يتحدد مرمى هاته الدراسة في النظر في مفهومين مركزيين طفقا في السنوات الأخيرة، يشكلان مدار اهتمام عالم الاجتماع العربي الدكتور عبد الصمد الديالمي. نقصد بذلك "الانفجار الجنسي"، و"الانتقال الجنسي" وهما المفهومان اللذان أبدعهما أثناء انهماكه بتحليل معضلة تخلف مجتمعنا؛ وتفكيك السلوكات الجنسية في علاقتها بالمعايير الدينية والمنظومة الأبوية بكل لواحقها القانونية.
في البدء كان " رايش ":
ينتمي د.عبد الصمد الديالمي إلى الجيل الثاني من علماء الاجتماع المغاربة. فمنذ التحاقه أستاذا للسوسيولوجيا بجامعة فاس سنة 1977 عمد إلى رسم الخطوط العامة لمشروعه السوسيولوجي المتمحور حول الجنسانية، والجندرية والنسوية. وبوصف هاته المسأليات مرتهنة بالنص الديني والاجتهاد الفقهي فإنها تدعو الباحث للاشتباك علميا، ولامراء في ذلك، مع ثقافة الفقيه المتمذهب، ومع الإسلامانية، وخلفياتها الإيديولوجية الصريحة والمضمرة حيال الحداثة، والديموقراطية، والعلمنة والحريات الفردية والعامة..
بتفان منقطع النظير سينكب الدكتور عبد الصمد الديالمي على مشروعه هذا منتظما في إنجازه عاملا على تطويره منذ لحظة اكتشافه كتاب " الثورة الجنسية " للمحلل النفساني النمساوي فلهلم رايش؛ الكتاب الذي سيشكل بالفعل نقطة تحول حاسمة، ليس فقط في حياة عبد الصمد الديالمي الشخصية التي وسمها، منذ البداية، تمرد لافت على الأساليب التقليدية في التنشئة الاجتماعية، وانتفاض واع على الأبوية 1 ؛ وإنما انقلاب جذري في حياته العلمية برمتها ستحمله على بناء الأسئلة الحارقة، والمحاور الكبرى فالمفاهيم المركزية التي سينتظم حولها منجزه السوسيولوجي لما ينيف عن أربعين سنة. يكتب عبد الصمد الديالمي في هذا الصدد: " في 1973، قرأت " الثورة الجنسية " ل"رايش" وأنا أستاذ بالثانوي. في الواقع لا أدري لماذا قرأته (...) إنه الكتاب الذي جعلني أعمق تمردي على المجتمع وعلى القيم السائدة (...) إنه الكتاب الذي جعلني أكتشف أن الزواج والأسرة يعوقان الرضى الجنسي، وأنهما يشكلان سجنا للمرأة... إنه الكتاب الذي جعلني أقتنع أن لاثورة دون ثورة جنسية..."2
خلص عبد الصمد الديالمي وهو يقرأ " الثورة الجنسية " ل "فلهلم رايش" بشعور خاص مفاده " أن مهمة تاريخية ملقاة على عاتقي، ألا وهي إنتاج خطاب علمي لائكي عن الجنس، من أجل تحضير الثورة الجنسية.." 3 الراديكالية التي لن تتحقق إلا إذا ارتكزت على الفرد.4
لاحظ " رايش " وهو يحلل طبيعة المجتمع الرأسمالي الغربي العلاقة الوطيدة بين الأمراض النفسية والواقع الاجتماعي، بين القول السيكولوجي والصراع الطبقي. 5
فنظرية "الأروغاسم" التي طورها "رايش" من خلال قراءة معينة للعامل الجنسي عند "سيغموند فرويد" تبرز بشكل قوي أن الأعصبة لاتنتج عن " اضطراب جنسي بالمعنى الفرويدي الواسع بل عن اضطراب قضيبي محدد، العجز الأورجاستيكي" 6 كظاهرة سيكولوجية بامتياز تتجلى في سلوك فيزيولوجي غير متزن يتخلق من توتر دائم؛ وخوف يستشعره المريض جراء ثقل العقائد الأخلاقية والاجتماعية التي تحول دون إفراغه للطاقة الجنسية المتراكمة مما يترتب عليه ركود ليبيدي؛ وإعاقات باطنية، جوانية تزكيه وتفاقمه.
من ثم فإن ضعف القوة الأورغاستيكية يتشخص في اضطراب القدرة على الإفراغ الكلي للإثارة الجنسية مثلما يتمثل في اضطراب القدرة على الاستسلام لتيار الطاقة البيولوجية دون موانع لتظل بنية المعصوب النفسانية مهزوزة، ومتوترة باستمرار.
لقد أسعف الربط الذي أقامه "رايش" بين الاضطراب الجنسي والعصاب على إدانته الحضارات القمعية البورجوازية المسيحية التي تحول الكبت الجنسي إلى قمع اجتماعي قائم. فالمجتمعات التسلطية / السلطوية تصنع الأعصبة بخلقها لبنى طبعية معيقة باطنيا للجنس ولبلوغ " الأورغاسم " الحقيقي ذلك أن الإطار الاجتماعي للجنس هو سبب اضطراب النشاط الجنسي الذي يجمله " رايش " في التربية المضادة للجنس، وفي الزواج الأحادي، واحتقار الحب الجنسي وفي تقديس الحب العذري...
وتأسيسا على هذه المعطيات يرى "رايش" بأن الحرية الجنسية الفعلية لن تتحقق إلا بالقضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج المسؤولة عن بروز واستمرارية النسق البطريركي / الأبيسي القامع للجنسانية؛ والمولد للعصاب، والمنتج استتباعا لذلك الاضطراب الجنسي بالجملة 7.
من " رايش " إلى المجتمع المغربي:
شكلت الإبستيمولوجيا ومناهج العلوم المعاصرة؛ إلى جانب النظرية الرايشية الأسلحة النظرية التي اعتمدها عبد الصمد الديالمي في بلورة مشروعه السوسيولوجي الذي طمح إلى:
-1- إنتاج خطاب علمي ومنظم حول موضوعة الجنسانية عبر "إبراز الإشكالية الرايشية وتلخيص نظريته في الاقتصاد الجنسي لدى الشباب المغربي المثقف والمتثاقف من الأطروحات الرايشية "8 . فالقضية الجنسية إن كانت بحق إشكالية بالغة التعقيد، وموضوعة مقموعة فإنها مع ذلك تظل مبحثا خصبا، وغنيا قابلا للمعرفة والتنظير العلميين.
- 2- فحص التراث العربي الإسلامي بوضعه أمام السؤال السوسيولوجي الرامي إلى تفجير الموروث الفقهي الجاثم على الذهنيات الفردية كما الجماعية؛ وذلك باستدعاء المنهج التاريخي القمين بمدنا بإمكانيات الاطلاع على تشكلات النص الديني؛ وتقليب طبقاته الدلالية.
فالتطورات الجارية في المجتمعات تستوجب الاجتهاد اعتبارا لكون الإسلام دينا شموليا، والقرآن يخاطب البشر طرا في كل الأزمان بغية إنتاج إسلام ملائم لهاته الشمولية؛ ولعوارض الحياة الاجتماعية. وبمعنى كهذا ليس يجوز، بمطلق الأحوال، التحجير على الإسلام، وتجميده في منطق أحادي، وقراءة نصية ظاهرية تريحها من توليد التساؤل، لتقدم وهما يفيد أنها وحدها هي القراءة المثلى؛ المتعالية عن الزمن ومجرى التاريخ 9.
-3- تشخيص آليات الاستغلال والقمع المهيمنة على الجنس والتي تؤسسه كقارة ملعونة 10 يتجسد فيها تداخل البيولوجي والنفسي بالاقتصادي والتاريخي؛ والأخلاقي بالقانوني والسياسي والديني.
إن طرق قضية الجنسانية لهو في العمق طرق لإحدى أهم المعضلات الأساسية ذات الارتباط بالتنمية والتغير الاجتماعي؛ والموصولة في الصميم بتحرر الإنسان من مختلف السلط الخارجية والداخلية الكابحة لانفتاحه، وانسجامه مع الذات والمحيط. ويحتمل أن يكون هذا هو المساق الفعلي للتساؤلات الاستفهامية الكبرى التي بناها عبد الصمد الديالمي ومنها : كيف يمكن للفرد أن ينتج في ظل القمع الجنسي ، وفي ظل كل مايحف به من تحريم وتجريم؟ وهل بمكنة فرد مقهور، مهدور، وجائع جنسيا أن يحب بالفعل، ويعمل، وينتج، أو يدرس، ويتفاعل مع أغياره؟
إنها سؤالات التنمية الشمولية بلاجدال ؛ والتنمية البشرية بامتياز بالنظر إلى كونها تثير قضية الحق في الجنس؛ وتطرح، بمعنى ما، مسألة التربية الجنسية السليمة، المسهمة في بناء شخصية إنسانية متوازنة نفسانيا؛ وسلوكيا وإقدارها على الاندماج إيجابيا في بيئتها الاجتماعية. إذ لاتنمية بإطلاق مع الاضطراب النفسي، ومع العنف بمختلف أشكاله ولويناته ؛ ولا تقدم مع الأمراض المنقولة جنسيا، أو موت الأمهات الناجم عن الإجهاض السري 11.
لقد سلخ عبد الصمد الديالمي ما يناهز عن أربعين سنة من عمره العلمي في الحفر المعرفي في المسأليات المرتهنة بالجنسانية المغربية / العربية حصل منها معطيات أهلته لممارسة التنظير السوسيولوجي من خلال نحت مفاهيم علمية دقيقة؛ ثم في اقتراح توصيات عملية / إجرائية لامناص للفاعل السياسي من الاتيان بها في كل مخطط تنموي حقيقي . وضمن هذا الإطار يجدر بنا النظر في مفهومين مركزيين هما: " الانفجار الجنسي " ثم " الانتقال الجنسي " اللذين أمسيا يترددان بكثافة في الخطاب السوسيولوجي لعبد الصمد الديالمي؛ المكتوب كما المرئي ، الذي يستوقفنا في مقابلاته الإعلامية المرئية والمسموعة المتوسلة لفهم مجتمع في محك التحول.
لنتساءل، بالترتيب على ما سلف كيف شغل، ووظف باحثنا ذينك الأفهومين في أعماله الفكرية؟
ارتكزت فرضية العمل الذي أنجزه عبد الصمد الديالمي تحت عنوان " السكن، الجنسانية والإسلام" 12على معاينة أمبريقية فحواها أن هنالك انفجارا جنسيا بئيسا يعيشه الإنسان المغربي اليوم . وقد رد أسبابه وحيثياثه إلى عوامل لها وصل وثيق بالتمدين العنيف والمتسارع الذي شهده المجتمع فاحتد بصورة صارخة مع الأزمة الاقتصادية منذ مطالع ثمانينيات القرن السالف؛ ومع التوافد المكثف للحشود القروية صوب المراكز الكبرى مما أدى إلى تحولات المجال الحضري؛ واختلال العلاقات بين البادية والمدينة، وتأزيم السياسات العمومية، وإرباك الاستراتيجيات التنموية من خلال تفاقم مظاهر البطالة ومختلف الأمراض الاجتماعية (= اختلال القيم، اضطرابات الشخصية، التطرف الديني ، العنف، انحراف الأحداث، السلوكات الإجرامية، الهجرة الدولية، الأعمال السفلى، المخدرات، ، التفكك الأسري، الهدر المدرسي، ومشكلة السكن....) 13.
كان من مستتبعات ترييف المجال الحضري؛ وبدونته انكماش مساحة الحيز السكني إلى الحد الذي لم يعد يستجيب لا للحاجيات البيولوجية للأسر؛ ولا إلى توق الأزواج للاختلاء ببعضهم البعض لانعدام غرفة زوجية منعزلة وهو ما يعده عبد الصمد الديالمي معرقلا فعليا لحق الزوجين في الممارسة الجنسية المُرْضِية بعيدا عن أنظار أفراد الأسرة؛ وبمنأى عن تلصصهم؛ وكابحا حقيقيا لكل توافق جنسي زوجي. من ثم فإن سردنة السكن بتلك الصورة يزيد من الشعور بالإحباط؛ والاستياء لدى الأزواج. واعتبارا لذلك فالفعل الجنسي حينما يتم في مكان ضيق، وفي زمن ضيق / وجيز يتم تجريده من المتعة؛ ومن بُعْدِهِ الإِيرُوسِي ليفقد تماما معناه الإنساني. إن اختلال القصدية المتعوية تلك يتحصل منها بؤس جنسي ؛ وإحساس حاد بالحرمان يولد شحنات نفسانية عنيفة، مهدمة للذات؛ وطاقات تدميرية للغير؛ ومشاعر عدوانية باعثة على الاستفهام، إلى أبعد الحدود، حُيَالَ النساء؛14
ليتم توجيه تلك الطاقة التدميرية / الهدامة نحو تطوير شخصية إسلامانية مفرطة في تماميتها؛ مطمئنة إلى أساليب اللاتفكير (= التكفير) المتشددة ، والاقتناعات الدينية المتطرفة . موثرة للإمساك الجنسي اللاعقلاني قبل الزواج، ومنادية بالحجاب / النقاب حلا لتلطيف صهيل الشهوة المكبوحة / المكبوتة ، وبالزواج المبكر ثم بتعدد الزوجات.15
وهنا يتساءل عبد الصمد الديالمي هل ممارسة الجنس مقصورة على الفئات المتزوجة ومستثنى منها غيرهم؟ وهل من المعقول مطالبة العزاب بضرورة الصيام / الإمساك الجنسي رغم ملحاحية رغبة ليس لهم منها بد؟
استنتج الأستاذ عبد الصمد الديالمي من الدراسات الميدانية التي أنجزها؛ كما من تلك التي قامت بها وزارة الصحة العمومية بصدد الجنس في المغرب أن الشباب المغربي اليوم طفق يمارس نشاطا جنسيا مكثفا خارج إطار الزواج بالرغم من أنه فعل محرم دينيا، ومجرم قانونيا. وهذا الضرب من العلاقات الجنسية الذي يحدث خارج مؤسسة الأسرة يعتبره مؤشرا حقيقيا على حدوث انفجار جنسي هائل لايقتصر على الممارسات الجنسية قبل الزوجية فحسب؛ بل يشمل العمل الجنسي استجابة لملحاحية الرغبة الجنسية، ولعدم القدرة على الزواج، أو لرفض هذا الأخير لاعتبارات مثلية من جهة؛ وخضوعا لضغط إيديولوجيا الاستهلاك" الجنسي: باسم الانفتاح، وبدافع التحرر من تثاقلات التقاليد، ورسف الماضي من جهة ثانية.16
يستشف من هاته المعطيات، وغيرها طبعا كثير، أن العمل الجنسي غدا مورد عيش قار لفئات عديدة في المجتمع ؛ وسلوكا مهنيا احترافيا يفيد منه الرجال والنساء من كل الشرائح العمرية: المتزوجون والمتزوجات؛ المطلقون والمطلقات، التلاميذ والتلميذات، الموظفون والموظفات، العمال والعاملات...إلى حد أن هنالك من بادر بالحديث عن اقتصاد بغاء حقيقي بالنظر إلى انتشار الممارسات الجنسية بكل الطرق، وفي كل الأمكنة ؛ ومع أي شريك كان، مادام المبتغى هو " اقتناص جنس سريع، وخائف في أماكن غير ملائمة، غابة مصعد، سطح، مرحاض، سيارة..." 17 لتعذر اكتراء بيت، أو غرفة في فندق بسبب عجز مالي، أو خوفا من شرطة الآداب 18. إنه " الترميق الجنسي – المجالي " كما وسمه عبد الصمد الديالمي وهو دليل على "انفجار/ انتقال جنسي " يجري اليوم في خضم المجتمع؛ مثلما أنه دليل على بؤس جنسي يعاني منه الإنسان المغربي فيهتبله، كحرب الغوار، بطريقة خاطفة، وبمتعة لحظية مسروقة. إنه لصوصية جنسية حقيقية لاتشبع الرغبة بالشكل المطلوب والمقبول. وبذا يصحبها شعور بعدم الرضا؛ وانعدام الأمن، والإحساس بالخوف، وعدم الاطمئنان؛ لتصحبها عقدة الذنب المترتبة على ارتكاب إثم.
تجلي هذه المعطيات بما لايدع مجالا للارتياب أن تضخم السلوكات الجنسية غير الزوجية؛ والمثلية أيضا، أمر حاصل، وقائم بالتأكيد رغم الإسلام، ورغم القانون، ورغم الأخلاق (= الأبيسية ). على أن عبد الصمد الديالمي لايرنو إلى هذا الانتقال الجنسي بوصفه فتنة يلزم درأها، أو انحرافا غير مقبول عن نموذج مثالي تاريخي؛ أو انحدارا صوب الجاهلية كما تزعم الإسلامانية التمامية وتدعي. إن نظرية الانتقال الجنسي التي وضعها عبد الصمد الديالمي تشخيص سوسيولوجي لحقيقة الوضع الجنسي في المغرب، وهو التشخيص الذي قاده إلى الفصل بين مراحل ثلاث أساسية :
1 – مرحلة الأبيسية الصرف ويسمها اندماج ديني يطابق بين المعايير الجنسية الدينية؛ والسلوكات الجنسية الشرعية التي تنتظم تحت الدين؛ وضمن سيادة الزواج الأبوي الذي يحكمه التقليد؛ ويصدر عن أنثروبولوجيا؛ الشرف وطابو البكارة.
2- مرحلة استمرارية المعايير الجنسية الدينية خلافا للسلوكيات الجنسية المنطبعة بنوع من التحرر النسبي؛ والعلمنة دون أن تعي حقيقة تعلمنها. وبتعبير مغاير، إن الشخص يسترسل في الاعتقاد بأن الجنس قبل الزواجي زنا ودنس إن لم يكن إثما تفرضه الضرورة والرغبة التي لاراد لهما؛ إلى جانب سياقات العصر التي تتغذى من قيم حداثية مستبطنة غير معترف بها؛ وهنا مكمن التعارض واللاتوازن بين المعايير الجنسية الدينية من جهة؛ والمسلكيات الجنسية المتحررة من جهة ثانية؛ مما حمل عبد الصمد الديالمي على وسم هاته الجنسانية بالجنسانية الانفجارية تعبيرا عن وضعها الانتقالي. 19
3- و ثالثها تتميز بعلمنة للمعايير الجنسية والسلوكات الجنسية معا في الوقت عينه. وهنا يفقد الدين سلطته كقوة عمومية فيما يرتهن بتنظيم الحياة الجنسية العامة 20 كيما تنتظم الحياة الاجتماعية برمتها وفق مبادئ الدولة المدنية - العلمانية التي لاتخضع قوانينها للشرط الديني ؛ وحيث يكون التطابق حاصلا كلية بين المعايير الجنسية والمسلكيات الجنسية. و ترتيبا على هذا يضحى الفرد في إطار الدولة المدنية - العلمانية مواطنا حقيقيا، عقلانيا في أسلوب تفكيره، مسؤولا عن اختياراته، ومتحررا في منطلقاته ورؤاه، وفي ممارسة جنسانيته دونما إكراه، أو وصاية من أي جهة كانت. ومن ثم فإن بدا لفرد ما أن الجنس قبل الزواج غير جائز شرعا؛ وأن المثلية حرام فله ذلك لكن لاحق له في أن يكره غيره على تبني اقتناعاته العقائدية هاته التي تخصه هو وحده. كما لاحق لأي كان أن يحمله على الإتيان بوجهات نظره، ومنطق تفكيره.
مايشبه الختم:
نحصل من كل ما مر معنا أن الانفجار الجنسيى في المجتمع المغربي حالة قائمة بالفعل غير منبغ إنكارها وغير مجد إخفاؤها. إن الرغبة الجنسية كامنة فينا وبمكنتها التمظهر بصورها الشتى؛ والتدثر بأقنعتها المختلفة رغم أحكام الدين؛ ورغم بالسلطة الأبيسية وإيديولوجيتها القانونية التي تحاول طمس تلك الرغبة؛ وتحريم بعدها الإنساني - الإيروسي.
إن النشاط الجنسي، بوصفه متعة، علاقة إنسانية طبيعية؛ لكنها علاقة مسؤولة بالأساس بين طرفين عاقلين، راشدين، مدركين للعواقب المترتبة على الفعل الجنسي. من ثم يستلزم الأمر، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، تربية جنسية بما هي علم، ومعرفة، ومواقف إيجابية بصرف النظر عن الفاعل وهويته الجنسية، ووضعه الزواجي، وتوجهه الجنسي. التربية الجنسية هدف مباح لذاته من أجل أغراض متعوية ووقائية (= من الحمل غير المرغوب فيه والأمراض) وأخلاقية إذ لاجنس بدون رضا مشترك. ولا جنس إن كانت مقاصده تجارية محض.21
إحالات مرجعية:
-1-DIALMY (ABDESSAMAD) :2016, La fabrique de l’islamisme marocain, Editions Toubkal, Casablanca, Maroc, P :12.
-2-الديالمي (عبدالصمد ) :2015، الانتقال الجنسى في المغرب، نحو الحق في الجنس، في النسب وفي الإجهاض، دار الأمان، ص. ص:17-18.
-3- الديالمي (عبد الصمد ) :1985، المرأة والجنس في المغرب، دراسة سوسيو - تحليلية، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، ص:159.
-3-الديالمي (عبد الصمد ): 1987، المعرفة والجنس، من الحداثة إلى التراث، دار قرطبة للطباعة والنشر، عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب، ص: 5.
-4- نفسه. ص:5.
-6- REICH ( WILHELM ) :1952, La fonction de l’orgasme, Editions de L’Arche, Paris, France, page :91.
- وأيضا، الديالمي (عبد الصمد ):1987، المعرفة والجنس...مرجع مذكور. ص. ص: 9-11.
-7- الديالمي (عبد الصمد ):1987، المعرفة...مرجع مذكور. ص.ص:13-14.
-وأيضا، الديالمي (عبد الصمد ) :2015، الانتقال الجنسي...مرجع مذكور..ص:19.
-8-الديالمي (عبد الصمد ):1985، المرأة والجنس ...م.م. ص:159.
-وأيضا، الديالمي (عبد الصمد ):2015، الانتقال الجنسي ...م.م. ص:24.
-9- الديالمي (عبد الصمد ): 2000 ، نحو ديموقراطية جنسية إسلامية، مطبعة أنفو - برانت. ص. ص: 74-75 -76 -79- 80 .
-10- الديالمي (عبد الصمد ) :1985، المرأة والجنس.. م. م. ص:6.
-11-الديالمي (عبد الصمد ) 201، الانتقال....ص: 247.
-12-DIALMY( Adessamad ): 1995, Logement, Sexualité et Islam, Eddif, Casablanca, p:67 et p:138.
-12- Op.Cit. p :166.
-13-Op.Cit.pp: 63- 64- 72- 73
- DIALMY( Abdessamad ) :2016, La fabrique...Op.Cit p:90.
-14- Op.Cit. pp: 93- 94- 106- 113- 114-
-15- DIALMY ( Abdessamad ):1995, Logement…Op. Cit p:125 et p:173.
-16- الديالمي (عبد الصمد ): 2009، سوسيولوجيا الجنسانية العربية، دار الطليعة ورابطة العقلانيين العرب، بيروت، لبنان. ص:52.
-17-نفسه، ص:35.
-18- نفسه. ص: 147-18 - والديالمي (عبد الصمد ): 2015، الانتقال...ص. ص :246-247 .
-19-نفسه. ص: 247.
-20- نفسه. ص، ن.
-21-الديالمي (عبد الصمد ):2009، سوسيولوجيا الجنسانية...مرجع مذكور...ص:150 ، و ص. ص:153-154