يتجه الاستدلال الرياضي عند " ابن الهيثم " اتجاها بنائيا استنباطيا ، فهو ينتقل من المركب إلى البسيط ، فلقد استعمل " ابن الهيثم " نفس المنهج - المنهج الاستنباطي - الذي استعمله " إقليدس " في كتابه الأصول ، كما هو واضح في كتاب ( الأصول ) أن المبادئ الرياضية هي أهم عنصر داخل الاستدلال الرياضي .
1_1مبادئ الاستدلال الرياضي عند ابن الهيثم
يعرف " إقليدس " المبادئ في الجزء الأول من كتابه الأصول [1] بأنها مجموع التصورات و القضايا الأولية العامة ، و التي ينطلق منها الرياضي كي يصل في الأخير إلى نتائج يقينية .
يقسم إقليدس هذه المبادئ في كتابه السابق إلى ثلاثة مبادئ أساسية ، بالمقابل لقد أضاف " ابن الهيثم " مبدأ رابعا إلى هاته المبادئ و أطلق عليه اسم ( الأوليات ) ، و يبدو أن هذا المبدأ متضمن في النسق الإقليدي ، وما قام به " ابن الهيثم " هو انه أخرجه من القوة على الفعل .
يعتبر ابن الهيثم أن هناك أربعة مبادئ لأي استدلال رياضي –هندسي:
1البديهيات ، 2 المصادرات أو المسلمات، 3 التعريفات ،4 الأوليات .
* البديهيات
البديهيات هي قضايا أو مبادئ واضحة بذاتها يدركها العقل حدسيا ، و لا تحتاج لأي برهان .
يقول ابن الهيثم : " البديهيات هي الأمور التي تلزم بديهية العقل و الحس " ، و يقدم مثلا على البديهيات في علم الحساب بقوله : " يتأسس علم الحساب على البديهية القائلة بتسلسل الأعداد الصحيحة الطبيعية إلى ما لا نهاية،و بيان أن الأعداد تنشأ بسبب وضع وحدة معينة وهي رقم واحد و تستمر بإضافة نفس الوحدة في كل مرة " [2].
وفي الأخير يمكنني القول أن هذه القضايا تمتاز بثلاثة خصائص :
1 الأولية المنطقية : كون البديهية مبدأ أوليا غير مستخلص من غيرها.
2 الخاصية الصورية : فهي قضايا عامة مجردة و صورية .
3 الخاصية النفسية : وضوح البديهية للنفس بدون وساطة أو برهان منطقي .
** المصادرات - المسلمات –
هي قضايا يفترض صحتها مند البداية نظرا لفائدتها العملية ، أو أنها لا تؤدي إلى تناقض منطقي يقول ابن الهيثم : " تؤخذ المصادرة بلا برهان و تستعمل في البرهان "[3]
وتتميز المصادرة عن البديهية بكون الأولى قابلة للنفي أما الثانية فلا .
*** التعريفات
التعريفات هي قضايا يضعها العقل لتحديد الموضوعات التي يدرسها ، فالتعريف هو محاولة تحديد الشيء انطلاقا من حدود لا يمكن تعريفها .
يمكنني أن أشير مجموعة من التعريف التي يقدمها " ابن الهيثم " ، و يلاحظ بشكل العام أن تعريفات " ابن الهيثم " تتطابق في كثير من الأحيان مع تعريفات " إقليدس " .
الخط : طول لا عرض له .
النقطة : شيء لا بعد له ( ليس له طول و لا عرض و لا ارتفاع ) .
السطح : شيء له بعدان (طول و عرض ) .
الجسم : شيء له ثلاثة أبعاد (طول و عرض و ارتفاع) [4] .
**** الأوليات
هي مبادئ تخص شكل التفكير تستخدم كقواعد منطقية ضرورية يجب إتباعها .
بعدما وضحت المقدمات – أقصد المبادئ - الضرورية لأي استدلال رياضي ، نصل الآن إلى المبرهنات ، وهي جملة النتائج التي يتم استخلاصها عن طريق الاستنباط من جملة المقدمات ، فصدق النتائج رهين بصدق المقدمات ، مثلا القول بأن القضية التي تقول بأن مجموع زوايا المثلث تساوي قائمتين في الهندسة الإقليدية ناتجة عن جملة المقدمات التي تدعى أن المكان مستوى .
2-1 المنهج الاستنباطي عند ابن الهيثم
يتأسس المنهج الاستنباطي عند " ابن الهيثم " على الانتقال من المقدمات إلى النتائج ، و يجب أن يتم هذا الانتقال عبر تسلسل منطقى ، أو عن طريق ثلاثة طرق استدلالية :
1 التحليل 2 التركيب 3 التفنيد
1_2_1 التحليل
يبدأ الرياضي في هذه الطريقة بالقضية المجهولة التي يريد حلها ، ثم يتساءل عن القضايا الجزئية اليت يجب التسليم بها حتى ينتهي في الأخير إلى قضايا سبق و أن برهن عليها ، و اعترف أنها بديهية حينئذ يتبين له صدق القضية الأولى .
يقول "ابن الهيثم " في مخطوط ( التحليل و التركيب ) بأن التحليل هو ؛ أن نفرض المطلوب على غاية التمام و الكمال ، ثم ننظر في خواص موضوعه اللازم لذلك الموضوع ، و لجنسه ، و فيما يلزم من لوازمه ثم فيما يلزم تلك اللوازم إلى شيء معطى في ذلك المطلوب و غير ممتنع ، هذا فيما يخص التحليل بالجملة ، و إذا انتهى النظر إلى المعنى إلى الشيء المعطى قطع النظر في ذلك المطلوب ، و وصف الناظر عنده و المعطى هو المعنى الذي لا يمكن دفعه و لا يتمنع منه مانع [5] .
2_2_1 التركيب
تعتبر طريقة التركيب أهم طريقة يلجأ إليها الرياضيين و الهندسيين ، ففي هذه الطريقة يبدأ الرياضي ببعض القضايا المعروفة التي سبق له التسليم بها كالبديهيات و المسلمات و التعاريف ، أو التي سَبَق وأن بَرهَن عليها ، ثم ينتهي من قضية إلى أخرى حتى ينتهي في الأخير إلى إثبات المطلوب .
يقول ابن الهيثم : " أما كيفية التركيب فهو أن نفرض الشيء المعطى التي انتهى الشيء المعطى عنده وقف الناظر ، ثم تضاف إليه الخاصية التي وجدت قبل تلك الخاصية و يسلك في التركيب عكس الترتيب الذي سلك في التحليل ، فإنه إذا التمس هذه الطريقة انتهى بالتركيب المعنى المطلوب " [6] .
بالإضافة إلى لطرقتين السابقتين نجد ابن الهيثم يضيف طريقة جديدة يطلق عليها اسم التحليل الغير مباشر - الاستدلال بواسطة البرهان بالخلف – .
3_2_1 التفنيد
يبدأ الرياضي في هذا الاستدلال بالتسليم بصدق عكس القضية ثم ينتقل منها إلى بعض القضايا اليت يترتب عليها حتى ينتهي إلى قضية غير صحيحة و من ثَمّ يتبين له بُطلان القضية المراد إثباتها [7] .
الإحالة:
[1] إقليدس : الأصول ، الكتاب الثالث عشر
[2] ابن الهيثم ، ثمرة الحكمة ، تحقيق:عبد الهادي، ابو ريدة ، ص 550
[3] المرجع نفسه ص 550
[4] م،ن صص (536_543)
[5] أحمد سعيد الدرمدش ، الحسن ابن الهيثم من أعلام العرب ص 69
[6] ibidem (opsite)
[7] دولت ابراهيم عبد الرحيم ، الاتجاه العلمي و الفلسفي عند ابن الهيثم ، مكتبة الأسرة 1994 ، صص (116_117