تتعدد الأسباب والموت واحد، هذا عندما يقدم شخص ما على الانتحار، إما بالشنق، أو بأداة حادة من الأدوات، أو بالرمي بنفسه من الأعلى، أو بواسطة سم من السموم الفتاكة والقاتلة ، أو بطريقة من الطرق وهي متعددة. هذه وضعيات بارزة ونتيجة لاختلالات مادية وروحية ونفسية تجعل المنتحر يقدم على إنهاء وجوده المادي طوعا أو كرها بلا شفقة ولا رحمة . أقل ما يقال عنها أنها نهاية مجحفة.
هذا الاختيار يمكن التعاطف معه، والرثاء له، واعتباره حالة إفلاس للروح، ووضع أصحابه- بما أنهم يشكلون أقلية- بمتحف المخدوعين، لكن ماذا عن الذين يشكلون أغلبية داخل المجتمع وهم ينتحرون كل يوم بوسيلة من الوسائل المشروعة وغير المشروعة وذلك في صمت مريب ؟ يعيش المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة، أكبر هزة أخلاقية وفيمية، يعيش تناقضات مؤلمة، يريد الحداثة بكل متعها ، لباسا وفنا وغناء وصخبا، ويصوم الاثنين والخميس وأيام البيض استجابة للعقل الديني ويحتفل برأس السنة مع المسحيين ويوزع المشروبات بأنواعها وأصناف الطورتة والشكولاطة الباريسية كشكل من أشكال المشاركة والاحتفاء بالديانات الأخرى، إنه نوع من أنواع السفر المجاني إلى قلب الكنيسة المسيحية.
المجتمع المغربي مؤخرا أصبح أكثر حساسية من كل شيء وتحول إلى " حيوان " شرس يعاتب وينتقد كل شيء ، يرغب في مشاهدة غرائب ولقطات عيوش " الحلوة الكافرة " في المساء، وينزل كل غضبه ولعاناته في الصباح الباكر عليه، حتى هناك من وصفه بالخارج عن الملة، صنف آخر يتملى بمؤخرة المغنية المشهورة جنيفر لوبيز ورقصاتها الجنسية المثيرة، وعندما يستفيق من شبقه وهذيانه، يعلن عليها الحرب ويعتبرها شيطان مارد يجب طرد روحها الشريرة التي دخلت كل بيوت المغاربة ودنستها .
فئة تدافع عن حق الإفطار العلني وحرية العلاقات بين الجنسين، والمس بهما هو إخلال صريح بحقوق الإفراد وبحياتهما الشخصية، لكن فئة أخرى تعتبر هذا ضربا لعصب الدين والمجتمع ووسيلة من وسائل تخريب العقل الديني ووجب التصدي لكل من خولت له نفسه أن يهدم هذا البيت الذي نستظل به جميعا.
معضلة الإجهاض، الذي كان سببا هو الآخر في تقسيم المجتمع إلى قسمين وهذا أمر محمود وفضيلة من فضائل الديمقراطية والحوار، لكن أن يتم استحضار مفهوم المؤامرة من طرف بعض الفصائل واعتباره تشييعا للجنس والفجور فهذا يظهر أن هناك خللا في معالجة أعطابنا بنوع من التطرف الخارج عن أخلاقيات النقاش الهادئ والهادف .
شبكة المثليين، تفرض نفسها بقوة داخل النسيج المجتمعي، نعم هم قلة، لكن آلة الدعاية التي يستخدمون قوية، والخطاب الحقوقي الذي يستعملون ذو تأثير نافذ في الأوساط الدولية، وقد يعطي صورة سيئة لصورة للمجتمع أنه لا يحترم الأقلية، وأنه مجتمع أحادي وليس تعدديا .فئات كثيرة في المجتمع من تتبني أفكار هم وتدافع عنها ولكن لاتستطيع الإجهاربها خوفا من ردة فعل العقل الأخلاقي للمجتمع، وبذلك يظل المجتمع يعيش حالة شرود وتيهان مستمرين.
الزواج بالفاتحة، هذا من بين المشاكل العويصة التي تؤرق الدولة والمجتمع، فقد عمدت الحكومة الإسلامية بعد تفكير طويل في تمديد هذا الزواج " البدائي" خمسة سنوات أخرى، تحت مراقبة عيون الداخلية وتعليماتها، لكن الجمعيات النسائية لازالت تطالب بقطع رأسه لأنه يعتبر أكبر شطط وإهانة في حق الفتيات اللواتي يتم اعتبارهن أكبر احتياطي لشهوة الرجل المريض بجسد لم ينضج بعد.بالمقابل هناك من التيارات من يجيز هذا الزواج ويعتبره عفة وسنة وحماية للفتاة من شبح العنوسة والعهارة وفرصة لبناء أسرة يمكن أن نباهي بها الأمم.
مشكل اللغة، التي يجب استعمالها في التدريس، لايزال هو الآخر فتيله مشتعلا، بين مؤيد لاستعمال اللغة الدارجة وبين من يتشدد للغة العربية باعتبارها لغة القرآن، وقد عاش الجميع فترات عصيبة بين التيارين وصلت إلى اتهامات خطيرة لآل عيوش بخدمة أجندة خارجية وقتل ما تبقى من جسد التعليم المترهل، وهنا تحول المشكل التربوي من قضية بيداغوجية إلى مشكل أخلاقي وديني من بعض الإطراف بعد تحميله أكثر من اللازم رغم أن مشكل التعليم هو قضية توجه دولة بأكملها وليس مشكل لغة.
ولايقف الأمر عندا هذا الحد، بل هناك جناح آخر وهم أقلية، والذي يبسط نفوذه على كل المؤسسات والتابع لأمنا فرنسا، يدافع وبشراسة على اللغة الفرنسية باعتبارها لغة البحث العلمي والحداثة والرقي، وهؤلاء يجدون دعما كبيرا من جهات متعددة في الدولة ويفرضون سلطتهم المادية والثقافية على الجميع وما على الأغلبية من الشعب سوى الامتثال والخضوع لهذه الأقلية.
المجتمع المغربي إذن، يعرف في الآونة الأخيرة، تحولات خطيرة، خصوصا أن فئة الشباب تشكل نسبة الغالبية في الهرم السكاني، وهذه الفئة لحسن أو سوء حظها تعايش أشرس المخترعات التواصلية في القرن الجديد وهي" شبكات التواصل الاجتماعي" ولهذا فهي جد متأثرة بحمولتها وبعصبيتها الافتراضية، وبالجديد من قوانينها ومبادئها المدهشة، وهنا يجب أن نستحضر السحر القوي الذي كان مفعوله قويا على سلوك وعقلية هذه الفئة، بسبب الفرجة والمتعة التي تقدم لهم مجانا من خلالهما، وهو ما سيزيد في عزلتهم اجتماعيا وعاطفيا وخلق عوالم خاصة بهم بعيدة كل البعد عن الواقع، خاضعين بذلك " للإستعمار الإلكتروني " على حد تعبير توماس ماكفيل.
وهنا يجب أن ننتبه جيدا إلى هذا الجيش من الشباب الذي تفاعل مع ثقافة الشبكات التواصلية وما تحمله من قيم جديدة وشعارات في الثورة على كل شيء خصوصا بعد الربيع العربي، ولهذا فدورهم أصبح محوريا في سلم القيم، واستبعادهم أو تغيبهم من خريطة الأمن المجتمعي يعتبر تهديدا حقيقيا للجميع. وعلى هذا الأساس فالشباب هو المعني الأول في إشراكه في لعبة الحلال والحرام التي برزت بقوة هذه الأيام،وكل جهة تحاول أن تفرض سلطتها المادية والمعنوية، وقراراتها الفوقية وتقدم نفسها باعتبارها البديل الحقيقي للشعب المغربي عن طريق الرهبة أو شيطنة الآخر وتكفيره في بعض الأحيان هو إضافة قاتلة في عزلة المجتمع وانغلاقه وتطرفه، ولهذا يجب إعطاء فرصة للمجتمع للتعبير والإدلاء برأيه في كل ما يخصه دون تسفيهه وإقصاءه والتنقيص منه وسد الباب عليه ، حتى لا يتورى إلى الخلف ويحترف الصمت وهذا اكبر انتحار سوف يهدم استقرار الدولة والمجتمع .