الليلة الأولى...
هو....
قنينة النبيذ الأحمر تتدحرج على الأرض الرمادية، يمسح فمه بكمه و ينظر في صورة قديمة لامرأة كلاسيكية.....
الضوء يخفت كأنه ينتحر شيئا فشيئا...فراشة ليلية وحدها تحوم حول المصباح الزيتي القديم، و كثير من الأشياء المؤلمة تأتي زاحفة على أطرافها لتسبح في بحر الذاكرة المُتعبة.
هي....
على السرير مُستلقية تلعب بأصداف قميص رديء، ملفوفة في جزيرة من الأفكار الباردة و في غطاء أحمر مقيت....
تنظر إلى الفراشة ذاتها و قد سقط بجنبها دفتر أحمر فيه قلم أحمر ، تسجل فيه ذكريات أيامها الحمراء و أفكارها الحمراء البالية....
حكى لها عن كائن ليلي من النور الشفاف، عن شفاه مارلين مونرو و عن نهاية لوركا المأساوية....
حكت له عن جوع الشعب، أمجاد ماوتسي و كل الرفاق الحُمر ... نظر بهدوء إلى شفتيها و هي تتكلم ، كمن يلوك لحما نيئا يسيل منه دم خاتر، توغلت عيناه في الحُمرة الباهتة التي علقت بمؤخرة الكلمات الغليظة ...و استراح ..
أخد اللفافة من يديها و استكان إلى الركن البارد:
- ينْعلْ دينكْ و دِينْ ماوتسي و كل الكلاب الحمراء و الخنازير الحمراء و كل ما هو أحمر ...
أرادت أن تقول شيئا ....ثوريا أو بقريا ربما .. لكنه ارتدى المعطف و عانق ليل الشارع...
الليلة الثانية....
وحده القط لينين كان يموء في ردهة البيت، اعترضت صارخة في أول الأمر لكنها انصاعت فيما بعد، سمى القط لينين و سمى كلب الحديقة استالين، أما سُلحفاتها الصغيرة فصبغها بالأحمر و رسم على ظهرها مطرقة و منجلا بأصفر فاقع و تركها تأكل خُس الحديقة في سكينة...
و هما مُنتشران فوق السرير ، بعد جولة من الركض تحت الغيوم الندية ، سمعت صوت القط فشزرته بنظرة عدائية من عينها الحمراء...
مد يديه إليها بلفافة مضغوطة، صب لها كأسا من نبيد أحمر و أمرها :
- ستسكتين هده الليلة ...لا أريد سماع أي نشاز...
الليلة الثالثة....
وحده راكمانينوف يتوجع في فراغ المكان الآسن.
أطفأ المصباح و أشعل قنديل الزيت ..مدها بمعدات السفر إلى اللامكان ..و انتحب:
- هكذا يكون ليلنا أفضل، على الأقل لن أرى الكلمات الحمراء و هي تحتل فضاء الغرفة..
- لن أقول شيئا ، سأرحل غدا ..
- لن تدهبي إلى أي مكان ، فالعالم لم يعد أحمر بالخارج ، وحده ضوء هده الغرفة أحمر...
تكومت في صمتها، و فتح هو نافدة الغرفة على ليل المدينة الغارق في حمرة قاتمة كالدم..