في هذا الحوار نكشف عن عمق المفكر الايطالي امبرتو ايكو الفكري، وكيف تم افراغ المثقف من مفهومه، وعن إيطاليا في الثلاثين سنة الأخيرة من خلال روايته الأخيرة " العدد صفر" وهي نقد قاسٍ للصحافة، السلطة والرشوة. المفكر امبرتو ايكو ( 84 عاما ) من طينة المثقفين الكبار الذي لايزال في العطاء لحد الساعة.
- تتأطر رواية " العدد صفر "، في عالم معاصر.
* هناك أسطورة، أنني لا أكتب سوى روايات تاريخية لكن "بندول فوكو" تطورت خلال سنوات الثمانينات. مع ذلك أنتَ مُحق في ذلك، إنها الرواية الأولى التي تركز على المشاكل السياسية لإيطاليا خلال سنوات التلاثنيات.
- لماذا الصحافة هي التيمة المركزية في الرواية؟
* حسنا، إنها أيضا عن متلازمة المؤامرة ، فهي ليست نقدا للصحافة، بل أيضا للأنترنيت، حيث يمكن أن تجد الكثير من صفحات الإنترنيت التي تقول أن برجي التجارة العالمي على سبيل المثال، انهارا بسبب وجود مؤامرة.
- نظرية المؤامرة الشهيرة، وبعد أن ترعرعت كتيمة في الإنترنيت، في سنة 1992 لم يكن الأنترنيت متغلغلا في حياتنا
* لا، لا، بشكل طبيعي غير موجود، لقد بدأت باستعمال البريد الإلكتروني عام 1994، فقط في منتصف التسعينيات بدأ الأنترنيت في الإشتغال.
- الآن، الأنترنيت والشبكات الإجتماعية هي أدوات للصحافة.
في الذكرى الخامسة لرحيل محمد عابد الجابري (1936-2010) مناسبة لـتأمل مفارقات الفكر المغربي المعاصر ـ محمد بلال أشمل
لست مؤهلا للحديث عن الأستاذ محمد عابد الجابري (1936-2010) إلا بالغيب، أما بالشهادة، فهناك من هو أقدر مني على الحديث عنه بالحضور والذات. لا تشفع لي بعض لمع من تقاطع زماني بيننا، للحديث عنه من منطلق العارف؛ حينما استمعت إليه مرة في كلية الآداب بالرباط في إحدى الأقسام القصية لما كنت طالبا في شعبة الفلسفة بآداب فاس عام 1985، أو لاحقا لما كنت أتوصل منه بنسخ من مجلة "فكر ونقد" التي كان يشرف عليها، وبلغني بعد حين، أنه كان يقرأ باهتمام بالغ ما كنت أنشر فيها من مقالات، فمهما بلغت هذه التقاطعات الشخصية المباشرة من أهمية، إلا أنها تظل قاصرة عن سلوكي في رتبة العارفين بسيرة وفكر الرجل.
لكني، بالمقابل، أستطيع أن أتحدث عن طرف من رتبة الرجل في المحافل الفكرية الإسبانية والأمريكولاتينية تختلط، في معظمها، بمفارقات عجيبة، على الفكر المغربي المعاصر أن يتأملها بتمعن، ويجعل منها المناسبة الطيبة لشق طريق جديد في تداوله الفكري.
ولأبدأ بالمفارقة الأولى: في أغلب المناسبات الفكرية والعلمية التي شهدتها في البر القشتالي، كان اسم الجابري يتداول بكثرة كعلامة بارزة على الفكر المغربي؛ فهو المفكر المغربي الوحيد الذي يكاد يعرفه الفكر الإسباني المعاصر في الوقت الحاضر، إلى جانب مفكرين أندلسيين آخرين أمثال ابن رشد وابن حزم وابن طفيل وابن باجة في من القدامى. ويكاد يذكر اسم الجابري دائما إلى جانب اسم ابن رشد، حتى كاد يطرد معه اطراد العلة مع المعلول؛ وهذا ليس بالغريب، فقد كان للرجل الباع الطويل في إثراء المتن الفكري حول أبي الوليد، تحقيقا لنصوصه، ودراسة لها.
فلسفة الحجاج القانوني بين شمولية السلطة وعنف الأيديولوجيا ـ تأليف: شاييم بيرلمان ـ ترجمة: أنوار طاهر
إن التظاهرات السياسية وحملات العصيان المدني والاستنفار الأكاديمي، التي انتشرت في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الأخيرة، جرى عرضها في كل مكان تقريبا، بوصفها تمردا على السلطة autorité التي ما أن أصبحت مرادفا لمفهوم القوةpouvoir وذلك نتيجة لاستعانتها بقوة البوليس العام، بدأت تشكل تهديدا مستمرا تجاه الحريات الفردية.
وقد تناول الفيلسوف الانجليزي جون ستيوارت مل، ومنذ أكثر من قرن، لقضية التعارض القائم بين السلطة والحرية، وذلك في دراسته المعروفة: حول الحرية " On liberty " والتي اقتبِس منها النص التالي :
»إن الصراع بين كل من الحرية / والسلطة هو من السمات الأكثر وضوحا في تلك العصور التاريخية المألوفة بالنسبة لنا، بدء من اليونانية والرومانية وحتى الانجليزية... حيث كانت تعني الحرية، الضمان والحماية ضد طغيان الأنظمة السياسية... ففي الماضي البعيد، كان الحاكم عموما يتمثل في شخص واحد؛ أو في قبيلة أو في طائفة، وكان يستمد سلطته من الحق في الإرث أو في الغزو والفتح، وفي جميع الأحوال، هي سلطة لا تؤخذ برضا المحكومين، الذين لا يمتلكون الجرأة الكافية، أو ربما لا يرغبون، في مواجهة نفوذها، مهما كانت نوع الاحتياطات التي يمكنهم اتخاذها ضد ممارساتها القمعية «(1).
الفلسفة والبلاغة بين المنطق والجدل*ـ شاييم بيرلمان ـ ترجمة : أنوار طاهر ـ مراجعة :حيدر علي سلامة
عرض الفيلسوف الفرنسي رونالد بارت Roland Barthesفي ورقته المكرسة عن البلاغة القديمة، لملاحظة كان على صواب فيها، أنه: »ينبغي قراءة البلاغة ضمن اللعبة البنيوية لملحقاتها من (علم قواعد اللغة Grammaire ، المنطق، الشعرية Poétique، الفلسفة) « (1). ومن جهتي، أود أن أضيف، انه من اجل تحديد موقع البلاغة وتعريفها بشكل أفضل، ينبغي توضيح علاقاتها مع الديالكتيك على حد سواء.
ميّز الفيلسوف اليوناني ارسطو Aristote، في مؤلفه الارغانون Organon والمتضمن على ستة أعمال منطقية ، بين صنفين من الاستنباط raisonnement : تحليلي analytique؛ وآخر ديالكتيكي dialectique . ومن خلال الدراسة التي اضطلع بها حولهما في كل من الكتاب الثالث التحليلات الأولى "Premiers Analytiques" والكتاب الرابع التحليلات الثانية "Seconds Analytiques"، جرى اعتبار أرسطو مؤسسا للمنطق الشكلاني فحسب. دون ان يضع علماء المنطق الحديثين بعين الاعتبار، الأهمية المتضمنة عليها دراسته عن القضايا الديالكتيكية في كل من: كتابه الخامس الطوبيقا " Topiques "، وكتاب البلاغة "Rhétorique " وكتابه السادس في دحض السفسطائية" Réfutations sophistiques"، والتي جعلت منه مؤسسا لنظرية الحجاج أيضا.
بعضٌ من الحب.. كما رآه الفلاسفة والنفسيون ـ ترجمة : حمودة إسماعيلي
مقدمة ألان غيو : ماهو الحب ؟ إنه سؤال دقيق، مصدر للجدالات والمناظرات والشغف.. عبر القرون، سعى الرواد النفسيون والمحلّلون والعديد من كبار المفكرين لكشف كنهه، وفهم آلياته. رؤاهم للحب لاحت بين الإيجابية والسلبية. في الحب، نتحدث عن التفاني، الولع، العطاء، الوعد، التشارك، التنازل، المعاناة. ماذا عنك ؟ ماهو الحب بالنسبة لك ؟ ها هنا بعض ما قيل عن الحب، لدفعنا للتفكير أو فقط للابتسام.. للتأمل.. أو للكتابة على باب الثلاجة ! :
أن تحب، أمر ممتع، في حين أنه ليس هنالك ما هو أمتع من أن تكون محبوبا.. أرسطو.
كلما عرفنا أكثر، أحببا أكثر.. ليوناردو دافنشي.
الحب أفضل بما لا يقاس من الكراهية، فهي لا يمكن أن تكون عظيمة، تجلب لنا الخيرات الحقيقية، وتحسّننا كثيرا.. رينيه ديكارت.
فلسفة اليونان في أرض الإسلام: عملية الترجمة ومطباتها ـ اشريف مزور
حسبنا من الحقائق الجلية الخفية أو القريبة البعيدة، حقيقتان اثنتان وهما: الأصل في الترجمة هي الحاجة، والغاية منها إدخال الآخر في الذات في سبيل اختصار المسافة بينهما.
بات من المؤكد للدارسين أن الفكر المدعي للتمامية والاكتمال يكون منسد الأفق ينذر انسداده بإمكان التحول إلى عنف رهيب ومنقلب كئيب، لذلك استشعرت الحضارة العربية الإسلامية منذ بداياتها الأولى حاجة ماسة إلى ترجمة علوم الأوائل أي إقحام الثقافات الأخرى في جسدها حتى يتحقق الإقلاع الفكري، فثمة تلازم بين الترجمة والتحديث([1]). وهذه مسألة لا ينكرها إلا مكابر ولا تذهب إلا عن غافل.
ثابت لدينا أن الفكر اليوناني انتقل إلى الثقافة العربية الإسلامية عبر مسار جغرافي متنوع وخلال فترة تاريخية طويلة، وقبل أن نذكر أهم هذه المواقع الجغرافية ننبه إلى ملاحظة هامة عرضت لنا أثناء دراسة بعض الأسفار المرتبطة بالموضوع، يتعلق الأمر بتباين مواقف الباحثين بخصوص تحقيب مراحل تطور الترجمة ووظائفها، بين ذاهب إلى تقسيمها إلى مرحلتين بارزتين، الترجمة في العصر الأموي، والترجمة في العصر العباسي، وبين مدع بضرورة ربطها فقط بالزمن العباسي، وبين زاعم بفكرة تقسيمها بحسب أزمنة خلفاء بني العباس(*).
التعرّف على عقل الله : نظرية كل شيء ـ Michael Marshall ـ ترجمة : حمودة إسماعيلي
تُعتبر "نظرية كل شيء" من أهم الأحلام العزيزة على العلم. فلو تم اكتشافها، ستؤدي حتماً إلى كشف عمل الكون على المستوى الأساسي وذلك يشمل فهمنا العام للطبيعة. وستقدم لنا كذلك إجابات عن الألغاز المستمرة مثل ماهية المادة المظلمة، سبب جريان الزمن باتجاه واحد، وكيفية عمل الجاذبية. شيء مثير، كما قال الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ على أن مثل هذه النظرية ستكون : "الانتصار المطلق للعقل البشري ـ من ثم وجب علينا معرفة عقل الله".
لكن لا يجب على الثيولوجيين أو علماء اللاهوت (الفقهاء) أن يفقدوا طعم النوم حتى الآن، فبالرغم من عقود من الجهود المبذولة، فإن إحراز التقدم لايزال بطيئا. العديد من الفيزيائين ألزموا أنفسهم بتطوير نظريات "جاذبية الكوانتم" من خلال سعيهم للتوفيق بين ميكانيكا الكوانتم والنسبية العامة ـ كشرط أساسي لنظرية عن كل شيء. لكن بدل الخروج بنظرية أو نظريتين متنافستين تكونان أهلاً للاحتكام ضد الأدلة، هاهنا وفرة من الترشيحات التي تعالج أجزاء مختلفة من المسألة، وبعض القرائن القيمة التي على نحو (أي منها) يمكن أن تكون صحيحة.
هل مات الإنسان ؟ حوار للمفكر الفرنسي ميشيل فوكو ، ترجمة : محمد قرافلي
- هل مات الإنسان ؟
- يسود الاعتقاد بأن النزعة الإنسانية، مفهوم يضرب في القدم ويعود إلى اعمال مونتين وما قبله. إلا اننا لانعثر في قاموس "ليتري" Littré" عن هذا المفهوم . الواقع انه نتيجة لهذا التغليط الذي نقع ضحيته، وقلما يتم الانتباه إليه نتصور عن وعي ان النزعة الانسانية كانت ولاتزال تمثل علامة فارقة وتابثة في الثقافة الغربية . لذلك فإن ما يميز الثقافة الغربية عن غيرها من الثقافات الأخرى، الشرقية ، كالثقافة الاسلامية، بالضبط هو النزعة الإنسانية. قد نصاب بالصدمة عندما نعثر على آثار تلك النزعة عند الثقافات الأخرى ، لدى كاتب عربي ما او عند مفكر صيني، مما يولد الانطباع بأننا نتوجه نحو كونية النوع البشري.
الواقع، أنه ليس فقط لاوجود لما نسميه النزعة الإنسانية في الثقافات الأخرى بل من المحتمل أيضاً ان تشكل في ثقافتنا شكلا من السراب.
يتداول في التعليم الثانوي بأن القرن السادس عشر هو عصر سيادة النزعة الانسانية بحيث عملت النزعة الكلاسيكية على الاهتمام بالمشكلات الكبرى للطبيعة الانسانية، وبأن القرن الثامن عشر ابتكر علوما وضعية سمحت بمعرفة الإنسان من منظور وضعي، وبكيفية عقلانية متمثلة في العلوم البيولوجية، وعلم النفس وعلم الاجتماع .
نتصور مبدئيا بأن النزعة الإنسانية تمثل قوة حيوية تؤثر في تطورنا التاريخي والتي هي ثمرة ومحصلة هذا التطور نفسه. باختصار تمثل النزعة الإنسانية المبدأ والغاية في تلك الحركية. ما يبهرنا في ثقافتنا الراهنة هو ان يكون همها الاهتمام بما هو إنساني . أما إذا حصل الحديث عن البربرية المعاصرة فإنه يتم الإشارة عرضا الى البعد الأداتي أو إلى بعض المؤسسات التي تبدو لنا أنها غير إنسانية.
كل تلك الادعاءات من قبيل الوهم لعدة اعتبارات :