جديد الموقع
تمهيد
يقترح الفيلسوف بابلو جيلبرت إعادة التفكير في الاشتراكية بناء على متطلبات فكرة الكرامة الإنسانية. فهو يجمع بين تراث كانط وتراث ماركس، ويحدد الظروف اللازمة لمجتمع موحد متحرر من الهيمنة. بعد أربع سنوات من نشر عمله يستكشف الطريقة التي يدعم بها المثل الأعلى للكرامة الإنسانية حقوق الإنسان ، يتناول بابلو جيلبرت، أستاذ الفلسفة في جامعة كونكورديا، في كندا، مرة أخرى مسألة الكرامة، ولكن بطموح متجدد. : اقتراح دفاع أصلي عن الاشتراكية باعتبارها امتدادًا ضروريًا لحقوق الإنسان. إن العلاقة القائمة بين الاثنين بسيطة ومع ذلك تقدم فرضية أصلية: إذا كانت حقوق الإنسان تتوافق مع متطلبات الحد الأدنى من الكرامة، فإن الاشتراكية ستكون شكل التنظيم الاقتصادي والسياسي الذي يلبي على أفضل وجه متطلبات الحد الأقصى من الكرامة، بشرط "أن تكون ديمقراطية ومحترمة" من الحريات الفردية. فكيف عمل هذا الحقوقي الفيلسوف على تحقيق المصالحة بين كانط وماركس وبين الكرامة والعدالة؟ وهل تكمن من مقاومة الآفات الثلاث التي خلفتها الرأسمالية وهي الاستغلال والاغتراب والهيمنة؟
تكريم الكرامة
الأطروحة الرئيسية التي دافع عنها جيلبرت هي أننا يجب أن ننظم الحياة في المجتمع بطريقة تستجيب بشكل مناسب للخصائص التي تقوم عليها الكرامة الإنسانية. والفكرة هي كما يلي: إن الكرامة الإنسانية تقوم على مجموعة من القدرات ذات القيمة، مثل الشعور بالتعاطف، والوعي الذاتي، والقدرة على الاستدلال، والحكم، وطرح الأسئلة، والاختيار، والاهتمام بالآخرين. للتعاون، والتخيل، وتقدير الجمال، وما إلى ذلك. هذه القدرات هي مصدر للالتزام الأخلاقي: فكل الأشخاص الذين يتمتعون ببعض هذه القدرات (وليس بالضرورة جميعها) مدينون لبعضهم البعض بالاحترام والرعاية. وبشكل أكثر تحديدًا، يقترح جيلبرت أنه يجب على كل شخص أن يعترف بالالتزام الأخلاقي بدعم الآخرين في سعيهم لتحقيق الحياة، ليس فقط عن طريق تجنب عرقلة تنمية هذه القدرات، ولكن أيضًا عن طريق حماية وتسهيل هذا التطور. ولذلك فإن احترام الكرامة يقترن بروح التضامن. لذلك تعتمد هذه الأطروحة على فكرة متطورة للغاية في الفكر النسوي وفي الاشتراكية: فكرة الترابط العميق بين البشر، غير القادرين على الازدهار وحتى البقاء على قيد الحياة دون الآخرين. ومع ذلك، فإن شكل الحياة الأكثر انسجاما مع كرامتنا ليس جماعيا؛ بل هي، كما وصفه ماركس، تتمثل في أن تطور كل فرد يسهله تطور الجميع – وبعبارة أخرى، السعي الموحد للتنمية الفردية.
إن كتاب جان جاك روسو، الذي ولد في 28 يونيو 1712 في جنيف وتوفي في 2 يوليو 1778 في إرمينونفيل، "إميل" أو "في التعليم" هو عبارة عن نصف أطروحة ونصف رواية تحكي قصة حياة رجل خيالي يدعى إميل. في هذا الكتاب، يتتبع روسو مسار تطور إميل والتعليم الذي تلقاه، وهو تعليم مصمم ليخلق فيه كل فضائل "الشخص الطبيعي" المثالي لروسو، والذي لم يفسده المجتمع الحديث. وفقًا لروسو، لا يمكن رعاية الخير الطبيعي للإنسان والحفاظ عليه إلا وفقًا لهذا النموذج التوجيهي للغاية للتعليم، ويذكر روسو أن هدفه في إميل هو تحديد الخطوط العريضة لهذا النموذج - وهو نموذج يختلف بشكل حاد عن جميع الأشكال المقبولة من التعليم. يقترح نظام روسو التعليمي تفاصيل طرق تدريس محددة لكل مرحلة من مراحل الحياة، وطريقة تعليمية تتوافق مع الخصائص الخاصة لتلك المرحلة من التطور البشري. وبناء على ذلك، تم تقسيم إميل إلى خمسة كتب، كل منها يتوافق مع مرحلة من مراحل النمو. يصف الكتابان الأول والثاني عصر الطبيعة حتى سن الثانية عشرة؛ يصف الكتابان الثالث والرابع المراحل الانتقالية للمراهقة؛ ويصف الكتاب الخامس عصر الحكمة، الذي يتوافق تقريبًا مع الأعمار من عشرين إلى خمسة وعشرين عامًا. يدعي روسو أن هذه المرحلة يتبعها عصر السعادة، وهي المرحلة الأخيرة من التطور، والتي لم يتناولها في إميل. في الكتابين الأول والثاني، يصر روسو على أن الأطفال الصغار في عصر الطبيعة يجب أن يركزوا على الجانب الجسدي لتعليمهم. مثل الحيوانات الصغيرة، يجب تحريرهم من القماط الضيق، وإرضاعهم من أمهاتهم، والسماح لهم باللعب في الخارج، وبالتالي تنمية الحواس الجسدية التي ستكون أهم الأدوات في اكتسابهم للمعرفة. لاحقًا، عندما يقتربون من سن البلوغ، يجب تعليمهم حرفة يدوية، مثل النجارة، والسماح لهم بالتطور فيها، مما يزيد من قدراتهم البدنية والتنسيق بين اليد والعقل. ويواصل روسو القول إنه عندما يدخل إميل سنوات مراهقته، عليه أن يبدأ التعليم الرسمي. ومع ذلك، فإن التعليم الذي يقترحه روسو يتضمن العمل فقط مع مدرس خاص ودراسة وقراءة فقط ما يثير فضوله، فقط ما هو "مفيد" أو "ممتع". يوضح روسو أنه بهذه الطريقة سوف يقوم إميل بتثقيف نفسه بشكل أساسي وسيكون متحمسًا للتعلم. سوف يغذي حبه لكل الأشياء الجميلة ويتعلم ألا يقمع انجذابه الطبيعي نحوها. يقول روسو أن فترة المراهقة المبكرة هي أفضل وقت لبدء مثل هذه الدراسة، لأنه بعد البلوغ يكتمل نمو الشاب جسديًا ولكنه لا يزال غير فاسد بسبب عواطف السنوات اللاحقة. إنه قادر على تطوير قدراته العقلية، تحت إشراف معلم يحرص على ملاحظة الخصائص الشخصية لطالبه ويقترح المواد الدراسية وفقًا لطبيعته الفردية.
ٱلأَنَا وَظِلُّهَا:
-1-
قُبَيل الفَجْر دَاهَمَتْني مَنَامَة.
فقد رَأَيتُ فِي مَا يَرَى النَّائِم أَضْغَاثَ أَحْلاَمٍ لمْ أعْهَدْ مِثْلها مِنْ قَبْلُ..
عَلَى إِثْرِهَا صَحَوْتُ مَذْعُورًا وَالظَّمَأُ ينالُ منِّي إذ أَحْسَسْتُ بِتَجَفُّفِ حَلْقِي. أَطْفَأتُ غُّلَّتِي بِمَاءٍ معْدني فَٱبْتَلَّتْ أَحْشَائِي.
ٱجْتَاحَنِي عَرَقٌ غزيرٌ وأنا أَتَفَكَّرُ في صُوَرِ رُؤْيَايَ، وَأُقَلِّبُ رُمُوزَها الَّتِي تُقْتُ قَدْرَ مُكْنَتِي إلى ٱلتِقاطِ بعض مَعَانِيهَا وَتَفَهُّمِ قَدْرٍ مِنْ دَلاَلاتِها.
-2-
فِي كُلِّ صباح، ألْبَثُ مُسْتلْقِيًّا، لِوقْتٍ قَدْ يَطُول أويَقْصُر، كَدَيْدَنِ "روني ديكارت" وهو تلميذٌ في مدرسة "لاَفْلِيشْ" ٱلْيَسُوعِيَّة. على سَرِيرِي أَظَلُّ أتأرْجَحُ بين خَدَرِالكَرَى وٱستشباحاتِ يَقَظَتِي. وفي مَضْجَعِي أيضًا أسْعَى جَاهِداً إلى ضَبْطِ بَوْصَلتي المُرْتَجَّة ٱلَّتِي تَجْعَلُنِي، على النَّقِيضِ مِنْ "يُوهَان غُوتُه"، أَرَى الشَّرقَ غَرْبًا، والغَرْبَ شَرْقاً..
يَا لَأَوْهَامِي
مَنْ أُصَدِّق يَاإلَهِي فِي غَمْرَة تَيْهِي وَجُنُونِي؟!
أَنَايَ المُمَزَّقة بَيْنَ الأَحلاَمِ وَاليَقَظَة، أمْ آخَرُهَا المُضَاعَف الَّذِي يُكَابِدُ كَ "الفَتَى فِيرْترْ" وَاقِعاّ شِرِّيراً هَشَّمَ حَيَاتَهُ فَحَوَّلَهَا إلى مَأسَاةٍ خَالِصَة ؟..
يَالَهَلْوَسَات سَمْعِي!
أغلقت باب بيتها، وسدت نوافذه بإحكام، ثم تحصنت بالداخل وقد اطمأن قلبها إلى أن الموت لن يصل إليها، ولن يستطيع أن يفاجئها. الكثير من معارفها رحلوا على امتداد السنوات الماضية، أغلبهم اِقْتَنَصَهُ الموت في غفلة منه وهي لا تريد أَنْ تُفاجَأَ مثلهم. لهذا ملأتْ كَرَار بَيتها بكل الموادِّ الغذائية التي تَحتاجها، وقَرَّرت أن لا تغادره البَتَّة. منذ أسْبوع طرق باب بيتها مُوظفون حُكوميون تابعون للبلدية وأخبرُوها بضرورة إخلاء مسكنها لأنه آيل للسقوط، لكنها واجهتم بشراسة:
-لن تنطلي عليّ حِيّلكم أيّها اللُّؤماء أنتم رُسلُ الموت تُحاولون جَرّ رِجْلي لِمغادرة بيتي فيَصطَادني.
-أَغلب السُّكان رَحلوا يا حَاجّة، بُيوتُ هذا الحي ستنهار لأن الشُّقوق تعتري كل الأبْنِيّة.
-تَكذبون! أنتم تريدون بِي شَرّا
-ذَنبك على نفسك، نَحن قمنا بِواجبنا
للموت أعوانٌ، وعيون ترصد الضَّحايا وتُعِدّهم لليَوم المَوْعود، وهِي لن تَنْخدعَ بهذه السُّهُولة وتُصبح لقمة سَائِغة للموت يقتنصُ روحها ويحْرِمها من نعمة الحياة على حين غَرّة. هِي فعلا بَلغتْ من العُمر عتيّاً، وَتُعانِي مِن ضَغط الدّم، واِرتفاع نسبة السُّكري، وآلَام مرضِ النَّقرس، لكن هذا ليس مبررا يَشفعُ للمَوت فَعْلتَهُ.
أفاقت من سَحائِب أفكارها على صُراخ وضَجيج قَوِي بالخارج، تَردّدتْ لحظةً ثمّ اِقتربتْ من الباب الخَشبي المَتِين، ووضعت عَينَها على العَين السِّحرية، رأت شَابّا ملقى على الأَرضِ وهو يَنزِف دَماً.
كانت ملامح وَجْهِه تنِمُّ عن معاناة فَظيعة من الآلام. وكان يَصْدرُ عنه صَوتُ أنينٍ مُمِضّ. عَادت أدراجها وجلستْ على الأريكة الوحيدة التي تملك." لَا شأن لها به، هناك رِجال أمن وإسعاف بالبلد وهم المسؤولون عن حماية أرواح المواطنين ورعاية الجرحى والمُصابين منهم، هِيَ مُجرد سيِّدةٍ عَجوز، مِنَ الأفضَل لها أن تَبتعدَ عن المشاكلِ ".
زادت حِدّةُ الأنين، أصْبحتْ تَطرقُ أسماعَها بقوة وهي جالسة في مكانها، تَقَطّع من الزمن رَدحٌ، وهِي ساكنة تُفكّر، لَكنها في أخر المطاف قامت من مكانها واتجهت مرة أخرى نحو البَاب، نظرتْ عبر العين السحرية، كان الشاب ما يزال مُمدّدا في مكانه وهو يَتَوجّع، لم تتردد هذه المرة، فَتحت البَاب واقتربتْ منه، سالته بصوت أجش :
تجوعُ القطّةُ... تأكلُ صغارَها...
تجوعُ الثّورةُ...تأكلُ أبناءَها
وحين يجوعُ التّاريخُ...
يلتهمُ صفحاتٍ عصيّةٍ على الهضم
في تغذيةٍ راجعةٍ
تساعدُه على لفظِ ما أثقلَ معدتَه
من رؤوسٍ لم تستو في طبخة...
ولا كانتْ مهذّبةً في جلوسِها
إلى مائدةِ المقايضة
المقامةِ في قرنةِ الوطن ....
هاجسُها اقتيادُ القطيعِ إلى ساحةِ الذّبحِ....
صدر عن نادي مكة الثقافي الأدبي، كتاب جماعي يحمل عنوان : " الشعريـة الرقميـة ،مستجدات الأدب الرقمي وتحدياته " ، وقد تضمن أبرز الأوراق البحثية المقدمة حول مستقبليات الأدب الرقمي، وكذلك مجموعة من المقاربات النقدية ويهدف النادي من خلال هذا التوجه إلى متابعة التطورات التقنية الحديثة، ودعم المبدعين في هذا المجال الناشئ.
ويتضمن الكتاب الذي يقع في 456 صفحة ، ثمانية محاور ،أولها محور حول " العصر الرقمي وفلسفة التحول" ،شارك فيه كل من: زهور كرام ،وعبد الحق بلعابد،وكلثوم زنينة. عالجت المداخلات إشكالية العلاقة بين العلوم الإنسانية والتكنولوجيا في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العصر الرقمي ، حيث تتحدى التكنولوجيا المفاهيم والمناهج التقليدية للعلوم الإنسانية مما يطرح تساؤلات حول هويتها الجديدة، ويفرض التطور التاريخي لهذا التحول إعادة النظر في الأدوات المستخدمة وإنتاج وعي فلسفي بتأثير التكنولوجيا على الإنسان وهويته، حيث تتطلب العلاقة بين العلوم الإنسانية والتكنولوجيا تكاملًا لمواكبة مقتضيات العصر.
وفي المحور الثاني "شعرية السرد الرقمي " والذي تضمن ورقات علمية كل من: آمنة بلعلى وفهيم شيباني وحمزة قريرة و بهاء الدين محمد مزيد ومهى جرجور وبدر العوني ؛ وناقش قضية الرواية وعلاقتها بالتغيرات الثقافية والاجتماعية الناتجة عن تأثير التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال تقاطع عدد من السرديات الفردية لشخصيات مختلفة، تسلط الضوء على قضايا مثل:
يداه مغموستان في الطين اللزج تقلبانه برشاقة وخفة ودراية. وقامته المديدة تستوي تارة وتنحني أخرى في لعبة لا يتقنها غيره. شمر قندورته وربط طرفها إلى زناره فانكشفت ساقان رقيقتان معروقتان غطاهما الشعر والطين. تعلوهما ركبتان حادتان مدببتان تحملان فخذين مقوّسين قليلا إلى الخارج محدثين فتحة يتدلى في وسطها طرف القندورة. ذراعاه طويلتان مشعرتان وساعداه مفتولان من عرْك الطين وعجنه. أعلى وجهه الذي يميل إلى طول غير معيب ينبت شعر مجعد وَخَطَه الشيب وتناثر على ما بقي من خصلاته الطين.
يحدق دائما إلى الأمام، كأنما يرسم لنفسه دروبا لا يخط حدودها أحد سواه، ترحل به مرة إلى تخوم ملغومة، وتطوِّح به أخرى في فيافي كثبانها عالية ومسالكها متشعبة لا يتقن السير فيها إلا خرِّيت متمرِّس. وقد تقوده أحايين أخرى إلى حافات مهاوٍ سحيقة لا قرار لها. يخيل لمن يراه أول مرة أنه يراقب الطريق منتظرا قادما لا يأتي.
لا يريد أن يلتفت خلفه. لا يرغب في رؤية تلك الكومة من السنوات الجاثمة وراءه، تلك السنوات التي أفناها من عمره متأبطا محفظة جلدية خضراء جلبها له والده إحدى أوباته من ليبيا. هذا البلد الذي كم قد أغدق على والده وأمثاله من أموال وبضائع، يذهبون إليه بجيوب خاوية ويعودون بها ضاجة بالأوراق النقدية ومحملين بشتى أنواع البضائع والأطايب. يذهبون خِماصا ويعودون بطانا. لم تكن محفظة عادية، كانت بطعم جذوة الأمل التي أوقدها والده في قلبه وأوكل إليه أمانة إضرامها ورعايتها. رافقته تلك المحفظة الأثيلة إلى قلبه سنوات ست في مسيرة تعلم شاقة. رُتقت مرات كثيرة حتى استبدل خيطها الأصلي بخيوط أخرى ذات ألوان متداخلة. في عامه الأخير اتسعت ثقوبها وعِوض حملها على ظهره صار يتأبطها خشية أن تتمزق وتتبعثر أحلامه وآماله وأدواته الهندسية وأقلامه وقطع الطبشور.
" هل من الصدفة حقّا أن تكون الفلسفة فعلا، مرتبطة إلى هذا الحدّ بتدريسها، وبأولئك الذين يدرّسونها؟ وهل من الصدفة أن لا تصلح الفلسفة سوى لتعليمها الخاص فحسب، ولا لشيء آخر؟ وإذا كانت لا تصلح فقط إلا لتعليمها الخاص، فما يعني ذلك يا ترى؟"( ل. ألتوسير)
"في أي معنى يستقيم القول بأنّ : كل إنسان فيلسوف"؟
" ماذا يصنع إذن أستاذ الفلسفة؟ إنه يعلّم تلاميذه التفلسف، بتأويل النصوص الكبرى أمامهم أو المؤلفين الكبار للفلسفة، بان يلهمهم الرغبة في التفلسف. وإذا ما التمس في نفسه قوّة، أمكنه أن يتقدّم درجة ويمرّ إلى التأمّل الشخصي، أي إلى مخطّط فلسفة أصيلة."(ل. ألتوسير)
****
ما ذا يقول " غير الفلاسفة" ؟
يتوجه هذا الكتاب إلى كلّ القرّاء الذين يعتبرون أنفسهم، أصابوا أم أخطئوا، من " غير الفلاسفة"، والذين يريدون مع ذلك أن يكوّنوا فكرة عن الفلسفة. ماذا يقول " غير الفلاسفة"؟ العامل والفلاح والأجير:" لا نعرف شيئا من الفلسفة، لم تخلق لأجلنا. إنما هي لمثقفين مختصين. إنها جدّ صعبة. ولا أحد حدّثنا عنها قط: لقد غادرنا المدرسة قبل أن نتعلمها." بينما يقول الإطار والموظّف والطبيب، الخ:" نعم تابعنا درس الفلسفة. لكنه مفرط في التجريد. والأستاذ عارف بصنعته، لكنه كان غامضا. فلم نحتفظ بشيء منها. وبالمناسبة، فيم تصلح الفلسفة ؟ " ويقول آخر:" عفوا! لقد اهتممت بالفلسفة كثيرا. يجب أن نقول بأنه كان لنا أستاذ أخّاذ. وكنا نفهم الفلسفة بصحبته. لكن، انصرفت منذ ذلك الحين إلى تحصيل لقمة العيش ماذا نفعل إذن، ليس لليوم سوى 24 ساعة: لقد فقدت صلتي بها. مع الأسف. " وإذا ما سألتهم جميعا:" لكن عندئذ، بما أنكم لا تعتبرون أنفسكم فلاسفة، فمن من الناس في نظركم من يستحقّ اسم فيلسوف؟"، فسيجيبون، بصوت واحد:" إنما هم أساتذة الفلسفة!". وهذا عين الصواب : فبخلاف الناس الذين، لأسباب شخصية، أي من أجل متعتهم أو لنفع ما، يستمرّون في القراءة لكتّاب فلسفة، في" ممارسة الفلسفة"، فإنّ من يستحقّ اسم فيلسوف هم فعلا أساتذة الفلسفة. يطرح هذا الأمر بالطبع سؤالا أول، أو بالأحرى أثنين.
1. هل حقّا من الصدفة أن تكون الفلسفة فعلا، مرتبطة إلى هذا الحدّ بتدريسها، وبأولئك الذين يدرّسونها؟ يجب أن نعتقد أن الأمر ليس كذلك، إذ في النهاية،لا يعود هذا الزواج فلسفة - تعليم إلى أقسام الفلسفة عندنا، لا يعود إلى الأمس: فمنذ بدايات الفلسفة، كان أفلاطون يدرّس الفلسفة، وأرسطو يدرس الفلسفة ... وإذا كانت هذه الزيجة فلسفة - تعليم ( تدريس) ليست نتاج الصدفة، فهي تعبّر عن.ضرورة خفيّة. وسنحاول اكتشافها.
الإلحاد الإبستمولوجي، ويُعرف أحيانًا بـ "اللاأدرية الإبستمولوجية"، يمثل توجهاً فلسفياً ينكر إمكانية الحصول على معرفة يقينية حول المسائل الميتافيزيقية، وبخاصة وجود الله. ينبثق هذا التوجه من مجموعة من الأطر الفكرية التي ظهرت في سياقات تاريخية مختلفة وأُثرت بفعل التيارات الفكرية التي اهتمت بالنظرية المعرفية (الإبستمولوجيا) وتطور العلوم، بالإضافة إلى نقد المعتقدات الماورائية.
و يُعرّف الإلحاد الإبستمولوجي كفكرة فلسفية تشكك بقدرة البشر على معرفة أو الوصول إلى حقيقة وجود الله أو الغيبيات عمومًا، فهو يرتبط باللاأدرية أكثر من الإلحاد بمعناه التقليدي، إذ ينصب التركيز على محدودية المعرفة البشرية وقيودها.
الجذور التاريخية والفلسفية للإلحاد الإبستمولوجي
ظهر الإلحاد الإبستمولوجي تدريجيًا مع تطور الفكر الفلسفي الغربي، ويمكن إرجاع جذوره إلى العصور القديمة، حيث بدأ الفلاسفة يناقشون حدود العقل والمعرفة البشرية. لكن الانتقال إلى موقف إبستمولوجي صريح حدث في الفترة الحديثة مع ظهور عدد من المفكرين الذين شككوا في قدرة العقل البشري على معرفة حقائق ميتافيزيقية نهائية.
1. الفلسفة الإغريقية والرومانية القديمة
بروتاجوراس والسفسطائيون: كانوا من أوائل المفكرين الذين قدموا أفكارًا حول نسبية الحقيقة والمعرفة البشرية، حيث ادعوا أن المعرفة لا يمكنها تجاوز نطاق التجربة الشخصية والمباشرة.
أبيقور: أبدى رؤية طبيعية بحتة للعالم واهتم بشرح الظواهر الطبيعية بدون اللجوء إلى الميتافيزيقا. وعلى الرغم من أنه لم يكن ملحدًا، إلا أن رؤيته العلمية الصارمة أثرت على النقاشات اللاحقة حول حدود المعرفة البشرية.
المزيد من المواضيع
فلسفة وتربية
لقد اعتقد غاستون باشلار الذي ولد في 27 يونيو 1884 وتوفي في 16 أكتوبر 1962 بأن العلم لا يأتي من صقل الحدس الحسي. فالحقيقة العلمية لا يمكن العثور عليها في التجربة؛ إنها تجربة يجب تصحيحها من خلال تجريد المفاهيم. لكن هذه العوائق المعرفية ليست أخطاء عرضية بسيطة، فهي تتضمن أطروحة تم التعبير عنها في الروح العلمية الجديدة: "العلم يخلق الفلسفة"، ثم بطريقة جدلية وبرمجية في فلسفة النفي حيث لا تقتصر فلسفة العلم على مبادئ العلم الخاصة، ولكنها قد تضم الموضوعات العامة أيضا.
في عام 1934، عندما نشر غاستون باشلار كتابه "الروح العلمية الجديدة" وظهر كتاب كارل بوبر "منطق البحث"، لم يكن هناك من الفلاسفة من يخالف الرأي القائل بأن العلم يتطور على نحو خطي أو أحادي، بحيث يترك المعنى وقيمة الحقيقة دون تغيير، على أساس توفره الخبرة المشتركة. بل إن مايرسون تعهد بإثبات أن نظرية النسبية يمكن استنتاجها من مبادئ نيوتن، وكان من المعتقد على نطاق واسع أن مفاهيم الفيزياء الكلاسيكية، من جانبهما، ليست سوى تحسين لمفاهيم الحياة اليومية. ومنذ ذلك الحين، كان باشلار في فرنسا، وبوبر في إنجلترا، أكثر من أي شخص آخر مسؤولاً عن تسرب حقيقة ثورية عميقة بالنسبة للفلسفة، وهي ظاهرة الانقطاع العلمي فيما يتصل بالحس السليم أو الخبرة والتغير. ولقد حاول باشلار وبوبر تسجيل هذه الظاهرة بعبارات متشابهة إلى حد مذهل. ولكن لم ينجح أي منهما، ولا التقاليد النظرية التي دشناهما، في استيعاب أهميتها الكاملة بالنسبة للفلسفة. ويشكل كتاب دومينيك ليكور "الماركسية ونظرية المعرفة" وكتاب بول فايرابند (13 يناير 1924 – 11 فبراير 1994) "ضد المنهج" ضم تعليقين مطولين على هذه التقاليد ومحاولاتها لنظرية الانقطاع والتغير العلميين ـ الأول إشادة محترمة "من الخارج"؛ والثاني جدل "شرير" من الداخل. ولكن لماذا يخلف الانقطاع والتغير العلميان مثل هذه العواقب المزعجة على الفلسفة؟ إن إدراكهما يكسر العلاقة المتميزة بين الذات والموضوع، والتي تربط الفكر بالأشياء في الفلسفة الكلاسيكية على نحو فريد. والآن لا يمكن النظر إلى الفكر باعتباره وظيفة ميكانيكية لأشياء معينة كما في التجريبية؛ ولا يمكن اعتبار نشاط الموضوعات الإبداعية بمثابة مصدر يمنح العالم أشياء كما في المثالية)؛ ولا يمكن الجمع بين الاثنين. باختصار، يصبح من الضروري التمييز بوضوح بين الأشياء الحقيقية الثابتة التي توجد خارج العملية العلمية والأشياء المعرفية المتغيرة التي يتم إنتاجها داخل العلم كوظيفة للممارسة العلمية.
في المحور الثالث، تحدثت الفيلسوفة فرانسيسكا باربو عن الصعوبات المتعلقة بالحرية وقدمت بعض الشروحات من النوع الأول. في هذا الإطار، ذهبت إلى أن الأسباب الجوهرية للاختلاف بين هذه الطريقة وتلك في اتخاذ القرارات الحرة موجود بكل تأكيد ضمن المكونات العديدة التي ساهمت فيها (تلك التي تمت الإشارة إليها جزئيا في السطور السابقة). وهذا أيضا يحدد تصوراتنا المختلفة عن الحرية؛ الشيء الذي تعهدت الكاتبة بإضاءته بسرعة كبيرة، مركزة اهتمامها على بضع نقاط فقط. وبعد ذلك ستنتقل إلى الأسباب الأكثر عمقا، وربما الأكثر أهمية.
في علاقة بالحقائق الدلالية مقابل الحقيقة الأنطولوجية، وقفت الفيلسوفة عند ما رأته أكثر أهمية؛ واقصد به قناعات كل شخص. الأمر يتعلق بهذه "الحقائق" التي يعترف بها كل واحد منا، في أعماقه، في ما يتعلق بمكونات قراراتنا الحرة. وفي هذا الصدد، يجب أن نتذكر حقيقة أن: القضية تكون «صادقة» ما دامت أنها «تقول» ما «يوجد» في موضوعها. القضية الصادقة تتطابق إذن مع "حقيقة هذا الشيء" (في هذا الجانب أو ذاك): حقيقته الوجودية". "حقيقة القضايا" تسميها الكاتبة "الحقيقة الدلالية"، تحديدا لتمييزها عن "الحقيقة الوجودية" المذكورة أعلاه.
وعن الحقائق الدلالية المتعلقة بالحرية، قالت الفيلسوفة إن هذه الحقائق، التي تلعب دورا في قراراتنا الحرة، تعنى، في مقام أول، بهذا الذي نعتبره صالحا (ممتعا، مفيدا، نافعا، صادقًا..)؛ الأمر يتعلق بشكل أساسي بما هو جميل بهذا القدر أو ذاك. في كل الأحوال، يتم التفكير في ذلك دائما بهدف معين، يوحد الحياة؛ ربما، في علاقة بمثل أعلى محدد.
في ما يخص الاختيارات التي يمكننا القيام بها (والتي بجب أن تعنى بما هو "خير") المهم هو أن نفهم "ما هي الأشياء" في الواقع. أما بخصوص القرارات المرتبطة بأحداث في حياتنا فالأمر يتعلق بالتعرف على "ما يحدث" حقا. بينما ليس من المهم على الإطلاق معرفة ما قالته هذه الشخصية أو تلك.
تمهيد
يقترح الفيلسوف بابلو جيلبرت إعادة التفكير في الاشتراكية بناء على متطلبات فكرة الكرامة الإنسانية. فهو يجمع بين تراث كانط وتراث ماركس، ويحدد الظروف اللازمة لمجتمع موحد متحرر من الهيمنة. بعد أربع سنوات من نشر عمله يستكشف الطريقة التي يدعم بها المثل الأعلى للكرامة الإنسانية حقوق الإنسان ، يتناول بابلو جيلبرت، أستاذ الفلسفة في جامعة كونكورديا، في كندا، مرة أخرى مسألة الكرامة، ولكن بطموح متجدد. : اقتراح دفاع أصلي عن الاشتراكية باعتبارها امتدادًا ضروريًا لحقوق الإنسان. إن العلاقة القائمة بين الاثنين بسيطة ومع ذلك تقدم فرضية أصلية: إذا كانت حقوق الإنسان تتوافق مع متطلبات الحد الأدنى من الكرامة، فإن الاشتراكية ستكون شكل التنظيم الاقتصادي والسياسي الذي يلبي على أفضل وجه متطلبات الحد الأقصى من الكرامة، بشرط "أن تكون ديمقراطية ومحترمة" من الحريات الفردية. فكيف عمل هذا الحقوقي الفيلسوف على تحقيق المصالحة بين كانط وماركس وبين الكرامة والعدالة؟ وهل تكمن من مقاومة الآفات الثلاث التي خلفتها الرأسمالية وهي الاستغلال والاغتراب والهيمنة؟
تكريم الكرامة
الأطروحة الرئيسية التي دافع عنها جيلبرت هي أننا يجب أن ننظم الحياة في المجتمع بطريقة تستجيب بشكل مناسب للخصائص التي تقوم عليها الكرامة الإنسانية. والفكرة هي كما يلي: إن الكرامة الإنسانية تقوم على مجموعة من القدرات ذات القيمة، مثل الشعور بالتعاطف، والوعي الذاتي، والقدرة على الاستدلال، والحكم، وطرح الأسئلة، والاختيار، والاهتمام بالآخرين. للتعاون، والتخيل، وتقدير الجمال، وما إلى ذلك. هذه القدرات هي مصدر للالتزام الأخلاقي: فكل الأشخاص الذين يتمتعون ببعض هذه القدرات (وليس بالضرورة جميعها) مدينون لبعضهم البعض بالاحترام والرعاية. وبشكل أكثر تحديدًا، يقترح جيلبرت أنه يجب على كل شخص أن يعترف بالالتزام الأخلاقي بدعم الآخرين في سعيهم لتحقيق الحياة، ليس فقط عن طريق تجنب عرقلة تنمية هذه القدرات، ولكن أيضًا عن طريق حماية وتسهيل هذا التطور. ولذلك فإن احترام الكرامة يقترن بروح التضامن. لذلك تعتمد هذه الأطروحة على فكرة متطورة للغاية في الفكر النسوي وفي الاشتراكية: فكرة الترابط العميق بين البشر، غير القادرين على الازدهار وحتى البقاء على قيد الحياة دون الآخرين. ومع ذلك، فإن شكل الحياة الأكثر انسجاما مع كرامتنا ليس جماعيا؛ بل هي، كما وصفه ماركس، تتمثل في أن تطور كل فرد يسهله تطور الجميع – وبعبارة أخرى، السعي الموحد للتنمية الفردية.
كتاب ألفه المفكر الأمريكي إريك هوفر (1898- 1983)، خرجت طبعته الأصلية إلى النور في العام 1951، في حين صدرت نسخته المترجمة إلى العربية سنة 2010 عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، وقد ترجمه إلى العربية عبد الرحمن القصيبي.
يعد هذا الكتاب بحق أهم عمل بحثي عن الحركات الاجتماعية، وتحديدا التنظيمات الشمولية كالنازية والبلشفية بحيث صدر المؤلف في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لكن نتائج الدراسة يمكن تعميمها لتغطي سائر الحركات الاجتماعية القديمة والمعاصرة نظرا إلى ما تنطوي عليه من سمات مشتركة من حيث طبيعة أتباعها وعوامل جاذبيتها وسيرورة نشاطها.
أولا: المحبطون
تستمد الحركات الجماهيرية قوتها من رغبة المحبطين في التغيير الجذري حتى إذا كان فشلهم ناتجا عن عوامل ذاتية مرتبطة بعيب في شخصيتهم ولا صلة لها بالواقع الخارجي، وبذلك فهي تتغذى على نزعات الإحباط واليأس والشعور بفقدان المعنى: "إن الإيمان بقضية مقدسة – هو - إلى درجة كبيرة – محاولة للتعويض عن الإيمان الذي فقدناه بأنفسنا".
ثانيا: الفقراء
إن أولئك الذين اعتادوا حياتهم البائسة لا ينضمون في الغالب إلى الحركات الجماهيرية، إذ ينظرون إلى فقرهم المدقع على أنه مصيرهم المحتوم الذي لا يتزعزع، ولا يملكون طموحات وأمان عظيمة، فمجرد الحصول على وجبة دسمة يعد إنجازا كبيرا بالنسبة لهم. وفي هذا الصدد يورد الكاتب: "يبلغ التذمر أعلى درجاته حين يكون البؤس محتملا، أي حين تتحسن الأوضاع على نحو يسمح بالاعتقاد بإمكان تحسنها أكثر فأكثر". فقد لاحظ دي توكيفيل أن العشرين سنة التي سبقت قيام الثورة الفرنسية شهدت زيادة غير مسبوقة في مستويات الرخاء المادي.
” إن الوعي اللغوي النقدي ينظر إلى اللغات باعتبارها ظاهرة ديناميكية وليست بناءً ثابتاً من المعايير الراسخة ويتعامل مع ذخيرة اللغة باعتبارها ممارسات اجتماعية. وفي مجال التعليم، تهدف الأنشطة المصممة والمنفذة في الفصول الدراسية إلى تطوير الوعي اللغوي من خلال المناقشة والتحليل والتأمل باستخدام أمثلة وذخيرة لغوية مختلفة للغاية، على النحو الذي يتيح إجراء مناقشة هادفة ونقدية “.
يذهب نورمان فيركلف في كتابه اللغة والسلطة الصادر عام 2001 إلى أن السبب الرئيسي لاختياره التركيز على هذه القضية هو اتصالها بالأحوال الراهنة، ونظراً للتغييرات الكبرى في السياسات والممارسات التعليمية التي يجري تنفيذها أو يعتزم تنفيذها، ونظراً بصفة أخص إلى التقرير الذي قدمته (لجنة كينجمان)، ومداولات (لجنة كوكس) عن تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس (والإحالة في ذلك كله بسبب عدم إحراز أي تقدم كبير منذ ذلك الوقت في السياسة الرسمية من حيث الوعي النقدي باللغة).
يطرح المقال التساؤل الرئيسي التالي: كيف يمكن للدراسة النقدية للغة أن تُسهم في تحرير الخاضعين للهيمنة والقهر في مجتمعنا؟ وبعد مناقشة عامة وموجزة لإمكانية مساهمة الدراسة النقدية للغة في التحرر الاجتماعي، سنركز في هذا السياق على مجال تنمية هذه الإمكانية فيه، وهو تدريس اللغة في المدارس. والحجة المركزية في هذا السياق تذهب إلى أن: الوعي النقدي باللغة، المبني على الدراسة النقدية للغة، يجب أن يكون من الأهداف المهمة لتعليم اللغة، من خلال السعي الدؤوب إلى تقديم بعض الاقتراحات حول أساليب تنميته.
ويمكننا تعريف الوعي النقدي باللغة بأنه " فهم مظاهر الاجتماعية والسياسية والاعتقادية للغة والتغير اللغوي والخطاب. ويختص بدراسة سبب تهميش الفرد لتكلمه بطريقة معينة، خاصةً إذا اعتبرت مؤشراً على عنصره أو عرقيته أو دينه أو مركزه الاجتماعي ". أي يشير الوعي النقدي باللغة إلى فهم الجوانب الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية للغة والتنوع اللغوي والخطاب. وهو يعمل كتطبيق تربوي لتحليل الخطاب اللغوي بالاعتماد على المنهج النقدي، حيث ينظر إلى اللغة باعتبارها ممارسة اجتماعية. كما يسعى إلى تنمية الوعي النقدي باللغة كجزء من تعليم الطلبة للغة من خلال ترسيخ مهارات تحليل مضامينها التي يستخدمونها هم وغيرهم. وبشكل أكثر تحديداً، فإن الوعي النقدي باللغة هو تنمية مهارات إعادة إنتاج أو تعزيز أو تحدي سمات اللغة مثل: الكلمات والقواعد واختيارات الخطاب لإيديولوجيات معينة وصراعات من أجل السلطة والهيمنة.
إن أحد الأهداف الأساسية لهذا المقال هو رفع الوعي بأساليب إسهام اللغة في تمكين بعض الناس من الهيمنة على البعض الآخر، لأن الوعي يمثل الخطوة الأولى على طريق التحرير. وكون الوعي باللغة عنصراً مهماً من عناصر تلك " الخطوة الأولى "، نتيجة مترتبة على أساليب عمل الهيمنة في المجتمع الحديث، فالهيمنة تعمل، كما دأبت على تأكيد ذلك، بطرائق تزداد شدتها، من خلال " الرضا " لا " القسر "، ومن خلال الإيديولوجيا، ومن خلال اللغة، ولكن ازدياد الشدة المطرد لا يعني الاقتصار عليها، فلا يجوز اختزال أسلوب الهيمنة في توليد الرضا، واستعمال أوعية الإيديولوجيا واللغة، مثلما لا يجوز اختزال التحرر في " إماطة اللثام "، والتغيير وممارسات الخطاب. بل إننا، حتى ونحن نركز على اللغة والخطاب، علينا أن نذكر أنفسنا بأن التحرر الاجتماعي يدور في المقام الأول حول مسائل عملية محسوسة، مثل البطالة، والإسكان، وإمكان الالتحاق بالتعليم، وتوزيع الثروة، وتخليص النظام الاقتصادي من المصلحة الشخصية والربح ونزواتهما.
كانت نظرية "الحداثة السائلة" لـعالم الاجتماع والفيلسوف البولندي البريطاني "زيجمونت بومان" Zygmunt Bauman أحد أهم المنظرين الاجتماعيين في القرنين العشرين والحادي والعشرين، موضوعاً للعديد من المجالات. شدد باومان على أن بيئة اليوم التي تتسم بعدم اليقين وانعدام الأمن، إلى جانب المخاوف التي يعيشها الأفراد، ولدت الحداثة السائلة. بومان الذي وجه نقداً لاذعاً للحداثة قبل تنظيره للحداثة السائلة، ذكر في أعماله أنه مع الحداثة. تدير الحكومات العنف فعلياً وأن العنف يمارس على الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم الآخر في كل مجال. على الرغم من أن فترة ما بعد الحداثة تبدو بمثابة تحرر من الشمولية التي شهدتها الحداثة، إلا أن باومان يعتقد أن فترة ما بعد الحداثة لم تكن مختلفة تماماً عن الحداثة، بل إنها جعلت حياة الأفراد أكثر غموضاً. قام زيجمونت بومان بدراسة العديد من المجتمعات من منظور نقدي في دراساته. قبل دراسة نظرية باومان حول الحداثة السائلة، من المهم للغاية التعرف عليه وفهم أعماله النظرية.
بومان الذي ولد كيهودي في بولندا، واجه صعوبات أن يكون الآخر طوال معظم حياته، فحص هذه الصعوبات في عيون المجتمع في أعماله. أتيحت لباومان، الذي تحولت حياته إلى منفى بعد الاحتلال النازي، فرصة دراسة مجتمعات مختلفة بسبب تواجده في أماكن عديدة. في المرحلة الأولى من الدراسة تم إدراج حياة باومان وأعماله والأسماء التي أثرت فيه وشرح دراساته النظرية. يرى بومان، الذي يطلق على نفسه اسم مؤرخ الحداثة وما بعد الحداثة، أن الحداثة ليست من بقايا البربرية، بل هي نفسها. على الرغم من أن باومان رأى في البداية فترة ما بعد الحداثة بمثابة خلاص للحداثة، إلا أنه أكد لاحقاً في العديد من أعماله أن ما بعد الحداثة لا تختلف عن الحداثة. من الممكن النظر إلى تنظير الحداثة السائلة، كنقد لما بعد الحداثة. يرى باومان أن البيئة المتغيرة التي تتسم بعدم اليقين وانعدام الأمن اليوم، إلى جانب المخاوف التي يعيشها الأفراد، وأكد أنها ولدت الحداثة. وقبل تنظيره للحداثة السائلة، كان من أشد منتقدي الحداثة.
يَنبت مثقّف المهجر بمثابة الفسيلة البريّة الباحثة عن حضور في تربة غير تربتها، وفي مناخ لم تألف النّماء فيه. ولذلك غالبا ما يفرض الواقع المغاير على المثقف المهاجر العيش على الأطراف، في هامش الواقع الجديد، بعيدا عن المركز وضوابط المؤسسة. فيقنع بالحفاظ على وجوده المادي مؤجلا أحلامه ومطامحه إلى أجل غير معلوم. وقد تَطول رحلة البحث عن الاندماج أو تقصر، وقد لا تأتي أبدا، فكثير ممّن تحدّثهم النفس بالهجرة لا يدرون عواقب ما تخبّئه الأيام. فليس المهاجر غير القانوني وحده من يُفْرط في الأحلام، بل يشاركه المثقف والدارس على حد سواء. فاللافت أنّ إغواء الهجرة يطمس الوعي ويهوّن من تقدير العواقب. لمستُ هذا لدى العديد من الزملاء الجامعيين وغير الجامعيين، العاملين في حقل الثقافة، ممن يتحفّزون للهجرة وكأنّ العملية نزهة عابرة.
ففي المهجر كثير من المثقفين السائبين، أكرهتهم أوضاع العيش الجديد على تغيير المسار، والتفريط في ما كان يشغل بالهم قبل الرحيل. لأنّ معركة تسوية أذون الإقامة، وترتيب الوضع القانوني، والعثور على شغل كريم، هي معركة ضارية ومتجددة، قد تستنزف المهاجر وتأتي على آخر ما تبقى لديه من طاقة وعزيمة. ومن الهيّن أن يتحول المثقف العائم إلى رصيد إضافي في عالم المهمّشين في الغرب، فيغدو شغله الشاغل اللقمة التي يسدّ بها رمقه والمأوى الذي يأوي إليه في الملاجئ الاجتماعية التي يلجأ إليها المهمَّشون حين تتقطّع بهم السُّبل. إذ يتصور كثيرون أن الهجرة منتهى الإنجاز، والحال أنّ المُهاجر كلّما قطع شوطا في المصاعب داهمته أخرى. وكثيرا ما يرتطم الحالمون بواقع غير متصوَّر يسلب منهم ما تبقى من روابط بعالم الثقافة والمثقفين، وقد زاد "كوفيد" الطين بلّة بما خلّفه من برود في العلاقات وجمود في الاتصالات وركود في عمل الإدارات.
فالملاحظ أنّ جلّ المثقفين الحالمين بالهجرة يأتون إلى الغرب محمّلين برؤى طهرية عن عالم البحث والإبداع والكتّاب والدراسات، تخلو من الواقعية وفيها الكثير من السذاجة أحيانا. على أساس أنّ ذلك الوسط يخلو من مساوئ الاستغلال والانتهازية والميز والتدافع المحموم، ويسود فيه تقدير المواهب والترحيب بالقدرات، بفعل رواج عديد الأساطير عن الغرب الحاضن والشرق الطارد. ويكفي أن يكون المرء جامعيا أو شاعرا أو كاتبا ليلقى الترحاب والتبجيل. لذلك يمنّي المثقف الحالم نفسه باندماج سريع في أوساط المثقفين الغربيين العاملين في مجالات الصحافة والتدريس والدوائر الثقافية والحقول الفنية وما شابهها. والواقع أنّ المتحكِمين بتلك القطاعات ما إن يتفطّن الواحد منهم إلى هشاشة الوافد الجديد وحاجته وعوزه حتى يتحول في عينيه إلى غنيمة. يُقرَّب بالقدر الذي يظيفه من تحسين لمشاريعهم الكتابية والبحثية والأكاديمية، وفي هذه النقطة تبدأ رحلة أخرى للمثقف المهاجر مع الابتزاز، تكون أحيانا قهرية ومفروضة. وقلّة من تنجو من هذا الوضع المزري، لأنّ الاستغلال الثقافي أسوأ على المثقف من الاستغلال المادي، يكابد فيه أبشع أنواع السخرة. ومن الغربيين المقاوِلين في حقل الثقافة، ولا سيما المستثمرين في ثقافة الشرق، من تُنتِج لهم الترجمات والدراسات والأبحاث، وقد يرفعونك إلى مقام رئاسة التحرير أو يدرجونك ضمن الهيئات الاستشارية في مراكز الأبحاث والدوريات. حتى ليَحسب الغافل أن إسهامه الثقافي يقوم على الاحترام والتقدير لشخصه، بوصفه شريكا في المنجَز. يتنبّه مع تراكم التجارب وتعدد الوقائع إلى فضاعة الاستغلال ودناءة الخُلق في حقل كان يحسبه مبرَّءا من المساوئ. وفي حقيقة الأمر ما المثقف الشرقي الهشّ سوى جسر للمرور عليه، وواجهة للعرض لا غير. وإن حدّثك القائمون على تلك المؤسسات طويلا عن قناعاتهم اليسارية الكونية، وأن الأحرار جميعا، في الشرق أم في الغرب، جبهة واحدة ضدّ الرأسمالية المتوحشة وضدّ تسليع المعرفة.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" Benjamin Netanyahu في خطاب ألقاه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أيام من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة "هذا صراع بين أبناء النور وأبناء الظلام، بين الإنسانية وشريعة الغاب". وقام بتكرار هذا الكلام في الخطاب الهزلي الذي ألقاه في الكونغرس الأمريكي في الرابع والعشرين من يوليو/تموز 2024. وكان نتنياهو قد أعرب عن هذه الفكرة مراراً وتكراراً، قبل وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول ــ وهي فكرة مفادها أن إسرائيل معقل للحضارة الغربية في منطقة غير حضارية ومتخلفة وبدائية.
إن ذكره لكلمة "الغابة" يذكرنا بتعبير إسرائيلي شائع، منسوب إلى رئيس الوزراء السابق "إيهود باراك" Ehud Barak قبل ثلاثة عقود من الزمن، مفاده أن إسرائيل "فيلا في الغابة". والغابة في هذه الحالة هي العالم العربي، والفلسطينيون فيه هم «غير الآدميون» بامتياز.
لكن الفكرة تعود إلى إلى المفكرين الصهاينة الأوائل. أراد "تيودور هرتزل" Theodor Herzl الأب النمساوي المجري للصهيونية الحديثة، إنشاء دولة يمكن لليهود فيها أن يكونوا في مأمن من معاداة السامية العنيفة التي واجهوها منذ فترة طويلة في أوروبا. لقد رسم رؤية لدولة يهودية في فلسطين من شأنها أن تمنح الحقوق المدنية للعرب الذين بقوا هناك (في مذكراته، طرح فكرة نقل البعض خارج الحدود). وقال إنه من خلال جلب الحضارة الغربية إلى المنطقة، سيعود اليهود بالنفع على العرب المحليين اقتصاديا وثقافيا - وأن الدولة اليهودية "ستشكل جزءا من جدار الدفاع ضد آسيا" وهي سنكون بمثابة موقع أمامي للحضارة ضد الهمجية.
تُعتبر أيديولوجية "البؤرة الاستيطانية للحضارة" هذه مفتاحاً لفهم كيف بررت إسرائيل تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم أمام الإسرائيليين والعالم، حيث استقر اليهود الذين لجأوا إلى فلسطين هرباً من الاضطهاد في القرنين التاسع عشر والعشرين. عندما تأسست إسرائيل عام 1948، تم طرد أكثر من 700 ألف فلسطيني أو أجبروا على الفرار من منازلهم فيما يعرف الآن بالدولة اليهودية.
لكن منذ الأيام الأولى للدولة، كانت هناك فئة لم تقتنع بالتبرير: هم اليهود الذين لهم جذور في العالم العربي والإسلامي. يُطلق على هؤلاء اليهود اسم "المزراحيم" Mizrahi في إسرائيل، وهم اليوم أكبر مجموعة عرقية في البلاد. لقد هاجر معظمهم إلى إسرائيل بعد عام 1948، وخلال معظم تاريخ إسرائيل، كانوا ضحايا لنفس النوع من الأيديولوجية المعادية للعرب التي تُمارس ضد الفلسطينيين.
قال السهيلي " وولد بالغفر من المنازل وهو مولد النبيين". ومنزلة الغفر لمن لا يعرف من منازل القمر، يوافق طلوعها السنوي تقريبا الثاني عشر من شهر نونبر ؟؟ وقال الذهبي "نظرت في ان يكون مولده صلى الله عليه وسلم في ربيع وأن يكون ذلك في العشرين من نيسان - شهر أبريل- فرأيته بعيدا من الحساب يستحيل أن يكون مولده في نيسان إلا أن يكون مولده في رمضان" (سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي -ج 1- ص 336).
ولد الرسول محمد بن عبد الله حسب الرواية السائدة بمكة، يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل، وبعث يوم الاثنين على رأس الأربعين من عمره الشريف في شهر رمضان، وقدم المدينة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول بعد ان بعثه الله بثلاث عشرة سنة، وتوفي - بعد عشر سنين كوامل- يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، في العام الحادي عشر للتاريخ العمري. (السيرة النبوية، ابن هشام الحميري- ج 1 ص 155. ج 2 ص 427).
ثمة أقوال أخرى غيبت في قاع الذاكرة الروائية، فقيل لاثنتي عشرة خلت من رمضان. وقيل ولد في صفر. وقيل في ربيع الآخر. وقيل في المحرم لخمس بقين منه...، ليستقر قول جماهير أهل السنة بالخصوص على ما ورد أعلاه من تقرير لا يخلو من اشكالات و تناقضات حسابية، في ظل استحالة مولده بربيع الأول لما كانت بعثته في شهر رمضان على رأس الأربعين من عمره الشريف؟ واستحالة مواطأة هذه الأثانين المذكورة كلنداريا، ما يجعلها والحالة هذه أياما شبحية لا وجود لها في الرزنامة السائدة، وأقرب إلى تواريخ محددة بالتقدير الحسابي الارتجاعي؛ أكثر من كونها أخبارا أصيلة عن شهود عيان. ولم يتجاوز الاخباريون على ما يبدو فيما يخص تحديد تأريخ المولد سقف طرح 53 عاما، وهي عمره الشريف ساعة هجرته - كما نص على ذلك ابن اسحاق في السيرة- من تأريخ وصوله إلى المدينة في يوم اثنين شبح لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، الموافق في الكرنولوجيا السائدة شتنبر 622 ميلادية، ثم أضافوا إليه عشرة أعوام كاملة، لتكون وفاة النبي بالتالي في يوم اثنين شبح لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من العام الحادي عشر للتاريخ العمري، الموافق يونيو 632 ميلادية. فكأن القوم لم تتوفر لهم من كسور الأيام إلا الثاني عشر فاحتاجوا إلى اعتبار جل مدد مراحل دعوته مددا كاملة بعمليات طرح وجمع لا أقل ولا أكثر، ليكون الناتج دائما هو الثاني عشر من ربيع أول، فكان تقريرهم مولده في الثاني عشر من ربيع الأول حاصل عملية حسابية لا محصلة رواية عن شاهد عيان، وأنى لهم ذلك وربيع قريش ربيع ضلالة لا ربيع عدة مستقيمة؟
مقاطع أخرى
-
ولد غسان كنفاني في مدينة عكا في سنة 1936م، وعاش في مدينة يافا، ثمّ اضُطر للنزوح عنها تحت ضغط الاحتلال الصهيوني، وكان ذلك في سنة 1948م، ثم أقام لفترة وجيزة مع ذويه في جنوب لبنان، ثم بعدها انتقلت عائلته إلى دمشق، وقد عاش حياةً صعبة وقاسية فيها، حيث عمل والده في مهنة المحاماة، وقد اختار أن يعمل في قضايا كان معظمها قضايا وطنية خاصة بالثورات التي كانت تحدث آنذاك في فلسطين، وقد اعتقل لمرات عديدة، إلّا أنّه تميز بأنّه شخص عصامي وذو آراء متميزة، الأمر الذي ترك آثراً عظيماً في شخصية غسان وحياته.
عمل غسان منذ شبابه في مجال النضال الوطني، فقد عمل مدرساً للتربية الفنية في مدراس وكالة الغوث للاجئين الفلسطينين في دمشق، ثم انتقل بعدها إلى الكويت في سنة 1965م، إذ عمل هناك معلماً للرياضة والرسم في مدارس الكويت الرسمية، وكان خلال هذه الفترة يعمل أيضاً في الصحافة، فقد بدأ إنتاجه وإبداعه الأدبي في نفس الفترة، ثم انتقل في سنة 1960م إلى مدينة بيروت، حيث عمل هناك محرراً أدبياً في جريدة الحرية الأسبوعية، ثم في عام 1963م أصبح رئيس تحرير لجريدة المحرر، كما عمل أيضاً في كل من جريدة الحوادث، والأنوار حتى سنة 1969م، ثم بعدها أسس صحيفة الهدف، وظل رئيس تحريرها لفترة من الزمن.يعد غسان كنفاني نموذجاً مثالياً للروائي، والكاتب السياسي، والقاص الناقد، فقد كان مبدعاً معروفاً في كتاباته، كما كان مبدعاً في نضاله وحياته، وقد حصل على جائزة في عام 1966م بعنوان أصدقاء الكتاب في لبنان، وكان ذلك لرواية (ما تبقى لكم) والتي أاعتبرت وقتها أفضل رواياته، كما حصل على جائزة منظمة الصحافيين العالمية، وفي عام 1974م حصل على جائزة اللوتس، والتي منحه إياها اتحاد كتاب إقريقيا وآسيا في عام 1975م.
أشهر روايات غسان كنفاني:
عائد إلى حيفا. رجال من الشمس. أرض البرتقال الحزين. أم سعد. عن الرجال والبنادق. القميص المسروق. العاشق. ما تبقى لكم. عالم ليس لنا. الشيء الأخر.
وفاة غسان كنفاني:
استشهد الروائي غسان كنفاني يوم السبت صباحاً بتاريخ 8 /7/ 1972، وكان ذلك بعد انفجار عبوة ناسفة في سيارته، والتي وضعت من قبل جهة معينة بهدف اغتياله. -
الناقد فيصل دراج وعلاقته بالكتب والكتابة.
فيصل دراج
مفكر وناقد فلسطيني، حاصل على الدكتوراه في الفلسفة، فرنسا. عمل في عدة منشورات ومجلات ثقافيّة فكريّة منها: شؤون فلسطينيّة، سلسلة حصاد الفكر العربي...إلخ. نشر العديد من المقالات والمؤلفات، منها: "ذاكرة المغلوبين" (2001)، و"الرواية وتأويل التاريخ"(2004)، و"الحداثة المتقهقرة" (2005). فاز بعدة جوائز عربية، منها: جائزة الإبداع الثقافي لدولة فلسطين سنة 2004، وجائزة الدراسات الأدبية والنقد سنة 2010. -
سيداً في ملكوت الكلام، عالمياً، متعالياً، بالتأمل يحيا، وللتأمل. هكذا كان الفكر، على امتداد قرون خلت، في انفصام مع الواقع، له الثبات المطلق، وللتاريخ المادي التّغير والحركة.
كان يحلو له بين حين وحين، أن يُطِلَّ من علياء تجريده على الواقع، فيدينه تارة، وغالباً ما يعذره. لكنّه من خارج كان يحكم، وما كان يقوى عليه. وكان، حين يتوق إلى واقع آخر، أو أفضل، يحكم، أو يتخيل، أعني يتأول. وما كان يرتبط بقوى التغيير الثوري حين كان يطمح إليه. وما كان يدرك شروط هذا التغيير وأدواته. لذا، كان يجنح نحو الطوباوية، في أشكال شتّى، فيقدم للواقع ذريعة بقاءٍ وحجة تأبُّد.أيّ موقع كان يمكن أن يكون للمثقف في مثل هذا الانفصام المتجدد بين الفكر والواقع؟
موقع المنبوذ، أو موقع خادم السلطان، سواء أكان شاعرا أم فقيها، حليما، فيلسوفا أم أديبا. وما كان الفكر، في الموقعين، بقادر على أن يغيّر. كان يرفض، أحيانا، أو يُبَرّر. يهجو أو يمدح، وفي الحالتين يرتزق. أو يتصعلك، إنّ خرجَ على السائد ونظامه، كأّنه محكوم بموت يتأجل. يحتج على الشرع ويثور، لكن، من موقع العاجز عن نقض الشرع. فيتصوّف. يستبدل الأرض بالسماء، ويزهد. أو يستكين للدنيا وللآخرة، فَيُعقلِنُ الاثنتين في نظام الاستبداد، لسلطته يرضخ.
والسلطة، بالدين، تبدو مطلقة. وهي المقدسة، في الغيب وبالغيب. وهي السلطةُ، فوق الرفض وفوق النقض، سيفها على الرقاب مسلّطٌ، والرقاب خاضعةٌ، راضية. فمن تمرّد، فعلى سلطة الدين يتمرد. إذّاك يُحَلُّ دمُه. حتّى لو كان الحلاجَ، أو السهر وردي. أما ابن تيميه، أو الغزالي، أو من شابههما، فعلى التمرد والمتمردين، في كل عصر، يشهران سلاح الدين، سلاح السلطة، فيكبلان العقل، يرهبان الروح، ويئدان الجسد
لم يكن للمثقف، في عالم كهذا، سوى أن يختار بين الاستتباع أو الموت، بين أن ينطق بلغة الاستبداد ونظامه، أو أن ينطق بلغة الصمت، أعني بلغة المكبوت ورموزه. هكذا كانت الثقافة تجري في صراع بين اثنتين: واحدة هي ثقافة الأسياد، بتياراتها المختلفة المتباينة، أو أخرى هي ثقافة المقهورين، بأنواعها المتعددة. لم تكن الثقافة يوما واحدة، وليس من الجائز حصرها في ثقافة رسمية، أو مسيطرة، أو معلنة. كانت ثقافة مناهضةٌ لهذه، مكبوتةٌ، مستترة، لعلها أكثر شيوعاً من الأولى، أو أصدق تعبيرا عن ضمير الناس وطموحاتهم. كانت، مثلاً، في حكايات ألف ليلة وليلة، أو في عروض خيال الظل، أو في سير الأبطال الشعبية. وهي، بالتأكيد، أكثر تمردا على الواقع القائم، وأشد رفضاً له. لكنها عاجزة كانت عن تغيير العالم، فيما هي كانت تطمح إليه.
ليس بالحلم تكون الثورة، وإن كان الحلم شرطاً من شروطها. ومن شروط الثورة أن يتوفر لها وعي متّسق، إليه تستند، وبه تستبق الممكن. أعني الضروري. ومن شروطها أن يتجسد وعيها المتسق هذا، أي العلمي، وفي وعي القائمين بها، جماهير الكادحين، المنتجين بأيديهم وأدمغتهم، صانعي التاريخ، بوعيهم الممارسيّ يستحيل الوعي النظري قوةً ماديةً تَدُكُّ أعمدة القائم، وتهيئ لولادة الجديد.
لمن يكن للثقافة، في زمن انفصام الفكر عن الواقع، دورٌ في تغيير العالم، إلا ما لا يكاد يذكر. كانت، كلما حاولت القيام بهذا الدور، تُقمع وتُهان، باسم الدين غالباً، وبتهمة الكفر أو الزندقة، وبتهمة التحريف أو الهرطقة. فالثقافي، حتى في ثقافة الأسياد، يرتدّ عليهم وعليها، فهو المبتدعُ في فعل الحرية، يتهدد ويزعزع. إنها القاعدة في كل العصور: كلما انحازت الثقافة إلى جديد ضد القديم، إلى المتغيّر ضد الثابت، إلى النار ضد الرماد، وإلى الحياة والحلم، اضطُهِدت واضطُهِدَ المثقفون، أحباءُ الحرية و الآفاق الزرقاء الرحبة. إنها البداهة في ضرورة أن يكون المثقف ثائرا، أو لا يكون، وفي ضرورة أن تكون الثقافة للفرح الكونيّ، ضد كل ظلامية، أو لا تكون.
تلك مشكلة المثقف والثقافة بامتياز. وهي قضية الثورة في آن.
ثم التحمت، لأول مرة في تاريخ الفكر، نظرية الثورة بحركة الثورة، فالتأم الفكر، في نشاطه المعرف نفسه، بقوى التغيير، فلم تعد الثورة تفتقد فكرها، ولم يعد الفكر سجين تأملاته. لقد بات الممكن قابلا للتحقيق، فهو الضروري في حركة التاريخ المادي، لا يتحقق إلا بنضال ثوري. والنضال وعدُ الكادحين بأن أنظمة الرجعية والاستبداد إلى زوال. وللنضال شروطٌ وأشكالٌ وأدوات. من شروطه أن يهتدي بعلم الثورة، أعني بتلك النظرية التي أسّسها ماركس، وأقامت ثورات الشعوب المضطهدة على صحتها البرهان، بالملموس التاريخي. ومن أشكاله ما تمارسه قوى المقاومة الوطنية في كفاحها ضد الاحتلال، وضد الفاشية والطائفية. ومن أدواته الأولى الحزب الثوري. حزب العمال والفلاحين والمثقفين.
منذ أن التحمت النظرية بالثورة، لم تعد الثقافة حكرا على نخبة من الكهنة. فلقد عمت ضرورتها حتى بات على العامل، كي يكون عاملاً، أن يكون بأدوات إنتاجه المادي مثقفاً، وعلى المثقف، كي يكون كذلك، أن يكون بأدوات إنتاجه الفكري كادحاً. والإنتاجان واحدٌ في سيرورة التاريخ الثوري، هذا الذي يؤسس لحرية اليد المبدعة. ليست الثقافة كتابة، وإن كانت الكتابة من أركانها. إنها تَمَلُّكٌ للعالم في حلم، أو حقل أو مصنع. أما المثقفون، فهم المنتجون، بأيديهم وأدمغتهم، ضد أنظمة القمع والاستغلال والجهالة، فكراً، فناً وجمالاً هو حبّ للحياة. وأما غير المنتجين، القابعين في قبحهم، فهم الأسياد بأنظمتهم. وأما هدم الأنظمة، فهو مهمة الثورة في كل آن.
والثورة في لبنان ما تزال فاعلةً في سيرورة حرب أهلية فجرتها الرجعية لإنقاذ نظامها الطائفي وفرض الفاشية، فانقلب عليها، وعلى نظامها، ثورةٌ وطنيةٌ ديمقراطية تخلخل وتصدّع، لا يخيفها عائقٌ، فهي التي تُخيف، بها ينهار عالم بكامله، ويشرئبُّ إلى الولادة آخر. تتفكك نُظُمٌ من الفكر والاقتصاد والسياسة يصعب عليها الموت بدون عنف، تتصدى لجديد ينهض في حجرشة الحاضر، وتقاوم في أشكال تتجدد بتجدد ضرورة انقراضها، تنعقد بين عناصرها المتنافرة تحالفات هي فيها على موعد الموت.
إذن، فليدخل الفكرُ المناضل في صراع يستحثّ الخطى في طريق الضرورة الضاحكة. فهو اليانع أبداً، وهو اليَقِظُ الدائم، في الحركة الثورية ينغرس ويتجذّر. يستبق التجربة بعين النظرية، ولا يتخاذل حين يُفاجَأ : يتوثّب على المعرفة ويعيد النظر في ترتيب عناصره ليؤمّن للنظرية قدرتها على التشامل، ورحابة أفق تتسعُ لكل جديد. هكذا يكتسب كل نشاط نظري طابعاً نضالياً، ويتوق كل نشاط ثوري إلى التعقلنِ في النظرية، فتتأكد، بالتحام النشاطين في الملموس التاريخي، ضرورة الفكر العلمي في أن يكون ثورياً، وضرورة الحركة الثورية في أن تكون علمية.
والحرب في لبنان حربان: حرب على إسرائيل، وحرب على الفاشية والطائفية، لكن الرجعية، بأطرافها المتعددة، تستميت في محاولة إظهارها مظهر الحرب الطائفية. وتفشل دوما في المحاولة، برغم كل ما أحاط وما يحيط بهذه الحرب من وحول الطوائف. وكيف تكون الحرب طائفية حين يكون الموقف من إسرائيل، مثلا، محوراً للصراع فيها؟ وكيف تكون طائفية حين يحتدم فيها الصراع بين القوى الرجعية ـالطائفيةـ وهي من مختلف الطوائف ـوالقوى الوطنية الديمقراطيةـ وهي أيضا من طوائف متعددةـ، حول الموقف من هوية لبنان، أو من الثورة الفلسطينية، أو من الامبريالية، أو من الاحتلال الإسرائيلي، أو من قوات الحلف الأطلسي، أو من اتفاق 17 أيّار، أو الاتفاق الثلاثي نفسه، ومن “الاقتصاد الحر” أيضاً، بل حتى من الطائفيّة إياها، بما هي النظام السياسي لسيطرة البرجوازية اللبنانية؟
ليست الحرب طائفية، ولا الصراع فيها بطائفي. إنه، في أساسه، صراع بين قوى التغيير الثوري للنظام السياسي الطائفي، والقوى الفاشية الطائفية التي تحاول، عبثاً، تأييد هذا النظام. إنه، باختصار، صراع طبقي عنيف بين قوى الثورة والقوى المضادة للثورة، في سيرورة حرب أهليةٍ هي في لبنان سيرورة الثورة الوطنية الديمقراطية. فله، اذن، سمة العصر في زمن الانتقال الثوري من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وله، تالياً، طابع كوني هو طابع الصراع إياه المحتدم، ليس بين معسكر الاشتراكية ومعسكر الامبريالية، أفقياً، وحسب، بل رأسياً أيضاً، أو عمودياً، في كلٍّ من بلدان المنظومة الرأسمالية العالمية، بما فيها، بالطبع، البلدان العربية. فما هو موقع الثقافة والمثقفين من هذا الصراع؟ ما هو موقفها وموقفهم منه؟ ما هو دورها ودورهم؟.
والسؤال لا ينحصر في لبنان، ما دام الصراع فيه هو إياه، بطابعه الكوني نفسه، في جميع البلدان العربية، وإن اختلفت شروطه بين بلد وآخر، وتنوّعت أشكاله، أو تفاوت تطوره. فالحروب الأهلية تتهدد بلدان العالم العربي جميعها بلا استثناء، وآلية الصراع فيها تنبئ بإمكان اندلاعها في كل آن. وأنظمة البرجوازيات العربية في أزمة. والتغيير الثوري بات ضرورة ملحة في كلّ منها، وحاجة يومية في نضال الجماهير الكادحة. لكن الثورة في انتظار قيادتها. والثورة سيرورة طويلة معقدة، ولها مراحل وأحوال. وعلى الثقافة تطرح سؤالها: أمع الثورة أم ضدّها؟ وعلى المثقفين تطرح السؤال: أمع التغيير أم ضدّه؟ والسؤال سياسي بامتياز. وثقافي في آن.
لا تعارض بين السياسة والثقافة. وكيف يكون تعارضٌ بين الاثنتين، كيف يصح اختيار الواحدة ضدّ الأخرى في منظور التاريخ الثوري؟ لئن كانت في البدء الكلمةُ، فلقد كانت، بدئيا، مبدعة. وللحرية كانت، ضد القمع، تناضل وتثابر في رفض الظلم، وللحب كانت في قلب الإنسان. تؤسس في فعل التغيير معناها. وتجود بالجميل يحتج على قبح العالم في نُظُم الاستبداد. هكذا تتكون الثقافة دوماً ضدّيّاً، تنمو وتتكامل في صراع مستمر ضد كل قديم يموت. وفي البدء كانت السياسةُ، صراعاً مستمراً بين قوى التغيير الثوري وقوى تأبيد الواقع. يخطئ من يظن أن السياسة نظام، حكم، أو مؤسسات، أو أنها بالدولة تتحدد. إنها، في ذلك، من موقع نظر البرجوازية وإيديولوجيتها المسيطرة. لكنها، في منظور العلم والتاريخ، صراع طبقي شاملٌ كلّ حقول الحياة، لا هامش فيه للرافض، بالوهم، أن يكون له فيه موقع. إنها حركة التاريخ في مجرى صراع له المتن، والهامش فقط لمن قد مات، أو كان، من موقعه في الماضي، رفيقَ دربٍ للموت.
إذن لكل ناشط في الحياة أن يأخذ موقعاً وأن يحدد موقفاً: أمع الثورة أم ضدها؟ بالكلمة الفاعلة واليد المبدعة. والثورة ليست لفظاً أو تجريداً. إنها طمي الأرض لا يعرفها من يخاف على يديه من وحل الأرض.
وكيف تكون الثورة نظيفة، وهي التي تخرج من أحشاء الحاضر مُتّسخة به، وتهدمه وتغتسل بوعدٍ أنّ الإنسان جميلٌ حراً؟ فلتتوضح كل المواقف، ولتتحدد كل المواقع، ولتكن المجابهة في الضوء. كيف يمكن للثقافة أن يكون لها موقع الهامش في معركة التغيير الثوري ضد الفاشية والطائفية؟ كيف يمكن للمثقف أن يستقيل من نضال ينتصر للديمقراطية، هو أكسجين الفكر والأدب والفن؟ بوضوح أقول، فالوضوح هو الحقيقة، من لا ينتصر للديمقراطية ضد الفاشية، للحرية ضد الإرهاب، للعقل والحب والخيال، وللجمال ضد العدمية وكل ظلامية، غي لبنان الحرب الأهلية، وفي كل بلد من عالمنا العربي، وعلى امتداد أرض الإنسان، من لا ينتصر للثورة في كل آن، مثقّف مزيف، وثقافته مخادعة مرائية. إذا تكلم عن الثورة، في شعره أو نثره، فعلى الثورة بالمجرد يتكلم، من خارج كل زمان ومكان، لا عليها في حركة التاريخ الفعلية، وشروطها الملموسة. وإذ يعلن، في نرجسية حمقاء أنّه يريدها، فبيضاء لا تهدم ولا تغيّر. تُبقي القائم بنظامه، وتحنّ إليه إذا تزلزل أو احتضر. كثيرون هم الذين في لبنان يحنّنون إلى لبنان ما قبل الحرب الأهلية، ويريدون التغيير للعودة إلى الماضي، ويريدونه إيقافا لانهيارات الزمان. أما الآتي، فمن الغيب، إلى الغيب. إنه موقف المنهزم، لا بصراعٍ، بل بتسليمٍ واستكانة. إنه موقف من يُصنعُ التاريخ بدونه. وله في التاريخ موقعٌ ترفضه الثقافة، إذ الثقافة، في تعريفها، مقاومة. فإذا ساوت بين القاتل والقتيل انهزمت في عدميتها، فانتصر القاتل، وكانت، في صمتها، شريكته.
أيُّ ثقافة هذه التي تتساوى فيها الأضداد، فيختلط الأسود بالأبيض في رمادية اللون والمعنى؟ إنها الثقافة المسيطرة بسيطرة البرجوازية وإيديولوجيتها، في أشكال منها قد تتخالف، لكنها، في اللحظات التاريخية الحاسمة، دوما تتحالف ضد الثقافة الثورية النقيض. هكذا تنعقد بين العدمية والظلامية مثلا، أو بين هذه وتلك، وأشكال من الفكر الديني، تحالفاتٌ ترعاها البرجوازية، بل تتوسلها في مجابهة الفكر المادي، محور الثقافة الثورية وقطبها الجاذب. أليسَ من الطبيعي أن ينعقد التحالف وطيداً في مجرى هذه الثقافة بين جميع المثقفين المناضلين من أجل الحرية والديمقراطية، الطامحين إلى تغيير العالم وتحريره من سيطرة الرجعية والامبريالية؟ أليس من الضروري أن تتشابك أيدي الكادحين جميعاً ـفي زمن الثورات العلميةـ ضد الجهل تُعمِّمهُ أنظمة البرجوازيات العربية؟
فرحة للثقافة والمثقفين أن تتهاوى أنظمة القمع هذه في كل أرجاء الوطن العربي، بفعل نضال الثوريين يتوحدون، على اختلاف تياراتهم وانتماأتهم الفكرية والسياسية، في حركة ثورية جديدة واحدة، تعيد إلى العالم نضارته، وبها التاريخ يستوثق. فالثورة ليست حكراً على فكر، أو حزب، أو طبقة. إنها سيرورة تتكامل في الاختلاف، وتغتني بروافد التغيير تصبّ فيها من كل صوب، في كل مرحلة. لكنها تتعطل، أو تظل زاحفة، أو منحرفة، إن لم يكن للطبقة العاملة فيها موقعٌ هو موقع الطبقة الهيمنيّة النقيض، ودورٌ هو دورها التاريخي نفسه، ليس في قيادة الانتقال إلى الاشتراكية وحسب، بل في كل مرحلة من سيرورة هذا الانتقال. لا بقرارٍ، بل بالممارسة الثورية، وعلى قاعدة نهجها الطبقي الصحيح، وبقيادة حزبها الشيوعي، تحتل الطبقة العاملة موقعها ذاك في الحركة الثورية، وتضطلع بدورها. والتاريخ الثوري لا يرحم متخلّفاً عنه، ولا هو يسير بعكس منطقه. فلئن فعل، فلِأجلٍ، لا تلبث، بعده، أن تستعيد سيرورته الثورية منطقها. ومنطقها أن تنتكس الثورة، حتى في طابعها الوطني الديمقراطي، فتراوحَ، فتنهزمَ إلى مواقع رجعية، كلما استأثرت بقيادتها قوى غيرُ هيمنية، من فئات وسطية تحتل في السلطة موقع السيطرة الطبقية، همّها الأول ألا تستكمل الثورة سيرورتها، بحسب منطقها الضروري في تقويض علاقات الإنتاج الرأسمالية القائمة بارتباطها التبعي بالامبريالية، وفي إقامة السلطة السياسية الثورية القادرة على انجاز هذه المهمة.
بين منطق الثورة ومنطق هذه القيادة غير الثورية تناقضٌ يشل الحركة الثورية ويضعها في أزمة تنعكس في ممارسات سلطوية قمعية ضد قوى الثورة وجماهيرها، وبالتحديد، ضد الطبقة العاملة التي هي، بحزبها الطليعي ونهجها الوطني الصحيح، النقيض الثوري. إنّ الحل الجذري لتلك التناقضات بات يفرض، بضرورة منطقه، ضرورة تغيير تلك القيادة الطبقية لسيرورة الثورة الوطنية الديمقراطية، واستنهاض حركة ثورية هي، في اتساقها مع مهماتها، من نوع جديد، ولها وحدها القيادة. ومن أولى خصائصها، أن تسعى فيها الطبقة الهيمنية النقيض إلى أن يكون نهجها الطبقي نفسه، في سعيها إلى السلطة، نهج الحركة بكاملها. لا بالقمع، بالممارسة الديمقراطية الثورية.
لئن كان القمع أو الفئوية، في لغة أخرى، أو الاستئثار بالسلطة، أو الانفراد بالقيادة هو الشكل الطبقي الذي يحكم علاقة القوى غير الهيمنية، في وجودها في موقع الهيمنة الطبقية، بأطراف التحالف الطبقي الثوري، وكان، بالتالي ضروريا بضرورة التناقض في أن تحتل تلك القوى هذا الموقع، فإن الديمقراطية، كناظم للعلاقة بين أطراف التحالف إياه، وحق للجميع في الاختلاف، واحترامٍ لهذا الحق وممارسته، أقول إن الديمقراطية هذه هي، بالعكس، الشكل الطبيعي، أعني الضروري، الذي يحكم علاقة الطبقية. ذلك أن علاقة الاتّساق والتلاؤم بينها وبين موقعها هذا هي، بالضبط، الأساس المادي لضرورة الديمقراطية في علاقة القوى الثورية بعضها ببعض. وهي ضمانة تحقق هذه الضرورة.
-
الحـزن جمـيـل جـدا
والـليـل عـديمُ الطعمِ بدون هموم
والناسُ خريفٌ يمطـر
والأيام على الـذل سـموم
أهـلا بدعاةِ الـموضوعية
جـارتـنـا إسـرائـيـلُ حـبيـبتـنا
ذات الفضـل عـلى تـطـويـر ديمقراطيتنا
هي صاحبة الأرض
ونحن الغرباء وشـذاذ الآفاق
ونحلم أنّا وطن عربي مزعـوم
ونكاد نقبل كفيها مـنحتـنا إحدى البـلـديات
وبالكـاد مطـارا تحت الـمجهر ليلا ونهاراً
ويؤذن بالعبرية بعد قليل
وعلى مدفع إسرائيل نصوم
أنزل سحابك للأرض ولا تخجل
دولٌ خَـلعت
مارست العهر المكشوف
بعورات ست نجوم
عارض إن شئت ملائكة الأمن تحيطك
مطلوب خمس دقائق
ياالله
وتدخل إنسانا وتخرج
لاشيء من الإنسانية فيك سوى الصمت
وتسأل أين الله
وكيف توحـدت الموسـادات العربية والموساد
وتُسرُّ بصمت قـدر محـتوم .. محـتوم
وتفضل حارب إسرائيل
بكل عروبة عورتك الزرقاء
وقاتل دون سلاح دون حدود تفتح
علّ حدوداً تجرح بعض المعنيين
من الآن نقول تخوم
إياك وإن عريت أمام العالم أن تيأس
ثم قتال شرس باق ما بقي الله
ويحتاج سلاحاً وحدود داخل رأسك
احـذر أن تزرع إسرائيل برأسك
حصـن رأسك
وابدأ بسلاح أبـيض منه
هـجوم بعـد هـجوم
بعد هجوم يا ولدي
لا نصر بدون هجوم
أو تصبح قوادا دوليا يا ولدي
مفهوم مفهوم يا ولدي مفهوم
آخر المواضيع في
يحتدم رأيان في قضية تذوق الأعمال الأدبية، سعيا لتحديد المسافة بين النص وقارئه. هل يتعلق الأمر بمتعة وجدانية متحررة من أي استدلال عقلي أو مسبقات لغوية وبلاغية؟ أم هي ملكة لا تستوعب جمالية قول شعري أو نثري، إلا باستيفائها شرط الإلمام بمعارف تساعد على الإيضاح وتبديد الغموض؟
إلا أن كلا الرأيين يتفقان على أن التذوق في مجال الآداب لا يتحقق بدون فهم. فالمتذوق في عالم الإحساس الجسمي يكفيه جزء يسير لبلوغ الإحساس المطلوب، سواء تلذذا أو نفورا، بينما يحتاج متذوق الأدب إلى وقت طويل، ينتهي خلاله من قراءة النص أو استماعه إلى نهايته.
تكمن خصوصية الأدب في كونه يتطلب إلماما بنظام رموزه، حيث الكتابة رمز ننفذ من خلاله إلى شيء كامن خلفها. ولذا يتوجب على كل قارئ أن يفك شفرات النص أولا، ثم يحدد مدلول كل كلمة في نفسها أولا، ثم بوضعها داخل سياق تعبيري وتركيبي متعدد بتعدد النصوص الأدبية زمانا ومكانا. وهو الجهد الذي لا تتطلبه التعبيرات الفنية الأخرى، من تشكيل وموسيقى وغيرها.
كل تذوق إذن يشتمل على معرفة في حدها الأدنى بلغة النص الأدبي وأسلوبه، والقواعد التي تحكم جنسه، ثم الاتجاهات التي ينحاز إليها كاتبه، اجتماعية كانت أم سياسية أم غيرها. وهذا يعني أنه لا يوجد قارئ يبدأ من نقطة الصفر كما يؤكد الدكتور إبراهيم عوض (1)، وأن الملكة النفسية التي تدرك نواحي الجمال لابد أن تسبقها عملية الفهم.
تلهمنا قراءة النصوص الأدبية شعورا مكثفا بالنشوة والامتلاء، لأنها استنطاق لما تحمله الرموز من صور خيالية، ورؤى ومشاعر وجدانية. وهو الشعور الذي لا يتحقق إلا بشكل مضطرب ومشوش في باقي الإبداعات الفنية، حيث اللوحة أو المعزوفة الموسيقية حاضرة أمام المتلقي يعاينها ويسمعها. أما النص الأدبي فلا يُقيد القارئ بهذا الحضور المادي، بل يحرره معتمدا على الخيال الذي لا يلتزم سوى بالخطوط العامة للنص.
هذه الحرية تتيح للمتذوق أن يخلق للنص الأدبي أوضاعا وأشكالا لا حد لها، وأن يستغرق فيه لدرجة الفناء، بحيث يصبح شخصا من شخوصه وليس مجرد متابع. وهي السمة التي يشير إليها أوسكار وايلد في قوله: " تتلخص السمة الوحيدة المميزة للشكل الرائع في أن باستطاعة أي واحد أن يُضمنه ما يخطر على باله، أن يرى فيه ما يريد أو يرغب".
ٱلأَنَا وَظِلُّهَا:
-1-
قُبَيل الفَجْر دَاهَمَتْني مَنَامَة.
فقد رَأَيتُ فِي مَا يَرَى النَّائِم أَضْغَاثَ أَحْلاَمٍ لمْ أعْهَدْ مِثْلها مِنْ قَبْلُ..
عَلَى إِثْرِهَا صَحَوْتُ مَذْعُورًا وَالظَّمَأُ ينالُ منِّي إذ أَحْسَسْتُ بِتَجَفُّفِ حَلْقِي. أَطْفَأتُ غُّلَّتِي بِمَاءٍ معْدني فَٱبْتَلَّتْ أَحْشَائِي.
ٱجْتَاحَنِي عَرَقٌ غزيرٌ وأنا أَتَفَكَّرُ في صُوَرِ رُؤْيَايَ، وَأُقَلِّبُ رُمُوزَها الَّتِي تُقْتُ قَدْرَ مُكْنَتِي إلى ٱلتِقاطِ بعض مَعَانِيهَا وَتَفَهُّمِ قَدْرٍ مِنْ دَلاَلاتِها.
-2-
فِي كُلِّ صباح، ألْبَثُ مُسْتلْقِيًّا، لِوقْتٍ قَدْ يَطُول أويَقْصُر، كَدَيْدَنِ "روني ديكارت" وهو تلميذٌ في مدرسة "لاَفْلِيشْ" ٱلْيَسُوعِيَّة. على سَرِيرِي أَظَلُّ أتأرْجَحُ بين خَدَرِالكَرَى وٱستشباحاتِ يَقَظَتِي. وفي مَضْجَعِي أيضًا أسْعَى جَاهِداً إلى ضَبْطِ بَوْصَلتي المُرْتَجَّة ٱلَّتِي تَجْعَلُنِي، على النَّقِيضِ مِنْ "يُوهَان غُوتُه"، أَرَى الشَّرقَ غَرْبًا، والغَرْبَ شَرْقاً..
يَا لَأَوْهَامِي
مَنْ أُصَدِّق يَاإلَهِي فِي غَمْرَة تَيْهِي وَجُنُونِي؟!
أَنَايَ المُمَزَّقة بَيْنَ الأَحلاَمِ وَاليَقَظَة، أمْ آخَرُهَا المُضَاعَف الَّذِي يُكَابِدُ كَ "الفَتَى فِيرْترْ" وَاقِعاّ شِرِّيراً هَشَّمَ حَيَاتَهُ فَحَوَّلَهَا إلى مَأسَاةٍ خَالِصَة ؟..
يَالَهَلْوَسَات سَمْعِي!
أغلقت باب بيتها، وسدت نوافذه بإحكام، ثم تحصنت بالداخل وقد اطمأن قلبها إلى أن الموت لن يصل إليها، ولن يستطيع أن يفاجئها. الكثير من معارفها رحلوا على امتداد السنوات الماضية، أغلبهم اِقْتَنَصَهُ الموت في غفلة منه وهي لا تريد أَنْ تُفاجَأَ مثلهم. لهذا ملأتْ كَرَار بَيتها بكل الموادِّ الغذائية التي تَحتاجها، وقَرَّرت أن لا تغادره البَتَّة. منذ أسْبوع طرق باب بيتها مُوظفون حُكوميون تابعون للبلدية وأخبرُوها بضرورة إخلاء مسكنها لأنه آيل للسقوط، لكنها واجهتم بشراسة:
-لن تنطلي عليّ حِيّلكم أيّها اللُّؤماء أنتم رُسلُ الموت تُحاولون جَرّ رِجْلي لِمغادرة بيتي فيَصطَادني.
-أَغلب السُّكان رَحلوا يا حَاجّة، بُيوتُ هذا الحي ستنهار لأن الشُّقوق تعتري كل الأبْنِيّة.
-تَكذبون! أنتم تريدون بِي شَرّا
-ذَنبك على نفسك، نَحن قمنا بِواجبنا
للموت أعوانٌ، وعيون ترصد الضَّحايا وتُعِدّهم لليَوم المَوْعود، وهِي لن تَنْخدعَ بهذه السُّهُولة وتُصبح لقمة سَائِغة للموت يقتنصُ روحها ويحْرِمها من نعمة الحياة على حين غَرّة. هِي فعلا بَلغتْ من العُمر عتيّاً، وَتُعانِي مِن ضَغط الدّم، واِرتفاع نسبة السُّكري، وآلَام مرضِ النَّقرس، لكن هذا ليس مبررا يَشفعُ للمَوت فَعْلتَهُ.
أفاقت من سَحائِب أفكارها على صُراخ وضَجيج قَوِي بالخارج، تَردّدتْ لحظةً ثمّ اِقتربتْ من الباب الخَشبي المَتِين، ووضعت عَينَها على العَين السِّحرية، رأت شَابّا ملقى على الأَرضِ وهو يَنزِف دَماً.
كانت ملامح وَجْهِه تنِمُّ عن معاناة فَظيعة من الآلام. وكان يَصْدرُ عنه صَوتُ أنينٍ مُمِضّ. عَادت أدراجها وجلستْ على الأريكة الوحيدة التي تملك." لَا شأن لها به، هناك رِجال أمن وإسعاف بالبلد وهم المسؤولون عن حماية أرواح المواطنين ورعاية الجرحى والمُصابين منهم، هِيَ مُجرد سيِّدةٍ عَجوز، مِنَ الأفضَل لها أن تَبتعدَ عن المشاكلِ ".
زادت حِدّةُ الأنين، أصْبحتْ تَطرقُ أسماعَها بقوة وهي جالسة في مكانها، تَقَطّع من الزمن رَدحٌ، وهِي ساكنة تُفكّر، لَكنها في أخر المطاف قامت من مكانها واتجهت مرة أخرى نحو البَاب، نظرتْ عبر العين السحرية، كان الشاب ما يزال مُمدّدا في مكانه وهو يَتَوجّع، لم تتردد هذه المرة، فَتحت البَاب واقتربتْ منه، سالته بصوت أجش :
" هل من الصدفة حقّا أن تكون الفلسفة فعلا، مرتبطة إلى هذا الحدّ بتدريسها، وبأولئك الذين يدرّسونها؟ وهل من الصدفة أن لا تصلح الفلسفة سوى لتعليمها الخاص فحسب، ولا لشيء آخر؟ وإذا كانت لا تصلح فقط إلا لتعليمها الخاص، فما يعني ذلك يا ترى؟"( ل. ألتوسير)
"في أي معنى يستقيم القول بأنّ : كل إنسان فيلسوف"؟
" ماذا يصنع إذن أستاذ الفلسفة؟ إنه يعلّم تلاميذه التفلسف، بتأويل النصوص الكبرى أمامهم أو المؤلفين الكبار للفلسفة، بان يلهمهم الرغبة في التفلسف. وإذا ما التمس في نفسه قوّة، أمكنه أن يتقدّم درجة ويمرّ إلى التأمّل الشخصي، أي إلى مخطّط فلسفة أصيلة."(ل. ألتوسير)
****
ما ذا يقول " غير الفلاسفة" ؟
يتوجه هذا الكتاب إلى كلّ القرّاء الذين يعتبرون أنفسهم، أصابوا أم أخطئوا، من " غير الفلاسفة"، والذين يريدون مع ذلك أن يكوّنوا فكرة عن الفلسفة. ماذا يقول " غير الفلاسفة"؟ العامل والفلاح والأجير:" لا نعرف شيئا من الفلسفة، لم تخلق لأجلنا. إنما هي لمثقفين مختصين. إنها جدّ صعبة. ولا أحد حدّثنا عنها قط: لقد غادرنا المدرسة قبل أن نتعلمها." بينما يقول الإطار والموظّف والطبيب، الخ:" نعم تابعنا درس الفلسفة. لكنه مفرط في التجريد. والأستاذ عارف بصنعته، لكنه كان غامضا. فلم نحتفظ بشيء منها. وبالمناسبة، فيم تصلح الفلسفة ؟ " ويقول آخر:" عفوا! لقد اهتممت بالفلسفة كثيرا. يجب أن نقول بأنه كان لنا أستاذ أخّاذ. وكنا نفهم الفلسفة بصحبته. لكن، انصرفت منذ ذلك الحين إلى تحصيل لقمة العيش ماذا نفعل إذن، ليس لليوم سوى 24 ساعة: لقد فقدت صلتي بها. مع الأسف. " وإذا ما سألتهم جميعا:" لكن عندئذ، بما أنكم لا تعتبرون أنفسكم فلاسفة، فمن من الناس في نظركم من يستحقّ اسم فيلسوف؟"، فسيجيبون، بصوت واحد:" إنما هم أساتذة الفلسفة!". وهذا عين الصواب : فبخلاف الناس الذين، لأسباب شخصية، أي من أجل متعتهم أو لنفع ما، يستمرّون في القراءة لكتّاب فلسفة، في" ممارسة الفلسفة"، فإنّ من يستحقّ اسم فيلسوف هم فعلا أساتذة الفلسفة. يطرح هذا الأمر بالطبع سؤالا أول، أو بالأحرى أثنين.
1. هل حقّا من الصدفة أن تكون الفلسفة فعلا، مرتبطة إلى هذا الحدّ بتدريسها، وبأولئك الذين يدرّسونها؟ يجب أن نعتقد أن الأمر ليس كذلك، إذ في النهاية،لا يعود هذا الزواج فلسفة - تعليم إلى أقسام الفلسفة عندنا، لا يعود إلى الأمس: فمنذ بدايات الفلسفة، كان أفلاطون يدرّس الفلسفة، وأرسطو يدرس الفلسفة ... وإذا كانت هذه الزيجة فلسفة - تعليم ( تدريس) ليست نتاج الصدفة، فهي تعبّر عن.ضرورة خفيّة. وسنحاول اكتشافها.
كتاب من تأليف المفكر المصري إمام عبد الفتاح إمام (1934-2019)، صدر سنة 1991 عن عالم المعرفة، تناولت فصوله ظاهرة الاستبداد السياسي من حيث هو أحد الأسباب الرئيسية للتخلف الفكري والعلمي والاقتصادي، لأنه يقضي على فردية الإنسان ووعيه الخاص، ويحوله إلى مجرد تابع وذليل لا طاقة له على الخلق والإبداع.
أولا: الحكم الثيوقراطي
لتبرير انفراد الحاكم بالسلطة دونا عن سائر أعضاء الجماعة، عَمَدَ إلى تصوير نفسه على أنه من طبيعة إلهية ولاسيما لدى الحضارات الشرقية القديمة (فارس، مصر، الهند، الصين)، ثم لاحقا تطور الأمر مع المسيحية، فلم يعد الحاكم يعتبر نفسه إلها، وبدلا من ذلك ما انفك يلح على أنه اختير من طرف الله ليحكم الناس، وأنه ينفذ مشيئة السماء. وقد استمر مفعول هذه النظرية في أوروبا إلى حدود القرن 17. وهكذا، فإن "فكرة تأليه deification الملك أو الإمبراطور صناعة شرقية محلية، ولهذا شهد الشرق أسوأ أنواع الطغيان".
ثانيا: أنواع الطغيان
يميز الباحث بين الطغيان وبعض الألفاظ الشبيهة والمقترنة به مثل الاستبداد والحكم الشمولي:
أ. الطغيان:
- السمات العامة للطاغية:
1. يستولي على الحكم بوسيلة غير مشروعة (انقلاب، اغتيال... الخ)، ومن ثم فحكمه لا يوافق إرادة عامة الناس ولا يحوز على رضاهم، ولهذا فهو ينزع إلى مصادرة حقهم في التعبير الحر عن آرائهم ويفرض إرادته على الجميع.
2. لا يعترف بأي قانون أو دستور يقيد سلطاته ويحد من إرادته المطلقة.
3. يستخدم موارد البلاد لإشباع رغباته الحسية أو لتحقيق طموحات توسعية غير مشروعة كالحروب والمغامرات العسكرية الخرقاء.
غونفور ميديل (Gunvor Mejdell) هي باحثة ومترجمة نرويجية لعبت دورًا محوريًا في تقديم الأدب العربي إلى العالم الغربي، وخاصة القارئ النرويجي. تعتبر من أبرز المتخصصين في اللغة العربية والدراسات العربية في النرويج. من خلال ترجمتها وإعدادها لأنطولوجيا بعنوان "العالم العربي يروي" التي نشرت عام 1997، أسهمت بشكل كبير في مد جسور ثقافية بين الثقافتين العربية والنرويجية.
"العالم العربي يروي": أنطولوجيا الأدب العربي
تحت عنوان "العالم العربي يروي" (Den arabiske verden forteller)، قدمت غونفور ميديل أنطولوجيا للأدب العربي، مكونة من 620 صفحة تحتوي على 75 قصة قصيرة من تأليف 71 كاتبًا عربيًا. تمثل هذه المجموعة تشكيلة متنوعة من الأدباء الذين يمثلون مختلف دول العالم العربي، بدءًا من المغرب الأقصى وصولاً إلى منطقة الخليج. عملت ميديل على تقديم القارئ النرويجي إلى كتاب عرب مشهورين مثل نجيب محفوظ، يوسف إدريس، غسان كنفاني، وغيرهم ممن أثروا الساحة الأدبية العربية بأعمالهم الأدبية المتميزة.
التحديات في الترجمة الثقافية
واحدة من أبرز التحديات التي واجهتها غونفور ميديل وفريق المترجمين الذين عملوا معها كانت كيفية الحفاظ على جوهر وروح النصوص الأصلية مع مراعاة الخصوصيات الثقافية العربية. تناولت ميديل قضايا تتعلق بالتعبير اللغوي والأدبي الخاص بالثقافة العربية، وقدرتها على إيصال هذه الرسائل للقارئ النرويجي. وبفضل خبرتها الواسعة في اللغة العربية والثقافة العربية، تمكنت ميديل من تقديم ترجمة تتسم بالدقة والحساسية الثقافية، مما جعل النصوص سهلة الفهم للقارئ النرويجي دون أن تفقد هويتها الأدبية.
صدر عن نادي مكة الثقافي الأدبي، كتاب جماعي يحمل عنوان : " الشعريـة الرقميـة ،مستجدات الأدب الرقمي وتحدياته " ، وقد تضمن أبرز الأوراق البحثية المقدمة حول مستقبليات الأدب الرقمي، وكذلك مجموعة من المقاربات النقدية ويهدف النادي من خلال هذا التوجه إلى متابعة التطورات التقنية الحديثة، ودعم المبدعين في هذا المجال الناشئ.
ويتضمن الكتاب الذي يقع في 456 صفحة ، ثمانية محاور ،أولها محور حول " العصر الرقمي وفلسفة التحول" ،شارك فيه كل من: زهور كرام ،وعبد الحق بلعابد،وكلثوم زنينة. عالجت المداخلات إشكالية العلاقة بين العلوم الإنسانية والتكنولوجيا في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العصر الرقمي ، حيث تتحدى التكنولوجيا المفاهيم والمناهج التقليدية للعلوم الإنسانية مما يطرح تساؤلات حول هويتها الجديدة، ويفرض التطور التاريخي لهذا التحول إعادة النظر في الأدوات المستخدمة وإنتاج وعي فلسفي بتأثير التكنولوجيا على الإنسان وهويته، حيث تتطلب العلاقة بين العلوم الإنسانية والتكنولوجيا تكاملًا لمواكبة مقتضيات العصر.
وفي المحور الثاني "شعرية السرد الرقمي " والذي تضمن ورقات علمية كل من: آمنة بلعلى وفهيم شيباني وحمزة قريرة و بهاء الدين محمد مزيد ومهى جرجور وبدر العوني ؛ وناقش قضية الرواية وعلاقتها بالتغيرات الثقافية والاجتماعية الناتجة عن تأثير التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال تقاطع عدد من السرديات الفردية لشخصيات مختلفة، تسلط الضوء على قضايا مثل:
عند الحديث عن مخاطر الخصوصية في مختلف القطاعات وتحديدًا منصات التواصل الاجتماعي دائمًا ما تكون شركة "ميتا" في مقدمة الحديث، وذلك بفضل سلوكيات جمع البيانات الشرسة التي تعتمد عليها لبناء حساب شخصي متكامل للمستخدمين، ثم تعتمد على هذه البيانات في توجيه الإعلانات المناسبة لكل مستخدم.
ورغم توجيه العديد من الانتقادات لسياسات الشركة المتنوعة في قطاع الخصوصية تحديدًا، فإنها مستمرة في ما تقوم به، والآن تكشف عن ميزة جديدة تساعد المستخدمين الذين فقدوا الوصول لحساباتهم، إذ يتم استخدام آليات التعرف على الوجه من أجل الوصول لحساباتهم.
العودة إلى تقنية التعرف على الوجوه مجددًا
لا تعد هذه المرة الأولى التي تلجأ "ميتا" فيها لتقنية التعرف على الوجه في خدماتها المختلفة، ولكنها تخلت عنها بعد هجوم موسع عليها منذ 3 أعوام تقريبًا، رغم أن الشركة في ذلك الوقت كانت تستخدم التقنية للتعرف على صور المستخدمين.
تعاود "ميتا" استخدام هذه التقنية مجددًا لأهداف أكثر تنوعًا هذه المرة، إذ تعتمد عليها لإتاحة الوصول إلى الحسابات التي فقد المستخدمون الوصول إليها سواءً بسبب نسيان كلمة المرور أو البريد الإلكتروني أو حتى الهجمات السيبرانية المتنوعة.
فضلًا عن مجابهة الإعلانات الاحتيالية التي تستخدم صورًا ومقاطع للمشاهير دون علمهم، وهو نوع من الإعلانات انتشر في الآونة الأخيرة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدية وما تتيحه من قدرات متنوعة ومختلفة.
يناقش كتاب "ذكاء اصطناعي متوافق مع البشر حتى لا تفرض الآلات سيطرتها على العالم " ، إشكالية تحدي تصميم أنظمة ذكاء اصطناعي لا تمثل تهديدا محتملا بالسيطرة على البشرية، مع الحفاظ على فوائده الاقتصادية والاجتماعية ،و كيف يمكننا تجنب سيناريو السيطرة الاصطناعية من خلال ضمان توافق أهداف الذكاء الاصطناعي مع قيم ومصالح البشرية ؟
لا شك ان الذكاء عند الإنسان مختلف عن الذكاء الاصطناعي ، فهو ذكاء كامل يجمع بين القدرات المعرفية مثل التفكير والتعلم وحل المشكلات بطرق مبتكرة، والقدرات الوجدانية مثل الوعي الذاتي والعواطف. في حين أن الذكاء الاصطناعي محدود القدرات ويقتصر على أداء مهام محددة برمجت لها مسبقاً. كما أنه ناتج عن عمليات بيولوجية معقدة، بخلاف الذكاء الاصطناعي الذي يتم برمجته وتصميمه من قبل البشر. وعلى الرغم من التقدم الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي إلا أن الذكاء البشري لا يزال أكثر شمولية وقوة.
هناك احتمال أن يتطور الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب أو البعيد ليصبح أكثر تقارباً وتشابهاً مع الذكاء البشري:
- قد تتطور الآلات لتضيف الوعي الذاتي والقدرة على التفكير المجرد بشكل أكبر.
- يمكن دمج قدرات معرفية عليا مثل الإبداع والخيال وحل المشكلات بطرق غير مباشرة؛
- يمكن تطوير الذكاء الاصطناعي ليتفاعل بشكل أفضل مع البيئة مستخدماً الحواس مثل البصر والسمع؛
- الاستفادة من التقدم في مجالات كالذكاء العاطفي والانفعالي لإضافة قدرات مشابهة للبشر؛
- تطوير شبكات عصبونية اصطناعية أكثر تعقيداً تحاكي دماغ الإنسان.