” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه (اللهم إني أعوذ بك من ... قهر الرجال ...) والمقصود هنا بقهر الرجال أن القهر سببه الغلبة، فالرجل إذا شعر بغلبة الرجال له، وتسلطهم عليه، بحق، أو بغير حق: تسبب ذلك في حصول الكمد والقهر في نفسه. وغلبة الرجال أيضاً أن يغلبوه... أن يقهروه حتى يقتلوه، أو يأخذوا ماله، أو يهينوه، ويضربوه إلى غير ذلك “.
إن الباحث السوسيولوجي النقدي المدقق في وجوه أفراد المجتمع المقهور عبر الشوارع والأزقة، وفي الأسواق، وفي علاقاتهم اليومية، سوف يصل إلى نتيجة حتمية مفادها أن مظاهر الكبت والقلق والخوف والقهر الاجتماعي تسيطر على معظم سلوكياتهم وتصرفاتهم، فأصوات الشجار والصراع الاجتماعي تعلو لأتفه الأسباب، وكثير من المشكلات الاجتماعية تطفو على السطح تدلنا على وجود شرخ عميق وخلل كبير في أنساق البناء الاجتماعي.
يعتبر القهر الاجتماعي سبباً مباشراً لكثير من السلوكيات الخطيرة التي تشكل بمجموعها ما نستطيع تسميته بـ: (مجتمع المقهورين)، الذين يسعون إلى إثبات (الأنا الشخصية) بأية طريقة، وبأية وسيلة مسموح بها، أو غير مسموح مما أدى إلى ظهور عادة " العنتريات والعنجهية "، التي تتجلى في القفز فوق القانون، وفي تسخير الناس لحوائج (المواطن العنتري)، وتترافق عادة العنتريات مع مظهر العضلات المفتولة، والشوارب، وهذا كله مؤشر على حاجة المواطن إلى إبراز وجوده في مجتمع تربى على كونه مجرد رقم في إحصائيات الدوائر الرسمية للدول.
- مفهوم القهر الاجتماعي: لغوياً قهَرَ يَقْهَر، قَهْراً، فهو قاهِر، والمفعول مَقْهور. قهَر الشّخصَ احتقره، تسلّط عليه بالظّلم: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ}. قهَر الجَيْشُ العَدُوَّ: غَلَبَه: فالشّجاعة تقهر البؤس. قهَرَ غرائزَه: سيطر عليها. يقال لا يُقْهَر: منيع لا يُهزَم. كما يقال قهَره على الاعتراف بجريمته: أي أجبره على الاعتراف. أسباب، ظروف قاهرة. ويقال أَخَذْتُهُم قَهْراً: أَي من غير رضاهم. أخرجه قهْراً: جبراً واضطراراً. القَهْرُ: الغَلَبة والأَخذ من فوق. اصطلاحاً هو شعور الإنسان بالقمع نتيجة سيطرة القوة عليه، أهم ما يميزه هو القمع من ناحية الأفكار والمشاعر مصادرة إرادته وحريته بالتعبير عن رأيه فيشعر الإنسان باحتقار الذات والرضوخ والتبعية للجهة التي تمارس عليه القهر. فلسفياً هو العوامل اللصيقة التي تجبر الإنسان على ما لا يرغبه، أو تحول دونه وما يرغبه. قهر الذات هو قهر مغزاه كون الذات إطار لا فكاك من ممارسة الوجود من خلاله، وقهر المكان هو قهر آتٍ من كل ما هو كائن حولنا ويهدف إلى تحديد مساحة أو كثافة وجودنا في اللحظة، وقهر الزمان هو قهر يحتمه كون الذات الكائنة في جزء من المكان هي حدث مؤقت على محور سابق عليها لا حق بها وهو محور الزمان. سوسيولوجياً يقصد بالقهر الاجتماعي تجربة الظلم الممنهجة والمتكررة باستمرار والمنتشرة انتشاراً واسعاً، وهذه التجربة ليست متطرفة كالعبودية والفصل العنصري وليست عنيفة أيضاً كما هو الحال في المجتمعات الاستبدادية بل يُقصد بالقهر الاجتماعي القهر والاضطهاد اليومي في الحياة العادية، ويشير مصطلح " القهر المتحضر " إلى الاضطهاد المتأصل في الأعراف والعادات والرموز التي لا نقاش بها. وفي الأسس التي تقوم عليها المؤسسات الاجتماعية والقواعد وما يفرض من عواقب جماعية في حال مخالفة هذه القواعد، ويمكن توضيحه بأنه الظلم الواسع والعميق الذي يطال بعض المجموعات في المجتمع نتيجة الأحكام المسبقة وردود الفعل اللا واعية في العديد من الأحيان والصادرة عن الأفراد العاديين (الذين هم غالباً أصحاب النوايا الحسنة) في تفاعلاتهم اليومية العادية ويسهم في دعم هذه الأحكام وردود الفعل كل من وسائل الإعلام والصور النمطية الثقافية وكذلك البناء الهرمي المجتمعي وآليات السوق الاقتصادية.