قصدت نزلا لتقضي ليلتها الأولى وحيدة,بعيدة عنهم جميعا.كانت الدموع تسيح من مقلتيها انهارا تتدفق سيولا لتسقي بساتين خذيها القاحلة.هالة زرقاء تحيط بألحاظها لتجعل منها كائنا تعتوره كل ضروب الألم الإنساني الفجيع.وجه حنون يشع بضياء قناديل الماضي الالق,يشي بمسحة حب غدرها الزمان والصقها نقطة تائهة معلقة في الفراغ السديمي.يحاول نواس بندول أن يصل ساعات أيامها ولياليها كي يهز أرجاءها بصخب رنين صاعق:لقد آن الأوان أن تستفيقي أيتها الغافلة... فما عاد الزمن في صالحك لتنتظري الأمل.تحركي صوب مصيرك ملئ إرادتك,رافعة راسك نحو الأعلى,بابتسامة عذبة نحو الماضي,فهناك في الأعالي وطنك المغترب ينتظرك مشرعا أراضيه ليحضنك حضن العاشقة التي تركت في يوم من الأيام ذكرياتها واكتفت بتلويحة من منديلها المضرج بقطرات من دم الحيض الموعود ...
كانت حياتها رتابة قاتلة تنتظر بفارغ الصبر منطقا يغير مسارها,ينعطف بها إلى سياقات مجهولة,يحكمها إحساس غامض بالتوتر,وغموض في اتجاه المسار وتيه في تساؤلات مؤرقة.كنت دائما أتسلل خلسة إلى منزلها لما يغادر زوجها البيت.كانت تنتظرني بأحر من الجمر,خلف الباب كانت تربض في انتظاري لساعات طوال.وقع خطواتي وأنا اصعد الدرج نحوها,يخلق منها شيطانة تحترق رغبة تودي بنا ونحن نتعانق إلى اشتعال حميمي يتوج بقبلات غادرة,تقضم العرف والأخلاق من أساسهما...
كنت بين أحضانها أجاهد كي أحسسها بإمكانية وجود منفتح آخر,وان بمقدورها أن تلتمس حيوات أخرى غير هاته التي تتخبط فيها عن مضض,بقدرية قاتلة كرست اختياراتها الحمقاء التي أودت بها إلى نقطة اللارجوع.توارت تحت حجج,هي بالنسبة لها مصيرية,وبالنسبة لي حالة توحي كفرصة لا تعوض, بثورة عارمة تعصف بالكل في وجوههم حتى يتطايروا ذعرا. لما يحتدم النقاش المشوب بحرارة القبلات وحركة الأيادي وهي ترسم نقوشا على جسدينا.تضع يديها على فمي متوسلة إياي بإيماءات من وجهها الملائكي أن اكف عن الكلام.اصمت ملبيا طلبها ورياح الفوضى تزمجر في دواخلي حتى أتلاشى ذرات تحت سطوتها المتالهة...
لم تنم تلك الليلة وهي تعانق سرير غرفة الفندق الباردة,ولم يغلق لها جفن.التوت في فراشها بحنق قاتل وأحست بقشعريرة تنغرز في أوصالها,ودماؤها تفور كثورة عاصفة تريد أن تفجر عروقها رفضا مطلقا.غصة مريرة تحبس أنفاسا مضطربة,متلهفة لإلقاء ما في الأحشاء من ذكريات إلى الخارج.استحضرت كيف تحملت العيش معه لسنوات طوال.كيف سيقت إلى جنبه في ليلة زفاف دامعة؟لم تتحمل صورا وهي تقاسمه مائدة الطعام,وتشاركه سريرا لم تنعم فيه بلذة تذكر.تغسل له ملابسه وتحضر له الأكل,تخبره أنها حامل ويأتي يوم الميلاد لتسأله عن الاسم الذي سيختارونه لابنتها.وهكذا تمضي الأيام تباعا يخترقها خيط تنسجه إبرة الزمان,واتي أنا بعد أن نفضت هي الغبار عن قبري,عاريا كما ولدتني أمي,لانتشلها من هذا المكان...
لقد غادرت ذلك المساء بيت زوجها دون علم أي احد.انسلت هاربة من إقامتها الجبرية دون أن تترك أي اثر على وجهتها.الزوج الفض,المنفعل دوما, وكأنه في صراع داخلي مستديم,خرج لإحضار أبنائه من المدرسة.لقد استمات في الأيام الأخيرة في خوض غمار ملاسنات طاحنة,امتزجت بين الصدود واللامبالاة المتعمدة.فهي لم تعد تطيق وجودها وهي حبيسة أربعة جدران صماء.تريد أن تصرخ حتى الموت.لم يعد باستطاعتها أن ترى وجه ذلك الشبح الذي لم تقبله يوما على شفتيه.قرة عيناها هما الطفلان اللذان يطفحان براءة ملائكية.هما بذرتان من سنوات المصير المجهول التي انتوت غرسها في أحشائها وهي في غيبوبة تامة,تتنازعها فكرة صعوبة حيثيات الحياة لفتاة أكملت دراستها الجامعية ,وبين الخضوع لصرامة القدر العبثية تدعمها ظروف عائلية استثنائية...
استفاقت في الغد وكأنها شبح ملائكي متعب.صففت شعرها الذي نفشته عواصف الضياع المضنية.خرجت من الفندق مستعجلة لا تعرف اتجاها إلى أن وجدت نفسها أمام باب شقتها.أكيد أن زوجها ليس هنا,فهو يبكر لعمله وكأنه يؤدي رسالة شخصية ما في هذه الحياة, بنية حسنة كان يكد عساه يفي بتحقيق أوهام تخص مستقبل أبنائه.دقت الباب ليفتح لتوه وبظهر ابنها بحلة حزينة,يهم صارخا:ماما...ماما...فاتحا ذراعاه ليعانقها,تنحني حاملة إياه بين أحضانها ودموع تفيض لتبلل كنف أمومة مغتصبة,في مقابلتها تظهر ابنتها متكئة على اطار باب غرفتها.نظراتها مستغربة فيها شيء من ذكاء يعرف كنه الأمور التي تجري في البيت بعيدا عن الأنظار.أسرعت ابتسام لتعانق أمها فتواشجت الأرواح الثلاثة مشكلة دراما إنسانية مؤلمة...
لملمت ملابسها في حقيبتها,ووضعت مذكرة يومياتها في جيب معطفها.طفلاها يتوسلانها أن تبقى.أحسا أنها ستغادر.أغلقت أذنيها بنداءات غريبة قادمة من بعيد,نداءاتي أنا الذي حرضتها في دهاليز الماضي وشقوق الأحلام التي راودتها, وكنت أنا بطلا لها في غفلة من أمري,دون علمي.كنت اكسر حلقات أغلال الزمن الموحش لأصيرها كائنا حرا يساعدني على ترجمة حبي لجمهورية عشق أفلاطونية.قبلتهما بقبلات خاطفة تشوبها حسرة ثائرة.حبست عبراتها لترتد صراخا في أحشائها.ذكرها ذلك بلحظات الوضع المرير أثناء حملها.إحساس بندم فاجع مع نشوة غريبة.اندفعت نحو الباب كالسهم دون أن تلتفت للوراء فأغلقته.آنئذ اعتقدت أنها قررت مصيرا تراءى لها في أفق المستقبل غامضا غموض الحياة عينها...
كنت جالسا على مقعد رخامي في محطة القطار,انتظرها.سنسافر سوية إلى مدن لم نحددها بعد.سنتيه في شوارعها نلامس بأحلامنا أرصفة الضياع ,ونقف تحت الأشجار ليلا حتى نحتمي بدفئها ونضيف إليه قبلاتنا التي ستخترق كل تلك السيناريوهات من الماضي المرير...
أحبها حبا بوذيا,اعشقها فلسفة لا تؤمن بالشفقة ولا تعير الألم اهتماما.حبنا لا يعترف لا بسلطة الدين ولا الأخلاق.حب كوني قدري,رسم خطواته منذ إرهاصات الخليقة الأولى,تحت تهويمات من ضباب يعكر صفو فرحنا ونحن في غمرة الضياع الأبدي...
أقبلت متلهفة بأنفاس تصدح سمفونية حزينة.وقفت لاضمها بين ذراعي.تشممت عطرها يفوح بذكرى الخطوة الجريئة.غرست وجهي في معطفها ويداي تتحسسان نبض شرايينها.تركت انفي يندس بين ثنايا صدرها الفياض,ثم اطلعت إلى محيا وجهها,فلمست تباشير الحزن الأبدي.جلسنا على المقعد,وفرحة لا توصف تلفنا.كنا نتفرس وجوه الناس في صمت امتد لمسافات حد ماضينا.دنوت منها حدود التماس,أيادينا في عناق حار.قالت لي:
-تعال بين أحضاني ثم اقتلني....
أجبتها بحنان:
-أن أقتلك بمعنى أن أحييك,وفي قتلك حياتي,وفي حياتي قتلك.لقد خلقنا أنا وأنت لنفتك ببعضنا البعض.
حطت وجهها على كتفي,وداعبت أناملي أخاديد وجهها المتعب.كنت اهمس في أذنيها حقيقة.قلت لها بحكمة بوذية:
-إياك سيدتي أن تعتقدي إنها الحقيقة,فحقا أن الحقيقة مثلا ضدها.سنسافر معا إلى ما وراء وجودنا.عسانا نعانق حياة أخرى.فلتستعدي لمكاشفة الذات.ولتتجلدي على الآلام.ولتصرخي في وجهي أن قصة حبنا بطولة رسمناها بأحلامنا...
لم تنم تلك الليلة وهي تعانق سرير غرفة الفندق الباردة,ولم يغلق لها جفن.التوت في فراشها بحنق قاتل وأحست بقشعريرة تنغرز في أوصالها,ودماؤها تفور كثورة عاصفة تريد أن تفجر عروقها رفضا مطلقا.غصة مريرة تحبس أنفاسا مضطربة,متلهفة لإلقاء ما في الأحشاء من ذكريات إلى الخارج.استحضرت كيف تحملت العيش معه لسنوات طوال.كيف سيقت إلى جنبه في ليلة زفاف دامعة؟لم تتحمل صورا وهي تقاسمه مائدة الطعام,وتشاركه سريرا لم تنعم فيه بلذة تذكر.تغسل له ملابسه وتحضر له الأكل,تخبره أنها حامل ويأتي يوم الميلاد لتسأله عن الاسم الذي سيختارونه لابنتها.وهكذا تمضي الأيام تباعا يخترقها خيط تنسجه إبرة الزمان,واتي أنا بعد أن نفضت هي الغبار عن قبري,عاريا كما ولدتني أمي,لانتشلها من هذا المكان...
لقد غادرت ذلك المساء بيت زوجها دون علم أي احد.انسلت هاربة من إقامتها الجبرية دون أن تترك أي اثر على وجهتها.الزوج الفض,المنفعل دوما, وكأنه في صراع داخلي مستديم,خرج لإحضار أبنائه من المدرسة.لقد استمات في الأيام الأخيرة في خوض غمار ملاسنات طاحنة,امتزجت بين الصدود واللامبالاة المتعمدة.فهي لم تعد تطيق وجودها وهي حبيسة أربعة جدران صماء.تريد أن تصرخ حتى الموت.لم يعد باستطاعتها أن ترى وجه ذلك الشبح الذي لم تقبله يوما على شفتيه.قرة عيناها هما الطفلان اللذان يطفحان براءة ملائكية.هما بذرتان من سنوات المصير المجهول التي انتوت غرسها في أحشائها وهي في غيبوبة تامة,تتنازعها فكرة صعوبة حيثيات الحياة لفتاة أكملت دراستها الجامعية ,وبين الخضوع لصرامة القدر العبثية تدعمها ظروف عائلية استثنائية...
استفاقت في الغد وكأنها شبح ملائكي متعب.صففت شعرها الذي نفشته عواصف الضياع المضنية.خرجت من الفندق مستعجلة لا تعرف اتجاها إلى أن وجدت نفسها أمام باب شقتها.أكيد أن زوجها ليس هنا,فهو يبكر لعمله وكأنه يؤدي رسالة شخصية ما في هذه الحياة, بنية حسنة كان يكد عساه يفي بتحقيق أوهام تخص مستقبل أبنائه.دقت الباب ليفتح لتوه وبظهر ابنها بحلة حزينة,يهم صارخا:ماما...ماما...فاتحا ذراعاه ليعانقها,تنحني حاملة إياه بين أحضانها ودموع تفيض لتبلل كنف أمومة مغتصبة,في مقابلتها تظهر ابنتها متكئة على اطار باب غرفتها.نظراتها مستغربة فيها شيء من ذكاء يعرف كنه الأمور التي تجري في البيت بعيدا عن الأنظار.أسرعت ابتسام لتعانق أمها فتواشجت الأرواح الثلاثة مشكلة دراما إنسانية مؤلمة...
لملمت ملابسها في حقيبتها,ووضعت مذكرة يومياتها في جيب معطفها.طفلاها يتوسلانها أن تبقى.أحسا أنها ستغادر.أغلقت أذنيها بنداءات غريبة قادمة من بعيد,نداءاتي أنا الذي حرضتها في دهاليز الماضي وشقوق الأحلام التي راودتها, وكنت أنا بطلا لها في غفلة من أمري,دون علمي.كنت اكسر حلقات أغلال الزمن الموحش لأصيرها كائنا حرا يساعدني على ترجمة حبي لجمهورية عشق أفلاطونية.قبلتهما بقبلات خاطفة تشوبها حسرة ثائرة.حبست عبراتها لترتد صراخا في أحشائها.ذكرها ذلك بلحظات الوضع المرير أثناء حملها.إحساس بندم فاجع مع نشوة غريبة.اندفعت نحو الباب كالسهم دون أن تلتفت للوراء فأغلقته.آنئذ اعتقدت أنها قررت مصيرا تراءى لها في أفق المستقبل غامضا غموض الحياة عينها...
كنت جالسا على مقعد رخامي في محطة القطار,انتظرها.سنسافر سوية إلى مدن لم نحددها بعد.سنتيه في شوارعها نلامس بأحلامنا أرصفة الضياع ,ونقف تحت الأشجار ليلا حتى نحتمي بدفئها ونضيف إليه قبلاتنا التي ستخترق كل تلك السيناريوهات من الماضي المرير...
أحبها حبا بوذيا,اعشقها فلسفة لا تؤمن بالشفقة ولا تعير الألم اهتماما.حبنا لا يعترف لا بسلطة الدين ولا الأخلاق.حب كوني قدري,رسم خطواته منذ إرهاصات الخليقة الأولى,تحت تهويمات من ضباب يعكر صفو فرحنا ونحن في غمرة الضياع الأبدي...
أقبلت متلهفة بأنفاس تصدح سمفونية حزينة.وقفت لاضمها بين ذراعي.تشممت عطرها يفوح بذكرى الخطوة الجريئة.غرست وجهي في معطفها ويداي تتحسسان نبض شرايينها.تركت انفي يندس بين ثنايا صدرها الفياض,ثم اطلعت إلى محيا وجهها,فلمست تباشير الحزن الأبدي.جلسنا على المقعد,وفرحة لا توصف تلفنا.كنا نتفرس وجوه الناس في صمت امتد لمسافات حد ماضينا.دنوت منها حدود التماس,أيادينا في عناق حار.قالت لي:
-تعال بين أحضاني ثم اقتلني....
أجبتها بحنان:
-أن أقتلك بمعنى أن أحييك,وفي قتلك حياتي,وفي حياتي قتلك.لقد خلقنا أنا وأنت لنفتك ببعضنا البعض.
حطت وجهها على كتفي,وداعبت أناملي أخاديد وجهها المتعب.كنت اهمس في أذنيها حقيقة.قلت لها بحكمة بوذية:
-إياك سيدتي أن تعتقدي إنها الحقيقة,فحقا أن الحقيقة مثلا ضدها.سنسافر معا إلى ما وراء وجودنا.عسانا نعانق حياة أخرى.فلتستعدي لمكاشفة الذات.ولتتجلدي على الآلام.ولتصرخي في وجهي أن قصة حبنا بطولة رسمناها بأحلامنا...