anfasseمقدمة:
من المعلوم أن الترجمة شكلت على الدوام باعتبارها نشاطا إنسانيا جسرا للتواصل والتفاعل والتلاقح بين اللغات، ورحلة في الثقافات والحضارات المغايرة، وسعيا نحو ارتياد آفاق جديدة وأسئلة وجود وهويات متنوعة ومختلفة...
وقد دفعت أهميتها (الترجمة) المهتمين بها إلى إنتاج خطابات متنوعة حولها، تراوح موضوعها بين التساؤل عن نظرياتها ونماذجها وحقولها التطبيقية...
وقد ارتأينا في هذا المقام أن نربطها بإشكالية المثاقفة والعولمة. وهي إشكالية نتغيى من خلال الخوض فيها إثارة جانب مهم يمكن اختزاله على الشكل التالي: هل ما زالت الترجمة تساهم– كاستراتيجية لتوليد الاختلاف – في تكريس لغة المثاقفة ولغة الحوار بين الثقافات والحضارات المتنوعة، أم أن دورها في الوقت الراهن سلبي في ظل العولمة الكاسحة التي تلغي الخصوصية اللغوية والهوية الثقافية والشخصية الحضارية للأمم، وتدحض فكرة التوازن لصالح الهيمنة والاختراق وتكريس الثقافة الواحدة ؟
بمعنى هل الترجمة - كما يذهب إلى ذلك رشيد برهون- باعتبارها رديفة التعددية والتنوع، مثاقفة ندية أم خضوع "عولمي"  يرمي إلى إقصاء كل أشكال التعدد اللغوي والثقافي ...؟

haperفي الوقت الذي أصبحت الحركات الاجتماعية، أكثر منا أي وقت مضى محتاجة؛ إلى تمثيلية ووضوح سياسي ، يجدربنا إعادة قراءة هابرماس لملائمة إطار التفكير والعمل حتى ولو وصف  البعض أعماله باليوتوبيا السياسية.

إذا كان الفيلسوف يركز في أبحاثه الأخيرة على ضرورة تجاوز الدولة- الأمة ، من اجل مناهضة عولمة التدفقات ( السياسية الاقتصادية)فان ذلك  عن طريق تشكل اجتماعي للفضاء العمومي الذي يشكل محركه التحليل النقدي للوظائف السياسية للدولة.
في كتابه" الفضاء العمومي اركيولوجيا الدعاية باعتبارها مكون أساسي للمجتمع البرجوازي" . قدم هابر ماس دراسة سوسيو- تاريخية لتحولات بنية الفضاء العمومي البرجوازي منذ بدايته إلى يومنا هذا.

هذا الظهور والتطور لمبدأ الدعاية باعتباره مبدأ شرعي لمراقبة السلطة السياسية مرتبط بالفرد( البرجوازي المثقف).
فامتلاك الفرد لهذه الكفاءة السياسية ، تمت بالتدرج بواسطة تمثيل موقف وشرعية فردية أو جماعية ؛ بالرأي والنقد العقلاني دون اعتبار للسلطة السياسية.

أنفاس نتتعد الترجمة في الأصل نقلا للمعاني من لغة أصل إلى لغة هدف، ويرجع الحديث عنها مع أسطورة بابل التي تعد بداية اختلاف الألسن في النسق الإنساني، ومنه فالترجمة أساسا هي قنطرة العبور إلى الآخر المختلف لسانا والتواصل معه، فهي إذن من الناحية المثولوجية نتيجة مستندة إلى عقاب إلهي للبشرية التي حاولت ابتداء الاتصال بالإله والاطلاع على أسراره. والحاصل إذن، من هذا المنظور عينه، أنها تمثيل للعقاب وهروب منه في الوقت نفسه، وتجاوز له عبر خلق قناة للتواصل بوساطة الترجمة، ونقل المعاني المستعرضة بالنظر إلى الألسن المبلبلة.
تتعدد أوجه الترجمة في علاقتها بالتنمية من خلال هذا الأساس الميثولوجي نفسه، إذ أساسها الحاجة إلى التواصل والتقدم، ولولا هذين السببين لبقيت الألسن مبلبلة، فلهذا كانت أنماط التواصل متعددة بتعدد ركائز الحياة الإنسانية من النواحي الدينية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والعلمية وغيرها.
إن الترجمة من الناحية الدينية هي تعرف على الآخر لاتقاء شره أولا، والسيطرة عليه ثانيا من الناحية الاعتقادية، حيث ارتبطت بالفتوحات الإسلامية، وبالاستشراق، وبالتبشير بالنصرانية، وبالتهويد، وغير ذلك من الاعتقادات غير الرسالية، فكانت من المنظور الإسلامي أساسا في التواصل مع الشعوب التي تصلها الدعوة المحمدية، فمن عرف لغة قوم أمن شرهم، وهي من المنظور الاستشراقي الأداة الحاملة للفكر فبمعرفتها يمكن الاطلاع على الفكر الشرقي إنتاجا وترويجا، وتيسير السيطرة عليه أخيرا، ولهذا كان الاستشراق، أي الاطلاع على حضارة الشرق تمهيدا للحروب الصليبية والاستعمار والتبشير بالنصرانية. إن الترجمة إذن تجسيد للتواصل الديني(الإسلام)، وللدوغمائية البرغماتية(اليهودية والنصرانية) التي تفرض، في كثير من الأحيان، المعتقد بعيدا عن التواصل الديني الفعال وحفظ الهوية والخصوصية.

jacototالفصل الأول : مغامرة فكرية
عاش جوزيف جاكوتو أستاذ الأدب الفرنسي بجامعة لوفان سنة 1818  مغامرة فكرية فلم تكن مسيرته الطويلة الحافلة لتجعله بمنأى عن المفاجئات. فقد احتفل سنة 1789 بربيعه التاسع عشر في مدينة ديجون أين كان يقدم درس الخطابة و يتهيأ لدخول مهنة المحاماة .فقد عمل سنة 1792 في فرقة المدفعية  الجمهورية  ثم انتقل على اثر الجمعية العامة بين  التدريس في قسم الذخيرة و سكرتارية  وزير الحرب و نائب مدير مدرسة الاختصاصات المتعددة بباريس .ودرس على اثر عودته إلى ديجون الرياضيات التحليلية  و الرياضيات البحتة و المتسامة و الأفكار و اللغات القديمة و القانون.كما تم اختياره سنة 1815 رغما عنه ونزولا عند رجاء زملائه  نائبا .شكلت عودة آل بوروبن دافعا للمنفى كما تمتع بحرية منحها إياه ملك هولندا تجلت في رتبة أستاذ بنصف مرتب .كان جاكوتو عارفا بآداب الضيافة و كان يخّيل له  تمضيته أيام هنيئة في لوفران.
لكن الأقدار لم تشأ ذلك فقد نالت دروس الأستاذ المتواضع إعجاب الطلبة و تذوقوا لذتها .وقد كان منهم عدد غير هين يجهل الفرنسية . كما كان جوزيف جاكوتو بدوره يجهل الهولندية .فلم يكن بذلك يوجد أية لغة يستطيع أن يعلمهم بها ما يطلبونه منهم .لكنه على الرغم من ذلك أرد أن يحقق أمنيتهم .لذلك كان من اللازم إيجاد شيء يكون  قاسما مشتركا يجمعهم .في ذلك الحين كانت تطبع مجلة "تيليماك"في بروكسال في نسخة ثنائية اللغة .

kassimiـ الترجمة متدنية في البلاد العربية ولم تحقّق أيَّ هدف من أهدافها.
ـ الأدب العربي متخلّف أسوة بالأقطار العربية.
ـ لا يوجد لدينا أدباء أو كتّاب محترفون، كلّهم هواة.
ـ العرب أُمّيون في معظمهم والمتعلِّمون العرب لم يتعوّدوا القراءة.
علي القاسمي كاتب وباحث عراقي مقيم في المغرب منذ سنة 1978. تلقى تعليمه العالي في جامعاتٍ في العراق (جامعة بغداد)، ولبنان (الجامعة الأمريكية في بيروت، وجامعة بيروت العربية)، وبريطانيا (جامعة أكسفورد)، وفرنسا (جامعة السوربون)، والولايات المتحدة الأمريكية (جامعة تكساس في أوستن). وحصل على بكلوريوس (مرتبة الشرف) في الآداب، وليسانس في الحقوق، وماجستير في التربية، ودكتوراه الفلسفة في علم اللغة التطبيقي . مارس التعليم العالي وعمل مديراً في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالرباط؛ ومديراً للأمانة العامة لاتحاد جامعات العالم الإسلامي. يعمل حالياً مستشاراً لمكتب تنسيق التعريب بالرباط، وهو عضو مراسل عن العراق في مجمع اللغة العربية بالقاهرة وفي مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضو الهيئة الاستشارية للمركز الكوري للغة العربية والثقافة الإسلامية في سيول. يجيد الإنكليزية والفرنسية، ويلم بالإسبانية والألمانية.

abstrait-2عند عرض الكلمتين اللاتينيتين (Mundus imaginalis) كعنوان لهذا النقاش نويت أن أعالج نظاما دقيقا من التناظر الواقعي للدقة السائدة للإدراك الحسي , لأن علم المصطلح اللاتيني يعطي الأفضلية من خلال وضعنا مع التعبير التقني والنقطة المثبتة في المصدر والتي نستطيع من خلالها مقارنة التنويعات بشكل اقل أو اكبر للمرادفات المحيرة التي تقترحها لغتنا المعاصرة لنا.
سأثبت حالا هذه الحقيقة وهي أن الاختيار لهاتين الكلمتين قد فرض نفسه علي فيما مضى لأنه كان من المستحيل - في ما ترجمت وقلت – أن أكون مقتنعا بكلمة خيال (Imaginary) .
مما لا جدال فيه إن هذا نقد موجه إلينا نحن الذين نعرف أن استخدام اللغة يعيق الاستعانة بهذه الكلمة ذلك أننا نحاول تقييمها بحس ايجابي وبغض النظر عن جهودنا , يبدو, أننا لا نستطيع منع استخدام هذا المصطلح (الخيال)  عن الاستعمال الدارج , لأنه ليس متعمدا , أن يكون استخدامه مساويا لمغزى ما هو غير حقيقي لأنه شيء ما هناك وسيبقى خارج كينونته ووجود مختصر كشيء طوباوي (     utopian   (  وأنا بالتأكيد ملزم بإيجاد مصطلح آخر لأنني ولعدة سنوات كنت وبحكم مهنتي وحرفتي مترجم للنصوص العربية والفارسية وهو الغرض الذي عتبر(نفسي) فيه خائنا لو أنني كنت ببساطة مقتنعا كليا أو حتى بشكل مساو أو بشيء من الحذر بمصطلح الخيال .

abstract-manرحل في 26 ديسمبر 1997، كورنيليوس كاستورياديس، فيلسوف وخبير، أحد الوجوه البارزة في الساحة الثقافية الفرنسية، يوناني المولد، رحل إلى باريس سنة 1945 وفيها أسس مجلة (Socialisme ou Barbarie) . ونشر سنة 1968 رفقة إدغار موران وكلود لوفور   (la Brèche)  ، ساهم سنة 1970 في مجلة (Libre)، وإلى جانب مؤلفه الأساسي "تأسيس المجتمع تخيليا" سنة 1975 ، ألف عدة مؤلفات أساسية جمعت سنة 1978 ضمن سلسلة بعنوان: (Les Carrefours du labyrinthe)، وقد نشر هذا المقال قي صحيفة "Le Monde Diplomatique"  فيفري 1998، وقمنا بترجمته للقارئ العربي لما رأينا فيه من صياغة مفاهيمية متينة ورؤية نقدية واعية.
لا تكون الفلسفة فلسفة إذا لم تعبر عن نفسها بفكر ذاتي المصدر؛ فماذا تعني الأوتونوميا بما هي تعبير عن نسق ذاتي المصدر؟ إن المراد بالأوتونوموس هو "كل ما يستمد من ذاته قانونه الخاص"، وتعني هذه العبارة في مجال الفلسفة طرح السؤال دون رقيب أو سلطة حتى وإن كانت سلطة ذاتية تنبع من داخل الإنسان.
هذا الحكم يعتبر مساسا ضمنيا بمسلمة متفق عليها ذلك أن الفلاسفة وفي الغالب يبنون أنساقا بيضاوية مغلقة (نموذج سبينوزا وخاصة هيغل وشيئا ما أرسطو) الذين ارتهنوا ببعض الأشكال الفكرية التي صنعوها والتي لم يُقْدموا على إعادة مساءلتها، وقلة من كانوا عكس ذلك على غرار أفلاطون إضافة إلى نسق فرويد في التحليل النفسي رغم أنه لم يكن فيلسوفا.

abstrait-1أكثر من أي شاعر معاصر يبدو ديرك ولكوت متوافقا مع برنامج ت.اس . اليوت الشعري حيث يميز نفسه في كل ما وصفه اليوت  اجمالا " بالاصوات الشعرية الثلاثة " وهي القصيدة الغنائية ، والقصة او الملحمة والدراما ، فعلى الاقل منذ كتابه المعنون " منتصف الصيف " الصادر عام 1948 نشر ولكوت  ما يمكن وصفه بالارتباط الغنائي في شعر ذاتي  متسلسل بشكل قصائد فردية  اريد لها تكوين تصور كامل عن الجميع .
قصيدته الطويلة " اوميروس " الصادرة عام 1990 يمكن ان تسمى قانونا حيث ان تلك الكلمة لم تكن تشكل مشكلة في ذلك الوقت ومثل اليوت كان ديرك ولكوت كاتبا مسرحيا من خلال علاقته الطويلة بورشة ترنيداد المسرحية حيث اختزن الكثير من الافكار الدرامية الرائعة  في كلا من النثر و في ذلك الشكل الصعب الذي دعي بالمسرحية الشعرية .
لكن القرابة مع اليوت بالنسبة لديرك ولكوت تمتد الى ما بعد ذلك الشكل . ففي مقال اليوت الشهير "الموروث والموهبة الفردية " الصادر عام 1919 قال اليوت " كلما كان الفنان أكثر مثالية كلما زاد الانفصال في داخله عما يكون عليه الانسان الذي يعاني والعقل الذي يبتكر "   .
لقد تعمد ولكوت  تجنب طريق الاعتراف  الذي ابتكره صديقه منذ البداية وداعمه روبرت لويل حيث اختار بدلا عن ذلك صوت ما بعد الرومانسية  واكثر قربا من الطبيعة والذي تكون فيه المفردات العرضية للحياة ذات رؤية  شاعرية أكبر  حيث لا تكون النفس فيها موضوعا ظاهرا .
ثم ظهر كتاب ولكوت المميز " طيور البلشون البيضاء " وهو مميز بسبب رؤيته في افضل تعبير لهذه الكلمة وذات جدا حتى كأنه سيرة ذاتية .
انه كتاب رجل عجوز يتوق الى يوم واحد من الضؤ والدفء وهو كتاب تقدير رزين ذلك التقدير الذي يحدث على عدة مستويات : البدني حيث تحمل التخريب البطيء لمرض السكر واجتماعي حيث موت الاصدقاء القدامى وزملائه من الشعراء ، لقد وصفه مواطنه  سانت لوسيا بكونها "عبودية بدون سلاسل وبدون اراقة دماء " فهذا كتاب فيه ابتعاد عن كل ما هو حديث في الأدب " التعمد المتنافر في  الابتهاج ونفحة الفوضى فمنذ الصفحة الاولى في بعض الكتب الجديدة " تجد القليل من الجمهور اللائق الذي يقول له " انت ايها القاريء صديقي الأغلى " .