من أين تبدأ لعبة الأدب و أين تنتهي ؟
   إن الإبداع عذاب و ألم و أمل على سمْت الكتابة.  كيف يحول الكاتب مواقع نجوم بعيدة إلى جواهرَ و ألماس قريبة، نستشفها عبيرا فيَّاحا، بل هواء جديدا يعبق بنسيم الحياة ؟ لا حديث عن أدب خال من إمتاع و مؤانسة، ولا خير في  كتابة و إبداع غير مَسْجور بطموح الخيال و التغيير. نتحدث كثيرا، بل نستشيط عذوبة الكلام عن أساليب فنية في الكتابة ؛ أهي شخصيات " تلعبُ الورق" ؟ أم هي  زمكان في " الجبل الأقرع " ؟ أم هي حَبكة " الأيام" ؟ وبالرغم من ذلك فإننا ننسى شيئا مهما، في تقديري، العلاقة التي تربط بين السارد  وشخصياته، التي دفنها في الأقاصي، وعاد وحيدا، ولم يترك الجسر. السارد المتواري خلف صوتي  وصوتك  وصوت الزمان، يأتينا برؤية نتحسس بها الوجود . علاوة على أن رؤيتي و رؤيتك من خلف، أستحضر بها وعبرها كتابات ذهبت قاصدة النهايات ؛ فما كان نجيب محفوظ، الروائي المصري، إلا شاعرا روائيا، وكهنوت الرواية العربية، يتسامى إحساسنا عبر شوارع و حارات القاهرة  والإسكندرية  وبور سعيد  وثرثراث فوق النيل.

في عام 1912 كانت آنّا أخماتوفا في الثالثة والعشرين من عمرها. إمرأة جميلة، مفعمة بالأنوثة والبراءة، وشاعرة رقيقة ذات موهبة عظيمة، وتحب النزول في وقت متأخر من الليل الى قبو مقهى " الكلب الضّال" في العاصمة بطرسبورغ، وعلى كتفيها شال، وفي جيدها عقد من اللؤلؤ. وكانت قصائدها تعكس عمق شخصيتها، وتنطوي على حقائق نفسية ووجدانية قوية، تثير رغبات حسية دفينة وموجعة، عبر شكل شعري متألق، بوسائل لغوية بسيطة. كانت الأحلام ما تزال ممكنة التحقيق، ولم يدر بخلدها في ذلك الحين، إن المستقبل محمّل بالمصائب.

لطالما اتهم شعرنا القديم بأنه شعر خالي من الفكرة قياسا إلى الشعر العالمي وتحديدا الشعر الأروبي ذلك أن النقاد والدارسين خاصة المستشرقين أخذوا عليه مآخذ تلخص في كون شعرنا القديم سقط في فخ التقليد فإذا كان امرؤ القيس قد وقف على الأطلال فبكى واستبكى حسب كثير من الشعراء أن هذا هو طريق الشعر وحده  وأن الشاعر الذي لا يبكي على الأطلال ليس بشاعر ، وأن القصيدة التي لا تستهل بذكر الطلل ليست بقصيدة ، حتى ولو كان الشاعر ما عرف طللا في حياته ، وأخذ على شعرنا أنه شعر الانفعال الحاد والعاطفة المشبوبة كأنها فرس جموح لا تسلس القياد للعقل ، وشأن العاطفة الحادة في الفن كشأن الشهاب يلمع فجأة نارا ونورا ثم يخبو ضوؤه وينتهي رمادا ، والشعر رؤيا ذاتية وصياغة جديدة للعالم قوامها العاطفة الهادئة والفكرة المتأملة بغير مبالغة تشط عن حقائق الوجود أو تنكر في صلف ما هو من يقينيات الطبيعة والحياة ، وأما سقوط شعرنا في فخ الخطابية فذلك شأن لا ينكر ومن شأن الروح الخطابية أن تسطح الفكر والشعور وتجنح بصاحبها إلى الرياء، وتدفعه رغما عنه إلى كد الذهن في استقصاء الألفاظ المدوية والعبارات الرنانة والاستعارات البديعة والتشبيهات غير المسبوقة حتى يوصف صاحبها بالبليغ وبالشاعر المقوال ويستل من النفوس الإعجاب ومن القلوب المودة ومن خزائن السلطان المال الوفير .

إن الغوص في أعماق المجموعة القصصية للقاص المغربي "محمد برشي" وهو ابن بلدة توجد في الجنوب الشرقي للمغرب ، يكشف بين ثناياها مشتركا حياتيا يربط حياة أبناء الجنوب بخيط يجعل أي قارئ لعمله الإبداعي يقف وقفة بين الأسطر ليسترجع شريط حياته الماضية ؛ سواء في طفولته أو مراهقته وخصوصا في مرحلة الدراسة الجامعية التي استأثرت صفحات الكتاب أن تكشف عنها ٠ وتبرز قيمة تلك القصص في ميل مبدعها تارة إلى الجدية في السرد لشد انتباه القارئ وليس أي قارئ إنما أولئك الذين ينتمون لنفس البيئة وطفت في عقولهم فكرة اجترار نفس المعاناة دون التفكير في بديل ينقل واقعهم إلى أفضل ولو في تفكيرهم ، وتارة أخرى يتوسل بالسخرية كبعد فني له قيمة رمزية ٠٠ يعمد من ورائه إلى الثقافة السطحية السائدة في المجال الجغرافي الذي ينتمي إليه وكذا إلى إبراز الوعي الفكري المحدود لدى فئة عريضة من المجتمع الذي لازال يعاني من ويلات الجهل والأمية٠

تقع رواية الكونتيسة، الصادرة عن دار الفاصلة للنشر، للكاتب المغربي مصطفى الحمداوي في 310 صفحة من الحجم المتوسط، وتسلط الأضواء على أسطورة عيشة قنديشة، الميثولوجيا الخالدة التي عششت لعقود عدة وماتزال في المخيال الجمعي المغربي.
لعل أول شيء يشد القارئ على مستوى هذا النص هو عنوانه الغرائبي الذي تشكل من كلمة واحدة: الكونتيسة La countess، التي أتت معرفة، وفي ذلك إشارة واضحة إلى قصدية الكاتب في اختيار هذه الشخصية التي يريد جعلها عنواناً للنص، وشخصية مركزية للقصة في الآن ذاته. وتحيل كلمة الكونتيسة، في الثقافة الغربية، على المرأة النبيلة التي تحمل لقباً موازيا للقب الكونت.
 

إلى حميد المهداوي: "لقد رابت الحفلة يا صديقي" ص 5
إن الرواية هي فضاء تخييلي بامتياز، إذ تمنح المؤلف الانسان مساحة ورقية للتعبير عن دواخله آلاماً وآمالا، أنواراً ونيراناً، إلا أنها –وبالرغم من كل ما تختص به- تظل ابنة هذا الواقع الذي يشكل منطلقها الأساس، ومسعاها الأسمى، بينما التخييل يتخذ فقط أبعاداً فنية وجمالية، وبناء عليه، فإنه لا يمكن أن ننظر للرواية باعتبارها نسيجاً من وحي خيال صرف لا تتقاطع حدوده مع الأبعاد الوجودية الأخرى بما في ذلك الحياة الواقعية.
وفي هذا السياق، يقترح علينا الروائي والصحفي المغربي عبد العزيز العبدي في روايته الجديدة، الصادرة عن مطبعة Teamprint نهاية العام المنصرم، والتي اختار لها عنوان "الدبابة"، أن يُدخلنا –كما عودنا دائماً- في عالم ساخر يمتزج فيه الجد بالهزل، البكاء بالضحك، الحكمة بالجنون والهبل.

1. مقدمة منهجية
    فضلنا في هذه الدراسة الوقوف عند التجليات الدلالية في قصيدة (القدس عاصمة السماء، القدس عاصمة الجذور) للشاعر والناقد الفلسطيني عز الدين المناصرة؛ الذي يمثل أحد الوجوه البارزة في المشهد الشعري المعاصر للإسهامات التي قدمها ولا يزال في صناعة القصيدة الشعرية المنفتحة على ثيمات محددة ومتنوعة أيضا، لا تخرج عن المقاومة والدفاع عن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه.
1.1. واقع الدراسات العربية والمحددات المنهجية للقراءة
    قبل أن نباشر تحليل هذه القصيدة، نستوقف القارئ لحظة لنحدثه عن المقاربات المنهجية التي تقف وراء معالجة النص عموما وشعر عز الدين المناصرة على وجه الخصوص.

من أجل مُساءلة الأدب ، في صيرورة تواصلية دائمة ، لابد أن نعود إلى تاريخ المعرفة وإلى مراحلها و تطوراتها . حيث إن التاريخانية ، حسب المفكر و المؤرخ عبد الله العروي ، تسيج امتدادات الدرس الأدبي في الثقافة الإنسانية . فما من حديث عن ظاهرة أدبية إلا واندغمت بهذا الشرط التاريخي ، الذي يرسم حدودا زمنية للقول  والكلام ؛ كاشفا ، بذلك ، عن أهم إبدالاتها و جدواها . فعلى امتداد ما يزيد عن خمسين سنة لكتاب " الأيديولوجية العربية المعاصرة " ، الذي أقر فيه العروي أن المناهج العلمية ، التي عولج بها الأدب العربي ، لا تقوم لها قائمة من دون تاريخ الأفكار ، ليأتي بعد ذلك كتابه " السنة  والإصلاح"  ، مجيبا عن تساؤلات ساخنة الوطيس متعلقة بالانتماء و الهوية  والدين  والتاريخ  والأدب .

مفضلات الشهر من القصص القصيرة