى نهاية عصر الاحتجاج- تضاربا واختلافا كثيرا في روايته، وقد علل الدارسون القدماء والمحدثون ذلك، وأرجعوه إلى عدة أسباب، منها: القبلي والسياسي والديني والحزبي والشعوبي، ومنها طريقة حفظ وتداول هذا الشعر عن طريق الإنشاد الذي يعتمد على الذاكرة الحافظة التي تتعرض بدورها للسهو والنسيان مع مرور الأزمان، وتعاقب الأجيال.
إلا أن هذه المصادر والمراجع التي أرخت للشعر العربي القديم، وعملت على توثيقه وتناول نصوصه بالنقد والتحليل، قد أشارت في طياتها –وبطريقة غير مباشرة- إلى عامل آخر في هذا الاختلاف، ونعني بذلك (اللهجات/اللغات) العربية القديمة وأثرها في هذا التنوع في الرواية الشعرية. لأننا كثيرا ما نجد الدارسين من قدماء ومحدثين يرجعون بعض هذا التباين على أنه (لغة…). وكان العرب يطلقون مصطلح (لغة) على أي (لهجة) عربية قديمة. وأن اللغة العربية (الفصحى) كانت بمثابة نهر لروافد لغوية/لهجية لجميع القبائل العربية. وأن كل لهجة كانت لها خصائصها اللغوية التي تخضع لها وتميزها عن أخواتها الأخريات، أي تلك المؤثرات اللسنية للقبيلة والمنطقة الجغرافية، التي تتداول فيها هذه اللغة/اللهجة، وأن أثرها لحق هذا الشعر.
والمهتمون بحضارة بلاد العرب، ومنذ القدم، اختلفوا في أصول لهجات اللغة العربية الفصحى، وتاريخها البعيد والتي كانت منتشرة في الجزيرة العربية وأطرافها الأخرى، وهل هي نفسها التي وجدها الإسلام ونزل بها القرآن؟
قراءة منطقية معاصرة لصور الاستدلال الواردة في المستصفى للغزالي ـ د.طارق المالكي
الرموز المستعملة في هذا المقال :
∧ رابط الوصل ويقابله في اللغة الطبيعية بواو العطف 'وَ'.
∨ رابط الفصل ويقابله في اللغة الطبيعية بــ 'أَو'
← يرمز إلى الاستلزام ويعني 'إذا كان ...فإن...'
⊂ يرمز إلى التضمن .
∼ يرمز إلى النفي .
⊢ على يمين هذا الرمز تُذكر المقدمات وفي يساره النتائج المتولد بطرق مخصوصة عن المقدمات.
تقديم
يُعد علم الأصول علما استدلاليا بامتياز لكن تدريسه اتخذ مسارا آخر في كلياتنا فاكتُفي بحفظ المسائل عن تعلم النظر وكيفية الاستدلال على الأحكام ، ما غلب ملكة الحفظ على ملكة الاستدلال.... للأسف هذه المسائل المنطقية والاستدلالية في هذه المصنفات لم تُترجم بعد إلى لغة منطقية معاصرة ، وحتى أثبت صلة هذه المسائل بالمنطق المعاصر فإني سأعمد إلى ترجمة نُتفا منها ، معتمدا على كتاب المستصفى للغزالي.