anfassa01073على سبيل التمهيد :
إن إثارة موضوع الحريات الفردية عامة، وحرية المعتقد خاصة في مجتمعاتنا الإسلامية لا يمكن تصنيفه في باب الترف الفكري، أو مضيعة الوقت، بل إنه ضرورة ملحة تدخل ضمن سيرورة بناء المجتمع. وأحيانا لا يكون البناء إلا عبر الهدم، هدم الأفكار والمقولات الجاهزة التي تستولي على القلوب والعقول .
نعتقد أن بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي يقتضي الدفاع عن حقوق الإنسان، والعمل على احترامها. وقد ينازعنا البعض في مشروعية طرح هذا الموضوع لاعتبارات عدة يمكن إدراجها تحت مسمى "الوصاية" سواء الفكرية أو الدينية أو الاجتماعية. وحتى نبسط الإشكال بوضوح، ويسهل علينا وعلى القارئ تتبع الخيط الناظم للموضوع، سنسترشد بالتساؤلات الآتية :
 ما المبررات التي تضفي المشروعية على إثارة موضوع كهذا في مجتمعاتنا التي تعيش استبدادا سياسيا وأزمات اقتصادية واجتماعية؟ ثم هل ينبغي فعلا الدفاع عن حرية المعتقد؟ ولماذا؟ وهل انتصر الإسلام، فعلا، لحرية المعتقد؟ ماذا بشأن الأحكام الفقهية التي توجب قتل المرتد في الإسلام؟...هذه إذن ثلة من الأسئلة التي نروم في هذه الورقة تسليط الضوء عليها، ومناقشتها بغية بلورة إجابة تظل بدورها قابلة للنقاش.

anfasse24063تسارعت , كما نعلم , خلال شهر نوفمبر 2015 وتيرة العمليات الإرهابية ـــ و التي تسميها الجهة التي تتبناها عمليات جهادية أو استشهادية ــ خارج الخارطة الجيوسياسية المعروفة منذ التدخل الأمريكي في أفغانستان و العراق حيث برزت القاعدة في المشهد بداية و تلاها بروز ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية بالعراق و الشام (داعش) لاحقا ليشمل سوريا ثم بقية العالم . فمن بيروت , مرورا بباريس و باماكو و تونس العاصمة ,و أخيرا داخل الولايات المتحدة الأمريكية ,و يبدو أن القائمة مرشحة للازدياد , خلفت هذه العمليات مئات القتلى و الجرحى بين المدنيين خاصة ,مثيرة مشاعر الأسى و الهلع و ردود أفعال سياسية عالمية , الأمر الذي يستنهض من جديد التساؤل و الجدل حول هذه الظاهرة بين عموم الناس و لكن كذلك بين صفوف الدارسين و المحللين و المفكرين و الفلاسفة مثلما وقع بعيد تفجيرات 11  سبتمبر 2001 الشهيرة  حيث شملت العمليات الإرهابية لأول مرة الدولة التي يعتقد , إثر انتهاء "الحرب الباردة" أنها القوة العظمى في العالم  .

ــ الفلسفة كتفكير في الراهن أو كانطولوجيا للزمن الحاضر:
من المعلوم أن هيغل اعتبر أن قراءة الصحف هو من بين الأمور التي تميز إيقاع العصر الحديث , كونها تهتم بالراهن.لكن اهتمام الفيلسوف بالأحداث الراهنة المعاصرة له تختلف عن اهتمام الصحفي بالأمر. و وجه الاختلاف يتمثل أساسا في عدم الاكتفاء بنقل الحدث أو المعلومة بلغة الحياة اليومية التي تثير صعوبات أكثر مما تقدم توضيحات ,بينما المطلوب التفكير في الحدث نفسه من خلال مفهمته , أي طلب ما هو كلي في الجزئي .هكذا كان الأمر مع كانط حينما قدم إجابة عن سؤال: ما هو عصر الأنوار ؟, ذلك النص الذي اعتبره فوكو فاتحة للفلسفة كتفكير في الراهن أو كانطولوجيا الزمن الحاضر,حيث قدم كانط مفهوما  لعصر معين هو عصر الأنوار أي محاولة لعقلنة الأمر على نحو فلسفي كلي.مثل هذا الأمر قام به كارل ماركس كذلك في  " 18 برومير"  حيث أخضع أحداث ذلك التاريخ للتحليل المادي التاريخي الذي أسس له في "الإيديولوجيا الألمانية" .

anfasse10073تتنازعنا المخاوف و تلتحفنا الهواجس ، و نرابط مكاننا علنا نجد السلوى و الأمان ، و ترمح في دواخلنا المزيد من أنواع الرهاب ، و تتراءى لنا مقولة الأمن شطحة من شطحات الخيال ، و لعلها في أحسن الأحوال صنعة يعتاش بها النظام السياسي و الاجتماعي ، و لا يأبه بارتداداتها المتعلقة بالاقتصاد النفسي الذي يحفز الذات على إنتاج السلبية و العدمية و الاستقالة ، تتحول بموجبها الوطنية إلى إحساس عابر تغيب فيه القدرة على التضحية ، و تزف فيه ساعة الموت الحضاري .
    تستمد السلط النامية كينونتها من الطاعة و الإذعان ، و من اقتصاد الخوف على الشرعية و المشروعية سواء بسواء ، و تبرر القول و اللجاج بالخوف من الفتنة لدرجة تحولت معه السلطة إلى فتنة ، تسور ذاتها بالسيف و تستقوي على الاختلاف بالآرية و الشرف و نبالة الدم ، و تغد السير قدما نحو إنتاج و إعادة إنتاج الإدماج بمفهوم الصهر و التذويب ، و إحلال الفزاعات البشرية محل الذوات و الكائنات النوعية .
الأرجح أن الخطر الحقيقي لا يكمن في الاستبداد نفسه ، بقدر ما يتمثل في مناورات إخفائه لتمييع مواجهته و التسليم بخيرته ، و تأجيل لحظات الانتقال ، فلا السلطة  تملك ناصية إنتاج ذاتها ( تنميتها ) ، و لا المجتمع قادر على تجاوز أزماته ، لتنحل المسألة تدبيرا للأزمة ، و تعميقا للعطل الحضاري الشامل ، لترتد العملية في محصلتها النهائية العجز عن التفرقة بين ضرورة الاستبداد سواء كان مستنيرا أو طاغيا ، و مضاعفاته الخطيرة .

anfasse27052لا مندوحة عن التأكيد على مصاحبة الأديب الجزائري وظيفيا  للثورة التحريرية في خمسينيات القرن الماضي، وإسهامه في قتال المعنى برصاص الكلمة الذي لا يدنو في شيء قيمة عن قتال رصاص النار التي كانت تحرق الوجود الوطني في بعده المادي، واقتضت طبيعة الانبلاج القطري المستقل العسيرة، عقب اندحار الإرادة الاستعمارية على الأرض أن يتواصل هذا التلازم الوظيفي ويستمر في شتى قلاع وصنوف الابداع، وينخرط في سجالات المشروع الوطني وأسئلته الاستشكالية الكبرى، اللغة، الهوية والأحادية، وهنا ارتسم الشرخ مسار الأفق المنشود بين الأديب والسلطة خطابا وممارسة، وحاول كل منهما توظيف الثاني في غير ما محطة من محطات التفاعل الوطني سياسيا وأمنيا، وإذا كانت طبيعة الصدام بين الأديب والسلطة قد تجلت ملامحها عبر كامل مسار التجربة القطرية الاستقلالية مذ لاحت علامات الدخول في مشروع المجتمع "التلفيقي" للسلطة، الذي استثار كل المشارب والمذاهب الفكرية والفلسفية عبرت عنها كتابات وإبداعات صارخة بالسخرية من الواقع المبهم والقادم القاتم الذي تنبأت بفشله وانفجاره، وخير ما جسدته بهذا الخصوص رواية الزلزال للراحل الطاهر وطار  لتعرف فترة الانهيار الكبير للمشروع الوطني "التلفيقي" فيما عُرف بالعشرية السوداء والذي أوشك أن ينهار معه البلد بكليته، ومعها برز ما عُرف بأدب الاستعجال، إسهال غير مسبوق للخيال الفني لجيل مصدوم من الواقع الدم استهوى غواية الكتابة من موقع الهواية، فوسمت إنتاجه رداءة فظيعة ومهولة على صعيد قيمة المنتج الإبداعي في ساحق غالبيته، لكنه شذ في تجربة الدم تلك كلية عن مسار اليسار الأول بحيث اصطف مع السلطة في مواجهة الإعصار الظلامي كما سماه الناقد المغربي نجيب العوفي.    

anfasse25050    إن الناظر للتنظيم المجالي المغربي ، يلاحظ نزوعا نحو تقعيد ممارسة تبتغي الحكامة الترابية ، و تهفو إرساء مجال أقرب إلى التجانس ، ساعيا إلى ضمان قدر كبير من المرونة على آليات الرقابة و التدبير ، و " توريط " الفاعل المحلي في إدارة مجاله الخاص ؛ فالمتتبع لمختلف التقسيمات التي عرفها المغرب سواء في ظل الحماية التي قسمت المجال المغربي إلى مناطق عسكرية و أخرى مدنية ، بهدف تأمين مراقبتها للبلد ، دون أن تعير اهتماما للاعتبارات الاقتصادية التي تنبني عليها سياسة إعداد التراب الوطني ، مرورا بتقسيم Célérier سنة 1948 ، و الذي استهدف تجميع الوحدات المجالية ، وصولا إلى تقسيم 1971 الذي قسم المغرب إلى سبع جهات ، و قرر تطبيق الجهوية باعتبارها أداة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية من أجل تحقيق تنمية متوازنة لمختلف أجزاء المملكة ، و أمام عدم قدرة هذا التقسيم على تجاوز  إكراهات المجال و القضايا التنموية المتعلقة به ،رفع دستور 1992 الجهة إلى مؤسسة دستورية ، و أمدها ظهير 1997 بإمكانات مادية و مالية من خلال سياسة اللامركزية في بعدها الجهوي ، ( قانون تنظيم الجهات 96ـ 46 في أبريل 1997) ، حيث أصبح للجهة كيان مستقل يتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي ، بالإضافة إلى اختصاصات قانونية و تقريرية و استشارية .

Ianfasse08041.    التنمية من مطلب شعبي إلى حق إنساني ومسؤولية الدول بهذا الخصوص:
لقد جاء إعلان الحق في التنمية سنة 1986، ليقطع بشكل تام مع ماض كانت فيه المطالبة باحترام حقوق الإنسان مرتبطة بشكل مباشر بالاستقطاب السياسي الحاصل في العالم بين المعسكرين الشرقي والغربي إبان الحرب الباردة، حيث لعبت ورقة حقوق الإنسان دورا بارزا في تلك المواجهة، واقتصرت المطالبة باحترامها على الحقوق السياسية أكثر من غيرها، بينما غابت حقوق الشعوب في التنمية والعيش الكريم وحقوق الأجيال القادمة في تنمية مستدامة تكفل لهم فرص العيش مستقبلا.
هذا الإعلان العالمي للحق في التنمية عُرّف حينها، بكونه مسارا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا شاملا يهدف الى النهوض التدريجي بمستوى رفاهية الناس اعتمادا على مشاركتهم الفعلية والحقيقية الحرة.
لم تعد التنمية مطلبا شعبيا كما كانت في السابق بل أصبحت بموجب هذا الإعلان حقا لكل البشر، لذا فان موافقة الدول النامية على مضامين هذا الإعلان تعني انها أصبحت مسؤولة أمام شعوبها عن تحقيق التنمية والقيام بكل ما من شأنه المساعدة على إنجازها وتطوير مستواها من إجراءات واصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية.

Anfasse25041   تعد مجلة" لاماليف" بحق مرجعا سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا، لفترات مهمة من تاريخ المغرب، وبداية لأهم المثقفين و المبدعين الذين يملؤون حياتنا الثقافية ( كعبد الله ساعف مثلا) ،و السياسيين الذين يسيرون الشأن العام ( كفتح الله ولعلو و الحبيب المالكي ) و للذاكرة .سأحاول أن أسلط الضوء على هاته التجربة الصحفية في هاته الأسطر . مجلة " لاما ليف" مجلة مكتوبة باللغة الفرنسية ،ظهرت يوم 15 مارس 1966 بالمغرب تحث إدارة محمد لغلام و أوكل رئاسة تحريرها لزوجته "جاكلين ديفيد "المعروفة باسم زكية داوود المجلة صادرة عن" لغلام برس".
دلالة الاسم
"لاما ليف "كلمة مكونة من حرفيين عربيين يشكلان "لا" ،وهي فكرة زوج زكية داوود محمد لغلام الذي وافته المنية مؤخرا ، مما يحيل على موقف المجلة و انتمائها للمعارضة المغربية،سعيا منها لتجاوز الحاضر لفهم الماضي و  المستقبل و إعطاء نظرة عن الرغبة في العطاء و البناء، و ذلك ما عبرت عنه المجلة في افتتاحية عددها الأول.
فالمجلة كانت ترمز للرغبة في التغيير، و تعتبر أن كل شيء لابد أن يكون موضع تساؤل في ذلك تقول زكية داوود في حوار لشبكة الصحافة العربية " نحن نعيش في مجتمع يتظاهر بالأشياء و نحن نرفض أن نرضخ لهذا المنطق ".

Anfasse25038عرف المغرب عدة حركات احتجاجية،مارس 1965،يونيو 1981،يناير 1984،دجنبر 1990،هذا دون ذكر حالات التوتر و العنف التي عرفتها عدة مناطق مغربية.
استحضارنا لانتفاضة مارس1965،نروم و نسعى من خلاله إلى تقديم أجوبة،و لو مرحلية و مؤقتة على بعض الأسئلة التي تهم المجتمع العام و قضاياه.سنحاول تقديم قراءة تركيبية،تلملم شذرات هذه الانتفاضة،و تغوص في خفاياها،و تستنطق مسكوتاتها.
و من هذا المنطلق يظهر أنه من الضروري طرح بعض الأسئلة التي تفيدنا على مستوى التحليل،من قبيل:ماهو سياق بروز انتفاضة 23مارس؟ من هم الفاعلون فيها؟ماهي شعاراتها؟كيف تعامل معها النظام السياسي؟ماهي إفرازاتها؟ما دلالاتها و آليات فعلها و انعكاساتها البعيدة المدى؟

1-    السياق التاريخي:الظرفية السياسية و ملابساتها.
إن انتفاضة 23مارس 1965 كانت وثيقة الارتباط بمختلف الأزمات و المشكلات التي واجهت المجتمع،و ما هي إلا نتيجة موضوعية لسلسة من الإخفاقات و الصراعات السياسية التي بصمت علاقة القصر بأحزاب المعارضة و جيش التحرير.
الإسقاط التدريجي لحكومة عبد الله إبراهيم
فيكفي أن نعرف أنها جاءت في أعقاب الإقالة المفاجئة لحكومة عبد الله إبراهيم(من 4 دجنبر1958 إلى 21 ماي 1960)،و هي الحكومة التي كانت ذات توجه واضح نحو التصنيع،لذا انصب اهتمامها على بناء مؤسسات وطنية قادرة على تصنيع المواد الأولية المتوفرة،و عن معادن و مصادر الطاقة،و توفير وسيلة لضمان التزود بالنفط في أفضل الشروط الممكنة.
و تمكنت الحكومة  في المجال الفلاحي من استرجاع الأراضي التي اغتصبها المعمرون و توزيعها على صغار الفلاحين.