نزع بعض الكتاب العرب إلى تحديث الرواية العربية وتجديدها بتكسير القواعد الفنية والتأسيس لصيغ مبتكرة تقوم على هدم بنية الحكاية وتفتيت معناها، وذلك من خلال تدمير المبنى التقليدي للمحكي وتحريره من قيود الكلاسيكية القديمة، حيث صار "العجائبي بؤرة الخيال الخلاق الذي يجمع مخترقا حدود المعقول والمنطقي والتاريخي والواقعي، ومخضعا كل ما في الوجود من الطبيعي إلى الماورائي لقوة واحدة فقط، هي قوة الخيال المبدع المبتكر"[1] الذي يحول الوجود بإحساس مطلق بالحرية فيشكل العالم كما يشاء ويصوغ ما يشاء غير خاضع لشهواته ومتطلبانه".

حين نعود إلى القواميس العربية لتحديد مفهوم الرواية، نجد أن  اللفظة تدل على نقل الماء وأخذه، كما تدل على نقل الخبر واستظهار، فقد ورد في لسان العرب: روي من الماء بالكسر، ومن اللبن يروي ريا، والرواية أيضا البعير أو البغل أو الحمار، يسقى عليه الماء، والرجل المستقي أيضا رواية. ويقال" روى فلان فلانا شعرا، إذ رواه له متى حفظه للرواية عنه".[2] فالمدلولات المشتركة للرواية تفيد في مجموعها عملية الانتقال والجريان والارتواء المادي أو الروحي...

ما من شك أن مقاربة واقع القراءة بطريقة فعالة وناجعة أمر غير ممكن ولا متيسر ما دمنا لا نتوفر في المغرب على معطيات تفصيلية تلخص نتائج الدراسات الميدانية التي تقوم بها مراكز بحثية متخصصة تتيح تشخيص الوضع القرائي بشكل موضوعي ودقيق، لكن ذلك لا يمنعنا من القول إن واقع القراءة في المغرب لا يبعث حاليا على الارتياح، حيث ترتفع أصوات عديدة معلنة تذمرها من واقع ثقافي تهيمن عليه مظاهر التأخر والتراجع. ويمكن تلخيص أزمة الثقافة المغربية، في الوقت الراهن، في تزايد العرض وضعف المقروئية، حيث صار المعروض من النصوص أكثر من المقروء. وهو ما جعل المتابعين لظاهرة الإنتاج النصي، في الوقت الحالي، يطلقون على هذا الوضع مصطلحا دالا هو "استنزاف الخطاب". فما هي علاقة القراءة بالتنمية؟  وكيف تساعد القراءة على تحقيق مجتمع المعرفة؟. 

حظي الأدب المهجري بعناية الدارسين ونقاد الأدب ومازال كذلك، ولهذا الأدب محبوه ومتذوقوه ، فقد كان فتحا في أدبنا الحديث، فتح عيوننا على مباهج الحياة،وروعة المغامرة وإغراء الحرية ، بعد أن ظل أدبنا أحقابا طويلة نائما في مغارة التاريخ مغمضا عينيه على مستجدات الحياة مكتفيا بالاجترار من الكتب القديمة ، وكد الذهن لا في توليد المعاني البكر، بل في تنميق الكلام والولوع بالأسجاع واللهاث وراء التورية وفي مباركة الأوضاع القائمة وهي أوضاع مزرية تميزت بالركود الاجتماعي والتأسن الثقافي والاستبداد السياسي وكانت غاية الأدب أن يصل إلى البلاط مسبحا بحمد الحاكم آناء الليل وأطراف النهار لتحقيق مآرب شخصية مضحيا بمصلحة الجماعة لحساب المصلحة الشخصية .

يضيف المؤلف المسرحي شوقي الحمداني ل " ريبرتواره" المسرحي مؤلفا جديدا يجمع بين دفتيه ثلاث أعمال مسرحية هي: " ما كاينش فيها لمزاح"، و" حسي مسي "، و" أحسن ليك" وقد اختار كتابتها باللغة الدارجة تماشيا مع نهج يزاوج فيه بين التأليف بالفصحى والدارجة حسب ما تقتضيه رؤيته الإبداعية، وما تمليه خلفيات وأبعاد العمل المسرحي، وطبيعة موضوعه، ونوعية غاياته ومراميه.
وقد وفق الكاتب، بشكل لافت وجلي، في إعادة صياغة وكتابة مسرحية " ما كاينش فيها لمزاح" من الفصحى بتغيير عنوانها من " هي نجية" في إصدار سابق إلى الدارجة في منجزه الحالي مؤكدا مقدراته اللغوية والإبداعية في المزاوجة بين الفصحى والدارجة في أعماله المسرحية في صياغة لا يشوبها أي إسفاف أو قصور.

       الحركة رواية تاريخية، عادت بنا إلى حركة عشرين فبراير، مصورة الحركات النضالية الشبابية في تلك الفترة، حركات نضالية تَنشطُ في مدن كبرى بالمغرب، وفي الجامعات والأحياء الجامعية، ومُحدِدة أيضا لبعض المواقف الفكرية والإيديولوجية، التي يتمتع بها المناضلون الشباب، وقربتنا الرواية من حركات الربيع العربي في مختلف الدول العربية، وعَبر شخصيات الرواية تسلل عبد الإله بلقزيز إلى طبيعة الأشكال النضالية التي كانت تُقام في تلك الفترة، الرواية واضحة المعالم والخطوط، إنها ترسم صورة عن الإنسان المناضل، وعن مطالبه المشروعة، والذي كان يتكلم بلسان الشعب الصامت، متحديا عقاب السلطات ونتائج التمرد المغبونة والمَزِقَة، الحركة عمل مُصورٌ لمناضلين حقيقيين وانتهازيين، في فترة المطالبة بالحرية والعدالة والملكية البرلمانية.

مفتتح:
صارت بنينة الكلام وتنظيم الكتابة وإثخانها بالمقصديات وحيل اللغة...والتناصات والمضمرات من مشاغل التنظير والتحليل النقدي الحديث ..ولم تعد خطورة الخطاب كشبكة من الأنساق المشكلة بحرفية وذكاء مقصورة على فئة النخبة التي تتداول صيغه.. بل انتبه منتجوه إلى قوة تأثيره على الجماهير وفي مجالات شتى. ..خاصة ووسائل التواصل المعاصرة أتاحت الفرصة لمنتجين جددا ومستهلكين من نوعيات جديدة في البروز..هذا الحوار يتناول بعضا من هذه القضايا وينعطف إلى غيرها ..في سياقات شديدة الإمتاع والإفادة.

قرأت ليليات عبد الإله بلقزيز واستهوتني لغتها ومضامينها، فكتبت عنها مقالا، أسميته: "شعرية الليل في ليليات بلقزيز، وقادني الأمر إلى قراءة أعمال الرجل والتعمق فيها أكثر، فقرأت له روايتي :"الحركة" و"سراديب النهايات"، فتبدت لي من العملين أشياء لا بدّ أن ننقلها إلى القارئ الكريم، وتقريبه من تجذرات الفكر السردي عند الكاتب، الممزوج بين الأدب والفلسفة، وسأتحدث في هاته الورقة عن رواية "سراديب النهايات"؛ إذ وجدنا فيها أثرا نفسيا يبرز المشترك الواقعي للمغرب في وجوه متباينة، ونستحضر هنا قولة غادمير: "كلما التقينا بأثر فني التقينا بأنفسنا"، وإنصاتا لهاته القولة أو الشذرة، نقول: إننا في سراديب النهايات، نلتقي بمشترك واقعي مغربي في الحياة المعيشية والثقافية، وسأبرزه في نقاط محددة، اعتمادا على نصوص مأخوذة من الرواية، و"لن أنصّب نفسي ناقدا وأعلق على النصوص" كما قال عبد الكريم جويطي في "ليل الشمس"، إنما أقوم بمحاولة نبدي فيها بمرح مداليل السراديب الباطنة.

وضع الأدب الفلسطيني بصمته الخاصة في الأدب العالمي ، واعتبارا لكون الابداع الأدبي يلامس قضايا إنسانية ومجتمعية وقومية ؛ فإنه لا يغدو ذا أهمية إلا إذا تعايش مع الأوضاع السياسية والاجتماعية وكذا الاقتصادية٠٠ فضلا عن دوره الثقافي والايديولوجي في خدمة قضية إنسانية أو قضية وطنية ، إن في حالة السلم أو في حالة الحرب.
 ومن بين الروايات التي أثارتني ضمن الأعمال الابداعية الفلسطينية رواية معنونة  ب " الخاصرة الرخوة " للكاتب والمبدع  = جميل السلحوت = حيث تتبع فيها مسار عائلة فلسطينية محافظة على عادات وتقاليد توارثتها جيلا بعد جيل ؛ وتعمل جاهدة على توريثها للأجيال اللاحقة ، إنها أسرة مكونة من أب وأم ؛ يسعيان بكل جهد بداية لإقناع ابنتهما ' جمانة ' بالزواج من ' أسامة ' هذا الأخير الذي تشبع بالفكر السلفي إلى درجة جعلته يهدد زوجته في كل نقاش تفتحه معه ، إذ كلما تعمقت معه في جدال حول موضوع معين إلا ويواجهها بصفات من قبيل عصيان الزوج أو ما شابه ذلك ، الشيء الذي يدخل الزوجة في دوامة من التساؤلات الثقيلة حول إمكانية استمراريتها على وضعها ذلك ، خاصة وأنها تمتلك شهادة علمية تؤهلها للبحث عن عمل ، إلا أن النظام التعليمي الذي أهلها لما حققته في مسارها لم يستطع أن يكسر نمطية التفكير السائد لدى العائلات الفلسطينية المقدِّسة لهيمنة الفكر الذكوري ؛ علاوة على ما آلت إليه العلاقة بين ' جمانة ' و ' أسامة ' من طلاق مما يكشف تمظهرات زواج خاضع للتقاليد ، ودوره في تكريس دونية المرأة ، مما يطرح تساؤلا عصيا ألا وهو : كيف يمكن لشعب يقبع تحت ويلات الاحتلال لم يستطع أن يحرر المرأة من الهيمنة الذكورية ؛ أن يحرر نفسه من بطش المحتل الصهيوني ؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة