anfasse16044يستمر الروائي، الفنان  والسيناريست المغربي عبد الرحيم بَهير في تشييد عالمه السردي لبنة لبنة فبعد كتاب سيناريو عدد من المسلسلات التلفزيونية والسينمائية التي قربته أكثر لعامة الجماهير  منها سيناريو  مسلسل  دوايـر الزمـان، 2000، وقبله بسنة مسلسل أولاد النـاس سنة  1999 فسيناريو سلسلة بسمة ، إضافة إلى كتابة سيناروهات بعض الأفلام السينمائية المطولة كفطومة ، والطيور على أشكالها تقع ، وشهادة حياة ، وعودة عزيزة...
وبعد عدد من الروايات التي تغوص بالقارئ في عوالم المغرب بمنظور وجودي يقارب تيمات الموت والحياة، الواقع والخرافة ، تداخل المتخيل بالسيرة والواقع التاريخي .. منها  رواية "الفقدان" الصادرة عن دار قرطبة البيضاء 1993 ورواية "المرأة التي"  الصادرة عن نفس الدار سنة 1995، ورواية "مجرد حلم" الصادرة عن دار الثقافة مؤسسة للنشر والتوزيع البيضاء 2004 ورواية "صلواتهم" عن دار القرويين الدار البيضاء 2007، قبل أن يتعامل مع مؤسسة الرحاب الحديثة اللبنانية في روايتين هما  "زحف الأزقة"  2014 ورواية  "طقوس العبث"  2016. ليعود متم سنة 2016 للتعامل مع دار نشر مغربية من خلال روايته الجديدة (جبل موسى) التي انضافت إلى سلسلة عقده السردي  في دجنبر 2016 بدعم من وزارة الثقافة المغربية. وهي من الروايات العربية القليلة التي تشد أنفاس القارئ، إن ابتدأ قراءتها، وتحتم عليه تعليق مشاغله وتأجيل التزاماته إلى أن يلتهم كل صفحاتها المائة والستين، وقد تستمر هزاتها الارتدادية أياما بعد قراءتها متسائلا كيف تمكن خيال هذا الكاتب من نسج شلال من الأحداث الصادمة في قالب سردي كسر نمطية الخطوط السرية المعهودة، وقد اختار لهذه الرواية عنوان (جبل موسى)... وهو عنوان سيوحي لكل قارئ بفرضيات معينة لكن مهما سعت تلك الفرضيات الى الاقتراب مما يحويه المتن الروائي فالأكيد أن الرواية ستخيب أفق انتظار قارئها وترمي به في عوالم  صادمة وبعيدة عما كان يتوقعه...

anfasse08044يمر نقدنا لمفهوم الانزياح عبر تبني الاستراتيجية التالية:
1 ـ اعتماد النظرية التفاعلية-التشييدية بمعناها العام، وتفسير الخطاب الأدبي انطلاقا من مفهوم "صيغة العنونة" (Addressing mode) في الذكاء الاصطناعي بشكل خاص.
2 ـ نقد تصورات البنيوية الشعرية التي تعزل الخطاب الأدبي عن مختلف الخطابات ضمن ما تدعوه الخصائص المميزة.
3 ـ دمج الخطاب الأدبي في إطار نظرية الخطاب وفق مبادئ البلاغة العامة.
4 ـ تشييد نموذج للجهة البلاغية (Rhetoric aspect) تتفاعل فيه مكونات معرفية ولغوية وبلاغية، ويمثل التشاكل فيه، مبادئ التأويل وإعادة التقدير البلاغية.
ومن ثم، نتحقق في هذا البحث من الفرضية القائلة بأن الوجه البلاغي في الخطاب ناتج عن كثافة بلاغية (Rhetoric intensity)، أي يتوفر على خصائص صوتية وتركيبية ودلالية بواسطة التوسيع مثل الأوجه البلاغية الخاصة بالإيقاع أو المجاز (القافية والاستعارة)، أو بواسطة القلب كما هو وارد في بعض الأوجه البلاغية التركيبية مثل التقديم والتأخير. وقد تكون القواعد التداولية مصدرا مباشرا للكثافة البلاغية كقاعدة الاستلزام الحواري التي تجعل من الاستفهام في بعض السياقات وجها بلاغيا. وبذلك، يمكن تجاوز مفاهيم من قبيل "الانزياح" (أو الخرق) و"الأدبية" باعتبار الكثافة البلاغية خاصية معرفية-دلالية ممكنة التحيين في كل خطاب، سواء أكان خطابا أدبيا أم تاريخيا أو سياسيا…
1 ـ الانزياح:(L’écart)

anfasse02047أ ـ المنطلقات النظرية:
أ.1-القواسم الممكنة:
لا يخفي عنوان هذا المقال نية الانتماء إلى هموم جمالية التلقي الحديثة. بل يكاد يحدد أحد مناحيها الأكثر شهرة وتميزا. سنحاول الاستفادة من المفهوم العام للقراءة ثم من تطبيقات الاتجاه النصي التأويلي، الذي صاغ فولفغانغ إيزر مبادئه العامة(1)، مستثمرين المناسب من كل ذلك في قراءة الشعر العربي القديم، من جهة، ومساءلة الخطاب الوصفي الدائر حوله، أي البلاغة، من جهة أخرى: ما مدى اهتمام هذه البلاغة بالقارئ بمفهومه النصي، وما الدور الذي أنيط به في تفعيل النص الشعري؟ وذلك كله في حدود ما تناله الطاقة وتسمح به المناسبة انطلاقا من مبدأ منهاجي عام ما زال اقتناعنا به يتأكد وهو اعتبار النص منطلقا والمرسل والمتلقي، وكل ما يتصل بهما، امتدادا. وسيكون المحاور الأول من التراث العربي في هذه المناسبة هو عبد القاهر الجرجاني.
إذا كان تعامل جمالية التلقي مع الشعر القديم لا يثير إشكالا مبدئيا من الوجهة المنهاجية (وقد يثيره عند التطبيق لاختلاف الاجتهادات)، فإن البحث عن دعم بلاغي لهذا التناول قد يثير الاعتراض مبدئيا ومن أول وهلة، خاصة إذا نظرنا إلى جمالية التلقي من خلال أدبيات النشوء، باعتبارها ثورة على نمط التأويل الكلاسيكي)، وسيزيد الأمر تعقيدا إذا قايضنا الكلاسيكي الغربي بالقديم العربي(2).
لذلك سيكون من المفيد التأكيد على التعامل مع المبادئ العامة والتحليلات التطبيقية الملموسة وغض الطرف عن الظرفية التاريخية الخاصة بجمالية التلقي الألمانية والخلفيات الفلسفية التي تحكم فرعا منها دون آخر. فبدون هذا الإجراء قد يعد من التقول الحديث عن جمالية للتلقي في البلاغة القديمة. بل قد يتعذر أيضا الحديث عن جمالية حديثة موحدة. فمما ينبغي الاعتبار به، في هذا السياق اقتناع دارسين محدثين مطلعين بأن التوجهات الحالية في جمالية التلقي لا تقبل الانضواء تحت اسم واحد، موحد ومشترك إلا بغض النظر عن بعض المفاهيم الأساسية التي يفترض أنها مشتركة بينها.

anfasse02044توطئة:   
    كان الشرق الإسلامي يمثل مركز العلم والثقافة داخل مملكة الإسلام(1)، وكان المشارقة يعتبرون الشرق "جزيرة كان أو جزيرة العرب، قصبة المملكة والكون"(2)، وهو أيضا سرير الملك، ومهبط الوحي، وبه مشاعر الإسلام ومقدساته، وليس في الغرب ما يدعو إلى الاحتفاء به أو الارتحال إليه. والمشارقة أيضا مولعون بالمشرق، يتجلى ذلك في كثرة ارتحالهم إليه؛ خاصة رحلاتهم إلى الهند والصين، وكثرة التصانيف المؤلَّفة في ذلك؛ خاصة مؤلفات الأدب الجغرافي العربي، إذ أصبحت الكتابة عن عجائب الهند والصين ميزة ذلك العصر في القرون الأولى لمملكة الإسلام.
    وينطوي هذا الاتجاه إلى الشرق(3) من قبل المشارقة على تجاهلٍ للغرب أو تعالٍ عليه، إن لم نقل احتقار له؛ ذلك أن مؤلفي الأدب الجغرافي العربي من المشارقة كانوا يشبِّهون العالم-سواء الإسلامي أو العالم بأسره-بالثوب أحيانا وبالطير أحيانا أخرى، وفي كلتا الـحالتيـن كان الـمغرب يـمثل أحقر جزء فيه؛ "وكما يأتـي الغرب ليأخذ الثقافة من الـمشرق، كذلك ليس على الخريطة على حد قول الإصطخري، بلا مراعاة سوى (كم الثوب). ويذكر ابن الفقيه صيغة أخرى: (فالذنب من طير العالم كتلة المغرب)، ثم يقول: (شر ما في الطير الذنب)"(4). ولا يقف الأمر هنا؛ بل يتعداه إلى احتقار وتجاهل كل شيء في المغرب، فلا حديث لدى مؤلفي كتب الأدب الجغرافي المشارقة-إلا فيما ندر-عن بحاره أو أنهاره أو جباله، كأنه خِلْوٌ منها(5)، كما يندر الحديث عن مآثر المغرب العمرانية، وعجائب بنيانه، كأنه لا مدن فيه ولا عمران(6)، ناهيك عن احتقار أدبه وأدبائه وشعره وشعرائه.  
    إن هذا التمركز الـمشرقي لـم يكن لِيَمُرَّ دون أن يثيـر فـي الـمغاربة مشاعر الـرفض لهذا التعالي، ودون أن يثير فيهم كذلك مشاعر الاعتزاز بوطنهم والافتخار به؛ إذ "إن الشعور بالأناقة (الشعور بالتميز الحضاري)، والشعور بالمنبوذية، شعوران يمثلان بدء الحضارة، وانهيار الحضارة، فالحضارة تبدأ بالشعور بالأناقة أو (بالاهتداء إلى الصراط السوي للخروج من الأزمات الملحة)، بينما الشعور بالمنبوذية شعور باليأس، وانسداد الطرق أمام المشكلات والأزمات"(7)، ولن يجد الـمتصفح لأغلب رحلات المغاربة-وخاصة الأندلسيين(8) منهم-كبير عناء في تلمس ذلك.

anfasse11036تمهيد عن المفهوم الأولي للخيال:
على الرغم من أن الشعراء في الجاهلية وما بعدها، كانوا يعزون مصادر إبداعهم إلى كائنات غير إنسية (جن، شياطين) توحي لهم بالكلام الشعري، فإنهم لم يكونوا ليركزوا على هذه المظاهر وتنظيرها. لم تكن إشاراتهم تلك، سوى محاولة لتفسير غوامض التكوينية الإبداعية الخيالية لديهم بنفس مقاييس الذوق السائد على مستوى بنيات التلقي وتناولية الخطاب الشعري. بل إن ذلك قد يدخل، فقط، في باب "الميتولوجيا الشخصية" للشاعر؛ لم يكن هو ذاته ليحفل بها ويتأملها أكثر من الإشارة إليها عابرا؛ أمام سيادة الوظيفة الاجتماعية والثقافية للشعر ومقتضيات الإنتماء القبلي للشاعر.
لذلك، لم يتبلور التفكير النظري في الخيال بما هو آلية اشتغال للخطاب الشعري. ولم يكن للفظ "الخيال" سوى معناه المعجمي المتداول؛ والذي يدل على توهم شيء غير موجود أصلا. أما الشعر، فإن له وضعه المعرفي المتميز ولم يكن ممكنا ربطه بالخيال كوهم لأن الشعر كان "علم قوم لم يكن لهم علم غيره" كما يتواتر عن عمر بن الخطاب.
مقابل الإنصراف عن الاهتمام بالجانب التخيلي الذي يحيل مباشرة على إنتاج خطاب ما وراء إبداعي؛ أي ميتافيزيقا للخطاب الشعري، انصب التركيز في المراحل الأولى للشعرية العربية القديمة، على المعطى المادي والحسي والمعيش للنص الشعري؛ أي صنعته وبناءه ودرجة تأثيره في المتلقي وكذا قدرته على تبليغ رسالته ضمن الشروط المتحكمة في المجال الذهني والثقافي للإنسان العربي، ذي البناء القبلي أساسا.
ونجد استعمال كلمة "خيال" في بعض نصوص الشعراء الجاهليين، بمعنى الشيء المدرك في غيابه وخاصة في المقاطع الغزلية حيث يشير إلى "طيف" المحبوبة يقول طرفة بن العبد(1):
فقل لخيال الحنظلية ينقلــــب إليها، فإني واصل حبل من وصل
سما لك من سلمى خيلا ودونها سواد كثيب، عرضه فامايلـــــــه

anfasse11034مدخل:
      يكاد يجمع الباحثون على أنّه لا وجود لشعر مكتوب للأطفال في تراثنا العربي فليس فيه ''ما يمكن أن نسمّيه: أدب أطفال. ويبدو أنّ الصّغار كانوا يتداولون القصص والحكايات الشّعبية التي يتناقلها الكبار، وما (ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة) إلّا حكايات وضعتها مخيّلة القصّاصين لأبناء الشّعب في عهود كان فيها الشّعب قليل المعرفة، يؤمن بوجود الجنّ والعفاريت ويجد متعة في أخبار الكنوز المطمورة والقصور المسحورة، التي تنقله إلى عالم خيالي رحيب ينسيه مرارة الواقع ومتاعب العيش''[1] غير أنّ هذا التّراث يحتوي على ما سمّي ''بشعر ترقيص الأطفال، وهو ليس مكتوبا من أجل أن ينشده      أو يحفظه الأطفال بل هو شعر مكتوب بإيقاع راقص، يناسب من يرقِّص الطّفل، فيعبّر عن عاطفته من ناحية، ويؤثّر في الطّفل بالصّوت والحركة المرافقة للغناء''[2] حيثّ صُبّ هذا النّوع الشعري في قالب الرّجز، وتشكّلت نواته شفويا على ألسنة الجدّات والأمّهات  في الأدب الشّعبي، فكان له ''دوره الحيوي في تكوين الشّعور الوجداني للطّفل. إذ إنّ تأصيل العلاقة المميّزة بين الأدب والطّفل تقوم على مدى قدرة الفنون الأدبية     في التأثير على الطّفولة كوسيلة وغاية''[3] لذلك جاءت أدبيات الطّفل المتناثرة في كتب التّراث العربي أجل تحقيق الوظائف التربوية والجمالية واللّغوية لهذا اللون الشّعري.     وقد تفطّن القدامى إلى أنّ الطّفل يجد راحته مع الأناشيد والأغاني الخفيفة، فيطرب ويهتزّ مع وقع صوت الجدّة أو الأم وهي تلقي تلك المقطوعات الخفيفة.
 

anfasse24028" إن معرفة الأدب ليست غاية لذاتها ، و إنما هي إحدى السبل الأكيدة التي تقود إلى اكتمال الإنسان . و الطريق الذي يسلكه اليوم التعليم الادبي الذي يدير ظهره لهذا الأفق ، يجازف بأن يسوقنا نحو طريق مسدود " :  تزفيتان تودوروف ( 1.3.1939 / 7.2.2017 )

ما فتئ المؤلف النقدي “الأدب في خطر ” للكاتب الفرنسي” تزفيتان تودوروف “يثير اهتماما ملحوظا وملفتا، لدى المشتغلين في المجال الأدبي والمعرفي على وجه العموم، وذلك لما استعرضه من قضايا محورية ذات الصلة بالشأن الثقافي والبيداغوجي، وللنظرة المتجددة التي حملها كاتب طالما أغنى المكتبة الأدبية العالمية بدراسات نقدية بالغة الأهمية، اتخذت من البنيوية والمقاربة الشكلانية منطلقا لمساءلة منطوق النص الإبداعي، واستجلاء محدداته الأدبية المخصوصة. وعلى الرغم من صغر حجم المؤلف قيد المعاينة “الأدب في خطر” الصادر سنة 2007 عن دار فلاماريون، إلا أنه أحدث رجة غير منتظرة في ميدان الإبداع والنقد الأدبيين، أعادت الاعتبار من جديد للقول الأدبي المسكون بهاجس البحث والسؤال عن الإنسان في الأدب بحصر المعنى!

1-  ماهية الأدب و ... رسالته :
ومهما تنوعت تعريفات الأدب عبر مختلف العصور والثقافات الإنسانية المتنوعة ، يظل في المحصلة الأخيرة ذلك التعبير اللغوي الجمالي عن جوهر الإنسان وتطلعاته وأحلامه وحقيقته الأزلية ، إنه بوتقة تنصهر فيها مختلف المعارف البشرية الحاملة للقيم المثلى من خير وحق وجمال.. مما يستدعي في أي مقاربة نقدية للنصوص النثرية والشعرية إطارا مرجعيا ومفاهيميا ، يؤلف بين الجديد في عالم الألسنية والمناهج الأدبية الحديثة، وبين الرؤية الإنسانية العميقة، والمدركة للرسالة الأدبية الرفيعة للأدب؛ رسالة البوح بكينونة الإنسان في الزمان والمكان. وما من شك في أن الأعمال الأدبية العظيمة منذ اليونان فد لعبت دورا مفصليا في التمهيد لبناء الحضارات والرقي بالأفراد والمجتمعات.. فكيف يجوز الاقتصار على النظر إلى المنجز الأدبي العظيم داخل “محبس″ شكلاني محكم الانغلاق، وإهمال إيحاءاته اللامتناهية  ومحتوياته الرؤيوية غير المحدودة!؟

anfasse24027مقدمة:
    احتلت الحضارة الإسلامية(*) مكانة مرموقة بين الحضارات العديدة التي عرفتها البشرية، تبوأتها بما أسهمت به على مدى تاريخها الطويل في تطوير الفكر والعلوم والآداب، وكل النشاطات الإنسانية التي أدت إلى تحسين حياة الإنسان. ومثَّل هذا الإسهام نصيبا وافرا وأساسيا في تراث الإنسانية، كان إشعاعه في بيئته العربية الإسلامية، وامتد تأثيره إلى غيرها من البيئات الأخرى(1).
    لم تبلغ هذه الحضارة ما بلغته من المجد إلا بمجيء الإسلام، بمبعث النبي محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) سنة (622م) في قلب الصحراء العربية(2)؛ إذ لم يكن للعرب قبل هذا الحدث ذكر ذو شأن في التاريخ، أو موطئ قدم بين الأمم المتحضرة آنذاك؛ من حيث القوة والنفوذ كالروم والفرس، أو من حيث الفكر والعلوم كاليونان والهنود، بل كانوا بدوًا رُحَّلا، يتتبعون منازل المطر ومنابت الكلأ لرعي مواشيهم وسقايتها. أما أهل القرى منهم كأهل مكة، فكان مَبْلغ مجدهم تجارة يزجونها شمالا إلى الشام، أو جنوبا إلى اليمن، في رحلتَيْ الشتاء والصيف(3) التقليديتين. أما ملوكهم فكانوا أتباعا لأقوى الدول في ذلكم العصر؛ فولاء أهل الحيرة من المناذرة للفرس، وولاء أهل الشام من الغساسنة للروم(4).
     فلما بعث الله محمدًا (صلى الله عليه وسلم) بدين الإسلام، اعتنقه الناس وتـحلَّــــوا بتعاليمه، فبث فـــيهم روحا جديدة، روح الأخوة في الإسلام(5)، التي ترقى فوق أخوة النسب؛ قال الله تعالى:﴿ وَاعْتَصِمُوا بِـحَبْلِ اللهِ جَـمِيعًا وَلَا تَفَرّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُـنْـتُـمْ أَعْـدَاءً فَـأَلَّـفَ بَـيْـنَ قُـلُـوبِـكُـمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْـوَانَـا وَكُـنْـتُـمْ عَـلَى شَـفَـا حُـفْـرَةٍ مِـنَ الـنَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونْ﴾(6).