التعريف بالكتاب
كتاب نظرية المعرفة الاجتماعية هو كتاب جماعي من الحجم المتوسط(315ص) أنجز تحت إشراف "أل بان بوفيي" Alban bouvier و"برناركونين" Bernard Conein ،ظهرت طبعته الأولى سنة 2007 عن منشورات Raison pratique التي تصدر عن مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس. Ecole des hautes étude en science sociales paris.
التعريف بالمؤلفين
* البان بوفيي فيلسوف سوسيولوجي فرنسي. أستاذ بالجامعات الفرنسية. ارتكزت أبحاثه على فلسفة العلوم الاجتماعية والنظرية السوسيولوجية وخاصة نظرية "الاختيار العقلاني ". كما اهتم بشكل كبير بعلم الاجتماع المعرفي وبدراسة البعد الحجاجي للعالم الاجتماعي.(المقاربة الحجاجية).
له عدة كتب نذكر منها
-"الحجاجية الفلسفية " l'argumentation philosophique 1995
- السوسيولوجيا والمعرفة. مقاربة جديدة للمعرفة رفقة 'آني بروزيكا' و 'باتريك كاروا' 1998، والكتاب الذي بين أيدينا رفقة برنار كونيين 2007.
* برنار كونيين عالم اجتماع فرنسي، مختص في الاثنوميتودولوجي شارك في عدة مجموعات علمية. ويرتكز اهتمامه على البحث في أشكال توزيع المعرفة (المعرفة الموزعة)، علم الاجتماع المعرفي، ونظرية المعرفة الاجتماعية. من آخر كتاباته:
-الاتجاهات الاجتماعية ثلاث محاولات في علم الاجتماع المعرفي
Les sens sociaux trois essais de sociologie cognitive 2005
-الانترنت وهم محدود Internet : une utopie limité 2005
نوعية الكتاب وإطاره
هذا الكتاب هو مجموعة أبحاث اهتمت بتحليل البعد الاجتماعي للمعرفة. من خلال البحث في مصادرها غير المباشرة ، وأنواع التفكير والتبرير وكذلك في التفاعلات بين المجتمعات والجماعات المعرفية والأفراد وكذلك بين الأفراد فيما بينهم . و يرتكز الكتاب حول نقطتين أساسيتين:
-التأكيد على ضرورة معرفة خصوصية فكرة معايير المعرفة، حتى إن اهتمت بمقاربات وصفية. من هذا الجانب يمكن القول أن كتاب هذا الإصدار يشتركون وجهة النظر العقلانية.
-تشارُك مؤلفي هذا الإصدار لنفس الشك على المستوى السوسيولوجي سواء بشكل ضمني أو صريح، تجاه الأشكال الجذرية الكلية للسلوك الاجتماعي، وكذلك تجاه التصورات التي تبني عليها المجموعات الاجتماعية كياناتها الخاصة.
أسئلة الكتاب
من اجل الحديث عن أسئلة التي عرضها الكتاب لابد من لفت الانتباه إلى خصوصيته. حيث إنه يضم مقالات مختارة لأعمال تتشارك مفهوما موحدا للأبستمولوجيا الاجتماعية، ويستهدف تقديم انواع مختلفة من نظريات المعرفة أو بالأحرى أنواعا من نظرية المعرفة الطبيعية في المعرفة الاجتماعية. ويمكن صياغة الأسئلة الرئيسية التي تناولها الكتاب كما يلي:
-ماهي المكانة التي تحظى بها نظرية المعرفة بين العلوم الاجتماعية؟
-ماهي المبادئ الخاصة بالأبستمولوجيا الاجتماعية؟
-ماهي المبادئ التي يجب اتباعها لتحصيل المعرفة العادية؟وماهي الطريقة التي تنتج بها العلوم؟
الفرضيات
من أجل الإجابة عن الأسئلة طرح الكتاب عدة فرضيات:
-النظرية المعرفية تهدف إلى دراسة مشكلة إمكانية كل المعارف والمشاكل المشتركة بين المعارف كالموضوعية و الحقيقة.
-تتحدد الأبستمولوجيا بجوار فلسفة العلوم.
-يجب على الأبستمولوجيا تنويع معايير التبرير الواضحة والمضبوطة.
-يجب على الأبستمولوجيا المعرفية أن تحقق في مصداقية ونجاعة المعايير المستعملة من طرف الفاعلين الذين تصفهم.
قراءة في مضمون الكتاب
تناول الكتاب موضوع الابستمولوجيا الاجتماعية ، النظرية الاجتماعية للمعرفة. لا يتعلق الأمر بأبستمولوجيا العلوم الاجتماعية ولكن بفلسفة اجتماعية للمعرفة. إن أبرز اهتمام لهذه الفلسفة الاجتماعية للمعرفة هو وضع معايير للمعرفة ،ومن هنا ظهر في هذا الصنف من العلوم حركة "طبيعية" . وقد جاء هذا الكتاب من أجل اكتشاف هذه النسخة المعدلة من الأبستمولوجيا الاجتماعية "الطبيعية". من خلال الكشف عن العلاقات التي تربط الأبستمولوجيا الاجتماعية بالابستيمولوجيا غير الاجتماعية أو "الفردانية" .
يتكون الكتاب من أربعة أقسام تتشارك نفس المفهوم ويتكون القسم الأول من نصين، الأول ل''فيليب كيتشر Philipe kitcher" و الثاني ل ''باسكال أنجيل Pascal Engel" هذان الفيلسوفان اللذان حاولا توضيح خصوصية نظرية المعرفة الاجتماعية والتي تجعل من الضروري وضع معايير مرجعية كالموضوعية والحقيقة بالنسبة لكيتشر، والثقة والسلطة المعرفية بالإضافة إلى مفهوم "الحقيقة المعرفية" aléthistste épistémologique بالنسبة ل ''إنجيل''
يعد''فيليب كيتشر Philipe kitcher" من أشهر الفلاسفة المعاصرين ويعتبر مقاله من المقالات الكلاسيكية في الموضوع، حيث يقدم وجهة نظر معدلة ومتوازنة في نفس الوقت حول الطرق الممكنة لتصور الأبستمولوجيا الاجتماعية من خلال النظر إلى عينات مختلفة أو ما سماه "الاستقلال الأبستمولوجي" سواء بين الأفراد فيما بينهم، أو بين الأفراد والمجموعات .
عمل "كتشر" على دراسة حُجج اولئك الذين اتخذوا من السيكولوجيا والماكرو -اقتصاد من أجل إضعاف برنامج الأبستمولوجيا الاجتماعية. كما تطرق إلى كون الاعتراض المبدئي لوجهة النظر الفردانية والاعتراف المتلازم بالطابع الاجتماعي يقود عادة إلى تبني أطروحات مؤسسة على النظرية النسبية.
لقد بين "كتشر" في مقاله أن هناك مستويات مختلفة من التحسينات والتعديلات بالنسبة للحجج المستعملة من طرف النسبيين(من Bloor و Barnes إلى Rorty و Putnam) كاعتبار إمكانية اختزال الحقيقة إلى مجرد مسألة تقبل اجتماعي. لقد دعم "كتشر" فكرة ضرورة الرجوع إلى معايير أو إلى مفاهيم معيارية كالموضوعية والحقيقة، هذه المفاهيم التي يجب موضعتها بعيدا عن أفكار النقاش، الحوار، و المفاوضات. كما أكد على استحالة تحقق البرنامج الذي يريد اختزال المعارف في مصادر فردية بسبب الطابع الموزع للمعرفة. ويمكن القول أن "كتشر" أعطى معنى جد واسع لما يمكن ربطه بالأبستمولوجيا الاجتماعية بإدراجه العمال التي تتجاهل المرجعيات والمعايير.
المقال الثاني ل ''باسكال أنجيل Pascal Engel " وهو من أوائل الذين ناقشوا موضوع الابستيمولوجيا "الطبيعية" في فرنسا، عندما قدم أعمالAlvin Goldman كما انه واحد من الفلاسفة الفرنسيين القلائل الذين أسهموا في تحديد النظرية المعيارية للمعرفة. وقد ذهب "إنجيل" أبعد من " كتشر"فيما يخص دراسة التوثر القائم بين المقاربة المعيارية ومقاربة "التنشئة الاجتماعية" للمعرفية، حيث ذكر أن النظريات الكلاسيكية تؤكد أن المعرفة ترتبط بالإمكانات الفردية(الادراك_ العقل) ولم تتجاهل المصادر غير المباشرة للمعرفة. وقد ضرب مثلا بLocke الذي رأى أن العديد من مصادرنا المعرفية بنيت على شهادات الآخرين. وقد أكد Locke وكذلك Hume أن الشهادات لابد أن تخضع للنقد. ويرى Engel أن نظرية المعرفة الاجتماعية ظهرت منذ القرن 19 في كتابات الفيلسوف Thomas Reid مؤسس "مدرسة الإدراك الفطري" الذي نجد عنده تصورا غير قياسي للنظرية المعرفية يتموضع بين المستويين المعياري والوصفي. حيث دافع عن "الواقعية االمباشرة" "الواقعية الادراكية الفطرية" كما أنه عارض بشدة "نظرية المثل" التي روج لها جون لوك، ديكارت وغيرهم... فقد رأى أن هناك استعداد مزدوجا في الطبيعة الانسانية يجعلنا نقبل بصدقية ما يقال لنا من جهة، ومستعدين لقول الحقيقة من جهة أخرى. هذه الاستعدادات تصبح مقبولة بواسطة معايير مكتسبة نجعل منها معاييرا لتمييز المعارف. وخلاصة نظريته أننا ندرك الأشياء إدراكا سليما بفطرتنا وأن المعرفة المكتسبة بهذه الطريقة واضحة ذاتيا و لا تحتاج إلى برهان، ففلسفة الجدلية قائمة على أساس الضمير الذي يدرك الفضية بحدس مباشر. بناء على ما سبق يرى Engel أن النظرية التي أتى بها Reid هي نظرية معرفية اجتماعية جد مقنعة يجب استغلالها في تربية الأطفال.
انتقل Engelبعد ذلك للحديث عن Coady 1992 الذي يعتبر امتدادا لنظرية Reid حيث أخذ بعين الاعتبار التقاليد والطبائع والعادات المختلفة وأثرها على منح الثقة والسلطة المعرفية، خاصة بالنسبة للأطفال. و لكن Engel يؤكد على ضرورة الحفاظ على الفرق بين المعرفة والإيمان، هذا الفرق الذي تذيبه التصورات الجذرية لقيمة الثقة والسلطة المعرفية.
لقد عرض Engel في هذا المقال الغني بالمعلومات حول النظرية الاجتماعية للمعرفة تصوره الخاص الذي سماه "aléthiste" المشتق من الكلمة اليونانيةaléthe التي تعني الحقيقة، للإشارة إلى مفهوم الحقيقة الذي جعله مرجعية له.، محاولا ابراز ما كان يراه Alvin Goldman غير ضروري، وهو الفرق بين المعرفة والإيمان بصحة الأشياء. وهكذا دعم Engel فكرة أن الثقة غير كافية لأنها تقوم على مدى نجاعة الامكانيات المعرفة ووسائل الاتصال المختلفة، وذلك بإضافته للإمكانيات الأخلاقية للأفراد والجماعات مدافعا بذلك عن تصور "الفضيلة المعرفية"arétiste القائم على مجموعة من المناقب كالشرف ، الفضول، الانتباه....وأخيرا استنتج Engel أن أغلب المدافعين عن الأبستمولوجيا الاجتماعية يجدون أنفسهم فردانيين بشكل مفرط معزيا ذلك للإرتباط الذاتي بالمثالية المعرفية"للحقيقة"والتي تعارض المثالية "الطبيعية".
بعدما عرض االقسم الأول من الكتاب سؤالين مبدئين للأبستمولوجيا الاجتماعية، الأول حول قيمة المعرفة غير المباشرة. و الثاني حول قيمة الشهادة من خلال دور الثقة والسلطة في نقل المعرفة. جاء القسم الثاني ليقترح طرقا جديدة للتحليل الوصفي للمعرفة باستعمال مبادئ الموضوعية التي كانت مغفلة من قبل في هذا المجال، من خلال ثلاث مقالات :
-الأول ل هذه المقالات اعتمد فيه على مبادئ البيولوجيا و السوسيولوجيا.
-الثاني ل gloria Origgi وظفت فيه مبادئ علم سيكولوجية الأطفال.
- ومقال جماعي لعدة مؤلفين Philipe Barbanter, David Nicolas Isidora Stojanovic , Neftatli Villanueva.. اعتمدوا فيه مبادئ اللسانيات .
تمحورت هذه المقالات حول علاقات الثقة والسلطة في نقل المعرفة وخاصة فيما يخص الشهادات فإذا كان Dan Sperber أضاف الحجاجية كعنصر أساسي للتواصل يجب إضافته إلى الثقة والسلطة المعرفية فإن Gloria Origgi تدافع عن الموقف المضاد للإختزالية مقابل الموقف الذي يرى أنها "مكون ذاتي".
أما المقال الثالث فيبحث عن تمييز أنواع الاختلافات المعرفية واللغوية.
و هكذا اهتمت مقالات القسم الثاني بموضوع المعارف المشتركة أكثر من المعارف العلمية، رغم أن المقال الثالث تناولها جزئيا. وكل نصوص هذا القسم تدعم بصراحة تصورا للأبستمولوجيا الاجتماعية يعتبر التحليل غير اجتماعي إلى حد كبير، ليس فقط لأنهم يجعلون انطلاقهم من الأفراد أمرا قطعيا، بل لكون التحليل غير تفاعلي بشكل واضح أو أنه تفاعلي بشكل ضعيف كما هو الحال عند Dan Sperber . الذي جعل نقطة انطلاقه الكتاب الكلاسيكي لAlvin Goldman « knowldge in a social world1999 » بالعودة إلى نظرية الاختيار العقلاني (كما هو الحال عند Goldman) وبشكل خاص نظرية اللعب، وذلك عند اختبارالمناقب التعاونية للثقة الإبستيمولوجية (من خلال الصلاحية الممنوحة لشهادات الآخرين). لقد اهتم Sperber بمحور في الابستيمولوجيا الاجتماعية يتعلق بالحجاجية حيث يذكر أن " منح الضمانة بصدقية النوايا ليس الوسيلة الوحيدة التي تجعل المتواصل يؤكد صحتها، بل إن عليه تقديم مبررات عقلية تساعد على تصديقه". ولكن الاستمرارية بين تصوري Sperber و Goldman لم تذهب إلى حد كبير لسببين: الأول يرجع لكون Sperber لم يستعمل نظرية اللعب إلا استعمالا مجازيا لن اللاعبين المساءلين ليسوا أفرادا واعين بتداول أفضل الاختيارات كما كان الحال عند Goldman بل إنهم مجرد تنظيمات بسيطة تتبع اتجاهاتها البسيطة الطبيعية دون الانتباه إلى ذلك في غالب الأحيان. وفي هذا الإطار ارتكز Sperber
على نظرية التطور الداروينية-الجديدة، لتقديم مايمكن تسميته " التطور الفلسفي لمفهوم الثقة phylogénèse de la confiance فهو يرى أن الثقة الممنوحة لشهادة الآخرين تهدد التواصل المعرفي والمعلوماتي أكثر مما تخدمه. وبذلك يكون قد التحق بتحليل Bernard Williams حول ضرورة التفريق بين الوقار(ظهور المصدر بمظهر الشريف الموثوق به) والثقة (أن يكون المصدر فعلا شريفا)، وهكذا فإنSperber يدعم الابستيمولوجيا الاجتماعية "الطبيعية" لكونه يدعم الاعتماد الصريح على المعايير الابستيمولوجية.
أما مقال Gloria Orrigi التي يرجع لها الفضل في إنجاز عدة دراسات حديثة في الأبستمولوجيا الاجتماعية خاصة حول موضوع الشهادة، فقد تجاوزت فيه ما جاء به Sperber حيث ذكرت بالأطروحة "الاختزالية" التي تعود إلى Luke وHume وكذلك بالأطروحة "المضادة للاختزالية" ورغم أنه لم يذكر استحالة المهمة الاختزالية إلا انه شكك في إمكانية تحققها. وبعد هذه التوضيحات دافعت Origgi عن كون الاطروحة "المضادة للاختزالية" هي نسخة قوية من الابستيمولوجيا الاجتماعية من خلال دراسة حجتين قويتين مضادتين للاختزالية:
-الحجة الأولى تعرض فكرة استحالة المهمة الاختزالية، على القل في بعض الحالات كالوضعية التعليمية كمثال، حيث أن الطفل لا يمكن أن يتعلم دون ان يضع ثقته في مصدر التعلم. لقد سارت Origgi على خطى Coadyالذي اعتمد الأدبيات السيكولوجية الحديثة لإطهار إمكانية الحدس السيكولوجي ل Reid.
-الحجة الثانية من النوع البراكماتي وهي أن استعمال الخطاب في التواصل يعتمد على مسلمة الثقة، وبصيغة أخرى كون" التواصل يتطلب قرينة الحقيقة"La communication requiert une présomption de vérité .
استنتجت Origgi من خلال مقارناتها أن تبرير الثقة لا يجب البحث عنه في خصائص اللغة ولكن في خصائص التواصل، كما اتخذت بشكل جزئي وصريح موقفا مواجها لبعض المؤلفين الذين يعتبرون " أن اللغة ليست فقط أداة ووسيلة للمعلومة" ولكنها "مصدر لتبرير قناعتنا".
هذه المسألة بالتحديد هي التي تناولها مؤلفو المقال الثالث من القسم الثاني بالتفصيل من خلال إشكالية السميائية اللغوية، وذلك من خلال مناقشة أطروحة Tyler Burg و Hulary Putnam من أجل التمييز الدقيق للفوارق الابستيمولوجية(سلوكات الشخص الذي يخضع لسلطة الآخر فيما يخص إعطاء الأحكام) لميكانيزمات قريبة لكنها مختلفة كالفروقات اللغوية (سلوكات الشخص الذي يخضع لسلطة الآخرين فيما يخص الاستعمال السليم للغة) حيث خلصوا إلى ضرورة استمرار بناء الجسور بين نظرية المعرفة ونظرية دلالة الكلمات والاقتراحات.
القسم الثالث يتكون من أربع نصوص، وهو يتجاوز البحث في التفاعلات كما كان الحال في القسم السابق، إلى طرح مسألة المعرفة حول ماهية المعايير؟ وبأي معنى يمكننا القول بأن مجموعة تستطيع أن تكون موضوع للمعرفة؟.
تناول Paul Thagard في المقال الأول من القسم الثاني تعديلات موضوع التعاون بين العلوم حي اهتم بالأساس بوصف الممارسات العلمية محاولا الجواب عن سؤال إمكانية التعاون والتنسيق بين العلوم المختلفة، وبين أشكال التعاون الممكنة وكذلك تناول اهتمامات النظرية المعرفية الطبيعية المتشككة في اقتراح تعديلات في صياغة معاير التبرير كما اقترح إصلاحات تربوية وفق لذلك. معتبرا من جهة أن الاختزالية هي برنامج صعب التحقق إن لم نقل مستحيل التحقق على غرار kitcher. ومن جهة أخرى راى أنه يجب تجاوز تصور الانتقال الحادي الاتجاه للمعرفة والمعلومة، ليصبح انتقالا تفاعليا. لقد قدم لنا Thagard بشكل جدي وصفا للممارسات الاجتماعية للمعرفة وتقييما لها ولإصلاحاتها الأخيرة، منطلقا من المهمة المعيارية الخاصة للإبستسمولوجيا الاجتماعية التي جاء بها Goldman. وهكذا فإن وصف الممارسات العلمية عنده يهدف إلى الاجابة عن الأسئلة النوعية التالة:
-هل يمكن أن يسود التعاون بنفس الطريقة بين العلوم؟
-ماهي الشكال المختلفة الممكنة للتعاون( بين الأساتذة والدكاترة، بين أزولج من نفس التخصص، بين أزواج من تخصصات مختلفة...) ؟
-ما الذي يدفع الباحثين للتعاون؟
فالمعايير العرفية كلها مندمجة عند Goldman في تصوره للحقيقة véritiste الذي يهتم بقابلية الممارسة للإنجاز وخصوصيتها. أما Thagard فيرى أنه من الضروري إضافة النجاعة التفسيرية في بعدها المعزز للانسجام العلمي. بناء على هذا المعيار يصبح من الواضح أن التعاون يجب أن يكون ذا قيمة – وجهة نظر المعياريين- .ففي الوقت التي تقودنا –وجهة نظر اعتبار الخصوبة- إلى التعاون.
رجع Thagard كذلك إلى Ronald Gierre 1992 في تصوره للمعرفة الموزعة. للحديث عن الكم المعرفي المن على الانترنيت وال يسهل التعاون العلمي، ليس فقط بالنسبة للباحثين بل للعامة كذلك، وأن هذه البكات توفر زمن البحث وتسهل اكتساب المعارف، كما أنها ساهمت في خلق "جماعة معرفية جديدة" هم "أصحاب المعارف".
جاء مقالا Bernard Coneinفي نفس السياق حيث تمحور حول الحق في معرفة صادقة، من خلال طرح سؤال المعيارية وقد تمحور مقاله حول السؤالين التاليين:
-ما هي المحددات العلائقية بين المخبرين التي تسهل تحصيل المعرفة؟
- وكيف يمكن لتكنولوجيا الإعلام والتواصل أن تحد من هذه المحددات؟
أما مقال Marar Beller فيعود بنا إلى تاريخ علم اجتماع العلوم. لاكتشاف تصور لنظرة المعرفة الاجتماعية تم بناءه بعيدا عن التيار الذي يحمل هذا الاسم، حيث طرحت نفس الإشكالية التي طرحها كل من Thagard و kitcherوالتي تتعلق بتوزيع العمال والتعاون بين العلوم في بناء المعارف. وقد استطاعت Bellerبفضل أصالة تصوراتها (استعمال تصور متعدد الأصواتPolyphonie) الدفاع عن كون النظريات العلمية اليوم نادرا ما تكون إنتاج باحث واحد، وانها في الغالب نتاج نقاشات ومفاوضات بين الباحثين، معتمدة على المقاربة الاثنوغرافية لتأكيد ذلك مبينة انه حتى المقالات العلمية التي كتبت في عزلة تحمل بين طياتها نقاشات قبيلية مع باحثين آخرين. لقد اعتمدت Beller نمذجة تحليلها على السوسيولوجي الأدبي Mikhaïl Bakhtine الذي طور نموذجا حواريا «متعدد الأصوات" لتحليل القصة الروسية تم تعميمه بعد اعتماده في الأدب الفرنسي والأمريكي في السبعينات من القرن الماضي، والذي عرف امتدادا معاصرا في المقاربات اللغوية الحجاجية. واعتمادا على نموذج Bakhtine بينت Bellerأن النصوص العلمية تحمل دائما أثر"صوت" العغناصر المحركة للنقاشات الأولية.
أما القسم الرابع من الكتاب فيتكون من ثلاث مقالات Margaret Gibliert"" و Ableir Bouvier و Pierre livet. تناولت مسألة حاسمة من وجهة نظر سوسيولوجية تتساءل عن وجود "مجموعات فريدة" حسب Goldman أو "جماعات معرفية" حسب Lyme Nelson هم المالكون الحقيقيون للمعلومة والمعرفة. لقد بينت Beller بحديثها عن الحوار والحوار المتعارض اعتمادا على مدرسة كوبنهاجن أن الانخراط في مجموعات لا يتأسس على قناعات مشتركة تماما، لأن ذلك سيحد من الإبداع. لكنها لم تقدم تحليلا تصوريا لماهية الجماعة العلمية؟ وماهية الانخراط الاجتماعي؟. في إطارالسؤال التصوري للعناصر المتضادة للتقديم الجماعي ذو الطبيعة "الدوركايمية" هو ما تداولت Margaret Gibliert"" باعتماد النظرية الاجتماعية للمعرفة والأفكار والتي بنتها عموما على أساس الفلسفة الاجتماعية. حيث تطرح بوضوح سؤال المعرفة وما إذا كان بالإمكان القول أن جماعة علمية يمكن أن ترتبط بموضوع معرفي خاص؟ هذا السؤال الذي نلمس فيه المفهوم الكوهني للبراد يكم والذي يرى فيه أن لكل براديكم جماعة علمية خاصة، وأن كل جماعة علمية تلتزم ببراديكم خاص يمنحها خصوصيتها.
هذه النظرية هي نتيجة انخراط والتزام مشترك "التزام الرفقة" بين مقدمات فردانية ونموذج تعاقدي. حيث ترى من وجهة نظر سوسيولوجية أن الجماعات هي المصدر الرئيسي لكل المعلومات والمعرفة. وقد طرحت Gibliert في مقالها سؤالا نوعيا حول معنى الالتزام الجماعي وخاصة معنى الالتزام في جماعة علمية حيث ترى أن الحياة العلمية والبحثية تتأثر بالحياة العامة أو الحياة العلائقية، وأن جماعة الآراء الفردية تلتزم مع بعضها البعض. من أجل تكوين جماعة ، مما يجعل الفرضيات الناتجة عن الفرد خاضعة للمنطق الجماعي.
في المقال الثاني اتجه Albain Bouvier في مقاله لدراسة المدرسة النمساوية للاقتصاد هذه المدرسة التي تمثل نموذجا فريدا من نوعه لجماعة علمية حافظت على استمراريتها لأكثر من قرن، ليقدم لنا تحليلا أبستمولوجيا اجتماعيا لعلم اجتماعي. حيث بين الفرق بين الفلسفة العامة للعلوم الاجتماعية والأبستمولوجيا الاجتماعية(الطبيعية). وقد عمل Bouvier كذلك على تحليل تصور"التزام الرفقة" ناقشته Gilbert والتصورات المشابهة كالتصور الفلسفة الاجتماعية ل Philip Pettit ومن اجل توضيح هذه التصورات يرى Bouvierان من الضروري العودة إلى المفاهيم البدائية" الأيمان " و " التقبل" ..كما وضعها Jonathan Cohen :
-ما معنى الإيمان بنظرية علمية؟
-مامعنى تقبل نظرية علمية؟
-مالفرق بين التقبل الجماعي لنظرية علمية والالتزام تجاهها؟
لقد طرح Bouvier بشكل صريح مسألة - المعيارية – في معرفة ما إذا كان التزام المجموعة أمرا سلبيا دائما من وجهة نظر التطور العلمي؟ حسب رأي Beller ، وما إذا كانت هناك أنواع أفضل من التعاون؟ وما إذا كان الالتزام في جماعة تغيب فيها الهيمنة يؤسس نموذجا مثاليا؟.
سار Pierre Livet كاتب المقال الثالث في هذا القسم على نموذج Albain Bouvier حيث شاركا في عمل جماعي بمدرسة كوبنهاغن حول المدرسة النمساوية للاقتصاد. ارتكز Livet على نظرية مراجعة المعتقدات محاولا الاجابة عن أسئلة مرتبطة بهذه النظرية التي تعتبر فرعا من نظرية الاختيار العقلاني التي تستخدم أساسا من طرف نظرية اتخاذ القرار وكذلك في المجال الاقتصادي. ولكنها يمكن أن تطبق في جميع مجالات الابستيمولوجيا الاجتماعية.
عمل ليفي في هذا المقال على جعل المدارس الفردانية تهتم بمسألة الالتزام بالمجموعة كما جاءت بها Gibliert حيث بين بدقة مجموعة من الوضعيات التي يجب على الفاعلين الاجتماعيين فيها تغيير آرائهم أي"مراجعة "قناعاتهم. كماحدد وضعيات أخرى على الأفراد تجنب مراجعتها التي قد تكون مكلفة ، خاصة إذاكانت ستثير خلافات معرفية قد تحل في يوم من الأيام.
يمكن أن نستخلص من مقال Livet القيمة الكبيرة التي أعطاها للثقة المعرفية بين الأجيال مع إدماج البعد المعرفي من خلال نظرية مراجعة القناعات.
وأخيرا يمكن القول أن هذا الكتاب لا يتوقع التقديم الكامل للحقل الشاسع للأبستمولوجيا المعرفية المعرفة المشتركة سواء كانت اجتماعية ام فردية. لأن الخوض في فروعها المختلفة الاثنوإبستيمولوجيا- الأبستمولوجيا المعرفية القانونية- الأبستمولوجيا الأخلاقية أو السياسية...سيتطلب عدة مجلدات.
ولكن حاول إعطاء فكرة حول مختلف تقسيمات المجالات الابيستيمولوجية وتحديد تنوعها من وضعية لأخرى.
كما حاول إعطاء توضيحات وأوصاف الممارسات المرتبطة بالمعرفة الاجتماعية. والخطابات المعيارية في إطارها الاجتماعي.وكذلك اقتراح مجموعة من طرق الإجابة عن الأسئلة المفاتيح في مجال المعرفة الاجتماعية.