إن التشكيل وإعادة الصياغة للرؤيا الشعرية الثاقبة لا يزال لغزا لم تستطع فك طلاسمه لا نظريات النقد الكلاسيكي، ولا نظريات الشعرية الحديثة بمختلف مدارسها واتجاهاتها منذ أن لسعت عقرب الإبداع أحفاد آدم وحواء إلى ما ستتمخض عنه أوجاع الحاملات للجينات من المضغ والعلقات فيما سيأتي من الأزمنة .
إن تشكيل الرؤى الشعرية الحالمة بتحقيق التوازن المفقود في عصر متسارع الخطى، وإعادة صياغتها صياغة فنية قادرة على خلق الدهشة المبتغاة لا بد أن ينبثق من بؤرة الذات الشاعرة. غير أن هذه الذات بدروها محكومة بظروف قد لا تسعفها دائما في القبض على الجوهر المنشود. ومن ثم لا مناص من الاعتراف مسبقا بأن الغوص فيما يؤرق هذه الذات، يمكن اعتباره منطلق الشرارة الأولى لكي يستوي البوح الشعري على الصورة الأبهى والأصفى من كل أدران الواقع المحيطة بها.
كتابات خارج أسوار العالم أو الرغبة في التحرر من سجن الرجل - د. امحمد برغوت
تبدو التجربة الشعرية لمليكة العاصمي في هذا الديوان -١- محاولة لتحقيق حرية الذات المعتقلة لردح من الزمن في سجن الرجل، وتصميما على نزع رداء الظلم والاضطهاد والاستغلال الذي عانت منه المرأة المغربية طوال عقود كانت فيها ترسف في أغلال مجتمع أبيسي "بطرياركي" محافظ ، لم يكن ينظر إليها إلا كجسد، وظيفته إشباع رغبات الرجل/السيد، وذات تابعة لرغائبه ونزواته، وعورته التي يجب أن تظل مستورة.
تقول في كلمة تقديمها للجزء الأول من أعمالها الشعرية :
"علينا أن نستحضر مجتمع أواسط الستينيات، ونتخيل صوتا ينبعث ممزقا الغلاف الاجتماعي، والطوق المضروب على المرأة، على حضورها وصوتها ومشاعرها وأفكارها ومواقفها، إذ المرأة سر من أسرار المجتمع وخصوصيته، وهي موضوع خطاياه وأخطائه وانحرافاته وجرائمه، عورته التي يعمل على سترها، ووضع الحجب والمغاليق والرقابة عليها، على صورتها وعلى ما تفعله أو تقوله أو تحسه أو تفكر به، وما يدور في خلدها، فيحرص على إخفائها وتسييجها ومنعها من الاتصال كي لا تتكلم أو تعبر أو تكشف المستورات" -٢-
الوصية الأخيرة للقيامة - شعيب حليفي
ارتبك المؤرخون وكان عليهم الانتظار طويلا لوصف ما جرى في صيف 1894، لكن امرأة اسمها حادة الزيدية/خربوشة في ربيعها الثاني والعشرين، كلُّ زادُها من الثقافة، محفوظ الذاكرة الشفوي مما حفظته بالمسيد، وذخيرة من الأذكار المتداخلة مع أمثال العامة والحكايات والجروح و نهر من خيال لا محدود. لا تعرف القراءة أو الكتابة، ولم تقرأ أو تسمع أو تحفظ أشعار العرب وأيامهم في الجاهلية، ولا علم لها من يكون المتنبي أو المعري أو شعراء بغداد ودمشق والقاهرة ومراكش وفاس، وتجهل من يكون ابن خلدون أو أبو القاسم الزياني أو محمد أكنسوس أو أحمد بن خالد الناصري، ولا تعرف من أسماء العلماء والفقهاء إلا فقيه الدوار المغمور وأسماء أولياء عبدة ودكالة والشاوية. بل تجهل جهلا تامّا من تكون السيدة الحرة أو زينب النفزاوية أو خناتة بنت بكّار. إنها، فقط، امرأة من عالم البادية السفلي، معزولة عن العواصم والصالونات وعوالم المعارف العليا والخاصة التي تحفل بها المقررات وأحاديث النخبة.
أحسن ما ننعي به نوال السعداوي وقفة مع "زينة" آخر رواياتها - الكبير الداديسي
شاءت الأقدار أن تفل شمس نوال السعداوي الكاتبة والناشطة المهتمة بشؤون المرأة العربية مع إشراقة شمس ربيع 2021 بعد 90 سنة من العطاء أسست خلالها عدة جمعيات للدفاع عن قضايا المرأة منها (جمعية تضامن المرأة العربية والمؤسسة العربية لحقوق الإنسان). لتترجل عن صهوة النضال مثقلة بالجوائز والدرجات الفخرية أهمها ( جائزة الشمال والجنوب من مجلس أوربا وجائزة إينانا الدولية من بلجيكا وجائزة شون مأكبرايد للسلام من المكتب الدولي للسلام بسويسرا..... )
والأكيد أن ما سيبقى خالدا هو ما فاض من أناملها وفكرها والذي جمعته في أزيد من أربعين مؤلفا ومئات الدراسات والمقالات والحوارات ستبقى مراجع لكل من يقترب من موضوع المرأة، وضمن هذا الكم الهائل تتلألأ إحدى عشرة نجمة (رواية) لا تبتعد كثيرا عن القضية التي ظلت تشغل نوال طيلة حياتها وهذه الروايات هي:
نظرة وقراءة في ديوان :أنفاس تحت كمامة" للكاتب محمد آيت علو – نور الدين النوني
من جميلِ مَا تنْعمُ بِهِ النّفْسُ البشرِيّةُ؛ آلَةُ الْبَيَانْ، فَإِن أَحْسَنَتْهُ والتَوْظِيفَ الجيد أتقنتهُ، عَاشَتِ الاِسْتِقْرَارَ العاطفي بجُلّ تَلْوِينَاتِهِ، وَإِنْ ضيّعتهُ وَعَنِ الوَعْيِ غَيّبَتْهُ لامَسَتِ النّكدَ وَأَيُّ نَكَدٍ هُو!!، وَلَمّا كَانَ الأمر كَذلكَ آثَرْتُ أَنْ أَتّكِئَ على قلمِي لاَفِتًا النّظر ومُوَجّهًا سهام الفكر لا راغبًا فِي النّقْدِ، إِلَى دِيوَانٍ النفس تشتاقُ لاسْتِنْطَاقِهْ والنّهْل مِنْ غزيرِ فنّهْ والعيش بين تلاَوين صيغهْ، فَهُوَ المَرْجِعُ الرَاجِحُ وَالمِقْيَاسُ الْوَاضِحُ، الزَّاخِرُ بِكُلّ مُقَوّمَاتِ الحَقّ التّي مرّتْ بِنَا في سنَةٍ هِي؛ الأثقلُ وَلاَ شَكْ.
إن دأبَ الكاتب؛ "محمد أيت علو" في تأَلِيفه الجمة وتصانيفه الفذة ، التي حُفت بوفير عناية وجميل رعاية، دائرة في درب إرسال النفس على سجيتها طارقة كل الأبواب التي من شأنها أن تقارب هموم الإنسان شعرا ونثرا، ويعد ديوان؛ "أَنْفَاسٌ تَحْتَ الْكِمَامَةِ" من الأعمال الأدبية التي تفجرت من نبع واحد همه الإنسانية جمعاء، والتي عانت الغموض جراء وباء كان أثره أقسى على النفس، ذاقت البشرية من ورائه مرارة الفقدان بلا سابق إنذار، وتأتي مقاربتنا هذه لتطرق عتبة من عتباته محاولة نفض الغبار عن إيحاءاته وتعالقاته ودِلالاته المفترضة والمختزلة في الذاكرةِ الأدبيةِ.
قراءة في كتاب " كأن لا أحد...!" للكاتب المغربي محمد آيت علو - باسمة العوام
" كأن لا أحد ...!" ، عنوان مدوّ صاخب ، يأخذك في عالم الخيال، التناقض، الحلم والواقع المرغوب وغير المرغوب، ضجيج داخلي يوهم صاحبه بشيء ما هناك ... أو أحد ما بقربه...والواقع يقول لا ... لا أحد .
كالبحر...تنظر إليه، تراه واسعا كبيرا؛ وكلّما تعمّقت فيه، وجدته أكبر وأوسع ... حكاياته أكثر من رمال شواطئه، ومع ذلك لا أحد فيه يحسّ بوجودك ... وحدك وصراخ الذكريات، وصمت قاتل وسكون وسط الزحام، فأيّ بحر غاص فيه كاتبنا ؟، وأيّة حكايات لفظتها سطوره ؟، ومن هو هذا "الأحد" الذي نام بين الفواصل والنقاط؟، ولم يخرج إلى السطح لنراه؟، بقي هناك يجول في عالم بلا حدود، حرفاً أثقل كاهله تمرد المعنى وبدايات ضاعت فيها كل النهايات....
سمــــات الاختلاف وتجلياته في ديوان" بغير جناح" لياسين الحراق - عبد النبي بزاز
يرهص ديوان "بغير جناح" للشاعر المغربي ياسين الحراق بتجربة شعرية تنحو نحو خوض غمار أفق إبداعي مغاير يروم تجريبا صادرا عن رؤية تتغيا خلق أشكال تعبيرية مختلفة عن الأنماط الشعرية المألوفة بشتى ألوانها وحساسياتها . فالديوان يتوزع على ثلاثة أقسام ( سدرة الفناء ، جذبة الظل ونافذة أخرى) وكل قسم يتضمن نصوصا تتفاوت على مستوى التركيب الإيقاعي ، والبعد الدلالي باستعمالات لغوية متعددة الامتداد المجازي ،والتنوع المعجمي بما ترسمه من صور موسومة بطابع الاختلاف والتجريب من خلال تشبيهات تشذ عن الشائع ، وصيغ تنشد خلق طرائق تنعتق عن ربقة المألوف بانخراطها في رسم ملامح مسار ينزع نحو التجديد والتجريب باختراقه لسديم عتبات حصينة ، واجتراحه لضفاف يجللها النأي والوحشة في استخدام أساليب شعرية نوعية من قبيل : " ذق هذه الحيرة " 11، من خلال ربطه بالحيرة كإفراز نفسي محفوف بالريبة والارتباك بحاسة الذوق في حدودها المادية المعروفة ، استعمال تتعدد آفاقه ، وتتنوع تجلياته في نصوص المجموعة كقوله : " لا تطوي ظلك"21 ، أو : " مثل مياه في جبة الوجد " 24، أو : " يتورق فينا بعض الحجر"84، وكلها صور تشذ عن الأنماط الشائعة لما تزخر به من معالم زخم غني بتشبيهاته الرامية إلى التئام التنافر الدلالي عبر تقريب الهوة بين مكوناته المعجمية ، ومد الجسور بين ألفاظها ومعانيها للانتظام في جوقة تنأى عن النشاز بخلق التناغم المقصود والتجانس المطلوب .
استراتيجية التعالق النصي في رواية "همس الأقدار" لعبد العزيز بلفقير - محمد ايت احمد
صدرت رواية "همس الأقدار" لعبد العزيز بلفقير عن دارسلمى الثقافية للنشر سنة 2016، يقتحم فيها الكاتب هذه المرة مغامرة الكتابة الروائية، على غرار تجربته القصصية الأولى "الأرض البعيدة"، وفي هذا النص نكتشف نزوحا نحو المحلي وتأسيسا للتعالق النصي.
ينهض المروي أساسا على سيرة عيسى مثالا للشخصية النمطية في أصقاع الجنوب الشرقي بالمغرب. شخصية عيسى المنحدرة من أقاصي الجنوب الشرقي والمنشغلة بتفاصيل معيشها اليومي بالدار البيضاء تختار الزواج في مدشرها من فاطمة، زواجا دام عقدا من الزمن، غير أن صدفة القدر لم تأتيه بالذرية منها. وظل محكوما بإكليشيهات الثقافة المحلية التي تربط الفحولة بالإخصاب.
وبعد يأس وانتظار أعياه يقرر الزواج من جديد في الدار البيضاء من حليمة التي شاركته ورش العمل. وتسير خطية السرد بقاعدة التحول. فبرهة زواجه من حليمة وترتيبه إجراءات الطلاق من فاطمة أتاه خبر حملها باليقين. فما كان لعيسى إلا أن يسلم نفسه لمشيئة الأقدار.