اتدور الرواية التربوية حول شاب صغير السن يريد أن يستوضح نفسه، ويطلع على العالم، ويجمع خبرات أولية بالواقع. إنها تناقش جدال شخصية مع ميادين مختلفة للواقعة، وتؤكد التوتر بين الشخص والعالم، وبين المثال الأعلى والوجود الواقعي، وتظهر من هناك نقاط اتصال بالسيرة الذاتية ورواية المجتمع والعصر.
ويستخدم البحث إلى جانب مفهوم الرواية التربوية مفهوم رواية النمو. ويعد بعض الباحثين مصطلح رواية النمو على أنه مفهوم أعلى وأشمل، ويتبنون في الرواية التربوية الطابع المميز للقرن الثامن عشر، وبعضهم الآخر يستعمل المفهومين استعمالاً مترادفاً. ويتعلق الأمر في الرواية التربوية بتعليم البطل أو القارئ، وهي تصف التعليم سواء أكان هدفاً، أي نقطة نهاية التطور والنمو، أم كان طريقاً في هذا الاتجاه.
ويعود مفهوم الرواية التربوية إلى كارل مورغنشتيرن الذي عرضه في محاضراته في مدينة دوربات في الأعوام 1810 و1919 و1920 على النحو الآتي: تصف الرواية التربوية تعليم الأبطال حتى مستوى محدود من الكمال، إنها تشجع تعليم القارئ وتعرض تعليم مؤلفها وخبرته بالعالم. (انظر مارتيني) ويصف مورغنشتيرن رواية غوته (1) (فيلهلم مايستر) بأنها مثال بارز على هذا النوع الأدبي. إن صياغة مورغنشتيرن لهذا المفهوم لم تسترع إلا انتباهاً قليلاً في بداية الأمر فقد فرض تحديد ديلثي الجديد المصطلح أولاً. ذلك أن ديلثي أطلق في عمله (حياة صانع النقاب، المجلد الأول، 1870) على مثل هذه الروايات اسم الروايات التربوية التي تنتمي إلى موروث فيلهلم مايستر، ويفصّل الكلام في (مقالة هولدرلين) (2) في مجلد تحت عنوان (التجربة والشعر، 1910) بأن الروايات التربوية تصور إنساناً صغير السن يبدأ الحياة، ويلاقي الصداقة والحب، ويقع في نزاعات مع الوجود الواقعي، ويجمع تجارب الحياة، ويجد نفسه ومهمته في العالم. وتصوغ الروايات التربوية حسب رأيه الانعزالية لإحدى الثقافات التي تحددت في الحياة الخاصة، وهي تظهر صراع المثل العليا مع عالم قديم. إنها تصور التطور الحتمي لأحد الأفراد في تناقضات تبدو بمظهر مرحلة مرور للنضج والانسجام. وترى سعادة الناس في تفتح الشخصية وانطلاقها. لقد ردّت تأملات ديلثي خواص الرواية التربوية إلى إدراك علم الأدب، ثم ما لبثت أن ظهرت الرواية التربوية للنقاد على أنها الشكل الروائي الألماني المميز، ورواية الشعراء والمفكرين.<وp>ا/div>
اp لدمنهي ا وحn">لقد نشأت الرواية التربوية في القرن الثامن عشر، وهي تعكس أفكار الطبقة الوسطى ومشكلاتها وعملية تحررها. كما تبحث الروايات التربوية عن أهداف تربوية توجيهية سديدة، وعن إمكانية انطلاق الطبيعة الفردية الخاصة، وعن ميدان عمل من أجل الأفراد في المجتمع. إنها تطرح مسائل كانت ذات أهمية كبرى بالنسبة إلى الطبقة الوسطى في القرن الثامن عشر. وبناء على تحويل طرق الإنتاج من خلال إحلال الرأسمالية والمعيشة المتغيرة بدت للطبقة الوسطى التي تحمل هذا التطور قبل كل شيء، الروابط السياسية والاجتماعية والدينية وأنظمة حياة النظام الإقطاعي بمظهر المتأخر عن أوانه، والعائق أمام التغيير الأوسع. وهكذا شعرت بضرورة أن تحدد مكانها الاجتماعي وهدف حياتها تحديداً جديداً، وأن تبحث عن معايير جديدة. لقد قاد إلغاء الفرد من البنية الاجتماعية والتحرر من الروابط الدينية والاجتماعية الموروثة إلى التركيز على الفرد وإلى السؤال عن هدف كل تطور فردي. ولكن إمكانيات الانطلاق للمواطنين كانت محدودة، إذ إن الصعود الاجتماعي والعمل السياسي يبقيان محرَّمَين بالنسبة إليهم إلى حد بعيد. لقد وجدوا أنفسهم إلى جانب العمل المهني في ميدان الحياة الخاصة وميدان الثقافة مقيدين. إن التدين المفعم شفقة وحناناً ورهافة الحس (3) يشجعان تحليل النفس الخاصة والمشاعر الشخصية، وقد قاد هذان التياران للعناية بتنمية الشخصية الخاصة عناية قوية (انظر يعقوبس). <وp>اp لدمنهي ا وحn">لقد شجع الإعياء السياسي للطبقة الوسطى نشوء الرواية التربوية وانطلاقها. ويعيب نقاد هذا النموذج من الرواية التربوية مثل بورنه ولاوبه بأنها تركّز على الفرد وحياته الخاصة فقط، وتحيل بهذا قارئ الطبقة الوسطى إلى الكيان الباطني والحياة الخاصة، فقد قرروا أن الاستعباد والضيق في الدول الألمانية الصغيرة منعا أن تُقَدَّم صورة الواقع للحياة العامة في الرواية. <وp>اp لدمنهي ا وحn">وتعرض الروايات التربوية الأولى جدل الطبقة الوسطى مع الأشراف. فالمواطنون يتطلعون إلى طبقة حياة الأشراف، ويريدون المساواة معهم، ويسعون إلى التعليم لأجل ذلك. ثم بدأت الروايات التربوية منذ القرن التاسع عشر تتخذ موضوعات تقوم على الحوار بين الطبقة الوسطى نفسها. <وp>اp لدمنهي ا وحn">الأبطال صغار السن يقعون في صراعات مع المواطنين الذين لا يسري عندهم إلا السعي إلى التملك، أو الذين يريدون ادعاء مركز القوة الخاص، ولا يلقون بالاً إلى المثل العليا المدنية مثل الحرية والمساواة. ويعرض المؤلفون هذه العقدة عن طريق التناقض بين الفنان والمجتمع، وهو التناقض الذي أصبح بين المثقف والمجتمع في القرن العشرين. إنهم كثيراً ما عكسوا حالتهم الخاصة. <وp>اp لدمنهي ا وحn">وتقوم الرواية التربوية على شرطين، هما: احترام الهوية الشخصية، والمطالبة بوجوب أن يندمج الفرد في المجتمع، وأن يستطيع المشاركة في الحياة السياسية. إن المهمة الصعبة للمعادلة المقصودة بين الأنا والعالم تقود إلى موقف متأمل عند المؤلفين الذين يشيرون في رواياتهم التربوية إلى إمكانيات النمو المحددة من أجل الأفراد والعلاقات السياسية –الاجتماعية التي تعيق الحركة. ولا تظهر الروايات تناقضاً أبدياً بين الفرد والمجتمع، ولكنها تصوغ علاقة متكسرة بالتصور، فالفرد يستطيع أن يؤثر تأثيراً نافعاً في المجتمع والدولة في الوقت الذي يحتفظ فيه بهويته الشخصية. <وp>اp لدمنهي ا وحn">وما زال مورغنشتيرن وديلثي يريان في الرواية التربوية عرضاً لشخصية تحظى بالنضج، فهما يفسران نهايات الروايات على أنها معادلة يتم التوصل إليها بين الأنا والعالم. ولدى ذلك لا يحسبان حساباً بأن أبطال الروايات التربوية يتغيّرون في الحقيقة، ولكنهم لا يبلغون أهدافهم في أكثر الأحيان، وهي تحقيق الذات وانطلاق الشخصية والاندماج المنسجم في المجتمع، وبأن تعليمهم يبقى ناقصاً. <وp>اp لدمنهي ا وحn">إن مخرج كثير من الروايات التربوية يُحدث أثراً حزيناً. وتكشف شخصيات الرواية عن تصورات محددة، فتنظيمها في المجتمع يعني تنازلاً أو يُدخل المؤلفون عنصراً خيالياً، ويصفون واقعاً توطّن في أزمان أخرى أو في أماكن أخرى، وهو الواقع الذي يتيح الفرصة أولاً لنهاية سعيدة. <وp>اp لدمنهي ا وحn">ويتصف أبطال الرواية التربوية بسهولة الانقياد، فهم أناس يتصفون بالمرونة، ويتعرضون لتأثيرات العالم الخارجي، ويتجاوزون عمليات النمو والتربية الشاقة. ولهؤلاء الأبطال بناء على خسارة الأدب الماضية الموصوفة في كثير من الأحيان علاقة متكسرة مع الموزون، وهم لا يملكون تصوراً واضحاً للوصول إلى الهدف. ويقف بجانبهم المرشدون الذين لا يدّخرون عليهم بخبراتهم الخاصة، وإنما يتدخلون بحذر ويسببون الصدمات. وغالباً ما يصف المؤلفون شخصياتهم عن بعد، ويعالجون الحدث بسخرية، ولا يصوغون أهداف التعليم والتربية الراسخة الثابتة. <وp>اp لدمنهي ا وحn">وفيما يلي عرض لتاريخ الرواية التربوية بناء على بعض الأمثلة الهامة: <وp>اp لدمنهي ا وحn">كتب كريستوف مارتن فيلاند الرواية التربوية الألمانية الأولى، وهي (قصة أغاتنو 1766 /1767)، وظهرت في عامي (1773 و1794) صياغتان أخريان غيرتا النهاية قبل كل شيء. <وp>اp لدمنهي ا وحn">ويتابع فيلاند مسيرة حياة أغاتون من خلال جانبين هما: عرض موقفه المتحمس من العالم وعمله السياسي. أغاتون الشاب يخطئ ظنه في نفسه وفي الواقع، وهو يعتقد بسريان مفعول الأخلاق والفضائل وبعالم طيب. إن الفلسفة الأبيقورية والنسبية تقيم عقائده على تجربة قاسية وتقلل إصراره. <وp>اp لدمنهي ا وحn">كما أن خبرته بوصفه مربياً للأمراء ورئيساً لمجلس الوزراء في مدينة سيراكوس وفشله السياسي يفقدانه الوهم. ومع كل ذلك يحتفظ بمطلبه الأخلاقي، ولكنه يعتزل العمل السياسي في الكيان الباطني، وينتقل إلى الجمهورية الفاضلة الموصوفة خيالاً، وهي جمهورية تارينت. ويظهر التحول إلى الخيال أن فيلاند لا يرى في الواقع الحقيقي لألمانيا إمكانية لوجوه إصلاح المواطنين الذين يطلبون ذلك العمل سياسياً وأخلاقياً. إن فيلاند يعامل أبطاله بتعال وتهكم. وتعرض رواية أغاتون نموذجاً يظهره نقد المؤلف من خلال الحماس وسوء تقدير الواقعة. <وp>اp لدمنهي ا وحn">وتوصف رواية كارل فيليب مورتيس (5) (أنطون رايزر، 1785 –1790) بأنها "رواية سيئة" (هانس يواخيم شريمبف) لأنه يقدم شخصية لا تستطيع أن تنجز تطوراً ولا تعليماً. وهو يظهر الشروط الاجتماعية –الاضطهاد في بيت الأبوين وفي المؤسسة التعليمية التربوية وفي المدرسة والتكيف الإجباري –التي عرقلت نمو أنطون رايزر. إن رايزر لا يستطيع أن يطور الأنا الخاصة، وأن يقيم معايير خاصة، إنه يبقى متعلقاً من قبل حكم الآخرين. إن آلامه بالواقع يعوضها بالقراءة والتمثيل المسرحي، ولكن هذا ما يبعده عن الوجود الواقعي. إنه يتوسط له ولا يدعه يجمع تجاربه الخاصة، كما لا يمكنه من الكيان الخاص به. ويبدو رايزر كأنه نموذج أولي للخائبين، وضحية لمجتمع ظالم. إن الرواية تحمل طابعاً من طوابع السيرة الذاتية كما في أغلب الروايات التربوية –إنه يرجع إلى نموذج روسو (كونفيسيونس) –فالمؤلف يحاول تحليلاً ذاتياً، أو تشخيصاً لمسيرة حياته. <وp>اp لدمنهي ا وحn">وتعد رواية غوته التربوية (سنوات تعليم فيلهلم مايستر، 1795 /1796) على أنها أهم نموذج لهذا النوع الأدبي، فقد أثّرت في تشكيل الروايات التربوية الأخرى كلها. وتُبنى سنوات التعليم على مقطوعة فيلهلم مايستر (رسالة تمثيلية كتبت عام 1777 –1785)، ولكنها تغير معنى المسرح. فلا يُعرض هدفٌ في سنوات التعليم، وإنما مرحلة مرور، فالآمال التي ارتبط فيلهلم بها تخيب. إن هدف فيلهلم، وهو اكتشاف الذات يصل إليه أولاً من خلال أبوته وتوليه المسؤولية. إنه يجتاز عملية الانسلاخ من المواطنية، كما يجتاز طريقاً من الطبقة الوسطى الرفيعة إلى المواطنية العالمية، ويهرب من كيان الطبقة الوسطى الذي يحصره في التدريب على إحدى القدرات وفي التفكير بالمنفعة والتملك، ثم تجذبه إمكانية النبلاء إلى الانطلاق والتمثيل الذاتيين، إلا أنه يتعرف سلوك حياتهم الوجيه وفراغهم العقلي تدريجياً. كما يتعرف في المجتمع العاجي النبلاء المثقفين الذين يقتربون من السلوك الحياتي للطبقة الوسطى –العمل الاقتصادي والقلق نحو مستقبل الأطفال –إذاً تتحد أشكال حياة الطبقة الوسطى مع بعض الأشكال النبيلة المحددة. وتقف أفكار التربية كلها –اكتشاف الذات والانسلاخ الطبقي والحياة اليومية والأنس والزهد –متساوية فيما بينها، وتصبح كلها معقدة ونسبية تهكمية من خلال أقوال مأثورة. ويبدو فيلهلم كأنه ملتقى أفكار تربوية –تعليمية مختلفة، إنه مثل أغلب أبطال روايات التربية ممتقع شاحب ذو طبيعة غير واضحة، باحث وناشئ يتجنب الصراعات ويجرب الإمكانيات المختلفة. وتحدث النهاية أثرها، مثل القضاء والقدر السعيد، إن مصير ميغنون وهارفنر يظهره المقابل. إن إمكانية التربية والتعليم لم تقدم إلا الشيء القليل، وقرار الشخصيات في الجزء الثاني من رواية غوته (فيلهلم مايستر في سنوات السفر، 1829) الهجرة إلى أمريكا يوضح أن أوروبا بأبنيتها الإقطاعية لا تسمح للناس أن يصلوا إلى أنفسهم. <وp>اp لدمنهي ا وحn">وتركز الروايات التربوية دائماً على رائد من الرجال، أما النساء فتُعطى دور الأشخاص المشتركين، بما يناسب مكانتهن الاجتماعية الواقعية، فهن لا يملكن الإمكانية لبدء تجوال حول الحياة ليجدن مكاناً في المجتمع. ذلك أن مركزهن الاجتماعي وأهدافهن التربوية كانت في متناول اليد. <وp>اp لدمنهي ا وحn">لقد خلق غوته في (فيلهلم مايستر) نماذج محددة من النساء التي استوحتها الروايات التربوية فيما بعد، مثل فيليني التي تجسد أسطورة الإنسان الحر الذي يستطيع أن يعيش مستقلاً عن معايير المجتمع. <وp>اp لدمنهي ا وحn">أما ماريانا فتتبنى المعايير وتنكسر فيها. وتعرض أوريلي نموذج شخص ممزق ينشر الصراعات بالمجتمع باستمرار، وتتجسد في ناتلي الروح الجميلة، وتؤثر مثل الظاهرة السماوية، إنها امرأة بلا إشعاع شهواني، شخصية فنية يستطيع الإنسان احترامها فقط. وتدافع الروايات التربوية في القرن التاسع عشر –مع كل سوء الظن –عن حق الطبقة الوسطى بالانطلاق الحر للشخصية، والمشاركة بالحياة السياسية. وقد طغى الاعتقاد في بداية القرن التاسع عشر بناء على الثورة التي لم تحدث في ألمانيا وعهد الانقلاب الرجعي بعد سقوط نابليون، بألا يستطاع تحقيق التصورات الخاصة في العصر الحاضر. <وp>اp لدمنهي ا وحn">ففي رواية (تيتان 1803) لـ جان باول يشكّل الشوق موضوعاً مركزياً هو عدم القناعة بالواقع والأمنية للهروب من الحاضر. ويبرز نمو ألبانو على مصائر صديقته روكفايرول وشوبه اللذين تسوقهما غرابة أطوارهما وحيرتهما إلى الانتحار أو الجنون. ويتظاهر روكفايرول بعملية انحراف وإفساد من خلال انفعال مبكر. إن وصف ألبانو يركز على حياته الداخلية، ومشاعره ونشيده العاطفي ويحجزه عن الحياة السياسية والعامة. إن ألبانو يجد مهمته في المجتمع، عندما أبلغ شرطه للأمير، ولكن عما إذا كانت هذه الوظيفة في حدود طاقته، فإن الرواية تترك هذا مفتوحاً. وتعبر الرواية التربوية في القرن التاسع عشر عن الشك بالتصور القائل بالوصول إلى الأهداف الاجتماعية بمساعدة التربية، فهي تظهر أن التربية تقود من الحقيقة إلى مجال النظرية الخالصة أيضاً. <وp>اp لدمنهي ا وحn">ويمكن أن يفصل عن التطبيق الاجتماعي انفصالاً كاملاً، وأن يصبح ديكوراً. <وp>اp لدمنهي ا وحn">أما التقليد الهزلي في الرواية التربوية فنجده عندي اي. ت. أ. هوفمان (6) الذي كتب رواية (القط مور، 1820 –1822). ولا شك أن اختيار القط بوصفه بطلاً يلقي على التربية ضوءاً مشكوكاً فيه. فتطور مور لا يقصد إلى الشخصية، وإنما يسير في مسارات نموذجية معتادة موحدة المعايير. واقتباساته من الكلاسيكيين تخفي مشاعره الحقيقية، وتعليمه لم يساعده في الوصول إلى إلمام أفضل بالدنيا. ويتطور مور إلى إنسان ضيق الأفق، ويرمز إلى طبقة متوسطة تبحث لستر ضيق أفقها وتفاهة طريقة حياتها بمعيشة مثقفة. إن كآبته وخموله يميزان المواطنين الذين لا يتمتعون بالوعي الذاتي والأمل بالمستقبل. ويربط هوفمان سيرة حياة مور بتاريخ حياة الموسيقي كرايزلر الذي كان يسعى إلى الهوية الشخصية والاستقلال، فأصبح معزولاً عن المجتمع، ووقع في نزاعات مع الأشراف والطبقة الوسطى الذين لم يفهموا لهفته إلى اللامتناهي. إنه يبين الصراع الذي ظهر في الروايات التربوية في القرن التاسع عشر مراراً، بين الفنان والمجتمع، وتظهر الرواية استحالة اندماج الفنان في كيان منظم تنظيماً بسيطاً. وتقدم سويسرا الديمقراطية شروطاً مناسبة لمشاركة الأفراد في الحياة العامة. وهذا غوتفريد كيلر (7) يصوغ في روايته التربوية (هاينريش الأخضر، 1855، 1879 –1880) الفعالية السياسية ونشاط الأفراد لصالح الدولة والمجتمع على أنهما هدف التربية. وبلا شك يجتاز البطل هاينريش لي طريقاً أليماً حتى استلام الوظيفة. ذلك أن فصله من المدرسة وانطواءه على النفس وعزلته كل ذلك يقوده إلى العزلة عن المجتمع ليراقب فقط، ويحلم بواقع جميل، إنه يدلل على موقف كثير من المفكرين. إن إخفاق مسيرته الفنية التي عقد رجاءه عليها للوصول إلى الحرية والارتقاء الاجتماعي والشعور بالذنب لدى موت أمه قاداه في الصياغة الأولى إلى الموت. أما الصياغة الثانية فيترك المؤلف هاينريش أن يقبل وظيفة، وأن يضع معرفته موضع التنفيذ، وإن كان ذلك بمشقة أيضاً. إن خبراته الأليمة الماضية لا تسمح له بسعادة متواضعة، ويخيم على نهاية الرواية صوت من الاستسلام المكظوم. إن الطبقة الوسطى في ألمانيا بعد إخفاق ثورة 1848 استسلمت للمقادير والكيان الباطني المعزول عن القوة، وهذا ما ضبط الوقائع (انظر توماس مان، معاناة ريشارد فاغنر وعظمته، 1933). <وp>اp لدمنهي ا وحn">وتعالج رواية توماس مان (8) (الجبل السحري، 1924) الإشباع والأمان الخداع لعصر فيلهلم، وتطرح التقاليد الفكرية لمجتمع ما قبل الحرب. لقد عرف توماس مان أثناء جمهورية فايمر قيمة الديمقراطية، وهو يتناول في هذه الرواية صراع الديمقراطية مع الرجعية في إطار فلسفي بوصفه حواراً بين النور والظلام، الصحة والمرض، الحياة والموت. إنه يجعل بطله هانس غاستروب رقيق المشاعر بسبب المرض عرضة لجهود مرشدين في التربية اللذين يخلبان اللب، ويبلبلان الفكر بأقوالهما المتباينة التي يُشَكُّ فيها، ويُتهكم منها. غاستروب يبحث مثل توماس مان عن مركز متوسط، إنه لم يجتز أية مرحلة تعليم مثل أبطال الروايات التربوية السابقين الذين رمز تجوالهم في الحياة إلى بعث الطبقة المتوسطة في القرن الثامن عشر، وتصف الرواية عصراً متأزماً، حيث تلوح إمكانية حياة متزنة في الوهم أو الحلم فقط. وتُظهر نهاية الرواية بطلاً نسي هذا الوهم، وينسحب إلى ميدان القتال، إنه تحريف لكل جهود التربية. ويتوصل توماس مان في المنفى –كالمؤرخين الآخرين أيضاً –بناء على الخطر الفاشستي إلى الاعتقاد أن المفكر عليه واجب التدخل في الأحداث السياسية. وانطلاقاً من وجهة النظر المتغيرة هذه تبع تصميم نموذج بطولي آخر، إنه إنسان عامل له دور. هذا وإن كان في رواية (الجبل السحري) بطل سلبي في مركز الصدارة فإن توماس مان يرسم في روايته الثلاثية (يوسف وإخوته، 1933 –1943) التي كتب أجزاءها في المنفى إلى حد بعيد، تطور إنسان حالم مغرم بنفسه إلى شخصية تقوم بواجبها الاجتماعي في المجتمع، وتعمل من أجل الجماعة. وبلا شك فإنه يستخدم لتصوير هذه الدائرة من الموضوعات شخصية مأخوذة من التوراة. إن هذه الثلاثية تتناول بداية التطور الإنساني وتقدم خيالاً مستقراً في الماضي، وتعد مسيرة حياة يوسف بالنسبة إلى توماس مان على أنها مثال نموذجي لإنسانية قاعدتها تحقيق معيشة إنسانية للمجتمع. إن عمل يوسف يصور نموذجاً يحظى بسريان المفعول للوقت الخاص أيضاً. إن الرمز إلى مثال يُحتذى والسؤال عن أهداف ذات عمل سياسي يميزان روايات هاينريش مان (9) التربوية أيضاً، مثل (شباب الملك هينري كفاتره، 1935، وبلوغ الملك هينري كفاتره، 1938). إن هاينريش مان الذي أكد مبكراً مسؤولية الكاتب يعالج في رواياته التربوية تطور أحد السياسيين. ذلك أن هينري يدافع عن الطيبة والحكمة، إنه يجسد مذهب الإنسانية المسلح، ويعلم أن المرء يجب أن يكافح ليصل إلى أهدافه، ويحافظ على مكانه في الدولة والمجتمع. ويصف هاينريش مان هينري على أنه مثقف يتعلم ربط الفكر بالعمل والنظرية بالتطبيق. إن تخطي الفارق بين الفكر والعمل كان مطمح بعض الكتاب في جمهورية فايمر، وأصبح من أهم موضوعات المؤلفين المنفيين. ويتناول هاينريش مان مناقشات هينري مع خصومه على أنها رمز إلى الكفاح (من قبل المنفيين) ضد الفاشية، ومن هنا يكتسب هينري طبيعة مثاله الذي يُحتذى. ولا ريب أن فعاليته السياسية لا تبدو غير منكسرة، فتعابير التنازل والحزن على زوال القيم تزداد عندما وجب على هينري أن يعلم إن رسالته في الحياة تبقى جزءاً، إلا أن النهاية –خطاب هينري –تدعو إلى مواصلة الكفاح من أجل الإنسانية والمساواة والحرية. وتقدم الروايات القناعة بضرورة هذا التعهد والالتزام. <وp>اp لدمنهي ا وحn">ويكون المثالان الأخيران أخيراً نقطة نهاية مؤقتة للرواية التربوية الشعبية، فنمو الشخصية والمعادلة بين الفرد والمجتمع نجحا، ولكنهما يوطنان في الأزمنة الماضية. وقد اتخذ كثير من المؤلفين بعد الحرب العالمية الثانية موضوع القطيعة غير القابلة للرفع بين الأنا والعالم. <وp>اp لدمنهي ا وحn">وفي الفترة الأخيرة أقدم بيتر فايز على ذلك مبتدئاً من موقع اشتراكي لموروث الرواية التربوية، فهو يقدم في كتابه (علم جمال المقاومة، 1 –3، 1975 –1981) مسيرة تربية شخصية من طبقة العمال. إن نمو القاص –الأنا يقصد إلى انحياز فني وسياسي، حيث يرتد تشابك العملين معاً. <وp>اp لدمنهي ا وحn">فهو لا يريد التنازل سواء عن الفن وتقصي الحقيقة والتفكر أم عن العمل. وهو يريد أن يغير نفسه والعالم. ويظهر المجلد الثاني كيف أن المجالين يؤثران بعضهما ببعض، بأنه ترك القاص –الأنا يصبح في الوقت نفسه نشطاً سياسياً في حركة سرية شيوعية سويدية، ويتركه يعمل فنياً بناء على الاشتراك في حلقة بريشت. إن الشخصيات لها طابع فاخر أكثر مما لها طابع فردي، ويظهر القاص –الأنا إمكانية لطبقة العمال بأن تستولي على الإرث الفني، ويثبت لدى ذلك مستوى فكرياً عالياً، وقبل كل شيء لدى تفسير الأعمال الفنية المهمة انطلاقاً من رؤية المظلومين. فالروايات الثلاث تظهر انقسام المفكرين بين الالتزام الفني والسياسي، والأمل بتسوية ذلك الأمل الذي أصبح مشكلة كبيرة في المجلد الثالث.
******<وp>اp لدمنهي ا وحn">هوامش المترجم <وp>اp لدمنهي ا وحn">* المقالة باللغة الألمانية، وعنوانها الأصلي Die Bildungsroman ، وهي منشورة في كتاب بعنوان (الأشكال الأدبية)، إعداد أوتو كنورّش، شتوتغارت 1991، ص 38 –48. <وp>اp لدمنهي ا وحn">1-غوته (1749 –1832) عملاق من عمالقة الأدب الألماني، ورمز من رموز الفكر العالمي. تنقسم روايته هذه إلى جزأين، الأول بعنوان فيلهلم مايستر في سنوات التعليم، 1796 والثاني فيلهلم مايستر في سنوات السفر، 1821، وأضاف إلى هذا الجزء بعض التعديل عام 1829 وتعد هذه الرواية التي احتاج غوته إلى أكثر من نصف قرن لإنجازها من أروع الروايات التربوية. <وp>اp لدمنهي ا وحn">انظر تاريخ الأدب الألماني، كورت روتمان، ترجمة سليمان عواد، منشورات عويدات، بيروت، ص 84، ومعجم الشعراء الألمان، غيرو فيلبرت، شتوتغارت، 1988، ص 255 –258. <وp>اp لدمنهي ا وحn">2-هو فريدريك هولدرلين (1770 –1843) له أناشيد وقصائد شعرية، ومن أبرز أعماله الروائية (هيبريون أو ناسك الإغريق) انظر تاريخ الأدب الألماني، ص 94 –96. <وp>اp لدمنهي ا وحn">3-نسبة إلى الحركة البروتستانتية الدينية في القرنين السابع عشر والثامن عشر التي تعلي من شأن العطف والشفقة. <وp>اp لدمنهي ا وحn">4- (1733 –1813) يعد من كبار الأدباء الذين مهدوا الطريق أمام الأدب الكلاسيكي، وروايته (قصة أغانون) أول رواية تربوية ألمانية تتحدث عن تطور الشخصية الإنسانية وتبلورها، وكتبت بأسلوب نثري رائع، وإن كان فيه شيء من التكلف، وهي تشكل مزيجاً من السخرية المشوقة والمشاعر المثيرة الدقيقة. انظر: تاريخ الأدب الألماني، ص 63 –64، ومعجم الشعراء الألمان، ص 863 – 864. <وp>اp لدمنهي ا وحn">5-(1756 –1793) <وp>اp لدمنهي ا وحn">6-(1776 –1822) يعد من كبار الرومانسية المتأخرة، وكان يتحلى بمواهب عدة، ومن أبرز أعماله (الوعاء الذهبي) و(الآنسة فون سكوديري) و(إكسير الشيطان). وعنوان روايته التي أشارت إليها المقالة هو (آراء القط مور ورئيس الفرقة الموسيقية كرايزلر، 1821)، حيث تعرض التناقض القائم بين المواطن العادي المحدود والفنان الواسع الآفاق، والقط بمثل حياة هوفمان العادية بينما كان كرايزلر يصور حياة هوفمان الشاعر والفنان. انظر تاريخ الأدب الألماني، ص 111 –112، ومعجم الشعراء الألمان، ص 364 –365. <وp>اp لدمنهي ا وحn">7-(1819 –1890) وتعد رواية هاينريش الأخضر عبارة عن سيرة ذاتية، ومن أهم أعماله التي تشكل نموذجاً للشاعرية الواقعية مجموعات قصصية صدرت تحت عنوان (الناس في سيلدفيلا)، و(حكايات من زوريخ) و(قصيدة الشاعر). انظر تاريخ الأدب الألماني، ص 139 ومعجم الشعراء الألمان، ص 418 –419. <وp>اp لدمنهي ا وحn">8-(1875 –1955) أحرز شهرة واسعة بفضل روايته الأولى (بودينبركس –اندحار عائلة، 1901). انظر تاريخ الأدب الألماني، ص 180 –181، ومعجم الشعراء الألمان، ص 529 –530. <وp>اp لدمنهي ا وحn">9-(1871 –1950) من أبرز أعماله رواية (المستعبد) التي تنبأ فيها بوقوع الحرب العالمية الأولى، وهاينريش أخ لتوماس مان. انظر تاريخ الأدب الألماني، ص 180، ومعجم الشعراء الألمان، ص 527 –528. <وp>اp لدمنهي ا وحn">المصادر <وp>اp لدمنهي ا وحn">1-شليختا، ك.: فيلهلم مايستر لغوته، فرانكفورت 1953. <وp>اp لدمنهي ا وحn">2-مارتيني، ف.: الرواية التربوية. في مجلة DVJS، 35 /1961، المجلد 1، ص 44 –63. <وp>اp لدمنهي ا وحn">3-هاس، 5. اي.: غوته. سنوات تعليم فيلهلم مايستر. في: الرواية الألمانية، إعداد فيزي، دوسلدورف 1963. <وp>اp لدمنهي ا وحn">4-شارف شفيرودت، ي.: توماس مان والرواية التربوية، شتوتغارت، 1967. <وp>اp لدمنهي ا وحn">5-رودر، غ.: السعادة والنهاية السعيدة في الرواية التربوية الألمانية، ميونيخ، 1968. <وp>اp لدمنهي ا وحn">6-كوهن، ل.: رواية التربية –النمو، شتوتغارت، 1969. <وp>اp لدمنهي ا وحn">7-ياكوبس، ي.: فيلهلم مايستر وإخوته، ميونيخ، 1972. <وp>اp لدمنهي ا وحn">8-شرادر، م.: المحاكاة والإبداع. دراسات بوطيقية في الرواية التربوية، بيرلين –نيويورك، 1977. <وp>اp لدمنهي ا وحn">9-ماير، 5.: هاينريش الأخضر لغوتفريد كيلر، زيوريخ –ميونيخ 1977. <وp>اp لدمنهي ا وحn">10-زيلبمان، (إعداد): حول تاريخ الرواية التربوية الألمانية، دار مشتات، 1988. <وp>اp لدمنهي ا وحn">11-ياكوبس، ي. /كراوس، م.: الرواية التربوية الألمانية، تلريخ النوع من القرن الثامن عشر إلى القرن العشرين، ميونيخ، 1989. <وp>اp لدمنهي ا وحn">(1) أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية بكلية التربية الأساسية –الكويت .<وp>اp> <وp>ا/div>