الحُدُوسُ الحِسِّيَّةُ بِدُونِ مَفاهِيمَ عَمْياء، وَالتَصَوُّراتُ العَقْلِيَّةُ بِدُونِ حُدُوسٍ حِسِّيَّةٍ جَوْفاء".
نَقْدِ العَقْلِ المَحْض، عَمانْوِيل كانِطٍ.
-1مُقَدِّمَة:
اِسْتَقْطَبَتْ سوسيولوجيا " التّفاعل الرَمْزِيَّ" اِهْتِمامَ المُفَكِّرِينَ وَعُلَماءِ الاِجْتِماعِ مُنْذُ بِدايَةِ القَرْنِ العِشْرِينَ حَتَّى اللَحْظَةِ الراهِنَةِ، وَذٰلِكَ نَظَراً لِما تَنْطَوِي عَلَيْهِ هٰذِهِ السّوسيولوجيا مِن جِدَّةَ وَأَصالَة فِكْرِيَّةٍ مُفارِقَةٍ لِلنَظَرِيّاتِ الكُبْرَى التَقْلِيدِيَّةِ فِي عِلْمِ الاِجْتِماعِ، وَلِما تَتَمَيَّزُ بِهِ مِن قُدْرَةٍ مَنْهَجِيَّةٍ عَلَى اِسْتِكْناه الأَعْماق الرَّمْزِيَّة الخَفِيَّة وَالدّلالِيَّة لِلحَياةِ وَالظَواهِرِ الاِجْتِماعِيَّةِ. لَقَدْ أَدْهَشَ رُوّادُ هٰذِهِ النَظَرِيَّةِ جُمْهُورَ الدارِسِينَ وَالباحِثِينَ بِما فَتَحَتْهُ مِن آفاقٍ فِكْرِيَّةٍ جَدِيدَةٍ فِي مَجالِ البَحْثِ السوسيولوجِيِّ، وَبِما رَسَّخَتْهُ مِن رُؤىً وَتَصَوُّراتٍ جَدِيدَةٍ عَن طَبِيعِيَّةِ الحَياةِ الاِجْتِماعِيَّةِ القائِمَةِ بَيْنَ الناسِ فِي خِضَمِّ التّفاعل وَالتَّبادُلِ الاِتِّصالِيِّ الرَمْزِيِّ.
تُشَكِّلُ "التّفاعليَّةُ الرَمْزِيَّةُ " أَحَد التَيّاراتِ السوسيولوجِيَّةِ الَّتِي فَرَضَت نَفْسَها نَقِيضاً مُناظِراً لِلاِتِّجاهاتِ الكُبْرَى فِي عِلْمِ الاِجْتِماعِ، مِثْلَ: البِنْيَوِيَّةِ وَالمارْكِسِيَّةِ. وَيَنْظُرُ مُعْظَمُ النُقّادِ اليَوْمَ إِلَى التّفاعليَّةِ الرَمْزِيَّةِ بِوَصْفِها نَظَرِيَّةً سوسيولوجِيَّةً مُتَكامِلَةَ الأَرْكانِ رَغْمَ حَداثَتِها نِسْبِيّاً. وَقَدْ عَكَفَ رُوّادُ هٰذِهِ النَظَرِيَّةِ عَلَى تَحْلِيلِ الظَواهِرِ الاِجْتِماعِيَّةِ الصُغْرَى (الميكروسوسيولوجِي)، سَعْياً إِلَى فَهْمِ العَلاقاتِ التّفاعليَّةِ الرَمْزِيَّةِ القائِمَةِ بَيْنَ الأَفْرادِ فِي المُجْتَمَعاتِ الإِنْسانِيَّةِ ، والعمل على َتَحْلِيلِها وَإِدْراكِ مَعانِيها وَدَلالاتِها وَمَغازِيها. وَقَدْ رَكَّزَ رُوّادُها عَلَى دِراسَةِ مُعْطَياتِ الحَياةِ اليَوْمِيَّةِ لِلأَفْرادِ وَفَعالِيّاتِهِم السوسيولوجِيَّةِ القائِمَةِ فِي مَداراتِ اِتِّصالِهِم، وَمَساراتِ تَفاعُلِهِم، وَاعْتَمَدُوا منْهَجِيّاً عَلَى تَحْلِيلِ الرُّمُوز وَالمَعانِي وَالدَّلالاتِ الَّتِي تُعْطِي مَعْنىً لِلتَّجارِبِ الاِجْتِماعِيَّةِ فِي الحَياةِ اليَوْمِيَّةِ.
يَرَى عُلَماءُ الاِجْتِماعِ أَنَّ نَظَرِيَّةَ التّفاعل الرَمْزِيِّ تُشَكِّلُ إِطاراً عامّاً لِلنَّظَرِيّاتِ الَّتِي تَبْحَثُ فِي المُجْتَمَعِ بِوَصْفِهِ نِتاجاً لِلتَّفاعُلاتِ الاِجْتِماعِيَّةِ اليَوْمِيَّةِ، وَتَبْحَثُ فِي الكَيْفِيّاتِ الَّتِي تَتِمُّ فِيها التّفاعلاتُ الاِجْتِماعِيَّةُ بَيْنَ الأَفْرادِ الَّذِينَ يُضْفُونَ المَعانِيَ وَالدَّلالاتِ عَلَى الأَشْياءِ المُحِيطَةِ بِهِمْ فِي مَسارِ تَفْسِيرِ تَفاعُلاتِهِمْ مَعَ الآخَرِينَ. وَيَعْتَمِدُ هٰذا المَنْظُورُ عَلَى فِكْرَةٍ أَساسِيَّةٍ مَفادُها أَنَّ النّاسَ يَفْهَمُونَ عَوالِمَهُمْ الاِجْتِماعِيَّةَ مِنْ خِلالِ التَواصُلِ وَالتّفاعل الاِجْتِماعِيِّ، أَيْ، عبر تَبادُلِ المَعْنَى مِنْ خِلالِ الرُّمُوز وَاللُّغَةِ. وَيَرَى أَصْحابُ هٰذِهِ النَظَرِيَّةِ أَنَّ المَعْنَى الَّذِي نَنْسِبُهُ إِلَى العالَمِ مِنْ حَوْلِنا يَعْتَمِدُ عَلَى تَفاعُلاتِنا مَعَ النّاسِ وَالأَفْكارِ وَالأَحْداثِ، وَأَنْ فَهْمَنا لِلعالَمِ وَكَيْفِيَّةَ تَفاعُلِنا مَعَ مُجْتَمَعاتِنا يَعْتَمِدُ عَلَى ما نَتَعَلَّمُهُ مِنْ تَفاعُلاتِنا مَعَ الآخَرِينَ بَدَلاً مِنْ الحَقِيقَةِ المَوْضُوعِيَّةِ. وَعَلَى هٰذا الأَساسِ يَعْتَقِدُ التّفاعليُّونَ الرَمْزِيُّونَ أَنَّ مُجْتَمَعاتِنا مَبْنِيَّةٌ اِجْتِماعِيّاً عَلَى المَعانِي الَّتِي نُضْفِيها عَلَى التّفاعلاتِ وَالأَحْداثِ الاِجْتِماعِيَّةِ.