تسود المجتمعات العالقة في تاريخها، ومنها مجتمعنا، حالة من الشغف بالكلام، تصل لدى البعض حد الهذيان. إذ يتكلم الكل في كل شئ، فبعض الزعماء السياسيين يتحدث في: الفلسفة واللاهوت والفقه والتفسير والتاريخ والسياسة..الخ. بتكرار أسماء فلاسفة ومفكرين، لا يعرف عنهم في الغالب شيئا يتجاوز الاسم، وربما يتلفظ الاسم خطأ. وحين يشير الى معلومة تتصل بهم، غالبا ما يخطئ فيها، كما سمعت ذلك عدة مرات. وكأن السلطة السياسية تفوّض صاحبها؛ التحدث بكل شئ عن كل شئ، وكأن ما تراكم من معارف البشرية في تاريخ العلم المتواصل آلاف السنين، يُمنح فجأة سلة العلوم والمعارف والفنون والآداب؛ لمن أضحى متسيدا على كرسي السلطة، بوصفه "الرجل الضرورة"، حسبما كان يُصطلَح على صدام حسين، الذي يحلم بعض رجالنا بمحاكاته.
لم ينتفع سياسيونا، الذين عاش معظمهم في الغرب، ويفترض انهم تشبعوا بمناخات الديمقراطيات الحديثة في تلك البلدان، واكتشفوا شيئا من قيمة التخصص وأهميته في تطور الخبرة البشرية، وامتدادها عموديا، واتساعها أفقيا، لم ينتفعوا من خبرة العصر في ضرورة احترام الخبراء، والحذر من التعالُم والحذلقة الفارغة بمقامأهل العلم والخبراء، ومن المعلوم ان كافة المتحدثين في الفضائيات اليوم تتجه أحاديثهم لمختلف الناس، بمعنى انهم يتحدثون دائما في مقام أهل العلم والخبراء.
مفهوم الذوق عند بيير بورديو ـ إبراهيم السهلي
" إذا كانت الفلسفات المجردة تعتبر الذوق ملكة فطرية طبيعية ترتبط بالإنسان ، فإن رؤية سوسيولوجية بسيطة قام بها بورديو أدت به إلى الاعتراض ونقد هذه الفكرة ، فليس الذوق ملكة فطرية طبيعية عند الإنسان و ليس معطى طبيعيا في الذات الإنسانية ، بل إن الذوق عند الإنسان يرتبط بوسطه الاجتماعي ، فبالملاحظة و البحث السوسيولوجي الذي قام به ، تبين له أن عملية التذوق تتحدد انطلاقا من الموقع الذي يحتله الفرد داخل المجتمع ، و من ثمة فالتمييز في الأذواق و الألوان عملية تتطلب جهدا كبيرا في محاولة تحديد المعايير و الميكانيزمات المتاحة التي تحدد ذوق الفرد .
إن تحديد ذوق الفرد داخل المجتمع أرجعه بورديو إلى الممارسات الثقافية مثل المسرح ، الفن المتحف ... ، وكلها تبقى غير متساوية للأفراد داخل المجتمع الواحد كونه مجتمعا طبقيا بامتياز ، فالانتماء الاجتماعي لطبقة معينة هو الذي يحدد ذوق كل فرد على حدة ، فإذا وقفنا على مثال الفن لكونه يرتبط بشكل وثيق بالتذوق لدى الأفراد ، فإن ملاحظة بسيطة تبين لنا التقابل الصارخ بين جمالية فئة شعبية ترتكز على استمرارية الفن و الحياة التي يعيشها و يحياها الفرد ـ فهذه الفئة تفضل النهاية السعيدة ـ وبين فئة أخرى راقية تحاول أن تضع مسافة كبيرة بين الفن و الحياة ،لأن هذه الأخيرة تمتلك الرموز و الآليات لتفكيك الخطاب ، هذه الرموز اكتسبها الفرد من محيطه العائلي ذي التنشئة الاجتماعية القوية ثم نوعية التعليم الذي تلقاه الفرد .
حول مفهوم الوعى الاجتماعى Social Consciousness ـ د. فرغلى هارون
يعتبر موضوع الوعي الاجتماعي من الموضوعات السوسيولوجية ذات الأهمية القصوى فى حياة الأفراد والمجتمعات على السواء؛ فالوعى هو نتيجة للتفاعل بين أنفسنا وعالمنا المادى المحيط بنا، وهو يلعب دوراً هاماً فى التطور الاجتماعى، سواء كان هذا الدور إيجابياً أو سلبياً، فالأفكار التى توجد لدى الناس قد تساعد على تطور المجتمع أو قد تكون عائقاً أمام هذا التطور.
ولمصطلح الوعى تاريخ ممتد فى الفهم البشرى للذات والعالم. " ويستخدم مصطلح الوعى بطرق عديدة: لوصف شخص أو مخلوق آخر بكونه متيقظاً وحساساً، ولوصف شخص أو مخلوق آخر بكونه يدرك شيء ما، وللإشارة إلى خاصية من حالات الذهن مثل الإدراك والإحساس والتفكير والتى تميز هذه الحالات عن حالات الذهن غير الواعية."([1])
ويشتق مفهوم الوعى فى اللغة العربية من الفعل وعى، فقد " ورد فى قاموس محيط المحيط، وعى الشيء والحديث يعيه وعياً: حفظه وتدبره وقبله وجمعه وحواه، وأوعى الشيء والكلام: حفظه وجمعه، ووعى الغلام: ناهز الإدراك. فالوعى يعنى لغة الإحاطة بالشيء وحفظه واستيعابه والتعامل معه أو تدبره. إنها حالة إدراك الشيء وتعقله."([2])
علم الاجتماع الديني وبنية المؤسسة الدينية ـ ميشال مسلان ـ ترجمة: عز الدين عناية
إنه لا ينبغي أن يحصر علم اجتماع الأديان في التأملات المحددة سابقا، إذ العديد من المسائل التي ينبغي طرحها والتي يلزم إثارتها، ليست سوى علاقات بين المنظومات الدينية الكبرى والجماعات العلمانية، كذلك الدور المنوط بهذه الأديان في إرساء علاقات اجتماعية بين البشر[i][1].
يهدف علم الاجتماع لمعرفة حياة المجتمعات، فهو يتعلق بدراسة بناها الداخلية وعلاقاتها الجدلية. ويسعى لتحليل الأسس الاجتماعية للمبادئ التي تحكم الجماعات البشرية، محاولا من خلال مقارنة مختلف أنماط المجتمعات البشرية، تحديد الأسباب والقوانين العامة لتطورها. ولزمن طويل، لم يكن علم اجتماع الدين يمثل بموضوعه الخاص، سوى فرع خاص من علم الاجتماع العام. كانت المدرسة الفرنسية خلال الربع الأول من هذا القرن، قد تبنت الفكرة القائلة، بأن أسس أي دين تكمن أولا في الحياة الجماعية ومن جانبه أيضا ربط علم الاجتماع الجدلي بشدة الوقائع الدينية بالبنى الاقتصادية والاجتماعية، حاصرا علم الاجتماع الديني في حدود الاختبار النقدي لعلاقات الخضوع بين الدين والتناقضات الاجتماعية. وبتطبيق رسم جد مختصر، أكد التحليل الماركسي أن الحقيقة العميقة لأي موقف ديني، ليست سوى نتاج ظرفية اجتماعية، يتحدد فيها طبقا لانتمائه لطبقة اجتماعية معينة. فالظاهرة الدينية تتجلى بمثابة التجسد لواقع محدد، حيث تكون تعبيره الإيديولوجي والانعكاس الجلي لمصالحه المادية. فبنوع من الحتمية وبصفة غير مباشرة، كان التطور لتحليلات جد معمقة. وبدون إلغاء للترابط البنيوي بين الدين والمجتمع، كان سعيها جادا لفهم وتفسير مختلف الأنماط. وبحسب هذا السياق، تطور علم الاجتماع الديني إلى علوم اجتماع دينية مختلفة، بحسب الموضوع الخاص لأي من تحليلاتها. إذ يبدو أنه قد هجر الوحدة الأساسية لحقله، موشكا أن يتيه في أتربة وتعرجات الحالات الخاصة، التي يتابعها بتحفزات علمية متطورة، ولكنه أحيانا أيضا متابعا أهدافا محددة بكل عناية. فالمسألة التي تطرح أمام علماء الاجتماع المعاصرين وهي، العودة عن تلك العلوم الاجتماعية الفرعية إلى علم اجتماع ديني حقيقي.
في موقف علم الاجتماع من التدين ـ لحسن محسن خوخو
يمكن أن نلخص الصعوبة الإبيستيمولوجية، التي كانت تعترض الدراسة العقلانية للدين، في السؤال التالي: كيف نستطيع أن نتخذ الدين، باعتباره ظاهرة مقدسة، موضوعا للدراسة العقلانية؟ ألا تنطوي عملية دراسته على إلغاء خصوصيته كظاهرة مقدسة، على اعتبار أن الدراسة العقلانية، لن تستطيع القيام بدورها، إلا بعد "تدنيس" مواضيعها على أرضية التاريخ؟ بمعنى كيف يمكن بحث موضوع الدين، عقلانيا، وهو يقوم على أصل غير دنيوي؟ أليس في عملية نقله من مجال المقدس، إلى مجال المدنس، إلغاء له، كظاهرة خاصة ومتميزة، وإفراغ الدراسة من موضوعها؟
لقد أدت هذه الصعوبة في دراسة الدين، إما إلى مقاربته بشكل تأملي، أسفرت في أحسن نتائجها عن إضفاء المزيد من القداسة والغموض على الظاهرة الدينية، وإما إلى تجاهله وإلغائه من الاهتمام، واعتباره إما "وهميا" وجب إزالته، أو "عصابيا" نفسيا يعانيه الإنسان (Marx, Freud ).
إلا أن أهم بداية لتجاوز هذه الصعوبة أمام دراسة الدين، عقلانيا، كانت مع ظهور علم الاجتماع وبداية النظر لقضايا لمجتمع والتاريخ، من وجهة نظر مغايرة للسابق، وبأدوات معرفية ومنهجية قريبة من حرارة الحياة الواقعية للبشر. ولعل أهم مؤشر على هذه البداية، هو اعتبار الدين ظاهرة سلوكية، تهم العلاقات الاجتماعية للفرد داخل محيطه الاجتماعي. هكذا تحول الموضوع من دراسة الدين، إلى دراسة ظاهرة التدين. فما يهم عالم الاجتماع، ليس الدين كإيمان روحي للفرد والجماعة، ومعتقدات تجيب على قلق الإنسان أمام العالم والمصير الوجودي، بل ما يهمه هو المظهر الاجتماعي والثقافي الذي يأخذه هذا الإيمان، على مستوى الحياة العامة للمجتمع، والتجسد المؤسساتي والتنظيمي، الذي يترجم هذه المعتقدات، إلى معاني تاريخية، وسلطة دنيوية.
الفقر بالمغرب وسياسة مواجهته ـ حسن أشرواو
مقدمة
يشكل الفقر إحدى أعقد وأصعب الظواهر الاجتماعية، والتي يصعب دراستها وحلها، وتتجلى الصعوبة الأولى في كون الباحثين والدارسين لهذه الظاهرة، يجدون صعوبة في قياسها وتحديد معاير و مؤشرات للتميز بين الفقير و غيره، هذا من جهة ومن جهة أخرى، يجد المختصون في السياسات العمومية و الواضعين لسياسة مواجه الفقر ومتخذي القرار في هذا الموضوع عراقيل عديدة لتوجيه هذه السياسات نحو عمق هذه الظاهرة.
إن ظاهرة الفقر ليست وليدة اليوم إنها ظاهرة متجذرة في التاريخ وأعمق مما نظن، مظاهرها عديدة ومسبباتها غامضة، و الحلول التي تضعها الجهات المختصة خصوصا الدولة لا تغني ولا تسمن من جوع، خصوصا في بلدان العالم الثالث عامة والمغرب خاصة. وفي هذا المقال سنحاول التطرق لهذه الظاهرة والبحث عن تعريف لها، وسنحاول الكشف كذلك عن الإشكاليات التي تطال الباحثين أثناء محاولتهم وضع تعريف جامع مانع لهذا المفهوم، ثم سنرصد بعض الإحصائيات المتعلقة بهذه الظاهرة في المغرب، وكيف يحاول هذا الأخير مواجهة هذه الظاهرة.
المثقف والتأثير الثقافي ـ مبارك أباعزي
في كل مرة، ينتج الناس حدثا مخصوصا يتم استهلاكه بشكل دوري عبر وسائط إبلاغ المعلومة المختلفة، ولو شاء أحدنا أن يحصي الأحداث المندوبة للاستهلاك الجماهيري على امتداد سنة واحدة، لاستحال عليه الطريق وصُدت دونه الأبواب. وهي، فضلا عن كثرتها، تُخلق لتسلية الناس وإخمار عقولهم لعلها تميط وجوههم عن القذارات الاجتماعية المختلفة.
ليس الأمر بسيطا كما نشاء أن نقنع أنفسنا، ففي كواليس كل حدث، هناك من يعمل في الخفاء لإظهار ما يجب أن يظهر، وإخفاء ما يجب أن يختفي، وفي كل خفاء أو تجل، لا يسع الناس إلا أن يستهلكوا كل شيء بعقول مخمورة وأذهان غائبة بعد أن جلسوا طويلا على مقاعد دراسة لم تقدم لهم يوما أدوات التحليل النقدي لما يلوح في آفاق الدنيا من أشياء أو أحداث أو ظواهر.
أما منتجو ثقافة الاستهلاك هاته فسينبهرون بقوة انتشار الأحداث التي صنعتها أيديهم، ويعتبرون هذا الانتشار وسيطهم لبلوغ السقف والنظر إلى الشعب من سدة الصيت الذائع، ثم يقتنعون بعد برهة أن أعمالهم هي السداد والفعل اليقين، فتشكلت لدينا فسيفساء مجتمع مريض؛ صحافة مريضة، ومدرسة مريضة، وإدارة مريضة، ودولة مريضة، وشارع مريض... أما هو، ذلك الإنسان الذي يطلق عليه عادة اسم "المثقف"، فينكفئ في زاوية مظلمة شديدة الحلكة، يجلس القرفصاء متدثرا بأسمال سميكة، ويتأمل الأشياء من بعيد بعينين متوجستين أذبلتهما المأساة.
العائلة في المجتمع المغربي، بناء اجتماعي وتاريخي ـ منير برقاد
يعد مفهوم العائلة من المواضيع الاجتماعية التي اهتم بها البحث السوسيولوجي بالمغرب، وذلك نظرا لما تشكله "العائلة كمؤسسة أجتماعية تكتسي أهمية وظيفية وبعد أساسي داخل النظام الاجتماعي، وإضطلاعها بأدوار متعددة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، فالعائلة هي النواة الاولى للمجتمع ، فتطور العائلة أو الاسرة هو تطور للمجتمع بأكمله، ونظر لهذا العمق الذي يكتسيه موضوع العائلة من حيث بنيتها وشكلها ومضمونها وقيمها ووعيها و تكوينها، فقد انصب العديد من الباحثين المغاربة على دراسة بنية العائلة وتشكلها ونشأتها وأنماطها، وذلك من خلال تحليلات سوسيوتاريخية تتجه نحو فهم وتفسير نسق الاسرة وعلاقتها السببية بالنظام الاجتماعي. وأمام هذا التعدد الذي تعرفه بنية العائلة، فإن طرح السؤال يبقى ضرورة ملحة لتوسيع مجال الفهم، فكيف تتحدد بنية العائلة بالمغرب؟ ما هي مظاهرها وتجلياتها وأنماطها وتفاعلاتها مع النظام الاجتماعي؟
إن فهم العائلة من منظور سوسيوتاريخي تخترقه أربعة ظواهر أساسية بتعبير الباحث السوسيولوجي "محمد شقرون" وهي: الديموغرافيا، الصعود نحو الشمال، التطور نحو الاستقرار، والخضوع للسلطة المركزية. ومن هنا يتجه هذا الباحث الى بلورة العلاقة السببية أو التطابق القائم بين النظام الاجتماعي المغربي ونمط البنية العائلية فيه، ولمحاولة فهم بنية العائلة في المجتمع المغربي فإنه يمكن الانفتاح على الحقل التاريخي ومعطياته التي تحدد الغنى المعرفي الذي يعرفه موضوع العائلة.