يقول مالك بن نبي " الأمة التي لا تقرأ تموت أبدا "، ولعل ربط القراءة بالموت لدى مالك بن نبي يجد مشروعيته في كون هذا الأخير يقر بأن فعل الحياة بشكل مجازي ملاصق لفعل القراءة، وبالتالي تصبح هذه الأخيرة حياة تفتح آفاقا نحو القارئ ليعيش حياة غير تلك البيولوجية ليهيم في عالم آخر يجده بين دفتي كتاب أو مجلة، وهنا لابد من عكس العبارة لنقول " الأمة التي تقرأ تحيا أبدا".
وقبل الخوض في مفهوم القراءة " الفعل" والقراءة " السلوك " والقراءة " الواجب "، نطرح السؤال التالي ألا يكون فعل الكتابة أجدى وأهم من فعل القراءة؟ باعتبار أن الكتابة تعبير عما يخالج صدورنا من أحاسيس و مشاعر و إبلاغ الآخر وتواصلنا معه بالكلمة المخطوطة، لنقوم مرة أخرى بتحوير بسيط لمقولة بن نبي ونقول " الأمة التي لا تكتب تموت أبدا "، باعتبار أن الكتابة وخاصة الكتب والمراجع والموسوعات والروايات والقصص وغيرها من أنواع الكتابات، تبقى خالدة تتعاقبها الأجيال و الأمم تقرأ عنها و تمتح من معين فكرها و تخبر تجاريبها، كما هو الحال عند حضارات قديمة جدا كالفراعنة واليونان و المايا و الأنكا وغيرها من الحضارات؟
التحولات الاجتماعية بالريف التونسي : حالة رعاة الظاهر التونسي ـ د . محمد بالراشد
مقدمة :
أن تقتفي أثر نمط حياة البداوة الرعوية الذي لطالما كان سائدا بتونس، فعليك اليوم الاتجاه إلى الظاهر التونسي لتقف هناك على ما تبقى من آثار لذلك النمط الحياتي . هنالك ستجد رعاة يتنقلون وراء قطعانهم بحثا عن الكلأ والمرعى. غير أن هذه الخاصية لا تخفي التغيّر الذي عرفته حياة هؤلاء على المستويات المختلفة ولاسيما على مستوى البنية التنظيمية ونظام التعاقد والتأجير. لقد أحدثت عوامل التغيّر الاجتماعي التي عرفها المجتمع التونسي منذ دخول الاستعمار الفرنسي سنة1881 تحوّلا في أنماط العيش ودفعت بالبدو الرعاة إلى التخلي عن قطعانهم والاتجاه إلى الاستقرار في القرى أوفي المدن.
لقد حدث تحوّل مهمّ في طريقة عيش سكان الجنوب التونسي فتخلوا عن الترحال وراء حيواناتهم بحثا عن الماء والكلإ وآثروا الاستقرار في القرى والمدن ومع ذلك ظلت بعض الفضاءات القليلة والمحدودة تحتضن الوجه الأخير لنمط حياة هيمن لفترات طويلة على أغلب أراضي تونس. لقد ساهمت عوامل عديدة في دفع الرحل إلى الاستقرار منها ما يتصل بالعوامل الطبيعية (تقلبات المناخ التي لم تعد تناسب حياة الترحال) ومنها ما يتعلق بعوامل بشرية ( تأتي في مقدمتها الخيارات السياسية التي رأت في القضاء على نمط الحياة الرعوي سبيلا للقضاء على النسيج الاجتماعي الذي احتضنه ألا وهو القبيلة والتي قد تكون عائقا لبناء وحدة وطنية على النمط الذي اختارته النخب السياسية لما بعد الاستقلال).
خطاب نمط الإنتاج في البحوث المونوغرافية المغاربية : تونس والمغرب نموذجا ـ خالد جدي
تحتل مسألة نمط الإنتاج مكانة أساسية في الدراسات الإنسانية والاجتماعية، ولا يمكن اليوم لأي نشاط فكري أو أي علم من العلوم الإنسانية والاجتماعية احتكار مسألة نمط الإنتاج لسبب من الأسباب أو بطريقة من الطرق، ذلك أن كل علم يقارب إشكالية نمط الإنتاج من زاوية خاصة به، وبمناهج مختلفة ولغايات عديدة، ولم تعد اليوم مسألة نمط الإنتاج من اختصاص الاقتصاديين والمفكرين بل ارتبطت كذلك بالمؤرخين والسوسيولوجيين والانثروبولوجين ...إلخ، وهنا يحصل بالضرورة التكامل والاختلاف بين العلوم والمناهج من اجل رؤية واحدة في صياغة موضوع واحد.
وفي السنوات الأخيرة، حاولت العديد من الدراسات التاريخية والسوسيولوجية والانثروبولوجية والاقتصادية والجغرافية التي أنجزت حول بلدان المغارب تقديم نمط إنتاج مقبول وملائم لهذه المجتمعات قبل أن تتعرض لمنعرج الرأسمالية.
وخلفت هذه الدراسات مجموعة من الأعمال والتي تناولت في غالبيتها القرن التاسع عشر، فما هي أنماط إنتاج المجتمعات المغاربية الماقبل الرأسمالية؟ وكيف حاولت البحوث المونوغرافية المغاربية أن تنبث أو تنفي هذا النمط أو ذاك، وما هي البدائل التي اقترحتها في التعريف ببنيات المغارب قبل قبضة الاستعمار.
مدخل موجز إلى علم الاجتماع (3): الاتجاهات الكلاسيكية في علم الاجتماع ـ ذ. إبراهيم بايزو
في هذه الحلقة، سنحاول أن نتطرق إلى ثلاثة اتجاهات بصمت التاريخ النظري لعلم الاجتماع. وتشكل هذه الاتجاهات في مجملها وما تفرع عنها من مدارس مختلفة ما يسمى بالنظرية العامة لعلم الاجتماع. ومن هذا المنطلق، وقبل أن نعرض لجوهر مرادنا في هذه الحلقة، أي بيان ما يميز كل اتجاه من الاتجاهات الرئيسية الثلاث والتي درج الباحثون على تسميتها بالاتجاهات الكلاسيكية تمييزا لها عن الإسهامات المعاصرة؛ قبل هذا نرى أنه من اللازم أن نتوقف عند مسألتين اثنتين هما:
ــ توضيح دلالة عبارة "الاتجاه" وتمييز مدلولها عن مدلول لفظة "المدرسة".
ــ تحديد معنى النظرية العلمية عموما وفي علم الاجتماع بشكل خاص.
ويتحدد غرضنا وغايتنا من تناول هاتين المسألتين في أمرين إثنين:
أ- الأول: من أجل ضمان تيسير التواصل الفكري لأن المفهومات تشكل أول ركن أساسي في العمل العلمي.
ب- والثاني: لأن نظرية علم الاجتماع لكي تكون كذلك يجب أن تكون علمية ومرتبطة بطابع العلم، ولهذا كان من الضروري تبيان كل ذلك من أجل امتلاك القدرة على التمييز بين مختلف الاتجاهات التي سنعرض لها أيها أكثر علمية وأقرب إلى علم الاجتماع من غيره.
مغربة الأراضي الزراعية: الدواعي والنتائج ـ كريم العرجاوي
المقدمة:
إذا كان تاريخ المغرب يعكس في غناه ما يتميز به المجتمع المغربي من دينامية كبيرة في مختلف المجالات، فإن نقل هذا التاريخ من جيل إلى جيل آخر تشوبه في بعض الأحيان – كما هو الحال في عرضنا – ثغرات تختلف انعكاساتها على الحاضر والمستقبل. ويمثل تاريخ المغرب المستقل نموذجا متميزا يوضح بجلاء مدى التعقيد الذي يلامسه المؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية، في ظل الاستمرارية التي تربطه بتاريخنا الراهن.
وقد شكلت المغربة عملية حاسمة في تاريخ المغرب المستقل، لما لها من تداعيات أدت إلى رسم معالم الاقتصاد المغربي، وهي في مفهومها لا تعني التأميم الذي هو عملية تحويل الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج إلى الملكية الجماعية بهدف المصلحة العامة، بل هي تجربة تحترم الملكية الخاصة. وقد بدأ الشروع في استرجاع الأراضي الزراعية منذ بداية الستينيات (1963) لتستمر بعد صدور ظهير 1973، كمحاولة سعى المغرب من خلالها إلى إعادة بناء اقتصاده وتوطيد دعائم الاستقلال السياسي.
غير أن الدارس لهذا النوع من الأبحاث غالبا ما يواجه صعوبات عديدة، خاصة فيما يتعلق بالمادة المصدرية التي يمكن الاعتماد عليها لملامسة الموضوع، ولهذا حاولنا الاستعانة بنوعين من الكتابات:
- أولا: الكتابات الرسمية كخطابات الحسن الثاني، وبعض الدراسات ككتاب المعجزة المغربية لعسة أحمد. وتقرير الخمسينية.
مدخل موجز إلى علم الاجتماع: (2) - في مبادئ وأسس علم الاجتماع ـ إبراهيم بايزو
في الحلقة الأولى من هذه السلسلة كنا قد تطرقنا بنوع من الإيجاز لتاريخ علم الاجتماع ومخاض نشأته بفضل تكامل جهود عدد من الفلاسفة القدماء والعلماء المحدثين. وفي هذه الحلقة سنعرض لمبادئ وأسس هذا العلم التي تميزه عن غيره من العلوم. وإننا وإن كنا لا ندعي الإحاطة بكل هذه الأسس إلا أننا رغم ذلك نعتقد أن ما نقدمه يشكل أبرزها وأملنا أن يساهم الرجوع إلى المراجع التي اعتمدناها في تعويض النقص وتصحيح الخلل الذي قد يحصل.
(2)- مبادئ وأسس علم الاجتماع:
من أجل تكوين فكرة واضحة عن مبادئ وأسس علم الاجتماع، اخترنا أن نتناول ذلك من خلال التطرق لثلاثة قضايا أساسية هي:
- استقلالية علم الاجتماع عما سواه من غيره من العلوم لاسيما العلوم الإنسانية منها؛
- موضوع علم الاجتماع وقابلية هذا الموضوع للدراسة العلمية؛
- قواعد الدراسة والبحث العلمي في علم الاجتماع.
أولا: استقلالية علم الاجتماع:
أول القضايا التي سنتعرض لها في هذا سياق الحديث عن الأسس والمبادئ التي يقوم عليها علم الاجتماع تتمثل في مسألة استقلال هذا العلم عن غيره من العلوم الإنسانية؛ ذلك أن الحديث عن أسس العلم تفترض تمييزه عن غيره من الميادين المعرفية. وفي سبيل الوصول لهذا الغرض نعرض لأهم الشروط التي يجب توافرها في العلم المستقل وبعد ذلك نتحقق من توافرها في علم الاجتماع.
مدخل موجز إلى علم الاجتماع: (1) - في تاريخ علم الاجتماع ـ إبراهيم بايزو
تقديم:
استطاع علم الاجتماع أن يقطع شوطا كبيرا وأن يصل إلى مرحلة متقدمة من الدراسة العلمية للمجتمع بفضل مساهمة عدة علماء أفنوا وقتا طويلا ومجهودات جبارة في سبيل بنائه كعلم مستقل له أسسه وقواعده ونظريته الخاصة به. ويعد هذا العمل الذي، نقدمه في حلقات، محاولة متواضعة لإلقاء الضوء على هذا العلم واستقلاله وموضوعه وأسسه، وكذا قضاياه واتجاهاته ومدارسه المختلفة.
ونستهل هذه الحلقات الموجزة بالحديث عن نشأة علم الاجتماع وإسهامات أهم رواده الأوائل في تقدمه بدء من الفلاسفة اليونانيين وصولا إلى ماكس فيبر. ولا يعني توقفنا عند هذا العالم أن هذا الحقل المعرفي قد اكتم عقده ووصل درجة الكمال الذي لا حاجة بعده إلى إسهامات نوعية أخرى مع هذا الرجل. فالسوسيولوجيا لا تزال - في نظرنا- في تطور ونمو مطردين يشهد لهما توالي أجيال جديدة من العلماء في مختلف بقاع العلم والعالم.
الإباحية ليست حلا ـ حميد بن خيبش
أعلنها أرنولد توينبي صريحة : إن الحضارات لا تفنى بالقتل و لكن بالانتحار الذاتي ! ولعل الاحتفاء الشاذ للحضارة الغربية بتيمة الجنس يؤكد أنها سائرة على خطى سابقاتها في درب الانحلال و التفسخ الحضاري .
لكن بين الفينة و الأخرى تنبعث صرخة حادة تفجر المسكوت عنه , وتفضح الوضع المؤلم لمجتمع إنساني انفصل عن بنائه القيمي , وبالغ في الوثوق برؤى شوهاء .
ضمن هذا السياق يندرج كتاب "الإباحية ليست حلا " للدكتورة و المستشارة النفسية الأمريكية ميريام جروسمان , والذي يتضمن وصفا مؤلما لما آل إليه شباب أمريكا على مستوى الجنسانية , والمزالق الاجتماعية الخطيرة الناشئة عن الاختراق الإيديولوجي لحقل الصحة الجنسية . اختراق تشبهه جروسمان بالزلزال الذي ينقض دعائم الحقائق العلمية و الحضارية ويهدف إلى إنتاج ثقافة مخنثة , يتم عبرها التبرؤ من الاختلافات بين الرجال و النساء أو تُستبعد من الحسبان بحيث يتلاشى تفرد كل منهما .