إن أيّة قراءة للمجموعة القصصية " جنازة امرأة"، للقاص جواد السراوي، لا يمكن أن ثُلِمَّ بجموع التفاصيل، والأحداث الكثيرة والمتنوعة في المجموعة. وراهنية البعض منها، بل لحظيتها. فالمجموعة تعتبر ناطقة بلسان حالِنا، ومعبرة عن أبعاد وجودنا الإنساني، في كينونته وتجلياته. إن قراءتنا لهذا المجموعة، تتخذ من الحضور الفلسفي مدخلا لها، إذ أن الكاتب عَمِل في مجموعة من المناسبات وفي مختلف لحظات بنائه القصصي على النبش في التساؤلات الفلسفية التي تحرك الفكر البشري، وهذا ما بدا واضحا، بدءا من العنوان " جنازة امرأة"، فالجنازة كدلالة على الموت، تقتحم حياة الناس، على حين غفلة منهم، وهي تشكل ذلك المنعطف الذي يُفصل الإنسان عن العالم المادي الملموس، ويُقْحمه في عالم آخر مجرد وغير مرئي، ناهيك عَمّا تخلفه من أثار نفسية واجتماعية على ذوي الفقيد(ة).
رواية "كائن لا تحتمل خفته".. خفة الحرية أم ثقل الحب؟ - مها فجال
يتحرك عالم ميلان كونديرا الروائي بين مجموعة من الأقطاب، الخفة والثقل، الروح والجسد، القوة والضعف،[1] ضحك الملائكة لأن كل شيء له معنى، وضحك الشياطين لأن العالم كله لا معنى له.[2] وفي روايته الأشهر "كائن لا تحتمل خفته"، يأتي قطبا الخفة والثقل في المركز، ويدور حولهما كل شيء. فالرواية التي تبدأ بسؤال لشخصية توماس الذي يقف محدّقا في جدار يتساءل: أيدعو تيريزا لتأتي إلى بيته مغامرا بإثقال حياته بالحب، أم يدعها تمر وينساها كطيف آخر عابر؟ لا تلبث أن تنطلق من هذا التساؤل لسؤال أعم؛ ما الأفضل: حياة نعيشها متخففين من كل ثقل وشعور ومعنى ندور في الهواء دون شيء يربطنا بالأرض، أم أخرى ترتسم فيها خطواتنا وفقا لجاذبية المعاني والمشاعر الثقيلة؟
لكن كونديرا لا يعطينا أي إجابات، فالرواية بالنسبة له "لا تؤكد على أي شيء، بل تبحث عن أسئلة وتطرحها".[3] وفي ظل هذا السؤال حول الخفة والثقل، تتحرك الشخصيات الأربعة الأساسية، توماس وتيريزا وفرانز وسابينا، كثنائيات يلعب كل فرد فيها على أوتار مختلفة في أنغام الخفة والثقل، تتضافر معا وتنسجم مُشكّلة جسد الرواية.
واقع بلغة الفن، قراءة في رواية "هل سأعود يوما" لعبد النبي بزاز - عبد الرحيم التدلاوي
أصدر الكاتب الروائي والناقد المغربي عبد النبي بزاز كتابه الجديد . وهو عبارة عن رواية تحت عنوان " هل سأعود يوما؟" (فصول من حياة مهاجر).
وتضع الرواية، التي تقع في 117 صفحة من الحجم المتوسط تتوزع على 7 فصول، القارئ في صلب تجاذب مستمر بين اليأس والأمل ، والخير والشر، والفقر والغنى . وذلك في سياق سوسيو- سياسي مضطرب لبطل الرواية "المختار" خلال طريقه الطويل والشاق للهجرة إلى الخارج. والذي تتعدد مطباته، وتتجدد إكراهاته لتنتصب عقبات كأداء أمام من يخوض في غمار العبور لضفافه.
الرواية جنس أدبي "غير مستقر وغير مكتمل وغير مغلق" يسعى بشكل جاد إلى تحطيم مطلقية اللّغة والتحرر من أحادية الرؤية ويفتح أبواب الممكن أمام المبدع، كما أنها عند ميخائيل باختين الروسي أدب شعبي وجنس سفلي ومتخلل، نابع من الأجناس الأدبية الدنيا. وهي كذلك تعبير عن الأوساط الشعبية والفئات البروليتارية الكادحة.
ليـس دائما – نص: أمـينة شـرادي
إحساس غريب ينتابني كلما أنظر اليه. هل هو الرجل الذي أحببته يوما؟ أمعن النظر في خطواته وحركات يديه، أحيانا أراها بطيئة، فارغة لا تهز مشاعري وأحيانا أخرى أحبها وأتبعها بنظراتي حتى تختفي. لما أتحدث اليه، أتأمل مخارج حروفه وأراه كمن يتعلم النطق لأول مرة. كلمات مبعثرة وتائهة وغير مفهومة. حتى أنني لا أصغي اليه بل أتيه دون أن أعرف طريق العودة. أحيانا أراه مقبلا علي، أفرح كثيرا كطفلة تلقت هدية العيد. أسبق خطواتي لأعانقه وأشكر اللحظة التي جعلتني أرتمي بين أحضانه. هل هذا شعور طبيعي؟ أسأل نفسي.
أحيانا، يسافر. وهو كثير السفر. ربما هو أيضا يرتاح في الابتعاد عني. ربما هو أيضا يراني مختلفة. لكنه قليل الكلام. غريب أمره، لماذا لم ألاحظ هذا من قبل. انني أكره الصمت. يشعرني بالنهاية. سفره يجعلني تعيسة وغير سليمة السلوك وعدوانية حتى مع نفسي. لما يسافر، أهجر غرفة نومي لأنه غير موجود بها. أشعل كل الأضواء بالبيت حتى أشعر بالحياة. أترك جهاز التلفاز ينير بضوئه عتمة الغرفة التي أتواجد بها. أنام بأي وضعية ولا أحب أن أفكر. أعيد تفكيري الى نقطة الصفر. لما يعود، أقف كتمثال ضائع يتشوق لرؤية أهله وأحبته لكنه بدون أحاسيس وعواطف. تشكيلة غريبة من الأفكار السوداوية أحيانا والنورانية أحيانا أخرى. كأنني أمام انسان آخر. أعيد التمعن في حركاته وسكناته. وأسأل روحي الشقية" هل هو الرجل الذي أحببته يوما ما" لماذا أراه اليوم مختلفا؟ لماذا طفت فجأة على السطح كل عيوبه التي كانت يوما ما غائبة عني أو رفضت أن أراها؟ هل حبي له زال؟ ام هو الذي هجرني بصمت وتركني أعيش هذا الهوس؟ صمته قاتل. هل هي خطته حتى أطلب الرحيل ويظل هو الرجل المحبوب عند الجميع؟ .
نورا الصقلي وبيداغوجيا الحياة - شعيب حليفي
تعوّدتُ منذ سنوات أن أخلو إلى نفسي في نهاية كل أسبوع فجرا للكتابة الحرة بما يملأ فكري ووجداني أو يصادفني من أحداث، وهي شذرات وتأملات وتعليقات أكتبها على الورق، في أوراق منفصلة أو في دفاتر أبنائي إلى جانب دروسهم. وكانت أغلب هذه النصوص تضيع وتبقى ذكراها في نفسي.
اليوم، قررت أن أكتب هذا النص وأحتفظ به لأني وعدتُ صديقي أن أبعث برسالته التي كلفني بها إلى الفنانة المقتدرة السيدة نورا الصقلي.
في الأسبوع الماضي الذي صادف ما تركه الطوفان الجميل للمطر، حوصرتُ داخل سيارتي وتعطلت وسط الأوحال وأنا بالبادية، على سفح الهضبة العليا، شرقا، من غابة المزامزة. فهاتفتُ صديقي امْحمّدْ الذي جاء بجراره المتهالك وجرّ السيارة إلى الدوّار في انتظار قدوم أحد الميكانيكيين من نفس المنطقة لتدبير أمر الإصلاح.
البعد الصوفي في مسرحية كدت أراه لعبد الحق الزروالي - ذ.محمد الرحالي
عرف المسرح المغربي طفرة كبيرة من حيث الموضوع والتيمات التي تناولها غير أن المسرح الفردي عرف اسما بارزا احترف الركح فأعطى فيه الكثير فكان لزاما علينا أن نتناول الحديث عن تلكم التجربة البارزة التي وشمها عبد الحق الزروالي في مساره كسيناريست مسرحي معروف ولعل حديثنا عن البعد الصوفي هو حديث عن المقدس الديني الذي بات يشغل حيزا مهما من مسارات المسرح المغربي نصا وعرضا وفرجة في خضم البحث عن الذات الثقافية المغربية وربط النص ببيئته هي رحلة رائعة بصم عليها النص الذي نتناوله بالمقال دراسة سطحية غير معمقة ، فهي رحلة بعد " رحلة العطش " النص المسرحي الجميل الذي بصم عليه عبد الحق الزروالي بحثا عن الذات وعلاقتها بعطش معنوي تبحث فيه عن الارتواء والانتشاء غير أن السفر هذه المرة اتخذ بحثا عن المألوف والممكن ، وعن بعد صوفي يجمع بين التجلي والاختفاء ، تجلي الروح واختفاؤها وبحثها عن الله في سفر وشم الذات المسرحية في الذات الواقعية الشيء الذي لا يمت للواقع إلا ببحث صوفي عن الحقيقة والتماهي بالطبيعة في نص بديع ، تجلى فيه الاحتفال صوفي رحلة عطش أخرى في مسرحية "كدت أراه " لعبد الحق الزروالي .
العيش بروح الشعر - أمين خالد دراوشة
ليس الشعر إلا صياغة ساحرة وعذبة لما يختمر في داخلنا، ويعبر عن تجربة إنسانية ذاتية وشاملة. هو رؤية عميقة أداتها اللغة، وحصانها الخيال، تسافر وتجنح بدلالة اللغة الحقيقية إلى دلالات مبتكرة غير التي وضعت لها بالأصل، وتكون مليئة بالمعاني الجديدة والإشارات والإيحاءات المدهشة. والشاعر لا يقدر على فهم تجربة الحياة دون الغوص في المشاكل الإنسانية الكبرى. يتأمل ويتنقل في عالم الإنسان والكون الذي يعيش فيه.
تؤرق الكتابة الشاعر العربي الحميدي، والشعر بالنسبة له فعل حياة، وإبداعه الشعري يلتقط نبض الحياة، ويحاول الإمساك بلحظات فرح غير آبه بالوجع، وبجرأة مندفعة تغوص في الحياة الصاخبة التي لا تهدأ لإعادة اكتشافها من جديد.
حول رواية "أموات يحكموننا" للكاتبة شيماء أبجاو - رشيد إتوهلاتي
الكتابة الإبداعية ، في الأساس ، فعل جريء ؛ بتعبيرها عن الذات ، وكشفها عن المواقف والسلوكات ، ومحاورتها للأفكار والقناعات ، ومواجهتها للنواقص والاختلالات . قد تخالف السائد ، وتعارض المعتقد ، رغبة منها في تحريك ما سكن وٱرتكن ، قد تحطم الحواجز ، وتتخطى الموانع ، أملا في إذكاء شعلة التفكير ، وإيقاد جذوة السؤال ، قد تزيغ عن المألوف ، وتشذ عن المتعارف ، تطلعا إلى آفاق واسعة للمعرفة ، وسعيا وراء فتح أبواب جديدة ، يطل منها نور يضيء حياة الناس.
ولعل رواية "أموات يحكموننا" للكاتبة شيماء أبجاو ، بأدواتها الفنية وأساليبها الجمالية ، راهنت على تأكيد هذه المقولة ، وحاولت ترسيخها وتثبيتها من خلال معالجتها لقضية شائكة ، طالما تحرز الكثيرون من التطرق إليها، وترددوا مرارا في خوض غمار الجدال والسجال فيها ، لارتباطها في البنية الثقافية الإسلامية بإطار مرجعي عقائدي يتسم بصفة القداسة ؛ وهي قضية الموروث الديني ، وما يقترن به من مفاهيم وتفسيرات وتأويلات تراكمية تدخلت في تشكيل وعي المسلم ، وأسهمت في تحديد ماهيته وكينونته الوجودية.