استهلال
ينبني هذا العمل-قدر الاستطاعة بطبيعة الحال-على ملاحظة تتبعية لِمجموعة من الأعمال المنشورة في حقل علم النفس الاجتماعي في المغرب. فقد أسعف تعاطينا، من غير شك، مع هذا الكم المعرفي، الجدير حقا بالاهتمام، على تحصيل ملاحظتين اثنتين مُؤَدَّاهُما:
1-فتور المواكبة المطلوبة، الرامية، على الأقل، إلى التعريف بالانهمامات العلمية لرواد السيكولوجيا الاجتماعية في الجامعة.
2-برود مَنْزَع القراءة، وتراخي الدًّافعية المُتَطَلِّعة إلى تحليل، وتفكيك أسس وحيثيات الخطاب السيكوسوسيولوجي في أفق نقده فتقييمه بالتساؤل المُهَدِّم للمعرفة المُطمئنة؛ والاستفهام المُكَسِّر للنماذج الرَّكيكة. أَلاَ يُعْتَبَرالنقد الوجيه عَصَبَ المعرفة، ومِهْمَازَها الخَلاَّق للمعاني المُرَجَّحَة، والصانعُ للدَّلاَلاَت المُحتملة؟
فيما أحسب، هذا هو المَسَاق الذي يُؤطرهاته الدراسة التي نَتَوسَّلُ بها الإطلالة على الإنتاج الفكري للمفكر وعالم النفس الاجتماعي الدكتورالمصطفى حدية سَعْياً إلى تقليب تَشَكُّلاَتِ خِطَابِه؛ وغايةً في الوقوف على المَسْأَليَات الأساسية، والطُّرُوحات الكبرى المبثوتة طَيَّ أبحاثه الغزيرة.
أولا: تقاطع الموضوعات والأفْهُومات في الاجتماع النفسي العربي:
بحضوره الوازن في الساحة الثقافية المغربية والعربية على السواء، استطاع الأستاذ المصطفى حدية أن ينحت اسمه ضمن كبار السيكولوجيين العرب. فقد تمكن بفعل اجتهاده ومثابرته من تأسيس مشروع مدرسة قائمة الذات في حقل الاجتماع النفسي بالمغرب تتقاطع، في جزء كبير منها، مع أعمال أكاديميين عرب من عيار حليم بركات، هشام شرابي ومصطفى حجازي على سبيل المثال لا الحصر.
بحرقة لاضديد لها، طَرَقَ هؤلاء المفكرون الجذريون، بين ثنايا أبحاثهم، التي انصبت على المجتمعات العربية، مشكلات التخلف بأورامه المزمنة، وقضايا التنشئة الاجتماعية، والحرية، والهدر بكل أشكاله وألوانه المختلفة...فضلا عن جدلية الثقافة والهوية في عصرمدهش، سِمَتُهُ التَّبَدُّلُ والانقلاب؛ وخِصِّيصَتُه الاحتمال واللاَّيَقِين بفعل نهاية الجغرافيا وهيمنة الأمبريالية الثقافية.2.. فبالاستناد إلى مرجعية متينة تمتح من معين علم النفس، وتنهل من المنهج النقدي الاجتماعي-التحليلي، والإبداع السردي على السواء عمد الدكتور حليم بركات(1933-2023)إلى تفكيك بنيات المجتمع العربي، وخلخلة الطبيعة السلطوية للدولة 3 ليخلص إلى القول بوجود هوة تفصل الإنسان العربي عن مؤسسات مجتمعه وسمها حليم بركات بالاغتراب 4 الذي يرده إلى:
- - التجزئة والتفتت الاجتماعي
- - هيمنة الدولة على المجتمع(=الاغتراب السياسي وأزمة المجتمع المدني) 5
- - تسلط الأنظمة الهرمية القسرية التي يجسدها النظام البطريركي، وهيمنة المؤسسات الدينية، وغلبة التربية المعتمدة على الذاكرة والاستظهار.
- - الاستغلال الطبقي ومايستتبعه من ظلم، وقهر وحرمان، واتساع الفجوات بين المعدمين والأغنياء.
- - التبعية، والهيمنة الخارجية على معظم الثروات والمقدرات العربية
- - سطوة المقدس، وصلابة التقاليد، وثباتية الطقوس التي تعمل على تزمين الصراع بين القديم/التراث والجديد/الحداثة.6