كنت أراها قبل كل فجر، بهيأتها المقوسة وساقيها "الأفركين". تتوكأ على مكنستها وتحمل على ظهرها كيسا من البلاستيك الأسود، كذاك المستعمل لزبالة المستشفيات. تتوقف كل بضع خطوات لتلتقط أنفاسها. تستقيم من انحناءتها الأبدية، تجيل عينين غائرتين في جوانب الحي، ثم تنوء بحملها وتتابع السير.
أراها تأتي من أقصى الدرب. تزحف كحيوان جريح يلتصق بالأرض. تتوقف عند أكوام الزبالة على جانبي الرصيف، تهش عنها قططا سائبة، تجسها برأس مكنستها، قبل أن تلتقط منها ما تراه ذا قيمة، وتدسه في كيسها البلاستيكي الأسود. وحين يغالبها محموله، تضعه عن ظهرها المقوس وتجره على الإسفلت.
تمر تحت شرفتي حيث أدخن آخر سيجارة لي قبل النوم. تتوقف لترفع لي نظرا محدقا. وقد تفك المنديل عن رأسها، تشد به شعرها الأشيب المنكوش، تتنهد بنفس مسموع، وتكمل مسيرها. أحيانا تفوتني غير مبالية. لكنها تنتبه على وقع كحّاتي، فتلتفت إلي بنظرة من يتذكر شيئا نسيه في الطريق، تشرد قليلا في مكانها، ثم تتابع زحفها نحو البيوت لتنظف أدراجها.
في آخر الدرب حيث غبشة الفجر تشتد، كنت أراها تركب مكنستها وتطير فوق سطوح المدينة.
عبد العالي دمياني
عبد العالي دمياني