asia internetالثورة التكنولوجية اختزلت الزمان والمكان,وغيرت من طبيعة الاقتصاد,من اقتصاد الصناعة الثقيلة المعتمدة على المواد الخام والمصانع الى اقتصاد المعلومات المعتمد على الرأسمال البشري المالك للمهارات الجديدة,والقادر على الإنتاج والابتكار فيما أصبح يسمى بالاقتصاد الجديد.وتغيرت طبيعة العمل والمهن,فأصبح القادرون على مباشرة التكنولوجيات الجديدة والتكيف مع تغيراتها السريعة أقدر على مسايرة تطورات الاقتصاد الجديد,في الوقت الذي تراجعت فيه القيمة المادية والاجتماعية للمهن التي لايمتلك أصحابها المهارات التكنولوجية الجديدة,أو لايستطيعون إعادة تأهيلهم لمسايرة التحولات الحاصلة في عالم الاقتصاد.
ولسنا هنا في حاجة الى استعراض مجالات ثورة الاتصال,وآثارها في مختلف الميادين,بل سنركز على آثارها الثقافية.
وأولها أن الثقافة أصبحت بضاعة معمولة الانتاج والاستهلاك.فهناك تنميط للبضاعة الثقافية وتسويقها عبر شبكات تتحكم فيها شركات عالمية تنتمي في الغالب الى بلدان الشمال.وعولمتها لا تعني أنها أصبحت ثقافة عالمية بالفعل,يشارك في إنتاجها الجميع,بل لأنها الأكثر انتشاراً على مستوى العالم بسبب تحكم الشركات المعولمة في انتاجها وتسويقها.ويكون الوجه الآخر لعولمة البضاعة الثقافية هو صعود الهويات الثقافية المتعمدة,والتي تسعى الى إثبات ذات جماعية :دينية,طائفية,إثنية,فتتصارع فيما بينها وتصارع العالم صراعاً غير متكافىء.والمظهر الآخر لتأثير ثورة الاتصال على طبيعة الثقافة هو التحول الحاصل في محتوى هذه الاخيرة.فإذا كانت الثقافة هي حصيلة ما يرسخ في عقول الناس ويطبع سلوكهم ويحدد الى حد كبير مدى نجاحهم أو فشلهم في الحياة العامة,فإن نوعية التربية والتعليم أساسية في تحديد طبيعة الناتج الثقافي.وهكذا نجد أن ثورة الاتصال والمعرفة قد زادت من التمايز بين نوعين من التعليم بمستويين وبسرعتين مختلفتين:تعليم يستوجب المعرفة الحديثة المطلوبة مهنياً في عالم اليوم,وهذا النوع من التعليم مايزال من حظ أقلية في بلدان الجنوب,وهو تعليم مكلف لاتقدر عليه إلا العائلات المحظوظة.وهذه العائلات بفضل شبكة علاقاتها المتبادلة المصالح تيسر لأبنائها دخولاً أفضل في الحياة المهنية,فيحتل أبناؤها المتخرجون مواقع متميزة في الإدارة ودواليب الاقتصاد والمهن الحرة.وبالمقابل,هناك أغلبية من أبناء وبنات الشعب,تبقى أمية أو تتعلم تعليماً غير نافع في عالم اليوم,يؤدي الى وظائف أو مهن متدنية مادياً واجتماعياً,أو الى البطالة.وهكذا لم يعد التعليم – إلا في حدود – وسيلة للترقية الاجتماعية وتجديد النخب داخل المجتمع.


أنفاسحين دخل نابليون بونابارت مصر غازيا فمحتلا في القرن الثامن عشر ، أحضر معه الة جديدة لم تعتدها الحضارة العربية والإسلامية من قبل ، ووقفت أمامها مصابة بالدهشة والانبهار ثم الرفض كما هي عادة العرب في رفض كل جديد ومستحدث باعتباره على غير ما اعتاده السلف الصالح، هذه الآلة الذي قدر لها أن تحدث ثورة في الثقافة العربية فيما بعد كانت المطبعة.
وقبل ذلك كان الوراقون هم المسيطرون على صناعة الكتاب، وذلك منذ اكتشاف العرب للورق بعد فتح مدينة سمرقند في القرن الثامن الميلادي، وقد استمرت هذه السيطرة إلى حين الغزو النابليوني لمصر.

قامت قائمة الوراقين- كما هو متوقع- وأخذوا بشن هجوم كاسح ضد المطبعة والكتاب المطبوع ، ووصل بهم الأمر إلى حد اعتباره رجسا من عمل الشيطان تنبغي محاربته ومقاطعته ، وفي حملتهم الإعلامية الشرسة ضد الكتاب المطبوع تم تجنيد شيوخ المساجد والزوايا والعتبات المقدسة، وتم إصدار الفتاوي الشرعية باعتبار المطبعة والكتاب المطبوع رجسا شيطانيا، وأداة إبليس اللعين في تخريب عقول الشباب العربي المسلم، واختراعا أجنبيا يهدف إلى القضاء على قيم المجتمع العربي الأصيلة، واستبدالها بقيم الكفار الفرنجة والعلوج الغازيين المحتلين.

وفي حربهم اليائسة تلك، وحتى يكون للهجوم وجهة نظره المنطقية ظاهريا على الأقل ، أخذ الوارقون ومن لف لفيفهم من المرعوبين على القيم والأخلاق الحميدة المتوارثة، بعقد المقارنات بين الكتاب المنسوخ بخط اليد الذي يصنعه الوراقون وبين الكتاب المطبوع ، منتصرين للأول متمسحين برائحة حبر الخط المكتوب الذي لا يوجد في الكتاب المطبوع، والخط العربي الجميل من كوفي وأندلسي ورقعي وغيره من جماليات الكتابة باليد التي لا يمكن أن يوفرها الكتاب المطبوع( لم تكن المطبعة قد تطورت لتوفير الخطوط المختلفة في الكتابة في ذلك الوقت).

أنفاس1-الكتابة الرقمية:
يظل فعل الكتابة ذاته في جوهره وفي غاياته القصوى. أي أن الكتابة تدوين وتخزين للمعلومات، وتسجيل للوقائع الحية، واختبار للمشاعر والأفكار. سواء كتبت على الورق باليد والقلم أو على المطابع، والآلات الكاتبة التقليدية، كما هو الحال في الواقع الورقي. أو كتبت بعد تحويلها كتابة رقمية بواسطة الحاسوب ( TXT,DOC,,,)، أو بواسطة البرامج المعروفة بالتعرف على الخطوط المرقونة ( OCR) أو بواسطة تصويرها بالكاميرات الرقمية ( JPG,BMP,,,)، أو بواسطة الماسحات الضوئية ( PDF).
لكن الفرق بين الكتابة الرقمية والكتابة الورقية يختلف من حيث التأثير على القارئ، وتغيير طرائق استقبال النصوص، وطريقة التدوين، وثبات أو حركية النصوص والخطوط، وتشعبها، وتشجيرها...أو تفاعلها مع نصوص أخرى موازية أو مجانسة بدل الحواشي والهوامش...والتظليل بدل التسطير...
2   - الكتاب الرقمي:
تتمثل هذه المتغيرات الثورية في الكتاب الرقمي الذي بدأ يشهد حضورا فعليا وفاعلا، بعد لحظة قصيرة – في الغرب – من التردد والتشكيك، كما هي حال كل جديد. وكل حال تروم خلخلة الثوابت التي اطمأن إليها الإنسان إلى درجة أنها تصبح مقدسا. وتستقر في الوعي وتتحكم في السلوك العام والخاص على السواء.
لكن الكتاب الرقمي ما يزال تنقصه الدينامية والتفاعلية. صحيح أن الكتاب الرقمي يحتوي على عدد من الكتب (النسخ الورقية المنقولة عبر الوسائل الوارد ذكرها سلفا: الحاسوب، الماسحات الضوئية، الكاميرات الرقمية، الهواتف النقالة...) خفيفة الوزن. يصل عدد صفحاتها 4000 صفحة. يسهل التفاعل معها لأنها تحتوي على معاجم لشرح المفردات وتبسيط عملية البحث والتفاعل من المضمون النصوص. وتسهل على القارئ البحث والتعليق والتظليل، ووضع "الهوامش" والملاحظات الخاصة. ويسهل الانتقال بهذه 4000 صفحة في أي مكان، وبالتالي قراءتها في كل الأوضاع. ويسهل، وهذا مهم، أيضا تحميل الكتب الجديدة عبر الإنترنيت عند الاتصال بمؤسسات مختصة. ثم هناك مسالة الشاشة البلورية المضاءة ( LCD) التي تعرض عليها النصوص، فتكسبها إمكانية القراءة حتى في الأماكن الخافتة أو المظلمة، بدل الاستعانة بالنظارات الأضواء الخارجية.

youtube13لم تجد مجلة «تايم» الأميركية الشهيرة كلمات لوصف موقع «يوتيوب» You Tube على الإنترنت سوى القول أنه: «أهم اكتشاف في عالم الإنترنت... وقوة عابرة للحدود ولوسائل الإعلام... والموقع الأكثر تأثيراً في الثقافة الشعبية، وخصوصاً في الشباب، في كل مكان تصل اليه ثورة المعلومات على الكوكب». وقبل أشهر قليلة، أبرم محرك البحث «غوغل» Google، وهو الأكثر استخداماً على الإنترنت، صفقة لشراء ذلك الموقع مقابل 1.65 بليون دولار. وبدت تلك الصفقة مدهشة، بالنظر الى «صغر سن» موقع «يوتيوب»، الذي هو مساحة مفتوحة لتبادل أشرطة الفيديو التي يصنعها الجمهور بوسائل مختلفة، وخصوصاً أشرطة الخليوي. فقد تأسّس عام 2005 كشركة خاصة، سرعان ما اصبحت قادرة على تغيير موازين قوى الإعلام العام.
ورَفَد الموقع الإعلام الالكتروني بسيول من أفلام الفيديو، يفوق عددها راهناً 70 مليون شريط. وتساهم تلك الأفلام في إغناء صفحات المدونين الالكترونيين (البلوغرز) ومنتديات الحوار على الشبكة الالكترونية، من خلال تقديم عروض حيّة وأحداث يومية، إضافة إلى إعلانات الترويج ومواد الدعاية وبرامج الموسيقى ومواد الترفيه وغيرها مما يُبث عبر الشبكة الدولية للمعلومات مجاناً، ومن دون حواجز جغرافية أو سياسية أو عقائدية. وخلال أقل من سنتين بعد انطلاقته، بات «يوتيوب» من أكثر المواقع الالكترونية إثارة للجدال، لا سيما في الاوساط السياسية والحكومية التي أقدم بعضها، كحال تركيا وتايلاند والصين، على منع الجمهور من الوصول إليه. وعمدت بعض السلطات الرسمية، وعلى غرارها مجموعة من شركات الموسيقى والمعلوماتية، إلى إقامة دعاوى قضائية ضد ذلك الموقع، لأسباب تراوحت بين الاعتداء على حقوق المؤلفين والناشرين وبين انتهاك الحرمات الاخلاقية وتهديد سلامة الأمن العسكري والوطني!
تناقضات البنتاغون
في خطوة اعتبرت أولى من نوعها، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية في تاريخ 18 ايار (مايو) 2007، عن اتخاذ اجراءات صارمة تحظر على جنودها في افغانستان والعراق، والذين يستخدمون الشبكات العسكرية، من تصفح 13 موقعاً الكترونيا،ً بينها «يوتيوب».

أنفاس على ما تبقى من أرض فلسطين، وتحت ظلال حالة الانقسام الجغرافي، والتنظيمي، تتشابك الأحداث، وتزدحم المعلومات، وتكثر التأويلات للخبر الواحد، وتتصادم الاجتهادات الفكرية، والثقافية، وتختلف التفسيرات، والتحليلات، تلتقي قليلاً، وتتناقض كثيراً، وكل صاحب رأي يدّعي أنه أم الطفل الحقيقية، والأخرى مدعية الأمومة، وكأن الساحة الفلسطينية ليلٌ ونهار، أسودٌ وأبيض، صديقُ وعدو، فإن لم تكن مع هذا فأنت مع ذاك، وفق منطق: إن لم تكن لي كاملاً، فأنت ضدي، وعليه فإن قلت رأياً يختلف قليلاً مع وجهة نظر طرف تتهم بالموالاة للطرف الثاني، ويحار العاقل المستقل عن الانتماءات التنظيمية في البحث عن مصدر معلومات غير منتمٍ، وعن رأي مستقل بلا هوى.
ما أكثر المواقع الإخبارية المنتمية للتوجهات الفكرية، والسياسية في الساحة الفلسطينية! وليس صعباً على كل متتبع أن يتعرف عليها من النظرة الأولى، فعلى سبيل المثال: لا يجهل القارئ انتماء موقع "شبكة فلسطين اليوم الإخبارية" وبالتالي يتلمس حيادية الشبكة في الخلاف الفلسطيني، بينما مواقع أخرى مثل: "فلسطين برس للأنباء"، و"الكوفية" و"شبكة فراس الإعلامية" و"معاً"، و"دنيا الوطن" و"مفتاح" بالإضافة إلى صحيفة "الأيام" و"الحياة الجديدة" يكتشف القارئ تحيزها في الخلاف لطرف دون الآخر، ولا يحتاج المثقف الفلسطيني إلى واسع خبره ليتعرف على الاتجاه السياسي لموقع "شبكة فلسطين للحوار" و "فلسطين الآن" أو "شبكة المعلومات الفلسطينية"، أو "المركز الفلسطيني للإعلام"، أو "شبكة ودراس الإعلامية"، أو "الركن الأخضر" و "مركز البيان للإعلام" بالإضافة إلى "صحيفة فلسطين" ويكفي أن تلقي نظرة على العنوان، وطرائق نشر الخبر، وأي التصريحات التي يبرزها الموقع، وأي المقالات ينشر، لتدرك مجال الرؤيا، وتحدد الاتجاه السياسي، والفكري.

أنفاسلاري بيج :
كان لاري بيج منذ صباه مبهورا بالمخترعين واختراعاتهم، وان كان يتساءل أحيانا كيف ان هؤلاء المخترعين رغم ما أحدثوه من ثورة في الحياة اليومية للبشر لم ينالوا حظهم من التقدير.
ويتندر البعض بالقول ان ارتباط لاري بالكمبيوتر وعلومه له «أسباب جينية» خاصة انه تفاعل وتعامل مع الكمبيوتر منذ الصغر، فوالده كارل الاستاذ بجامعة ميتشغان كان من أوائل من درسوا علوم الكمبيوتر كما ان والدته غلوريا التي كانت تعمل كمستشارة في أمور القواعد المعلوماتية تحمل درجة الماجستير في علوم الكمبيوتر. وحسب وصف لاري فإنه لم يدفع الى هذا العالم ولم يتعرض لأي ارغام «إنني عشقت الكمبيوتر بالفعل.. وأصبحت أول تلميذ في مدرستي الابتدائية يسلم واجبه المنزلي مكتوبا بالكمبيوتر». وقد درس لاري الهندسة في جامعة ميتشغان بمدينة آن آربور، وخلال دراسته الجامعية اكتسب خبرة كبيرة - حسب وصفه - في التعامل مع الآخرين، وفنون القيادة من خلال الانشطة الطلابية ودورات تدريبية متخصصة. ثم جاءت خطوة التوجه الى الغرب الاميركي، ودراسة الدكتوراه في ستانفورد. وقد شاءت الاقدار ان تكون هذه الخطوة في منتصف التسعينات والتقى بشريكه سيرغي وحدث ما حدث. ولا ينسى لاري عند حديثه عن بداية انطلاقته ان يذكر بالخبر اساتذته الذين تحدوه علميا وشجعوه على قبول المخاطرة الفكرية من أجل التوصل الى استنتاجات جديدة في عالم الكمبيوتر، وعلم المعلومات. وجاءت «غوغل» تجسيدا لهذا التحدي وهذه المخاطرة.. «غوغل» المحرك البحثي الذي يستطيع ان يجد معلومة ما وسط كوم ضخم من المعلومات.
وتقدر ثروة بيج بـ 18.6 مليار دولار، وبالتالي يأتي في المرتبة 33 في قائة أغنى الاغنياء لمجلة فوربز بعد شريكه برين مباشرة.

أنفاس- لقد بنت جماليات التلقي - وهي النظرية التي احتفت بالقارئ وجعلته شرطا أساسا في تشكل المعنى وانبثاقه من سيرورات استقبال النصوص - كل تصوراتها على فكرة " التجسيد" (concrétisation). وأساس هذا التجسيد وجود بياضات نصية يقوم القارئ بتحيينها من خلال الربط بين ذاكرات متعددة لعل أهمها ذاكرات النص والمؤلف والقارئ. وهي المعادل لما يطلق عليه في نظرية التأويل، بتوجهاتها المختلفة، القصديات المؤسسة للمنابع الأصلية للدلالات التي يمكن أن تكشف عنها القراءات المتنوعة للنص.
إن " التجسيد" على هذا الأساس، هو أصل التمثيل وأصل التلقي وأصل التأويلات الممكنة للنص أيضا. فالقراءة، في البداية والنهاية، هي استثارة لتجارب ممكنة من مصادرها ذات القارئ، وليست تحيينا لدلالة مدرجة بشكل قبلي في النص على شكل رؤية خاصة بالمؤلف وحده. إن الأمر يتعلق بشيء آخر غير ما تحيل عليه الفكرة الساذجة القائلة بوجود معنى مودع في العمل الفني على شكل سر لا يعرف مصدره وفحواه سوى صاحب هذا العمل، ( ما كان يعبر عنه قديما وربما حديثا أيضا ب " المعنى موجود في نفس الشاعر").
إن " البياض" و"اللاتحديد" و" ممكنات التمثيل" ليست بديلا للنص، وليست معادلا لهوى يتحقق ضدا على " أصل ثابت" يكشف التجلي المشخص عن بعض مظاهره، أو توحي به حالات التمثيل الخطي. إنها على العكس من ذلك " نفخ فيه من روح الناقد" أو " تضخيمه " من داخله من خلال الإحالة على ذاكرات مستترة، أو الكشف عن قصد يتوارى في حواشي الوقائع الناقصة، أو من خلال لاوعي يختفي في التفاصيل والجزئيات التي لا تطالها عادة عين الرقيب. ليس للنص بديل سوى ذاته، والقراءة لا تعيد إنتاجه، بل تدرجه ضمن سيرورات تأويلية ستكشف عن حالات المتعة كما يمكن أن يستشعر أسرارها قراء قد يختلفون في كل شيء.
ويشير هذا المبدأ، الذي برعت نظريات التلقي في الكشف عن مستوياته وأبعاده الجمالية والفلسفية، إلى دور القراءة في تحيين المضمر والممكن والموحى به استنادا إلى معطيات النص، واستنادا إلى تجارب الذات القارئة واستنادا أيضا إلى غايات أخرى صريحة ومبهمة بؤرتها الذات التي تنتقي وتقصي وتضَمِّن وتصرح لكي تبدع. وفي جميع هذه الحالات، فإن الأصل في بناء نص ما هي اختيارات تتم داخل موسوعة ممتدة في كل الاتجاهات. فقيمة الموضوع الفني مستمدة، في جزء كبير منها، من القدرة على خلق سياقات مستقلة تتمتع بالوحدة والانسجام في البناء وتنويع الآثار المعنوية. إن "لحظة الاختيار" هي بؤرة الإبداع وليس الإحالة على كل ممكنات اللحظة الموصوفة. إن حرية الفن ليست هي الحرية التي يوفرها الحديث اليومي، فالحديث سجية ممتدة في كل الاتجاهات، أما الفن فبناء يستدعي أولا وآخر، ويستدعي حسما في الإثبات وحسما في الإقصاء والاستبعاد أيضا.

أنفاسفي أيامنا هاته أصبح الناس يشككون في جدوى وقيمة التراسل بالبريد العادي، ومبررهم في ذلك أن انتشار الشبكة العنكبوتية "الانترنيت" والهواتف النقالة سهل على الناس إمكانية التواصل بشكل أفضل، وأسرع، وأنجع مما كان عليه الأمر فيما مضى من الزمن، وهو ما يقضي بالضرورة على التواصل الكلاسيكي الذي كان محققا بالتراسل العادي. إن هذا الخطاب الذي قرع أجراس نهاية الإنسان الذي كرس واقعها في وقت من الأوقات، يجعلنا نستوقف الفكر عند لحظة استفهامية أساسية وهي: بأي معنى نفهم نهاية التراسل؟ ألا يستتبع هذا القول الحكم بموت إنسان التراسل، وليس التراسل وحده؟ وبعبارة أخرى، إلى أي مدى حررت الانترنيت والهواتف النقالة إنسان هذا الزمان من قيم التواصل الكلاسيكي بالتراسل؟
نحتاج لمعالجة هذا الإشكال الانكباب على تجلية الأبعاد التي تنطوي عليها موطنات الفتح الجديد، في خطوة أولى، وفي خطوة ثانية، سيكون من الضروري تعميق النظر حول الحياة الفعلية لموت المراسلة الكلاسيكية.
1- الانترنيت والهاتف النقال: أهما فتح جديد؟
أي فتح أكبر من الفتح الذي وطدت أقدامه الشبكة المعلوماتية والهواتف النقالة التي غزت مختلف أوجه الفعل الحياتي بالنسبة إلينا، حتى أكثر الأشياء حميمية والتي تمسنا في صميم وجودنا؟ يبدو الأمر في الظاهر فتحا وهو في الحقيقة غزو، لأننا لم نستشر في رغبتنا في توطين هذه التقنيات الجديدة في التواصل، والحمولة العنفية التي يحويها "الغزو" تحيل على إمكانية تهديد وجود إنسان حامل لقيم ومسلكيات في النظر إلى ذاته، وإلى العالم، وإلى الآخر، تماما كما حدث مع الصحون المقعرة، فبمجرد أن ظهرت صيرت المغاربة غرائز بلا ضمائر، ودون أن تكون لهم الحصانة الكافية لدفع خطر التخدير الذي تمارسه عليهم، وهم في وضعية استلاب شبه مطلقة.

أنفاس"إذا كنت لا تقرأ إلا ما يُعجبك فقط ، فإنك إذاً لن تتعلم أبداً"....!
الكتابة صناعة يراد بها التعبير عن الخواطر والمحسوسات ، بوضع صحيح وأسلوب صريح ، وهي ذات ثلاثة أركان : الخاطر المراد إيضاحه ، وهو الإنشاء ، والوضع الذي يبدو به ذلك الإيضاح ، وهو البيان ، والكيفية التي يحصل بها ذلك ، وهو الأسلوب ، بحيث تكون الكتابة كما يقول المتخصصون هي الكلام المطلق المرسل من القريحة بلا كلفة ولا تصنع ، والكتابة - كما قيل - هي عشق لا شفاء منه ، أو كما قال أحدهم : هي جنة عذاب ، والمناسبات التي يمكن الكتابة عنها كثيرة ومتنوعة، لمن أراد ان يكتب و يتناول موضوعا اجتماعيا أو سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا ، أو يكتب عن شهر الصيام أو العيدين أو اليوم الوطني .. إلى آخره، أو عن الجرائم التي تحدث وتعكر صفو الأمن ، و تهدد الوحدة الوطنية أو تبث روح الشقاق في المجتمع ، والمطلوب من الكاتب - أياً كان تصنيفه - أن يقدم مادة مكتوبة بأبسط لغة ممكنة ، حتى يقرأها ويفهمها ويتعامل معها الأكثرية من القراء ، لا أن يقدم مقالا (مسلوقا) ، ويتحول إلى مهرجاً يرتدي ثوب الأدب والعلم والثقافة ، فالبلاغة في الكتابة كما قالها توفيق الحكيم ) هي ما فهمته العامة ورضيت به الخاصة) ، أو كما قال ( الميداني) : خير الكلام ما قلّ وجلّ ودلّ ولم يملّ ، أو كما قال الجاحظ : أفضل الكلام ما كان قليله يغني عن كثيره ، ولا شك أن كل جهد بشري قاصر ، كما ان الكاتب الذي لا يتعمق غوصاً في قاع المجتمع ، لمعرفة مشاكله وهمومه  ويحاول حلها ، لا يساوي ثمن حبر القلم الذي يكتب به ، كما ان الكاتب الذي يستخدم لغة (مقعرة ) تستعصي على القارئ العادي ، فهومهرج يحاول أن يكتب أي شيء ، لأن الكتابة الهادفة تحاول تغيير سلبيات واقعة , عبر الاستنارة والتحرر, وهذه المهمة الأصيلة ليست للمهرج الذي يدّعي شرف الفكر والثقافة ، لأن من يدّعيها يمكن أن يكون أي شيء, ولكن ليس مفكراً أو مثقفاً طليعياً ، وتقول الحكمة العربية:
وما كل من هز الحسام بضارب**ولا كل من أجرى اليراع بكاتب...!
ان صناعة الإعلام في فترة التحديث والتجديد قد شهدت ثورات عديدة متنوعة الأساليب والأشكال والمضامين. والعامل المشترك الذي ميز هذه الثورات جميعاً "الصحافة المكتوبة والمذياع والتلفاز والتلغراف والتلكس والهاتف وغيرها" هي أنها تشكلت وتطورت ببطء بشكل جعل استيعابها أكثر نجاعة ومكّن الهيئات والجهات المسؤولة ضبطها بمعايير واضحة، وتحديد وتقنين استعمال عامة الناس لها بشكل لا يهدد ثبات ورسوخ سيطرة تلك الجهات ولا يساهم بتهديد ونسف بديهياتها من ثوابت اجتماعية وأخلاقية وأدبية.