" ... لن يغلِق الألبوم..." (ص 114)
لتستمر الحياة صورا تمنحنا المدى والحلم وكثيرا من الصخب الذي يؤثث الفضاءات والأحداث وتحرك جماد اللقطات، وتبعث الحياة في حياة حكمت عليها اللقطة أن تقف في لحظة.. في زمن.. في لقطة.. على يد ساحر ذكي، خبر مجاهل الألبوم وأسرار صوره، يلتقط اللحظة بعين محترفة، فتوقظها وتنشطها.. وتبعث الدفء في ثناياها المحكومة بالتوقف بعدسة تثقن وقف الزمن وتجميده في رمشة.. في لحظة..
"للصورة ذاكرة تحتاج يد ساحر ليوقظها، ينشطها، يزرع فيها نسغ الحياة لتتحرك وتستدعينا إلى ماضيها، إلى زمنها لنعيش مع أبطالها، من جديد، لحظات صاخبة.."(ص 113)..
جميل ما يصنعه هذا الساحر حين يحيل الصمت صخبا.. والسكون حياة ولغة.. هو من يستطيع بعث الصخب في العزلة، والحياة في الصورة الجامدة في الزمان والمكان والحدث، بل هو من يملك مفاتيح مغاليقها وأسرارها.. وهو من يستطيع تحويل السكون إلى صخب، والعزلة إلى حياة، حيث تتضارب الأحداث وتتناوش الإيقاعات والشخوص.. ليصبح الألبوم مسرحا يعج بالحياة والأسرار..
"عزلة صاخبة في ألبوم"، بهذا العنوان يوقفنا الساحر البارع لنتساءل متحفزين لتفكيك تضاده ودخول غمار اللعبة الكامنة داخل الألبوم ووراء الصور، لفض الأسرار، واكتشاف كيف يمكن لعزلة أن تكون صاخبة قوية تعج بالحياة..
الصورة.." هي عند الكثيرين صورة ثابتة، لكنها تحتاج فقط قلبا مرهفا، ومعرفة أكيدة وعميقة.. لتتحرك.. تتحرك في خصب.."(ص63).. تلك أسرار الساحر ومفاتيحه لفك أسرار صور الألبوم، قلب مرهف ومعرفة أكيدة وعميقة بروح من يتحرك داخل الصورة الجامدة في لقطة، كما أنها دعوة لبعث الحياة في الموت.. وفي الجانب الذي تكلس من الصور.. صور ألبوم الرواية الصاخبة..
"عزلة صاخبة".. عادة، يعتزل من يبحث عن الهدوء، عن الصمت، عن الوحدة، عن التفكير العميق.. لكن من يبحث داخل ألبوم معتقدا أنه "مقبرة" يلفها الهدوء والصمت والموت فقد جانب الصواب، لأن صمت الألبوم وبرودته الظاهرة عيانا، يُفتح بنظرة عميقة إلى ما وراء الصورة واللقطة لتنطلق الأحداث والمواقف تترى لا تتوقف،إلا عندما يأذن الساحر لها بالوقوف والخروج من العزلة الصاخبة إلى العزلة الساكنة سكون القبور..
رغم جمود الصورة في لقطة معينة، وزمن معين..يتوالد الحدث عند النظرة الأولى حيث تعود الذاكرة إلى ما قبل وحينها وما بعدها، لتجعل منها صخبا يؤرخ اللحظة لتمتد في الماضي والحاضر والآتي، كما تمتد حكيا يستعيد به السارد/الساحر زمنا / أزمنة دُفنت وراء الصمت والنسيان..
المقبرة فضاء جامد.. بارد.. لا يكاد يتغير.. نفس الصور تتكرر صامتة تدفعك للوقوف والتأمل والصمت والنسيان.. لكن ألبوم الصور "المقبرة" يُدفئك رغم برودة صمته.. وقوف صوره عند اللقطة الواحدة، يكفي نظرة مرهفة ومعرفة أكيدة وإرهاف السمع للسكون المحيط بالصورة لتعرف السر، وتشعر بدفء الإيقاع والحركة.. ويوقظ فيك اللحظة لتجعل منها لحظات متعددة، وأحداثا متوالية ودفئا يسري محدثا صخبا جميلا...
والصورة بما أنها حكاية في لقطة جامدة، تتوزع إلى نصفين، داخل وخارج، فالداخل يبدو للناظر جمود ووقوف للزمن، لكن الراوي/الساحر المالك لأسرار الصورة وخباياها، ينظر إليها وكأنه جزء منها، فيُنطقها ويبعث الروح في ثناياها وأحداثها، وينصهر مع أسرارها المحجوبة والمستورة ويبني على هدوءها حياة تزخر بالدفء والحركة والإيقاعات المتعددة والصخب.. وهو داخل أو خارج الصورة يقرا التفاصيل، بل يعيشها كأنها تحدث الآن، ويشارك القارئ صخب الأحداث والوقائع.. هو وحده له قوة التواجد داخل وخارج الصورة، وهو الوحيد من يملك سر الدخول والخروج، فاتحا للقارئ نافذة يطل منها على زمن الصورة العجائبي المتوقف على اللقطة.. " عشت زمنا عجائبيا بامتياز.. أدخل وأخرج.. أدخل إلى الصورة وأخرج منها متى أشاء " (92)..
امتلاك سر الدخول والخروج يعني امتلاك ناصية الحدث والزمن والفضاءات والوقائع وامتلاك ناصية الكلام.. فكلما نظر الساحر / السارد إلى الصورة انقشع السر، وانفتح باب الكلام، وتسربت عبر الجوانب الأحداث ليصبح واحدا منها ولو لم يكن فيها.. فهو الشاهد والراوي والمفسر والقارئ للزمن الذي يحيل النسيان حكيا كي لا تنطفئ جذوة الصورة وتموت باردة داخل إطار بارد كئيب..