إن الحديث عن الشاعر المبدع محمد السرغيني كما يقدم لك نفسه في آخر إصداره "وصايا ماموث" لم ينقرض"(1) هو حديث عن الذي طوع الحركة والإيقاع على ركح مسرح شعري أعاد الكرامة إلى العصور الجيولوجية التي كانت تحتفي بالديناصورات والخراتيت والماموثات.
إنه حديث عمن تنسم رائحة التراب والرمل والحصى والوحل الرطب، والساكن في حديقة بيت بعد انبجاس الماء من بئرها، والمبتكر لفاكهة بكر لم تتورط في خطيئة.
إنه حديث عن الذي نسج من شرايينه أسطورته في شكل وصايا لها من الحصافة ما به تحسن استقبال السماد الروحي.
إنه حديث عن الكائن الليلي الذي احترم الأرق كما احترم الحلم، والمتحامل على جذعه وأطرافه، والباحث دوما عن إبرة في متاه رمال.
إنه حديث عن الذي أتقن تصويب العدسة نحو الأفق ليرمم الفضاءات ويعيد تحديد مقاسات الطول والعرض والمدى.
إنه حديث عن الذي روّض اللغة بين الإبهام والإيضاح والصحو والسكر بتقنية عالية من التخييل الرقمي.
إنه حديث عمّن حمل عصاه، والتفّ حول شياهه الضالة.
إنه حديث عن الذي روض النماذج المشبوهة من النهارات والظهيرات والأصائل والعشايا، والذي ميز بين اللون المخصي واللون الفحل.
إنه حديث عمن احترف الرسم بالصيغة الألفبائية. وعمن خبر فجاج الطريق الشائك المبلط، وسار على أحجاره المسنونة التي لا تزال محتفظة بآثار الأقدام العارية، وسنابك الخيول وأخفاف الجمال وزوابع الخريف وعواء ذئاب القطب الجنوبي.
بهذه الملامح التي رسمها لذاته الشاعرة، يعانقك الشاعر المبدع محمد السرغيني وهو يستدرجك لولوج محراب تجربته الشعرية الجديدة كي يتلو عليك وصاياه وينفث مزاميره كي تخطها الرياح على الرمال.
I- القراءة الوصفية:
بهذه الصفات يستدعيك عاشق الدهشة السحرية إلى مأدبة أفعاله: "وصايا ماموث لم ينقرض" الذي أراد له الشاعر المؤسس لرؤيا شعرية مغربية أصيلة أن يكون عصارة تجربته الإبداعية، وبيانات شعرية لما يجب أن تكون عليه الكتابة العارفة/ العالمة/ والحالمة التي تتقاطع فيها:
- الكتابة بالكلمة، والكتابة بالمعنى، والكتابة بالصورة، والكتابة بالحواس، والكتابة بالموسيقى، والكتابة بالذاكرة...
إن عملية الخلق الشعري- من منظور محمد السرغيني- أشبه ما تكون بطقوس سحرية لابد فيها من الإنغماس الفعلي، والاحتراق الداخلي، والسياحة في الآفاق القصية لاستلهام الأسرار الممكنة، والارتعاشات الضرورية لانطلاق البوح الشعري القادر على الإحاطة والإبلاغ.
وهذا ما لا يتحقق إلا لمن اصطلى بنشوة التشظي، وخبر أسرار محراب الكتابة.
ولأجل استخلاص ما يمكن أن يعتبر بحق "قوانين وسنن الكتابة الشعرية" يقترح علينا محمد السرغيني في ديوانه البديع شيئا غير مسبوق، ألا وهو: "ورشة شعرية" بمواصفات محددة ودقيقة، تؤطرها قوانين ملزمة بالنسبة لمن أراد ولوج مغامرة الكتابة، ويسمي هذه الورشة بـ :" التشكيل الشعري" الذي تتداخل فيه جميع العناصر المكونة للرؤيا الشعرية.
من هذا المنطلق، فالديوان هو بمثابة: "كتابة مزدوجة":
كتابة في الإبداع الشعري.
ب- وكتابة عنه في نفس الآن.
إنه تداخل بين الكتابة والإبداع انطلاقا من القناعات المؤطرة لكيفية التصور الحداثي/ التجريبي لصياغة قصيدة ذات ملامح خاصة.
إن الكتابة الشعرية لابد أن تتأسس على رؤيا تسعى جاهدة لاحتواء كل ما العالم. ويبدو لي أن الشاعر محمد السرغيني هو من دعاة" الشعر المندمج" أو "الشعر المتكامل" الذي دعا إليه "جان كوهن" في كتابه: "بنية اللغة الشعرية".(2) لكونه لا يدخر جهدا في بحثه الدؤوب عن صياغة "قصيدة كونية" أو "القصيدة/ العالم".
إن وعاء القصيدة عنده رحب فسيح أفقيا، ومتجذر عميق عموديا، ولذلك فهو يرشح بمدارك ومعاني عصية على التحديد: (صوفية، فلسفية، تاريخية، فنية، أدبية، علمية، وميتافيزيقية أيضا)، ومن أجل المساهمة في صياغة هذه القصيدة وتشكيلها، لابد من إنصات صاحبها إلى معاني الأشياء وحركة الحياة الخفية وتجاوز المرئي نحو اللامرئي. وهذا لن يتحقق إلا بقدرة الشاعر على الانخطاف والاستغراق والسياحة في الآفاق.
يوضح محمد السرغيني تصوره للشعر بقوله:
" الشعر أسطرلاب في مرصد فلكي له نباهة الكواسر
وفصاحة دخان مداخن الشتاء.
الشعر يصوغ من طين اللغة اللين صورا شفافة
رهيفة النسيج، مجبولة من المتداول ومن عسر الولادة.
الشعر دينامو غير منظور يضخ الحياة في أوصال
الاستعارات الباهرة ولا يتورع في ضخ رداء من عطر
الماء الأرضي في شرايين القمر العالي.
الشعر وحده الذي يعرف متى وأين تستيقظ
انفعالات الضباب" (3).
غير أنه يدافع عن حقه في التمايز والتفرد وفق نظرة تسعى دائما لتحقيق الخصوصية الذاتية، والأصالة التعبيرية.
1- الوقوف بأعتاب الديوان:
يتشكل ديوان "وصايا ماموث لم ينقرض" من استهلال وستة أجزاء.
أ- الاستهلال: وهو عبارة عن إضاءة يمكن أن تفيد القارئ، يحدد فيها محمد السرغيني زاوية نظره إلى ما يمكن أن تحمله وصاياه من أبعاد ودلالات تبقى – عموما- عصية عن الإلمام ومنفلتة عن الإدراك.
إذ يقول: "تعودت ألا أبيح الكذب لغيري لأنني لا أعرف كيف ومتى وأين أكذب"(4).
ويضيف: " ولو آثرت الصدق على الكذب لما قدرت على تحمل الألم كما هو في الواقع الحي" (5).
يحيلنا هذا البوح على المقولة التي كرستها مدرسة الشعر العربي القديم: "أعذب الشعر أكذبه" كما تحيلنا على الحوار الشعري الذي دارت رحاه بين أنصار المدرسة المحافظة والتي تزعمها الشاعر المطبوع "البحتري"، وبين أنصار المدرسة المجددة (المحدثة) والتي تزعمها: "شاعر الصنعة: "أبو تمام". إن علاقة الصدق والكذب بعملية الإبداع في الشعر والفن عامة، هي عملية قديمة وحديثة- في نفس الوقت- شكلت عبر العصور منطلقا لمناقشات مستفيضة. غير أن استهلال محمد السرغيني لديوانه بإثارة هذا الجدل يبدو وكأنه عملية إرادية للفت الانتباه إلى ضرورة توفر المادة الشعرية على الخصوبة والغنى اللازمين وقت المخاض الذي يسبق ولادة القصيدة، دون إغفال الجانب الفكري الذي يسمو بالتعبير ويكسبه الجناح كي يحلق في آفاق رحبة مشرعة على المدى المطلق. ومن ثم يبدو محمد السرغيني وكأنه يعلن انتماءه إلى أنصار الجانب الفكري والفلسفي... دون التفريط في صياغة التشكيل القادر على تلحيم المادة الشعرية وفق رؤيا خاصة.
فمن المنطلق الأول يمكن اعتباره من حفدة أبي تمام الطائي وأبي العلاء المعري وأبي الطيب المتنبي والذين أقام معهم حوارات شعرية وبادلهم الهواجس والوساوس في أكثر من قصيدة.
ب- الجزء الأول الذات الشاعرة:
ويحتوي على قصيدة طويلة تحت عنوان "رهان على الوصايا" يرسم فيها محمد السرغيني "بورتريها" يعرف القارئ من خلاله على نفسه عبر نجوى حميمية:
"إسمي قريب من مسماه بعيد مني
"حيازة الممكن أسهل من إتلافه)
لعبي جد متوازن،
فوق الغريزة، وتحت سقوط التكليف،
تلك مراهنتي على صحة وصاياي".(6)
وقصيدة "رهان على الوصايا" هي عبارة عن سيرة ذاتية للمبدع محمد السرغيني، يجملها في الحصيلة التالية:
" عشت أطوار حياتي، لكل طور ما يناسبه من القلق والحصيلة: دفتر حالة مدنية بنيت عليه بطاقة تعريف بني عليها منصب مالي بنيت عليه رسالة بإيداع في تقاعد مبكر بني عليها كفن وسفر على آلة حدباء". (7)
ثم يسترسل الشاعر في سرد وقائع سيرته الشعرية مستغلا تقنية (الكتابة عن الكتابة) حيث يقول:
" وقفت كثيرا عند مقولة: "خلق الله العالم شعرا، "توقعت رد الاعتبار إلى غاوين يتبعهم غاوون، لم أجرؤ على تأويل البديهي. من سكن اللغة المطلة على أسمائه، لابد من ابتدائه بالسريانية وانتهائه بلغة اللغة، ومن سكنته اللغة ينفق من صمته على كلامه، حملت عصاي والتفت حول شياهي الضالة، كان من الضروري تقليص ما بين الجميل والأجمل من المسافة" (8).
ومن أجل تشكيل ملامح الذات الشاعرة، وتقديمها للقارئ في الجزء الأول من ديوان "وصايا ماموث لم ينقرض" يغوص الشاعر في أعماقه السفلى محاولا صياغة ما يحس به أثناء إصابته بحمى البوح الشعري:
"أنا الندم الواسطة بين الحسرة والأسف، أتنسم رائحة التراب والرمل والحصى والوحل الرطب (شذاها فطري) لكنني لا أتنسم في المعرفة والفن والفكر إلا عطرا شرسا هو فيها توابل طفيليات تدغدغ الشم المزكوم؟ أكيد أنه من السهل تطعيم المعرفة والفن والفكر بعبق المستقبل" .(9)
والشاعر كلما أسهب في رسم ملامح هذه الذات الشاعرة عبر فقرات شعرية طويلة، يحس وكأنه مخل بأمانة ما تزخر به ذاته من مواصفات، ولذلك فهو لا يتورع في البحث عن الخيوط السرية محاولا أن ينسج منها اللحمة الضرورية لتشكيل صورة قريبة من هذه الذات:
" صورتي الحية مواجهة لأصلها الميت
في الصبا
في اليفاعة
في الشيخوخة،
الصدر جاهز لاقتبال التدرن الرئوي
برهة آبقة صماء
في مقابل سنة ضوئية ناطقة". (10)
وهو كلما اقترب من إضفاء "الروتوشات" للانتهاء من تقديم هذه الصورة، تنثال عليه الأسئلة الميتافيزيقية المرتبطة بالحياة والموت وما بعدهما، مستعرضا مراحل عمره، ومستعدا لمواجهة المصير:
"أيها العمر الجميل ! أقبلك وبإجلال طفلا سرمديا مبدعا أرفضك شيخا يستمرئ الرضاعة ويكره الفطام. ليس الولاء للسن المتقدم قانونا سماويا، فقد وقع لي أن مررت على غدير لسكونه صدى، وعبرت لجة نهر فسيح لم يسائلني عن غايتي من تأجيج غضبي على صمته. الآن وقد اقتحمت سن الرشد من باب الشيخوخة، أراني أحق من غيري بتشريح ماهية حب تغافلت عن الإلتذاذ بطعمه وأنا يافع مغلق المسام. حب جسد لجسد مغاير لا يقال بل يكتب في حيز ضيق محتجب عن الأنظار. حب جسد لروح يعاش من خلال لغة وسط بين الإبهام والإيضاح والصحو والسكر. حب روح لجسد يعاش في لغة ما وراء الحلم. حب روح لروح يعاش خارج لعبة اللغة بتقنية عالية من التخييل الرقمي"(11).
ها قد اعترف الشاعر أخيرا أن كل محاولة لرسم صورة معادلة للذات هي بعيدة المنال، وعصية عن التحديد، ولا يمكن تلمسها إلا إذا توفرت مهارة تشريح ماهية "الحب" والقدرة على التمييز بين:
- حب جسد لجسد و – حب روح لجسد
و- حب جسد لروح و حب روح لروح.
ومباشرة بعد تشكيل الشاعر لملامح ذاته الشعرية، ينطلق في كتابته المزدوجة عن عملية الخلق الشعري في الجزء الثاني من قصيدته: "رهان على الوصايا"، إذ يودع فيها ما راهن عليه طيلة مسيرته الشعرية من أجل الظفر بالسياحة في مملكة البهاء، والتوله في محراب الدهشة الكبرى، والسباحة في وادي عبقر.
ويمكن إجمال منطلقاته، وتصوراته لما يجب أن تكون عليه القصيدة فيما يلي:
الشعر عملية صناعية احترافية: تعتمد على صهر مواد اللغة:
"- تجويف النقطة وتقعيرها.
تسوية وضعية الخط المبعوج أو اللولبي أو المتجعد.
الوصل بين جسرين.
التمييز بين لونين مخصي وفحل". (12)
إنها أشبه بعملية "ضرب الخط الزناتي". سحرية تعتمد على تدعيم القماش بنسيجه والإطار بزواياه واللوحة بهديلها". (13)
والتعامل مع هذه المواد يجب أن يتم وفق عملية حميمية وسرية بطريقة حيادية: "حياة المادة سرية، نبضها فيها، وعلي نقل حيادي وهذياني إليها حيين". (14)
علاقة الشعر بالرسم: الشعر رسم بالصيغة الألفبائية، فاللغة علامات، والعلامة شكل هندسي في حيز البياض، والحروف دوائر وأحياز، نتوءات وظلال:
" بدأت أرسم بريشة الذين أحبهم:
دوائر وأحياز، نتوءات ومغاور، حفر وقمم، ولما حلت
لحظة التلقيح بالحركة وبالتواصل الممكن، بدا لي أنني
أحترف الرسم بالصيغة الألفبائية (صيغة حرضت نفسي بكبير إلحاح على نسيانها).(15)
إن عملية الكتابة الشعرية بأداة اللغة/ العلامة بهذا المنظور لا تختلف عن عملية الرسم بالفرشاة والألوان/ الصورة وتطويع المساحة بالأنوار والظلال، فكلاهما ينبعان من نفس التصور مع اختلاف الأدوات إلا أنهما يلتقيان على أكثر من صعيد:
"وقفت عند الشيء، أغذقت عليه وابلا من وساوسي.
أعددت للماء مكانا لائقا بين اللون وظله، توأمت اليد والعين والفرشاة ودفء الحركة والإيقاع في خلايا متنافرة المعدن متجانسة الدلالة كمال المخلوق. هكذا تابعت الرسم خارج العلامات" (16).
الشعر والدلالة: يفرق محمد السرغيني في تصوره للدلالة الشعرية بين: الظاهر والخفي فيها، لأن الظاهر يحجب الباطن حتما، والدلالة- كما يراها - لها "عمر يمتد من "هابيل" إلى مذابح القرن العشرين في حقيقة أفقية أو عمودية". (17)
والشاعر الحق هو القادر على تصويب عدسته نحو الأفق من أجل استدراج المعاني المحتجبة عبر المدى أفقيا، وهو الذي يغوص إلى القرار من أجل اصطياد كنوز الدلالات المتوارية في البقاع السفلي عموديا.
" أغوص
وأطفو
وأطير
زلاجة أذرع بها الفضاء الثلجي.
جناحا ملك أحلق بهما في الأعالي.
زعانق فقمة أسبر بها جزر المرجان.
جد مؤلم أن أنفعل بأعضاء كائن غيري.
منذ زمن سحيق وأنا أعمل على ترميم دلالاتي.
في المسافة الفاصلة بيني وبينها فراغ وملاء.
الطول والعرض، المدى الهامس والصاخب.
الحواجز والفوارق، النقط والخطوط،
الدوائر والمستطيلات، الغاية والوسيلة،
التيه التلقائي والتيه المتصنع،
النبر المكتوم والنبر المتفجر.
أتقنت تصويب العدسة نحو الأفق،
وفيما بعد، علمت أن القاموس زج بنفسه
في بيت الطاعة وأعفاني من دلالاته الجاهزة".(18)
هكذا تتسع دلالات القصيدة لتتجاوز المعاني الصريحة الجاهزة إلى ما تتطلبه الرؤيا الشعرية من دلالات عميقة ليس في بعدها المعجمي فقط، بل في أبعادها البصرية "الكاليغرافيا": (الطول والعرض، الدوائر والمستطيلات النقط والخطوط، التيه التلقائي والمصطنع) والإيقاعية: (الهمس والصخب، النبر المكتوم والنبر المتفجر).
علاقة الشعر بالذاكرة: للذاكرة دور لا يجب إغفاله في صياغة القصيدة، وتأثيث دلالاتها، وفق منظور الشاعر، ومن ثم فاستحضارها عملية ضرورية لأنها تسمو بالتعبير الشعري إذا ما أجيد توظيفها:
" أرغم الذاكرة بإصرار على استحضار
اليوم الذي أسلمت فيه مقاليدي إلى الكتابة
يمينا إلى يسار
ويسارا إلى يمين.
بهذا التصرف استرجعت المسلمات المنسية". (19)
يبدو أن الشاعر محمد السرغيني كان مصرا على استحضار ذاكرته منذ أن انقاد عن طواعية للسياحة في مملكة البهاء، غير أنه في استحضاره لها يزاوج بين توظيف الذاكرة الموشومة في الثقافة والحضارة العربية (يمينا إلى يسار)، والذاكرة التي وشمت الثقافة والحضارة الغربية (يسارا إلى يمين).
البنود السرية: وقد سماها كذلك لأنها عبارة عن استغراق ذاتي صرف، وتأمل في أسرارها الغامضة، وتساؤلات عن حصيلة ما غنمته في مسارها الطويل:
" أحببت أن أكون جائرا، كفنته بعنادي الفطري/ المكتسب
أحببت أن أتمرد لكي أنقح "كوجيطوي" من الشوائب والطفيليات". (20)
ومن هذه البؤرة، ينطلق الشاعر في توظيف مواقف من توله في عشقهم من الفلاسفة وأصحاب النظريات العلمية، وإعادة صياغة مواقفهم بطريقة فنية: أمثال: ديكارت (صاحب نظرية الكوجيطو) ونيتشة (صاحب نظرية النسبية) وداروين (صاحب النظرية التطورية حول أصل الأنواع). إذ يقول:
" ينحني الإبن أمام الولد، والولد أمام الجد، والجد أمام السلالة،
والسلالة أمام نظرية الأنواع، وأنا ظهري محدودب فلمن أنحني؟
من الشجرة فإلى الطين، من النسناس فإلى الغوريلا". (21)
ويسرد الشاعر في بنوده السرية- وقائع تتعلق بتاريخ تطور الجنس البشري عمرانيا وحضاريا، وهنا يستدرج المتلقي ليستعرض عليه بعضا من مخزونه الفكري، ويذكره بحركة "القرامطة":
" بيوت بطابق واحد في أحياء الضواحي
تعاش الحياة الأفقية فيها أفقية
عمارات سكن اقتصادي في الهوامش
تعاش الحياة العمودية فيها عمودية:
علب أرضية / سماوية مرصوصة،
منها بعث الله القرامطة لهدايا البحر،
وفيها عجزت الرياح من تعديل هبوبها. (22)
وبعد سرد هذا المسخ الذي أصاب فن العمارة، ينتقل الشاعر إلى التمحور حول ذاته، كاشفا بعض أسرارها:
"أحتفظ لنفسي بحق أن أحب ولو في حالة شيخوخة يانعة،
إنما هل هناك من يضمن لي العثور على أنثى غضة لا تستنكف
التردد على دور العجزة؟
...أرني امرأة تغشاها غيبوبة مرتعشة إزاء نص عرفاني
تهتز اللغة طربا من توهج الإيقاع في فقراته، إذا عثرت
عليها فوجه إليها خطابك اللاهت ! استحوذ الجسد على
مناحي الإبداع فتبرج عاريا رافضا أن يستر عراءه
بورقة توت". (23)
ثم يستطرد في أشبه عملية بسرد لقطات من شريط حياته متسائلا:
" إذا كنت قد خسرت كل الدعاوي التي رفعتها ضد جدار يفصلني عن المتاهة وهي مجراي ومرساي، فبأي المواد القانونية أواسي فشلي؟. (24)
وبعد استعراض حصيلة ما جنته هذه الذات طيلة عمرها المديد، من:
"- حزازات جنيت منها أرقا واسعا وأحلام يقظة سينمائية.
مراضاة عدلت بها فوضاي وفضولي وشدة مراسي.
جوائز "فيتيشية" برأس ثور وجناحي شاهين.
طرق ثيبات وعوانس ببكارات طبية مرقعة.
عداوات مجانية بين خصوم أشباح".(25)
يستخلص في ختام بنوده السرية أن دوائر فضوله ما تزال تتسع أو تضيق حسب زاوية النظر، وحسب الفرق بين: الأين والمتى؟ الربح والخسارة؟....
البنود العلنية: وقد أراد لها الشاعر محمد السرغيني – أطال الله في عمره- أن تكون بوحا بما تنوء به الذات المتعبة من ثقل السنين، وما تستشعره من مداهمة جبروت الزمن الذي أصبح يحاصرها بدنو ساعة الحقيقة لحظة انطلاق العد العكسي لبداية الرحيل:
" الهجرة ليست حلا. هي إصرار على تبرير الخوف الآتي.
الخوف الرهابي الطارئ، الخوف من العد العكسي". (26)
وهو إذ يستشرف ميعاده مع هذه الهجرة الحتمية، يستغل ما تبقى لديه من وقت ليفتح" ألبومه" مستعرضا بعضا من صوره المختزلة في ذاكرته:
" أفتح "ألبومي" على مصراعيه. أريد شفائي من سلامة بدنية
كنت متبرما منها طيلة حياتي...
... لا أنتسب إلى قبيلة الرحل بمحض إرادتي، أرحل من حيز واسع
نكاية في اتساعه العفوي إلى حيز أقصر من الدونم وأطول من الفرسخ
حجمي محاصر بفراغ الأعلى والأسفل. الحل في تبديد
تعب عارم على بساط راحة وهمية". (27)
يبدو الشاعر وهو يستعرض صور ألبومه وكأنه ينشد الخلاص، غير أنه يؤمن إيمانا عميقا بأنه سليل ماموث لن ينقرض، ويكفي أنه ترك "خرائط سليمة لهيكله العظمي المزروع في فضاء معقم محفوظ: "أكواريوم" ذاتي الحركة يحتوي اللامحدود من نزق الشاعر وطيشه". (28)
ج- الجزء الثاني: العلبة: وهي التي تشكل الجزء الأساسي من الوصايا التي استودعها محمد السرغيني باعتبارها صمام أمان لا يمكن أن تتلاشى من أجل أن تحفظ وصاياه للأجيال القادمة:
" استودعت العلبة وصاياي، زواياها الأربع صمام أمن لا يغريه صدق كذبي بالتطاول على رموزي وإشاراتي، العلبة للحفظ لا غير". (29)
والمتأمل فيما استودعه محمد السرغيني في العلبة من وصايا، يلاحظ أنها عصارة ما خبره الشاعر طيلة تجربته في الحياة والإبداع، وما استخلصه من حكم وعبر أراد لها ألا تبقى سجينة ذاته، ومن ثم قرر أن ينفثها على مسامع القراء ويتلوها على المتلقين لتستمر في التداول، وتسري الحياة في أوصالها من جديد بين الأجيال المتعاقبة.
وقد صاغها في قوالب فنية زاخرة بالتأمل الذاتي الخالص، والاستغراق في تشريح علاقة الذات الشاعرة بالواقع والحلم، بالمرئي واللامرئي، بالمعرفة والحدس. ويمكن استخلاص هذه الوصايا من عناوين قصائده التالية:
مدين للصقر بجناحي ومخالبي.
لهذه الأسباب أدمنت الضحك.
علاج الإخلال بالتوازن.
لياقة الأعشاب الطينية.
كي الملابس الداخلية.
عبور مغارات ما تحت الحزام.
ملحقة وعليها حراس: (غولف- فروسية- قنص- كوريدا- تزلج- مصارعة- ماراطون).
د- الجزء الثالث: ما قبل الأكواريوم والورشة:
يبدو الشاعر المبدع محمد السرغيني في هذا الجزء حريصا على إبراز تصوره الخاص للوظيفة التي يجب أن تضطلع بها القصيدة، وتتمثل في الرفع من مستوى مدارك المتلقي وشحنه بمخزون معرفي متنوع المشارب، ومختلف المصادر. وهي وظيفة لا يمكن للشاعر أن يحققها إلا بمدى قدرته على البحث المستمر عن المادة الحقة للشعر، والتي لن تكون إلا بمدى اختياره الواعي انطلاقا من زاده المعرفي ونظرته العامة للحياة، لأن القصيدة من هذا المنظور يجب أن تقوم بمهمة إضاءة للحياة من خلال نقدها بالمعنى الواسع لكلمة نقد. وهذا ما لا يتأتى للشاعر إلا بتعميق مخزونه المعرفي، وحسن توظيفه شعريا من أجل إثراء القصيدة وتوسيع منظورها.
وانطلاقا من هذا التصور، يستعرض محمد السرغيني في هذا الجزء من الديوان مخزونه الهائل من المعرفة التي اختمرت لديه طيلة نصف قرن ويزيد، كما يستدعي فيه ما استخلصه من عصارة ليزود بها المتلقي.
ويمكن إجمال ذلك فيما يلي:
نسج حوارات معبرة مع فنانين مرموقين عالميا.
استحضار رموز الشعر والأدب العربي والغربي على السواء، ك: أبي الطيب المتنبي وأبي العلاء المعري وأدونيس وت.س إليوت، والرابوع (الشعراء الملاعين) وسان جون بيرس- وبابلو نيرودا.
إقامة حوارات طريفة مع رسامين عالميين، أمثال العبقري سلفا دور دالي.
استلهام روائع التراث العربي والعالمي عبر استحضار:
" ألف ليلة وليلة" وسير الملاحم الشعبية (الغترية، الهلالية، والوهابية). وهو بالإضافة إلى هذا الاستحضار ينسج حوارات طريفة مع فلاسفة أمثال: (ابن طفيل) أو متصوفة (جلال الدين الرومي، أبي حيان التوحيدي والنفري) أو مع رموز النوادر الشعبية (جحا) أو رموز الأدب العربي": (ابن العميد والصاحب ابن عباد) أو فلاسفة المتعة (ميشيل أونفراي- بورخيس).
توظيف ما اختزنته ذاكرته من إيقاعات وألوان موسيقية، مغربية كانت أم عربية أم غريبة (الأهازيج الشرقية والأمازيغية- الموسيقى الكلاسيكية- موسيقى الآلة والملحون- الطرب الغرناطي- الموشح- الميجانا- العيطة- الجاز). إنها ألوان موسيقية أثيرة لديه يطعم بها بوحه الشعري من خلال نشدانه لأسرار الصبوة الحالمة، حيث يقرنها بالأماكن التي فجرت فيه هذه الصبوة كـ: (ساحة بيغال- الأولامبيا- مغارات مونمارتر- مقهى الناعورة بباريس) التي كان ينتشي فيها بروائع: "اديت بياف، وايف مونطان، وشارل أزنافور، وجاك بريل وجورج براسانس..."
استحضار بعض رموز الفكر والأدب الفرنسي أمثال: سارتر- سيمون ديبفوار اندريه مالرو.
محاورة بعض أعلام المسرح العالمي وروائعهم كـ: "في انتظار غودو- المغنية الصلعاء- الجريمة والعقاب..... إلخ.
إقامة حوار مع مانياني (مخرج إيطالي) وفيتوريو دي سيكا وشارلي شابلن ونجيب محفوظ وأدونيس ومحمد خير الدين وكاتب ياسين وت.س إليوت. والشعراء الملاعين، وسان جون بيرس وبابلو نيرودا وميلتون. ليعود إلى مخاطبة المتنبي الذي وهب للشعر عقلا، وأبي العلاء المعري الكاشف لأحزان العالم، وابن القارح وإيفان الرهيب، والقشتالي التروبادوري واليسوعي الأخير.
ويمكن إجمالا أن نعتبر بأن ما جاء في هذا الجزء الثالث إنما هو تصور شمولي لما يجب أن تكون عليه التجربة الشعرية من استعدادات وميول ومدارك يجب تشكيلها وفق رؤيا تنسجها الذات المبدعة من" جراب متعددة الاستعمال" هي بمثابة زاد "الراعي والمسافر والمحارب والعجوز والعطار". (30)
إنها جراب الشاعر والرسام الذي يكتشف به العالم الذي يظل دائما في حاجة إلى كشف.
هـ-الجزء الرابع: الأكواريوم:
وفيه يسهب الشاعر محمد السرغيني في طرح مواضيع جديدة كل الجدة، واستثمارها كمادة شعرية. إنها مواضيع مستوحاة من منجزات عصر العولمة والثورة الرقمية: كالإعلانات الإشهارية والمراسلات البريدية والإلكترونية، ومن الفضاء الجغرافي، ومن أجواء الفرجة المسرحية إذ نجده حريصا على تكثيف الدلالات المرتبطة بهذه المواضيع في عناوين قصائده كما هو واضح فيما يلي:
مناصب شغل جديدة
صندوق بريد مريخي
أعطاب الكلام
دقات مسرحية ثلاث
تحديد اتجاه المسافة
جغرافية متقيحة
احتفاء بالقناع.
والجميل في هذا الجزء أيضا، هو ما يقترحه الشاعر على المتلقي من جدة في تناول مواضيع شعرية غير مسبوقة، حيث جعل من الحركات والتيارات (الفلسفية والفنية والنقدية والاقتصادية) مواد بنائية يستقي منها دلالات قصائده كـ:
البراغماتية- الباروكية- التروبادورية- البوفارية- التراجيكية، بل هو يقترح بالإضافة إلى هذه التيارات، أخرى من نسيج خياله ك: والماموثية.
ومن أجل نسج خيوط هذه الدلالات، وصياغتها وفق تصور تعبيري، يوظف الشاعر تقنية السرد، واستغلال "الهذيان" الذي يراه ضروريا من أجل تدفق البوح الشعري كما هو جلي في قصائد:
هذيان منطقي ضروري.
تحت ضغط طيش إرادي.
جئت لأستخلص أتعابي.
و- الجزء الخامس: الورشة Prologue:
وفيه يقترح محمد السرغيني ورشة شعرية – على غرار الورشات العلمية والفنية بمواصفات محددة، يبرز فيها مقومات النص الشعري، ويشرح فيها كل العناصر التي يتشكل منها، وهو إذ يبدأ في تأطير هذه الورشة إنما يتوخى أن يبوح للمتلقي بأسرار الكتابة الشعرية، ويدله على كهوفها السرية ومخابئها الآمنة:
"لو الأمر بيدي
لجردت البرزخ
من دهائه الفلكي،
لعطلت أبهته الطوباوية،
لوزعت ريشة الفردوسي
على بقية الأجرام السماوية.
لأثقلت صدره الحرج بأوسمة
فضية اعترافا بما أسداه للأرواح
من مخابئ آمنة في كهوفه السرية". (31)
ثم ينطلق في ورشته الشعرية هاته، محددا النواة التي توقد جذوة الإبداع حين يقول:
"نواة الإبداع المكتوب المقروء المرئي،
مشتل لاستنبات أعشاب العلامات". (32)
هذه النواة هي الرحم البيولوجي الذي يتكون داخله الإبداع بطريقة جنينية:
" رحم بيولوجي خصيب
زواج سالب "بموجب
... يتوقف فيه حبل التناسل
إلا عن الولادات المجهضة
تمتد الشريعة البيولوجية عمر
نطفة في علقة وعلقة في مضغة. (33)
وبعد تحديد منطلق العملية الشعرية والإبداعية عامة، ينتقل إلى الحديث عن أنواع الكتابة، فيلخصها في:
الكتابة بالكلمة.
الكتابة بالمعنى.
الكتابة بالمترادف.
ثم يتحدث عن أنواع القراءة، فيجملها في:
القراءة التعالمية
القراءة الاحترافية
القراءة الشعائرية
ليعود إلى ورشته مرة ثانية، محددا الملامح التي تلقح سدى العمل الشعري كـ:
السيرورة.
المسافة.
المساحة.
الكثافة.
التشكيل.
ويختم الورشة بسن قوانين لابد من توفرها بالنسبة لمن أراد الدخول في محراب الإبداع، وينهيها بمعجم للرموز باعتبارها زادا ثقافيا ضروريا.
ز- الجزء السادس والأخير: Epilogue:
بعد أن كشف الشاعر محمد السرغيني في الجزء الخامس- والذي يشكل محور الديوان – عن ماهية الشعر يجمل في هذا الجزء الأخير تصوره العميق لماهية الشاعر من خلال الأبعاد الثلاثة:
* النسبية: ويوضح هذا البعد بقوله:
" مواصفات معيار النسبة في الشعر غير مواصفات معيار النسبية فيه. النسبة تتجلى في المعنى، والنسبية فيما يتناسل من هذا المعنى من رفض بات وبروح رياضية للعمى والصمم والقهر والقرف المرضي، وجبر كسر الدلالة بالترويض الطبي، وتبديد سداد الرأي بمنطق توازن عاقل بين إحباط الظاهر وإشباع الباطن". (34)
إن الشاعر الحق إذن هو القادر على إقامة علاقة جدلية بين "النسبة" و"النسبية" وكلاهما مرتبط بأنساق المعاني التي لابد للشاعر من التصرف فيها بـ:
الرفض والترويض والتوازن بين الظاهر منها والخفي.
ثم يعرف الشاعر بكونه:
"صرار يؤنس وحشة ليل الصيف القائظ.
وحمام زاجل يحمل الخبر ويكتم السر.
عنقاء رمادها مخلفات موت وبعث.
زرافة بطول رقبتها "تتحسس السماء.
قنفذ يشهر شوكه عند التفتيش الجمركي.
ما موت معترف بفضل مخيلة رممت عظامه.
طاووس وزع دلاله بالتساوي على الألوان والريش.
إنه:
"منساب كالماء،
متوهج كالنار،
أصيل كالتراب،
منعش كالهواء". (35)
هذا هو الشاعر، إنه المتوحد بالعناصر الهلامية التي تشكل منها الوجود الأصفى والأكمل، والسابح في ملكوت الخالق، والمتوحد بمفاتن الخمائل والجداول والبراري والفضاءات. إنه الكائن القادر على السياحة في متاهات المغامرات والمفاوز والخلجان والأفلاك:
" يتنقل من متاهة إلى أخرى بين مغارات ومفاوز، بين خلجان وأنهار، بين فلك وآخر، يثلج صدره أن حلولية العالم فيه حقيقية ولو أنها متخيلة". (36)
* التجريب: إنه البيت الذي يجب أن يسكنه الشاعر، والذي يلزم أن يشرع نوافذه على مختلف العصور والأجناس واللغات، وألا يسجن نفسه تحت ضغط الزمان والمكان. إنه البحث المستمر الدؤوب عن أسرار الدهشة العالية من أجل تجديد الحروف والأرقام والصور. إنه "حلم مؤجل على سرير اللامتوقع" من أجل الإنفلات من "حراس الموائد العقلية وشراهة المتطفلين" إنه النبي الحامل لرسالته يطوف بها العالم مكتوبة "بالعرق والدمع والدم اليابس".
ومن أجل أن تبقى هذه الرسالة حية نابضة بما يرشح فيها، آثر الشاعر المبدع محمد السرغيني على نقلها من العلبة المعرضة للإتلاف، إلى "أكواريوم" هو بمثابة متحف للتاريخ الطبيعي ليضمن بقاءها للأجيال المتعاقبة مستقبلا، حتى لا تلقى مصير النفائس والذخائر والروائع التي اندثرت بفعل مفعول طغاه التاريخ- قديمه وحديثه- كـ: إحراق مكتبة الإسكندرية، وإغراق أسفار بيت الحكمة في مياه دجلة، وقرصنة تراث الحضارات المغلوبة على أمرها في حوض البحر الأبيض المتوسط من طرف القوى الاستعمارية.
II- القراءة المحايثة: الشعرية التشاكلية:
إن مفهوم "التشاكل"، مفهوم إجرائي يمكن تطبيقه على كافة الاستعمالات اللغوية، فنية كانت أم غير فنية.
وكان "غريماس" أول من نقل مفهوم التشاكل من الشاعرية الفلسفية إلى الشاعرية العلمية، ومن علم الجمال الفلسفي إلى علم الجمال العلمي، ومن مجال الفيزياء إلى مجال اللسانيات.
إلا أن "غريماس" قد حصر مفهوم "التشاكل" في كتابه: "الدلالـة الـبنـيوية: « La sémantique structurale » على المضمون، وكان لابد من انتظار راستيي "Rastier" وجماعته التي عممت "التشاكل" على المضمون والتعبير معا. وقد ذهب في كتابه: "بلاغة الشعر: "La Rhéthorique de la poésie" إلى أن التشاكل:" يشمل كافة تنوعات الخطاب: الصوتية والنبرية والإيقاعية والمنطقية والمعنوية. ومن ثم فالتشاكل عنده لا يحصل إلا من تعدد هذه الوحدات اللغوية المنصهرة في العمل الشعري.
والمتأمل في الديوان الأخير للشاعر محمد السرغيني: "وصايا ماموث لم ينقرض" لا ينكر ما يزخر به من:" تشاكلات لغوية- شعرية، وهي عنده متعددة الوظائف؛ تعبيريا ودلاليا، جماليا ورؤيويا.
ذلك أن القصيدة عنده هي بمثابة شكل تنظيمي لغوي فني إيقاعي هندسي لرؤيا شعرية عامة، تنسج خيوطها من مكابدة تجربة غنية بإدراك واع لغير قليل من المعارف والعلوم والفنون.
ومن ثم، فالقصيدة في حيزها الأول هي محور شكلي هندسي، بينما هي في حيزها الثاني محور بنائي يقوم على مفهوم سديمي غير شكلي.
1- الحيز الأول: المحور الشكلي الهندسي:
لقد حرص الشاعر المبدع محمد السرغيني منذ بداية تجربته الشعرية التي تحرر فيها نهائيا من تأثره بنمط القصيدة الذاتية الوجدانية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، على أن يؤسس لنفسه قصيدة آلت على نفسها إلا أن تنخرط في التجريب الحداثي للقصيدة العربية في أبهى مظاهرها والتي تجسدت في رؤيا شكلية هندسية تعبيرية وإيقاعية جديدة وتندرج في مسار التطور الذي عرفته القصيدة الغربية المعاصرة كما تجلت في تجارب كل من:
"شارل بودلير ومالارميه ورامبو"، ثم بعد ذلك في تجارب:
"ت.س إليوت وغيوم أبولينير ولويس أراغون وغارسيا لوركا وبابلو نيرودا وسان جون بيرس وغيرهم..."
إن القصيدة من منظور تجارب هؤلاء؛ يجب أن تنفلت من أي شكل، لأن الفاعلية الشعرية ترفض الإنحباس في شكل أو نموذج معين، ومن ثم فالشاعر الحق هو القادر على التحرر من كل قالب مفروض سلفا، والساعي إلى إيجاد أشكاله الخاصة وفق نظام خاص "تتداخل فيه وتتقاطع، حيث يأخذ كل جزء معناه من الكل.
وعن هذا التصور لما يجب أن تكون عليه الكتابة الشعرية يقول محمد السرغيني:
" لست سجين أرومة واحدة، أنا ابن كل الأرومات.
طويل من عمره يمتد من "هابيل" إلى أحدث مذابح القرن العشرين، وقصير عمر من ميلاده وموته في حقبة أفقية أو عمودية. وريد وودج وعروق وشرايين لضخ الدم".(37)
ويمكن إجمال العناصر المشكلة لهذا الاتجاه في الكتابة كما تجلت في ديوان: "وصايا ماموث لم ينقرض" فيما يلي:
* التشكيل اللغوي: يقول صلاح ستيته: "القصيدة ضرب من البلور العاطفي واللغوي المركز والمكثف بصورة "فظة" وشديدة الرهافة في الوقت ذاته والنازع إلى توظيف جميع إمكانات التجربة المعيشة ومجموع الاستنطاقات الداخلية للغة.(38)
وقصيدة محمد السرغيني هي قصيدة موصولة بعمق تمثله للغة العربية في أبهى مظاهرها، ومن ثم عمل على تخصيبها بترهيف الإشارة والإيحاء والترميز والانزياح والتناص وخلق مسافات التوتر بين الدال والمدلول، والاحتفاء بالأمثال السائرة والأقوال المأثورة لينحت منها لغة نضرة حديثة. إنه يبدو- وهو يصوغ تعابيره ويشكلها بطريقته- كمن يقوم بعملية حفر مستمرة في صخر اللغة، وتسلق حواف الكلمات في محاولة صعود جبل اللغة. وهو حريص في محاولته هذه على تحقيق مشاكلة ملتبسة بين الشعر والنثر عبر التخفف من الشعرية البحتة، واستغلال ما يزخر به النثر من تلقائية وعفوية في التعبير، ومن تقنيات (السرد والونولوغ والحوار والهذيان وتعدد الأصوات والضمائر) والتحرر نهائيا من ثنائية "الشعري والنثري".
* تواشج الشعر بالفنون البصرية والحركية والموسيقية:
جميع الفنون تنطلق من نفس المرتكزات (من الذاكرة والانطباع والحالة النفسية والاستلهام)، ومن ثم فالقصيدة يجب أن تعمل على استنفار جميع الحواس بصريا وحركيا وموسيقيا.
- بصريا: القصيدة عبارة عن خطوط تقطع الفضاء وتفرض نفسها عليه بانحناءات باهرة وهي تلامس بياض الصفحة لتمنح فراغها جوهرا وتملأه بفيض وهاج. والشاعر المبدع هو القادر على استثمار فن "الكاليغرافيا" وذلك بتقعير الصفحة وتسوية وضعية النقط والحروف والخطوط والأشكال (المسترسلة والمتقطعة والمستديرة والمربعة واللولبية والهرمية…إلخ)
يقول محمد السرغيني:
"أعرف كيف أجوف النقطة وأقعرها، كيف أسوي وضعية الخط المبعوج أو اللولبي أو المتجعد أو الواصل بين جسرين..
أعرف تدعيم القماش بنسيجه، والإطار بزواياه، واللوحة بهديلها، فلماذا لا أرسم؟"(39)
إن كتابة القصيدة من هذا المنظور ـ وكما صرح به الشاعر ـ إنما هي أشبه بعملية رسم بطريقة ألفبائية تعتمد على الصياغة التجريدية التي تتميز بها الفنون البلاستيكية.
والملاحظة التي تسترعي الانتباه هنا أن قصيدة محمد السرغيني استثمرت فن الأرابيسك البلاستيكي ـ بصريا ـ كما تجلى في فن العمارة الإسلامية. وقد تجلى ذلك عنده في تعدد أشكال هندسة السطور والفقرات الشعرية وتوزيعها على الصفحة.
- حركيا: كما أن للقصيدة حيزا مكانيا تتحرك فيه، فإن لها كذلك حيزا زمنيا تستغرق فيه، منه ما هو أفقي كرونولوجي ظاهر وجلي، ومنه الزمن العمودي الذي يخلخل الأفقية المسطحة. ويعرف "باشلار" هذا الزمن العمودي بقوله:
" يحطم زمن "الأطر الاجتماعية" و"زمن الأشياء" و"زمن الحياة" من أجل بلوغ زمن الذات/ المركز، حيث تمحي "الأفقية المسطحة" ولا يعود الزمن يجري بل ينبجس". (40)
إن قصيدة محمد السرغيني من هذا المنظور، هي قصيدة متحركة في زمن مفتوح (من هابيل إلى القرن الواحد والعشرين) غير أن حركتها لا تتسق وفق بعد "كرونولوجي" مترابط، بل هي تشبه حركة الإنسان ذاته الذي يتحرك دائما صوب وجود مفتوح أبدا على كل الاحتمالات. والشاعر لا يؤمن بأن سعي حركته الدائبة هي بلوغ نقطة الوصول، بل غايته هي السياحة في كل الآفاق الممكنة، واستكشاف ما في الكهوف والمغاور من أسرار، وما في جوف البحار والأنهار من كنوز وهكذا؛ إنها حركة دائبة لا تهدأ ولا تفتر إلا لتنطلق من جديد.
- موسيقيا: ومن أجل التغلب على ما يمكن أن يصيب القصيدة من رتابة، يوظف الشاعر الحركة التي تضخ النسغ في الألوان الموسيقية الأثيرة لديه، كإيقاعات "الجاز باند" الذي تبناه الشاعر كما لو أنه صوته الخاص:
"تبنيت "الجاز باند" كما لو أنه صوتي الخاص
في حناجر زنوج بنوا خط سكة حديد" نيو أورليانز"
على إيقاع السوط اللاسع يجلد ظهورهم البرونزية" (41)
ومن ثم فهو يفسح لقصائده أحيازا لمحاورة رموز فن الجاز وذكر آلاتهم الموسيقية:
" لويس آرم سترونغ.
أضاء هؤلاء بلهاثهم ساحة" بيغال" الباريسية.
تحملت مسؤولية الإحساس بهم عبر نشيج
"الترومبيط" و"الساكسوفون". (42)
أو رموز الموسيقى العصرية الفرنسيين أمثال: إديت.بياف وايف مونطان وشارل أزنافور وجاك بريل وجورج براسانس".
أو أعلام الموسيقى اللاتينية ك: "مانويل دي فايا".
أو رواد "الفلامينكو" الإسباني كـ "الكانطي هوندو"… إلخ والشاعر في كل ذلك كان حريصا على الاستئناس بهذه الأشكال الموسيقية من أجل تحقيق إيقاع داخلي يساعده على البوح الشعري.
2- الحيز الثاني: المحور البنائي:
القصيدة وعاء، وهذا الوعاء يجب أن يرشح بكل المعارف والفنون والآداب، والشاعر محمد السرغيني- على طول مسيرته الشعرية – كان دوما حريصا على ترميم دلالاته والغوص وراءها عبر تعميق قراءته وتوسيعها في مجالات (تاريخ الأديان والتصوف وعلم الكلام والفلسفة وتاريخ العلوم والفنون والآداب…) وفي هذا يقول:
" منذ زمن سحيق وأنا أكمل ترميم دلالاتي"
… " أتقنت تصويب العدسة نحو الأفق".
… " قد رلي أن أحضر مآدب حروب ثلاثة:
حرب النجوم الفضائية،
حرب الإبادة العرقية،
حرب عصابات عرابوها لاتينيون".(43)
والقصيدة في هذا الحيز لابد أن تقوم بوظيفة الكشف، والكشف يحتاج إلى تكثيف كل هذه المعارف والعلوم في بؤرة مركزية. ولذلك فلابد للقصيدة في حيزها الثاني هذا من انصهار كل العناصر المشكلة لهذا المحور البنائي، أي انصهار:
- السياسي بالواقعي بالتاريخي بالفلسفي بالتأملي بالانطولوجي الميتافيزيقي.
- الاحتفاء بالتقصي والتأمل الداخلي والبحث عن المعاني المباغتة.
- تأهيل الذاكرة الجماعية والانخطاف للوعة العشق الصوفي.
- خلق التوتر الدائم حول معنى الكتابة ووظيفتها.
والشعر الحقيقي هو بتعبير "صلاح ستيتة" الذي: "يراقب جميع حوادث التجربة المعيشة في المنظور الكلي، منظور المجموع. هو منظور يصل العابر بالأبدي، ويجمع الحياة والموت في نظرات تكمل بعضها بعضا... هو تحطيم وكسر، كسر لليقينيات الزائفة، ومنظومات السطح. رفض للتخطيطات المعقلنة الآتية بسلام كاذب" (44).
إلا أن حضور المعرفة في النص الشعري، يجب أن يكون أشبه بحضور السكر المذاب في الماء، ومن أجل ذوبان المعرفي في الشعري، لابد للشاعر من إقامة توازن دقيق بين الحيز الأول والثاني. يقول الناقد الفرنسي: "جان ليسكور": إن نسيان المعرفة هو الشرط الموازي لحضورها في القصيدة".
إن الكتابة الشعرية من هذا المنظور- بالإضافة إلى كونها تخمينا تجريديا للطبيعة- "هي ضرب من البلور الفكري المكثف تسعى إلى توظيف جميع إمكانات المعرفة الإنسانية بجميع أشكالها وأنواعها".(45)
والقصيدة إذن يجب أن تستميل كل الأذواق والألوان، وحيزها مطلق على مدى التاريخ الواسع لأنها تضطلع بمهام إضاءة الحياة.
وعملية تشكيل المادة الشعرية لابد فيها من مهارة الرسام القادر على صياغة الألوان والأشكال وتلقحيها بالحركة اللازمة لبث الحياة فيها:
وعن هذا التصور يقول محمد السرغيني:
"أعرف جميع متعلقات الأعداد بالخط الزناتي أو بحساب الرمل
...بدأت أرسم بريشة الذين أحبهم: دوائر وأحياز، نتوءات ومغاور، حفر وقمم"(46).
يبدو الشاعر من خلال قوله هذا أنه حريص على توظيف ملامح القصيدة المركبة والمتعددة الأصوات التي دعا إليها رواد الحداثة الشعرية؛ إنها قصيدة ذات بناء درامي تعمل على إحداث توازن دقيق بين" اللوغوس": العقل، و"الميثوس": التخييل ، ولذلك فهي لا تقاس إلا بمنطقها الخاص النابع من ذات نفسها، وهي مفتوحة على احتمالات كثيرة، ومشكلة من ألوان وأطياف ونتوءات وتعرجات متنوعة. والشاعر المقتدر هو القادر على إقامة اتساق وتوازن بين المحمولات المعرفية/ الفكرية/ والثقافية وجمالية التعبير الشعري، ولن يتم ذلك إلا بانصهار دقيق بين المحورين: البنائي والشكلي الهندسي وفق رؤيا شعرية عامة.
انطلاقا من هذه القراءة المحايثة للتجربة الإبداعية لمحمد السرغيني في ديوانه الأخير "وصايا ماموث لم ينقرض" يمكن القول أنه أراد بهذا الإصدار أن يبحر في مفهم شعرية معاصرة تعتمد على نظريات ومعطيات وقوانين مبنية على أنظمة العلاقات التي تنسجها طبيعة اللغة داخل جسد النص؛ ذلك أن الظواهر المعزولة كما أظهرت الدراسات اللسانية والبنيوية الحديثة، لم تعد لها أية قيمة إذا لم تعن بأنظمة العلاقات التي تندرج فيها هذه الظواهر لرسم تحديدات دقيقة لفعالية إنسانية معقدة كـ: "الشعرية" وطبيعتها.
ومن ثم، فإنه لا يمكن ادعاء القدرة على تحديد مقومات الشعرية بالاقتصار على الظواهر المفردة سواء المتعلقة بالحيز الشكلي الهندسي أو بالحيز البنائي؛ إذ أن أيا من العناصر المشكلة لهذين المحورين – في وجوده النظري المجرد- عاجز عن منح اللغة طبيعة دون أخرى، أو جنسا أدبيا دون آخر. ولذلك فإن البنية الكلية هي وحدها القادرة على امتلاك القدرة على تحديد مفهوم "الشعرية".
كما أن هذه الشعرية التي يحرضنا الشاعر محمد السرغيني على الانخراط فيها، تنبثق من منطلقات ومفاهيم نظرية مستمدة من حركة الحداثة – وما بعدها- كما تجلت عند أبرز منظريها أو ممارسيها – على حد سواء- غربيين وعرب ولاتينيين.
ويبدو واضحا أن الشاعر المؤسس للقصيدة المغربية الحديثة والمعاصرة، المبدع محمد السرغيني لم يدخر جهدا في نسج حوار فكري ثقافي/ شعري مع أبرز الأعلام الممثلين للتجريب الحداثي في الكتابة الشعرية المعاصرة، وذلك من خلال انخراطه في غمار البحث التأملي عن المعاني المنسية أو المحجوبة عن الرؤية، وترويض اللغة وتعميدها ببلاغة معيشها اليومي، وشعل فتيل حرب الدلالة وحثها على الركض للظفر بما يتجاوز الراهن، ونشدان مظاهر السحر والبهاء كما فعل "هولدرلين" بروحه المهتاجة، و"ت.س إليوت" بتدوينه لأخطاء العصر، و"هاملتون" باكتشافه لترياق السحر الأبيض، "وشارل بودلير" برؤاه الحالمة، و"أرثور رامبو" بفيض إشراقه، و"بول فرلين" بالتقاط الهواجس المرئية، "وسان جون بيرس" بكتابة أسطورته بحبر الآلهة والأنبياء، و"بابلو نيرودا" بروحانيته وشفافية لغة الهنود الحمر.
وهذا الحوار، هو ما أثمر هذه التحف التي تؤثث فضاء ديوانه الأخير و"صايا ماموث لم ينقرض" والذي أراد به أن يستكمل سياحته في عالم الدهشة والبهاء، هذه السياحة التي لا يظفر بها إلا الرهبان والأنبياء والمبشرون بحلم البشرية.
ولهذا يبدو ألق تجربة شيخ الشعراء المغاربة محمد السرغيني متوهجا وكأن صاحبها- أطال الله في عمره- ما يزال في ريعان شبابه.
الهوامش:
محمد السرغيني: "وصايا ماموث لم ينقرض " منشورات جامعة سيدي محمد بن عبد الله، سلسلة الإبداع 2007.
جان كوهن: Jean Cohen « structure du langage poétique » Flammarion Paris 1966.
محمد السرغيني: "وصايا ماموث لم ينقرض" ص 18.
محمد السرغيني: نفسه، ص 5.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه، ص 6.
محمد السرغيني: نفسه، ص 8.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه، ص 5-6.
محمد السرغيني: نفسه، ص 6.
محمد السرغيني: نفسه، ص 7.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه، ص 10.
محمد السرغيني: نفسه، ص 11.
محمد السرغيني: نفسه، ص 18.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه ص 19.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه، ص 20.
محمد السرغيني: نفسه، ص 21.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه، ص 23.
محمد السرغيني: نفسه، ص 27.
محمد السرغيني: نفسه، ص 177.
محمد السرغيني: نفسه، 159.
محمد السرغيني، نفسه.
محمد السرغيني: نفسه، ص 160.
محمد السرغيني: نفسه، ص 211.
محمد السرغيني: نفسه.
محمد السرغيني: نفسه، ص 7.
غاستون باشلار: « Le droit de rêver » P.U.F Paris, 1970, p 227. Gaston Bachelard
صلاح ستيتة: "الشعر والهوية، الشعر والفكر، الشعر واللغة" في استجواب مع كاظم جهاد، مجلة "مواقف" عدد 44 شتاء 1982، ص 5-6.
محمد السرغيني: نفسه، ص 7.
غاستون باشلا، نفس المرجع السابق.
محمد السرغيني: نفسه، ص 75.
محمد السرغيني: نفسه، ص 76.
محمد السرغيني: نفسه، ص 10.
صلاح ستيتة: نفس المرجع السابق.
" " : نفسه.
محمد السرغيني: وصايا ماموث لم ينقرض"، ص 8.