يرى المفكر علي حرب في كتابه (( الماهية والعلاقة ، نحو منطق تحويلي )) أنه بصدد إجتراح منطق أسماه المنطق التحويلي بوصفه نقداً للمنطق الصوري .. ويقوم منطقه على أساس القراءة النقدية التحويلية (( على نحو يتيح إبتكارات مفهومية وصيغ عقلانية مختلفة )) .. من أجل إنتاج إمكانيات جديدة للتفكير تعيد تنظيم العلاقة بين الوعي واللاوعي كما ترتب علائق المفهوم بموضوعه أملاً في ولوج المناطق المحرمة التي لم تطأها هواجس المفكرين .. وهو ينشد من كل ذلك الى إبتداع ممارسات جديدة للفكر تنطوي على علائق مبتكرة بالفكر أي علاقة الفكر بالآخر سواء أكان لغة أو ذاتاً أو معرفة أو شيئاً أو حركة أو منهجاً ... الخ ، وهنا نريد أن نسجل بعض الملاحظات كمناقشة لبعض إطروحاته سيما في الصفحات الأولى من الكتاب إذ يقول : (( إن النشاط الفكري ، هو ضرب من ضروب الممارسة . إنه خبرة وجودية بالمعنى الأصيل للكلمة ، أي هو مراس ذاتي وصناعة للحقيقة بقدر ما هو تجربة حية تصاغ بلغة مفهومية )) .. إن النشاط الفكري هو كفاءة أنطولوجية وليس خبرة وجودية فحسب ، هذه الكفاءة / القدرة متآتية من تأصيل عوامل عديدة منها الخبرة وخزين المعلومات والصفاء العقلي ... الخ ، كما لايمكن إعتباره مراساً ذاتياً بعيداً عن البيئة وحتمياتها وسيروراتها .. فضلاً عن إعتباره معني بصناعة الحقيقة فأمر مشكل إذ إن مهمته البحث عن الحقيقة لإعادة تشكيلها ليس بمعنى نمذجتها بقدرما مايتغيا مقاربة المعنى .. وإضاءة المفهوم . ثم يصف منطقه بأنه : (( يتجاوز منطق الهوية والمطابقة )) .. إن تجاوز الهوية ليس بالأمر المتاح وبالسهولة التي يتم طرحها ، نعم التحرر من تابوهات الهوية والإنطلاق مع إنفتاحها وشفراتها ، وإشتباك تلك الشفرات بشفرات ضدية في عملية ترميز تتعاطى مع المعاني الكلية التي صارت حاجة الفكر الإنساني إليها مسيسة في عصر الجدل التكنولوجي الذي راح يغرق الإنسان في (( أتوماتية لاواعية )) قد تحول إنسان التقدم العلمي والتكنولوجي العظيم الى إنسان جملي مشبع بالهمجية بقدر تشبعه بتكنولوجيا المعلومات والتقنيات المستحدثة . نعم ذلك الإشتغال على علائق المعنى هو الكفيل بالإنعتاق من قيود المطابقة والتحرر من منطق الهوية القار . أما قوله بأهمية إنفتاح الفكر على (( كثافة التجربة وإشتعالات الحدس وألاعيب الدلالة )) ، فإن الفكر الحديث يكاد يغرق في التجريب منذ بيكون حتى تسيّدت التكنولوجيا على االعلم الذي أصبح تابعاً ووليداً لها .. والإهتمام بألاعيب الدلالة والجدل اللفظي ، قد يرى الى حركة الفكر المطلوبة في البيان بدلاً من البرهان ، وهذا الرأي قديم منذ عصر السفسطة .. وجديد حسبما ماظهر من مناهج جمالية كالبنيوية والتفكيكية التي تقوم على أساس اللعب الحر للغة .. وقد تنتهي الى العدمية اللاغائية . فالمنطق التحويلي في نقده للمنطق الصوري ربما كان محقاً ليس بمعنى أن الأول صحيحٌ والثاني خاطيءٌ .. بل ربما كان الثاني يكتسي الكثير من الصحة ، لكنه أي المنطق الصوري غير منتج لأنه فكر دائري تموت فيه الحركة في نقطة البداية .
يقول علي حرب : (( بهذا المعنى يصبح المنطق قراءة أحداث أوتفكيك لغات وشيفرات ، أكثر مما هو كلام مجرد على أنواع الحمل وأشكال القياس وأنظمة البرهان )) .. بهذا القول يتحول المنطق التحويلي الى منطق تحليلي .. وهو منطق كليل لايخرج الفكر من آساره إذا لم يؤبدها ، في حين أن الفكر بحاجة الى منطق ليس تحليلياً فحسب بل وتركيبياً .. أن المنطق التحويلي بقراءته هذه يريد أن يسمى الأشياء / الأفكار بأسمائها وبالتالي يكّون المفهوم موضوعه لكي يمارس فاعليته وحضوره .. وهذا تناقض إذ أن هذا الطرح يسقط في نفس جب منطق أرسطو الذي يتم بموجبه سبق المفاهيم للموضوعات ، في حين أن المفاهيم مقتبسة من المواضيع .. رغم أن المفهوم لايكون إلا طريقاً سالكة الى الموضوع . في حين أن المعنى المقصود هو التلازم بين المفهوم والموضوع إنطلاقاً من النظرة التركيبية والتي يعبر عن فحواها المفكر علي حرب في مكان آخر من كتابه بقوله : (( أنه منطق يقترب من الحافة ويقع على المفارقة أو يولد المغايرة ، بقدر ما ينطق بلغة المحايثة والكثرة والتحول والطفرة أو الحدث والفرادة )) هذا التلازم يعيش ضمن شكل علائقي أوتيار من العلاقات المتشابكة والضمنية تتوفر على (( الرغبة والذائقة والمعرفة واللغة والسلطة ... الخ )) .. هذا الشكل العلائقي لاينفي الماهيات والقواعد كما يرى علي حرب بل يؤشر أن تلك الماهيات والقواعد ليست قارة بل يجردها من صفتي الثبات والنفي بتعبير آخر أن الماهيات وهي تندمج في الشكل العلائقي إنما تتحرك ضمن المساحة الممتدة بين النفي والإثبات .
يقول علي حرب : (( من هنا يتغذى المفهوم مما يحاول أن يفهمه أي مما هو غير مفهوم )) .. وهذا الكلام هو عين حركة التفكير التي تنتقل بالفكر من المعلوم الى المجهول بقصد إستعلامه .. وهي مقولة رغم قدمها لكنها تكتسب جدتها من فاعليتها في إنتاج الأفكار بصورة مستمرة .. (( ولإن المفهوم هو كذلك ، لايمكن إلاّ أن يكون ذا مفعول تحويلي . والتحويل مزدوج بل مركب بمعنى إنه تحويل للموضوع بقدر ماهو تكوين للمفهوم أو تحويل للواقع بقدر ما هو توليد للّغة )) .. وهنا تثار مسألة إلتباسية فيما إذا كان المفهوم فاعلاً وهذا مايراه علي حرب : (( المفهوم يكّون موضوعه )) .. وهذا يعني الموضوع / الحدث / الواقع هو مفعول المفهوم . وسبق وأن بينا بأن المفهوم هو مأخوذ من الموضوع وأن هذا الأول لايؤدي الاّ الى الثاني .. لأن المفهوم والموضوع كلاهما : معنى .. المفهوم معنى في الذهن ، والموضوع معنى في الواقع الخارجي لكن مايشدهما هو علائق المعنى التي لايصح معها أعطاء أولوية لأي منهما . إن طرح علي حرب بهذا الشكل ربما يجرنا الى النظرة الفلسفية المثالية .. لكنه يستدرك عندما يقول (( والتحويل مزدوج مركب )) وهنا يقترب من المنطق التركيبي الذي لايتقاطع مع المنطق التحويلي بل ان الأول يتضمن الثاني .. ثم يعرج على علاقة الواقع باللغة فيقترب من مفاهيم النحو التوليدي لدى تشومسكي .
أن المنطق التحويلي وهو يدعي تجاوز الماهيات انما يؤكدها ذلك أنه يدرس فقط مايطرأ عليها من تحولات .. بينما يقوم المنطق التركيبي بالإضافة الى ذلك بالإشتغال على علاقات المعنى التي تربط الماهية بالآخر بكل أشكاله وتشكلاته هو معني بالعلاقة والتأثير فيها والتي تعيد تشكيل تلك الماهيات .. وإجتراح أخرى جديدة . كما ان المنطق التحويلي عندما يتعامل مع الثنائيات الضدية التي تشغل الفكر الإنساني ولاسيما في المجتمعات العربية ، حيث التعثر في إمتلاك القدرة في ممارسة التفكير بصورة خلاقة بسبب عدم حل معضلة هذه الثنائيات . فان هذا المنطق لايحل مشكلة الثنائيات بالشكل الإيجابي بل يلجأ الى حلّها بالنفي من خلال تجاوزه الماهيات ومصادرتها .. علماً أن هذه الثنائيات من المسائل الأنطولوجية الموضوعية والتي يصعب على الإرادة (( الذاتية )) التأثير بها إلاّ بشكل محدود .. لذلك فإن المنطق التركيبي هو الكفيل بإيجاد الحل الأنسب لهذه المعضلة من خلال اعادة تشكيلها – الصراعي / الإنسجامي بالأشتغال على أشكال علائق المعنى بينها ليعاد تشكيلها مفهوماً وموضوعاً يستجيب لدواعي الخلق الفكري والتحرر من الضرورات والتي هي وليدة الخطأ الذي لازم الفكر في سيرورته .. هذا الخطأ الذي ينجم عن التأثيرات النفسية والتأثيرات البيئية والمناهج المعوجة فضلاً عن أخطاء صور الفكر والمعتقد .. إننا لكي نتجنب هذه الأخطاء نلجأ الى المنطق في الفكر والذي هو علم البحث عن الصواب وتجنب الخطأ في الفكر بإستخدام وسيلة العلم .. فالمنطق يعطينا الرؤية والبحث يبلورها .