العلاقةُ بين الحُلم الإنساني والفِعل الاجتماعي لا يُمكن اختزالها في أطوار تاريخية مُعيَّنة ، أوْ أُطُر جُغرافية مُحدَّدة، لأن الحُلم الإنساني هو صورة الوَعْي وجَوهر الحقيقة ، والفِعل الاجتماعي هو الوَعْي بالحقيقة ، وتطبيقها على أرض الواقع ، وهذا يعني أن ثنائية ( الحُلم الإنساني / الفِعل الاجتماعي ) عبارة عن علاقةٍ وجودية لا يُمكن تجنيسها، ونظامٍ حياتي مركزي عابر للزمان والمكان ، ومُتدفِّق في ذاكرة المجتمع بلا فواصل، لأن ذاكرة المُجتمع هي ذاكرة جَمعية لا فردية ، تَعتبر الماضي والحاضر والمستقبل كُتلةً واحدة ، تتحرَّك في المسار الحضاري بشكل تزامُني مع الشُّعور الإنساني ( الزمن والشُّعور يتحركان معًا في نَفْس اللحظة ) ، وأيضًا، تتحرَّك هذه الكُتلة الواحدة في البِنية المعرفية بشكل تعاقُبي مع القُدرة العقلانية ( الزمن والفِكر يجيء أحدهما بعد الآخَر ، ولا يتحركان معًا في نَفْس اللحظة ) .

1
العواطف الإنسانية التي تتحكَّم بالأنساق الاجتماعية ، تُمثِّل نظامًا وُجوديًّا مِن الرموز والإشارات . وتحليل هذا النظام المُركَّب يتطلَّب عودة الإنسان إلى أعماقه ، والبحث عن الأشياء التي ماتت فيه . والإشكاليةُ المركزية في المُجتمعات هي عدم الانتباه إلى تحوُّلات الإنسان الوجدانية ، لأنَّ النظام الاستهلاكي المُغلَق يَطحن المشاعرَ الإنسانية ، ويُصنِّف العواطفَ كمنظومة عبثية ، وتراكيب ساذجة ، ولحظات ضَعْف ، ويُكرِّس النَّزعةَ المادية المتوحشة في عَالَم مُوحِش . وهذا الضَّغْط الهستيري على وُجود الإنسان ومشاعره ، يُحوِّله إلى كِيان مُفرَغ مِن المَعنى، يَخجل مِن التَّعبير عن مشاعره ، ويَجعله آلةً ميكانيكية عَمياء ، ومقبرة متنقلة لا شيء فيها غَير طَعْم العَدَم ورائحة المَوت ، المَوت في الحياة .

لا يخفى على ذي النظر الحصيف، أن التواصل مبدأ أساسي في إرساء قواعد المجتمع الإنساني وتنظيمه، فهو تفاعل يبغي خلق وبناء جسور علائقية بين الذات وذات أخرى في نسق اجتماعي محدد.
فالنفس البشرية تخبئ أسرارا في بئر ذاتها، ولها قدرات هائلة في نسج خيوطها وربطها بالآخر، لخلق تواصل فعال وناجح، وإن كانت للفرد هذه القدرة على تفعيل مؤهلاته التواصلية فسيكون عضوا متميزا داخل مجموعة بعينها.
فالسعادة والنجاح والتميز هدف الجميع والطرق إليها شتى، ويعتمد الكثيرون في سعيهم إليها على الممارسة الروحية، بينما يبحث آخرون عن الإجابة في الدين أو في علم النفس، ومن بين أحدث وأشهر الأساليب النفسية الذي يعتقد روادها أنها تستخدم العلوم الحديثة لتحقيق التميز، هي البرمجة اللغوية العصبية.
سنسعى في هذا المقال، لتسليط الضوء على مجموعة من المحاور تخص الموضوع مع الإجابة عن مجموعة من التساؤلات من قبيل:

من بين المواضيع الإشكالية والمُهَابَة ليس على مستوى الحياة الإجتماعية فقط، و إنما حتى على المستوى التفكير نجد الجنون، إذ أن الناس يهابون المجانين حتى من باب الدعابة، و في نفس الوقت يرتعشون ممن يوصفون بالمجانين، باعتبارهم أشخاص مرضى يمثلون خطرا على أنفسهم قبل غيرهم، هكذا أصدر من يعتبرون أنفسهم عقلاء أحكامهم، و مع تلازمية الرهبة و الإنبهار بالجنون يحضر هيجل مبينا أن القدرة على تحمل الذات كانت من نصيب الإنسان وحده، و لهذا كان امتياز الجنون إذا جاز التعبير وقفا على الإنسان وحده.

"والعلم بالنفس يتقدم سائر العلوم الطبيعية، والتعاليمية، بأنواع الشرف كلها"   ابن باجه[1]

تقــــديـــــم:

يشكل المبحث السيكولوجي في فلسفة ابن باجه فيلسوف سرقسطة وفاس[2]، من أهم المباحث الفلسفية التي عني بها هذا الفيلسوف- الذي اشتهر في القرن الخامس وبداية القرن السادس من الهجرة-بشروحه ومؤلفاته ذات الإتجاه الأرسطي الواضح مع تأثر كبير بالأفلاطونية في رسائل ونصوص أخرى[3]، ويأتي هذا الإهتمام في سياق التقليد الأرسطي الذي يجعل علم النفس مدخلا لدراسة العلوم الطبيعية بل أساسا لأي بحث في أقسام العلم جميعها، وهو ماجعل ابن باجه يوليه اهتماما خاصا ترجمه كتابه في النفس[4]، الذي يحتوي على نظريته في النفس وقواها، ليدشن بذلك تقليدا لأول مرة بالأندلس يضع أسس المبحث السيكولوجي للفلاسفة من بعده، كابن طفيل(ت581ه/1185م( وابن رشد(ت595ه/1198م( والفلاسفة اللاتين في أوربا القرون الوسطى. فما هي أسس هذا المبحث؟ وماهي منزلة علم النفس عند ابن باجه؟ وهل كان ابن باجه مجرد شارح وناقل لأرسطو أم محاور وناقد ومبدع؟

 هل خرابنا روحي أم مادي؟
وهل خراب العالم فكرة في أذهاننا أم أنه واقع حقيقي؟
وهل تساءلت يوما عما يجعل الناس يشعرون أنهم أكثر قلقا وتعاسة على الرغم من ازدياد حياتهم يسرا؟
أية قيمة لحياتنا المعاصرة في العالم الثالث ما دمنا نفعل ما يفعل السجناء والعاطلون عن العمل نربي "الأمل"؟

  مارك مانسون شاب جميل ومفكر أنيق وفيلسوف أمريكي يطرح تساؤلات ذكية وعميقة تمس حياتنا المعاصرة، لذا أنصح الشباب العربي والقراء الكونيين في العالم قاطبة بقراءة ما يكتب من بنات أفكاره الساحرة، لا في كتابه الأول الذي لقي شهرة واسعة "فن اللامبالاة، لعيش حياة تخالف المألوف"، وأيضا كتابه قيد الدراسة والنقد والتحليل "خراب، كتاب عن الأمل" . فماذا سيخبرنا مارك عن الخراب والأمل؟

أثناء رحلة إلى الخارج سنة 1863 خطرت للأديب الروسي دوستويفسكي فكرة تأليف روايته الشهيرة (المقامر)ليعرض من خلالها تجربته مع القمار، ويوجه الانتباه، كعادة الأعمال الأدبية الخالدة، إلى ما يجوب أغوار الذات الإنسانية من أحاسيس وانطباعات تزكي المقامرة باعتبارها تمردا، وتمنح المقامر فرصة التحرر من ضغوطه. يعبر دوستويفسكي عن ذلك بقوله:" لا يبقى ههنا دلالة لقولك أن اثنين واثنين تساوي أربعا. إن القمار هو التجربة الأولى للحرية في العالم المادي".
يكشف تاريخ القمار عن صلته الوثيقة باستكشاف المجهول وقراءة المستقبل، لذا أحيطت أوراق اللعب بهالة من السحر، والإيهام بتبديد مشاعر الضياع والغربة. فالمقامر بإدمانه اللعب يقع تحت تأثير الأرقام والمفردات، و الصور الغامضة التي تشل تفكيره المنطقي، وتغذي إيمانه بالمصادفة و اللامنطق. وهنا يفقد الجهد الإنساني وجاهته كضرورة للإنجاز وتحقيق الطموح .

يأخذنا الفيلسوف الفرنسي ميشيل لاكروا إلى رحلة تأملية بسيطة إلى عالم السينما نسبر بها أغوار حالة التهييج الشعوري في العصر الحديث، والتي لا تلبث إلا أن تطفو للسطح مع كل حادثة، أو كارثة، أو مجزرة، أو حدث رياضي، أو حتى فيلم سينمائي يعيد "إنتاج العواطف"، حيث يقول لاكروا: "انظر مثلا إلى سيناريوهات الأفلام، فعندما يريد أحدهم أن يمدح فيلما ما، تكون العبارة المستعملة: (إنه فيلم مفعم بالمشاعر)، فمراكز الإنتاج تقوم بصياغة السيناريوهات بهدف استخلاص كل عصاراتها العاطفية، بما يضمن للعبة التنقل بين المشاعر أن تفرض نفسها. هل جعلنا المشاهد يشعر بالخطر؟ إذن يجب تدفئته في الحال بشيء من الحنان. هل أضحكناه؟ إذن يجب أن نبكيه. هل ارتعد؟ إذن يمكنه أن يستمتع ويتلذذ بمشاهد جنسية في القصة. لندخل المشاهد في حالة حزن جنائزي، يتم إتباعها بتلطيف للأجواء ببهجة الأطفال".
"الحكايات التلفزية ما هي في غالب الأحيان سوى تركيب ذكي ومنتجات تمت صياغتها انطلاقا من مادة المشاعر"