ABSTRAIT-5" السياسة عبارة عن بناء...وهي المكان المفضل الذي يأوي الجميع على قدم المساواة"[1]
من نافل القول أن غالبية السياسيين اليوم لا ينحدرون من نخب أكاديمية حاصلة على تكوين مميز وثقافة عالية ومعظم الذين ينتجون خطابا سياسيا لا يحوزون على زادا علميا كافيا في السياسة وإنما لهم خبرة في المناورة وافتكاك المواقع والهيمنة على مصادر القرار ويعتبرون أنفسهم غير محتاجين الى المطالعة وتثقيف أنفسهم لمخاطبة الجمهور. وقد ترتب عن ذلك تلويث الحياة السياسية بممارسات غير ثورية  وتوجهات اصلاحية وتنفير الناس من التحزب السياسي وتزييف الحقائق والتفنن في اطلاق الوعود الكاذبة وفي التنصل من طموحات الجماهير وتغطية الواقع بمعسول الكلام وجمل انشائية رائعة وصور تخييلية مقرصنة من المدينة الفاضلة وجمهورية أفلاطون وغير قابلة للتحقيق. هكذا تعاني السياسة في هذا الزمن الانتقالي العصيب من مرضين أساسيين: الأول هو نفور  السياسيين من الحكمة العملية والأخلاق والالتزام وجنوحهم الى البراغماتية والميكيافيلية واستعمال السفسطة والمغالطة والكذب والقوة والتحريض على العنف واستغفال الجماهير واستبلاه العقول. المرض الثاني هو ابتعاد الناس عن الفكرة الجديدة ونفورهم من التحليل الرصين والخطاب العقلاني والبحث العلمي واللغة الموضوعية والمشاريع غير المألوفة وكرهم التنظير والتوجه نحو الفكر وتفضيلهم الممارسة المباشرة واستهلاك البضاعة الصحفية المتداولة والرأي السائد وتلقي الخطاب المألوف وايثار التحليل السهل الممتنع والتصور البسيط الساذج.

revolution" التثوير revolutionnarisation هو أن نكون قادرين على استكمال المسار الثوري بالوسائل الثورية المتاحة وعلى السماح للثورة الثقافية بأن تتجدد"
اذا كان الاحتدام بين الطبقات الاجتماعية المسيطرة والمسيطر عليها يصل أوجه في ثورة الجماهير التي تمثل ارادة الشعب في قهر الظلم والعصيان المدني المتواصل وتجد في القرار الجماعي بفك الارتباط مع الدولة ترجمتها الفعلية في الواقع الموضوعي فإن احياء الفعل الثوري من طرف القوى المناضلة واستعراض القوة الشعبية بدفع الصيرورة الثورية الى الأمام وإعلان الثورة العقلانية الأخلاقية على الجهل والتعصب والفساد والاستغلال هو التطور التاريخي لهذا التناقض الأبدي بين قوى الشر من كهنة رأسمال وعباد الكراسي والمتزلفين الذين لم ينتابهم النعاس من خدمة مصالحهم من جهة وقوى الخير من عمال الأرض وعشاق الكلمة الطيبة والوعد الصادق والكادحين في سبيل العدل والقسط من جهة أخرى.

2386238389نشير في البداية إلى أن اختيار تسمية حزب من الأحزاب ليس اختيارا عبثيا إنما يحمل تصورات و رؤى معينة لمهام الأحزاب و أهدافها كما يحمل الأوهام التي يسوق لها مؤسسو الأحزاب لكن تسمية حزب من الأحزاب لا تعكس اختيارات المؤسسين لها فحسب بل تعكس كذلك أو تعبر عما لا يعيه هؤلاء عندما سمّوا الأحزاب بأسمائها و لجهة هكذا أمر نزيد أن نهتم اليوم بما  نسمّيه البعد الإيديولوجي لتسمية أحد أهم الأحزاب في الائتلاف الحاكم في تونس نعني بذلك حزب " حركة النهضة " التونسي هدفنا في ذلك الكشف عن إرادة الإيهام في مثل هكذا تسمية و لكن كذلك ما تنطوي عليه التسمية من معاني و دلالات خفية  تتعلق أساسا بالصراعات الاجتماعية الطبقية في تونس و بلدان ما يعرف بثورات الربيع العربي . من أجل ذلك نسعى في هذا المقال إلى تحديد دلالة " النهضة " و تاريخية هكذا مفهوم في علاقة بالشروط الاجتماعية و التاريخية  التي نشأ فيها ثم نتساءل عن العلاقة بين مفهومي " الثورة " و " النهضة "    و بيان أسباب صعود إيديولوجيا "الإسلام السياسي " في الوقت الراهن منهين المقال بالنظر في علاقة " الثورة " بــ " الفكر الثوري " .

abstraitربما حرية التعبير من أكثر القضايا الحيوية والشائكة في التأريخ الإنساني. وعلنا نجانب الصواب إذا قلنا أن نظم الحكم في العالم قد تطورت تبعا لتطور مفهومها، فكلما اتسعت مساحتها أزدهرت بطرح أفكار جديدة ورؤى جريئة تستحث الجدل الفكري لإنتاج معرفة نوعية. وفي يومنا هذا باتت حرية التعبير جزءا لا يتجزء من حقوق الإنسان، الإنسان العالم والآخر الجاهل، الضال والمضَلِل، المركب نفسيا والمعافى، المتشكك والمتيقن، المؤمن وغير المؤمن، الأسود والأبيض والأصفر..الخ. فعلى مستوى الأفراد يكون انتاج الغث متوقعا كناتج عرضي لا محال تحت مظلة حرية التعبير مثل انتاج السمين. أما على مستوى المؤسسات الدينية أو السلطات، فهي مطالبة أكثر من الأفراد وبما يمليه عليها الدين نفسه، بالتعبير عنه والتفقه فيه، عن الرسل والأنبياء، عن رموزه وأبطال تاريخه وعن كافة قضاياه وشؤونه، بحرية مسؤولة تحترم عقل الإنسان بما لا يوقع الضرر بالمجتمع أو يقود الى تضليله أو تجهيله.

6719668-m-tal" ان اهتمام الناس في وضعيات الطغيان والاضطهاد هو أن يكونوا في صيرورة ثورية بشكل فعلي، لأنهم لا يملكون فعل أي شيء آخر"[1]
لعل تقسيم الخارطة السياسية الى يمين ووسط ويسار هو مسألة ضاربة في القدم ووجدت منذ تشكل التاريخ البشري وانقسام المجتمع الى طبقة حاكمة ومعارضة وسواد أعظم ولكن البداية الفعلية للتسمية كان إبان الثورة الفرنسية وجلوس المحافظين المؤيدين للحكم الملكي على اليمين وتركز أنصار الثورة من الجمهوريين المؤيدين للفصل بين الكنيسة والدولة على اليسار.

وقد تواصل الأمر بهذه الطريقة الى حد الفترة المعاصرة وارتبط اليمين باقتصاد السوق والليبرالية والنضال من أجل الحرية في حين التصقت باليسار شعارات الاشتراكية والبيئة والعمل النقابي والنضال الاجتماعي والحركات الاحتجاجية ومناهضة العولمة والمساوة والعدالة الاجتماعية وإيقاف الحروب والدعوة الى التسامح والالتزام بالسلم الأهلي.

revo-arabe" البناء الثوري هو من صنع حشد من الناس البسطاء. ومهمتنا هي أن نطور ما لدى كل واحد فيهم من خير ونبل، وأن نجعل من كل انسان ثوريا." - تشي غيفارا-
الكتابات النقدية المعاصرة تحاول أن تملأ الفراغ وتفهم لغة الشباب الثائر وتنصت الى الرأي العام وأن تتحدث على نوع من الثقافة الثورية وترى في المثقف العربي هو الضامن لحماية الثورة العربية من الدهاء السياسي وتعتقد أن العرب مازالوا يكررون ما قاله الغزالي و ابن رشد من جهة التراث وما قاله ماركس وسارتر من جهة الحداثة وبالتالي تقر بأننا في انتظار فلسفة عربية تواكب هذا الزمن الثورى العربي وتؤرخ له مفهوميا. لعل المرحلة الأخرى من العمل الفكري والتأصيلي للثورة تحتاج الى مقاربة لمسالة الهوية من منظور مركب وكوكبي وفيه ردّ على مسألة التحديات العولمية التي تعيشها المنطقة العربية زمن الربيع العربي وتثمين لمسألة السيادة الوطنية.

habermas-20" الديمقراطية هي مرادفة للتنظيم الذاتي السياسي للمجتمع"[1]
لعل الهاجس الأكبر للفيلسوف الألماني يورغن هابرماس هو اعادة بناء نسق الحقوق ومنظومة المواطنة المعاصرة بحيث يخلصها من القيمة الإستعمالية ويمنحها قيمة تداولية ويتجاوز الهوة التي تفصل الملكية الخاصة مع حرية المجتمعات ويتخطى التوتر القائم بين حقوق الانسان وسيادة الشعوب. وقد ترتب عن ذلك تدشين حقبة جديدة يلعب فيها الباراديغم الاجرائي[2] دور البطل في المشهد السياسي مع الحاجة للاستنجاد بإتيقا المناقشة والكليات التواصلية التي وقعها بنفسه في الفضاء العمومي والعقل التواصلي.

3inayaفي تسعينيات القرن الماضي، وفي غمرة الأجواء المشحونة بالتوتر السياسي، لما أحكم الطغيان حصاره على شعبَ تونس، تخلى شقٌّ واسع من المثقّفين عن أدوارهم وانخرطوا في آلة القمع الغاشمة: فكان أن كوفئ البعض منهم بمهام الوزارات والسفارات، وآخرون بالتصعيد إلى البرلمان، وغيرهم بتوكيلهم شأن المنابر العلمية والإعلامية والأكاديمية، على أن ينضم من قَبِل العطية إلى جوقة العمل من أجل اجتثاث كل نفس ديني وعروبي ووطني من التونسيين، بدعوى قطع دابر الإسلاميين؛ ولكن مقابل ما أُجزل للمثقفين العائمين من وافر العطاء، انتزع منهم وكيل نعمتهم مبادئَهم، وصادر فيهم ما تبقى من رجولتهم.